logo
#

أحدث الأخبار مع #«تعفنالدماغ

الذكاء الاصطناعي والتعليم: من القلق إلى الألق
الذكاء الاصطناعي والتعليم: من القلق إلى الألق

الجريدة

time٠١-٠٤-٢٠٢٥

  • علوم
  • الجريدة

الذكاء الاصطناعي والتعليم: من القلق إلى الألق

يشهد التاريخ البعيد والقريب أنه كلما ظهر ابتكار جديد تباينت ردود أفعال البشر بين الحذر والترحيب، فحين ظهرت الآلة الحاسبة مثلاً، ساد الاعتقاد بأنها ستعطل القدرات الذهنية للإنسان، مما أثار قلقاً واسعاً بشأن مستقبل التعليم والمهارات الحسابية لدى الطلاب والبشر بشكل عام. لكن الواقع أثبت عكس ذلك، فقد ساعدت هذه الأداة في تسهيل العمليات الحسابية الروتينية، مما سمح للعقل البشري بالتركيز على حل المشكلات المعقدة الأخرى، والتفكير الإبداعي في كل المجالات. يتكرر المشهد اليوم مع ظهور وانتشار الذكاء الاصطناعي، خصوصاً في المجال التعليمي الذي ساد فيه برامج كتابة البحوث وتحليل البيانات والتعلم التكيفي والترجمة، وغيرها من التطبيقات والمواقع المبهرة... وهنا بدأت التساؤلات المستحقة تتكرر لدى المعلمين وأولياء الأمور ولدى المعنيين بالعملية التعليمية: فهل سيقضي هذا الابتكار على القدرات العقلية للطلاب ويجعلهم معتمدين كلياً على هذه الأدوات، مما يؤدي إلى تراجع قدراتهم في التفكير النقدي والبحث الذاتي، أم سيمنحهم فرصة لتطوير مهارات جديدة أكثر عمقاً وابتكاراً؟ إضافة إلى هذه المخاوف، انبرت الخشية من وجود تباين فيما يسمى «العدالة الرقمية» المتصلّة بحق الوصول إلى التقنية، إذ ليست كل المدارس والجامعات على نفس المستوى من حيث الإرادة والإمكانات لتوفير هذه الأدوات لجميع الطلاب وتمكينهم من استخدامها، مما قد يؤدي إلى فجوة تعليمية بين الطلاب المنتمين إلى فئات اجتماعية مختلفة، وينعكس سلباً على عدالة القدرة على تطوير مهارات البحث والإبداع والتفاعل مع متطلبات سوق العمل. ورغم المخاوف المستحقة، والتي ليس أقلها وصول البشر والشباب تحديداً إلى نوع من «العفن الدماغي»، الأمر الذي سلطت عليه الضوء في مقال سابق نشر بتاريخ 30 ديسمبر من العام الفائت بعنوان «تعفن الدماغ... كلمة عام 2024»، لابد من الاستسلام والتكيّف مع حقيقة أن الذكاء الاصطناعي يقدم فرصاً هائلة لتحسين جودة التعليم وتطوير العملية التعليمية على مستويات متعددة، وبطرق مختلفة، نذكر منها: - تحسين كفاءة المعلمين، من خلال تسهيل أداء المهام الروتينية والإدارية المملة التي يقوم بها المعلّمون مثل إدخال درجات الامتحانات، وتحليل الأداء الأكاديمي، وكتابة التقارير، مما يتيح للهيئة التعليمية وقتا أكبر للتركيز على تطوير المناهج والتفاعل مع الطلاب. - التعليم المخصّص (Personalized Learning)، اذ يتمتع الذكاء الآلي بقدرة على تحليل أداء الطلاب وتحديد نقاط القوة والضعف لكل طالب على حدة، وهنا يمكن للأنظمة التكيفية تقديم محتوى تعليمي يتناسب مع إيقاع تعلم الطالب، مما يساعد على تعزيز قدراته بشكل أفضل. - تعزيز مهارات التفكير الإبداعي، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يفتح آفاقاً واسعة للطلاب في مجالات متعددة داخل البيئة التعليمية، حيث من الخطأ والمعيب اقتصار دوره على البحث عن المعلومات فحسب، والمساعدة في حلّ الواجبات المنزلية واعداد المشاريع الأكاديمية والتطبيقية، بل أصبح شريكا في الإبداع والابتكار. فعلى سبيل المثال، يمكن للطلاب في مجالات العلوم والرياضيات استخدام التقنيات الذكية لتحليل كميات هائلة من المعلومات والمعطيات البيانية والتجريبية بسرعة ودقة تفوق القدرات البشرية، مما يساعدهم في الكشف عن أنماط معقدة وصياغة فرضيات جديدة لم تكن لتتبلور بالطرق التقليدية. وفي مجالات العلوم الإنسانية والكتابة الإبداعية، يتيح الذكاء الاصطناعي أدوات تفاعلية تساعد الطلاب على صياغة النصوص وتحريرها، مع تقديم اقتراحات لتحسين الأسلوب وتعزيز الحبكة السردية. - تهيئة الطلاب لسوق العمل: يعتمد سوق العمل في المستقبل بشكل كبير على مهارات التعامل مع الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات، ولاشك في أن إدماج هذه الأدوات في التعليم يمنح الطلاب فرصة مبكرة للتعرف على التكنولوجيا المستخدمة في بيئات العمل الحديثة. فعلى سبيل المثال يمكن للطلاب في مجالات التصميم والهندسة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في توليد تصاميم معمارية أو نماذج أولية مبتكرة، مع محاكاة آليات العمل واختبار الكفاءة الافتراضية قبل التنفيذ الفعلي. *** وتبقى المهمّة الرئيسية لدى جميع المعنيين هي البحث عن كيفية التفاعل الإيجابي مع الذكاء الاصطناعي في التعليم والاستفادة منه دون الإضرار بالمهارات التقليدية؟ الإجابة عن هذا الأمر لن تكون بالطبع سهلة، إذ لابد من اتباع منهج متوازن يجمع بين صلابة الآلة وتسارع التقنيات من جهة، وهشاشة التركيبة الإنسانية بشقيها الفكري والوجداني، من جهة أخرى، وهنا تنبري بعض الأفكار ذات الصلة: - على المعلمين أن يسلمّوا بإيجابية لفكرة استخدام الطلاب أدوات التكنولوجيا الحديثة، مما يدفعهم الى تشجيع العمل المشترك والتيقن من مساهمة الذكاء الاصطناعي في زيادة المدارك والمعارف والمقدرات لدى الطلاب، مع التركيز على قدرتهم على تحليل الإجابات وتقييم مصداقيتها. - وهنا يأتي المجال ثانياً لدمج التكنولوجيا مع الإبداع من خلال تصميم مشاريع تعليمية تستخدم الذكاء الاصطناعي كأداة مساعدة بدلاً من أن تكون الوسيلة الوحيدة للإنجاز. على سبيل المثال، يمكن تكليف طلاب كلية الحقوق بإعداد أبحاث قانونية حول قضايا معاصرة، مثل الجرائم الإلكترونية أو الذكاء الاصطناعي والمسؤولية المدنية، مع استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي في تحليل السوابق القضائية والتشريعات ذات الصلة. - وفي جميع الأحوال، ينبغي تعليم الطلاب على كيفية استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل أخلاقي، مع احترام حقوق الملكية الفكرية وتجنب الغش الأكاديمي. *** كما حدث مع الآلة الحاسبة والإنترنت وجميع الابتكارات التي سبقت، سيثبت الذكاء الاصطناعي بمرور الوقت أنه ليس عدواً للتعليم، بل حليفاً يمكنه تعزيز قدرات الطلاب، وتمكينهم من مواجهة تحديات المستقبل. المفتاح يكمن في كيفية استخدامنا لهذه التكنولوجيا دون أن لها بأن تحل محل عقولنا، بل بجعلها وسيلة لتوسيع آفاقنا ومعارفنا وزيادة إبداعنا وتحسين طرائق تفكيرنا. * كاتب ومستشار قانوني

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store