أحدث الأخبار مع #«خانالخليلي»


الوطن
١٨-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- الوطن
الذاكرة المستعارة في شارع الأعشى
نلحظ في مسلسل «شارع الأعشى» وكما أشرنا في المقالة السابقة، لمسات أدب نجيب محفوظ القائم على «الحارة الشعبية» ومحاكاة لبعض مشاهد الأفلام المستوحاة من رواياته. نجيب محفوظ أسس أدب «الحارة الشعبية» وجعل كثيرا من الأعمال الدرامية الرمضانية أسيرة حارته الشعبية. وفي مسلسل «شارع الأعشى» كان التأثير طاغيا لدرجة صارت الثقافة المصرية تتداخل مع الثقافة السعودية وتطغى عليها أحيانا، فأصبحت مشاهد المسلسل هجينا ثقافيا ابتعد بعضها كليا عن صورة المجتمع السعودي، خاصة فيما يتعلق بغراميات السطوح والبلكونات البعيدة نسبيا عن ثقافة المجتمع السعودي. وكما أشرنا في المقالة السابقة فتنظيم العمارات السكنية في الحارة المصرية يسمح بالتواصل البصري وتبادل الأحاديث اليومية بين الجيران خلال البلكونات والسطوح، بعكس تنظيم العمارات السكنية في المجتمع السعودي التي تتمتع باستقلال شبه كلي بين الوحدات السكنية يعزل الجيران بعضهم عن بعض. وفي رواية «خان الخليلي» لنجيب محفوظ كان المشهد الرئيس للرواية هو تبادل نظرات الغرام بين بطل الرواية «أحمد أفندي» وجارته الجميلة «نوال» عبر الشرفات المتقاربة، ما سمح بنشوء علاقة عاطفية من طرف واحد. فقد كانت نوال تبادل مشاعر الحب مع رشدي الأخ الأصغر لأحمد أفندي، وكلها علاقات عاطفية نشأت من خلال البلكونة. ماذا عن شخصيات المسلسل، هل نجحت فعليًا في تجسيد حياة المجتمع بكل طوائفه وتياراته؟ كل قصة يجب أن تقع في زمان ومكان محددين، ولأن أحداث المسلسل تجري في حقبة السبعينيات أو الثمانينيات الميلادية، فمن الضروري الإلمام بأنثروبولوجيا المجتمع الثقافية، فالجانب الأنثروبولوجي كالعادات والتقاليد وطقوس الزواج ستكون خلفية ثقافية للمسلسل، ولكن الجانب الأنثروبولوجي في مسلسل «شارع الأعشى» طغى بشكل واضح على الشخصيات والأحداث الدرامية، فانقلب العمل كله في خدمة الجانب الأنثروبولوجي ومحاولة إبرازه، وغابت الدراما والحبكة القصصية وتسارع الأحداث مقابل التركيز على طقوس الزواج والطرب والأزياء الشعبية والأثاث المنزلي القديم، وكأننا أمام عمل وثائقي يصور حياة أهل الرياض في حقبة السبعينيات أو الجانب المادي فيها إذا أردنا تحري الدقة. تركيز القائمين بالعمل على خدمة المظاهر الثقافية انعكس على شخصيات المسلسل التي افتقرت للعمق وطغت عليها السطحية، يلاحظ ذلك في ضعف واضح للجانب اللغوي، والعجز عن محاكاة لهجة أهل الرياض القديمة بالشكل الصحيح. فإذا كنا قد شاهدنا جهاز الهاتف القديم والتلفاز القديم والسيارة القديمة والبيت القديم وكل الأدوات المادية القديمة، فإن الإنسان كان غائبا بشكل كلي، وكل العلاقات الإنسانية في المسلسل كانت سطحية رغم المبالغة في تصوير المشاعر الحسية والعواطف الدفينة. فكل أبطال المسلسل كانوا مجرد أدوات طيعة كُرست في خدمة الجانب الثقافي والأنثروبولوجي، بمعنى أن الجانب المادي كان هو الأساس، بينما غاب الإنسان -إنسان حقبة السبعينيات- أو أصبح مجرد أداة تابعة ومساعدة وثانوية لتحقيق أهداف الجانب الأنثروبولوجي. يكرر مسلسل «شارع الأعشى» الأخطاء نفسها، التي وقع فيها مسلسل «العاصوف»، وكلاهما يستلهم حارة نجيب محفوظ، ويحاول توطينها أو سعودتها، ويصنع هجينا ثقافيا تتداخل فيه أكثر من ثقافة، فأثر نجيب محفوظ ما زال طاغيا ومهيمنا على العمل الروائي العربي وموجود في غالب المسلسلات الرمضانية بشكل تتيسر ملاحظته لكل من قرأ أعماله الروائية وشاهد الأفلام القديمة المستوحاة من أحداث وشخصيات رواياته.


البيان
١٦-٠٣-٢٠٢٥
- ترفيه
- البيان
رمضان في عيون الكتب العربية.. من التراث إلى المعاصرة
شهر رمضان الكريم ليس مجرد موسم للصيام والعبادة، بل هو حالة ثقافية وفكرية ألهمت الكُتاب والمفكرين عبر العصور، فحضر في الكتب القديمة والحديثة، سواء في النصوص الأدبية أو الدراسات العلمية والاجتماعية، مما جعله موضوعاً حرياً بالتأمل والتحليل. رمضان في كتب التراث العربي في الكتب العربية القديمة، تناول المؤرخون والفقهاء شهر رمضان من جوانب متعددة، فكتب الجاحظ في «البخلاء» عن عادات الصائمين، وكيف يفسر البعض الصوم بأسلوب ساخر. أما ابن خلدون في «المقدمة»، فتحدث عن تأثير الصيام على النفس والمجتمع، وارتباطه بأنماط الحياة الاقتصادية والاجتماعية. وقدم أبو حامد الغزالي في «إحياء علوم الدين» رؤية روحانية متكاملة للصوم، معتبراً إياه مدرسة للتربية الأخلاقية. حضر رمضان في الروايات والشعر، حيث صوره نجيب محفوظ في أعماله مثل «خان الخليلي» و«زقاق المدق»، حيث أضفى على أجواء القاهرة الرمضانية طابعاً حميمياً يمزج بين العبادة والاحتفالات الشعبية. أما توفيق الحكيم، فناقش في كتاباته كيف يعكس رمضان طبيعة المجتمع وتغيراته. وفي الشعر، أبدع أحمد شوقي ومحمود درويش في وصف روحانية الشهر وتغير ملامح المدن العربية خلاله. لم يقتصر الحديث عن رمضان على الأدب العربي، بل تناوله أيضاً مستشرقون وكُتاب عالميون مثل إدوارد لين في كتابه «المصريون المحدثون»، حيث وصف أجواء رمضان في مصر في القرن التاسع عشر، ودهشته من التغير الكامل في نمط الحياة. كما كتب غوستاف لوبون عن تأثير رمضان على المجتمعات الإسلامية، واعتبره عاملاً قوياً في ترسيخ التقاليد والقيم الاجتماعية. رمضان بين العلم والمجتمع لم يكن رمضان حاضراً فقط في الأدب، بل في العلوم أيضاً، حيث اهتم علماء التغذية والطب بتأثير الصيام على الجسم، وناقش ابن سينا في «القانون في الطب» الفوائد الصحية للصوم، بينما تناول علماء العصر الحديث تأثيره الإيجابي على التمثيل الغذائي والصحة العامة. رمضان.. شهر يتجدد في الكتابة والفكر من كتب التراث إلى الدراسات الحديثة، يظل رمضان حاضراً في الفكر الإنساني كحالة روحانية واجتماعية تتجاوز حدود الزمن، ما يجعله موضوعاً ثرياً يستحق المزيد من البحث والتأمل.