أحدث الأخبار مع #«دارالشروق»،


بوابة الأهرام
٢٠-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- بوابة الأهرام
هنا «أتيليه القاهرة».. قصة مقهى تحول لجمهورية ثقافية تعيد تشكيل الوعي والهوية
محمد سباق وسط صخب القاهرة ومقاهيها العريقة، يبرز اسم "أتيليه القاهرة"، إنه ليس مجرد مقهى ثقافي في وسط البلد، بل "مؤسسة مستقلة للوعي" ترسم منذ أكثر من سبعين عامًا ملامح المشهد الثقافي المصري والعربي، وتنقش في ذاكرة المثقفين ملامح جمهوريتهم الخاصة؛ حيث لا سُلطة إلا للكلمة، ولا نفوذ إلا للفكرة. موضوعات مقترحة منارة «محمد ناجي».. الميلاد الأول في عام 1953م، كان الفنان التشكيلي محمد ناجي يرى ما لا يُرى، أن مصر بحاجة إلى فضاء يضم مثقفيها لا على طاولات القهوة فحسب، بل على طاولة التاريخ، هكذا وُلد «أتيليه القاهرة للفنانين والكتّاب»، لا كمجرد مقرّ لنخبة إبداعية، بل كمساحة حرة تتكامل فيها الفنون والآداب. وما لبث الأتيليه أن تجاوز صورته التشكيلية الأولى، ليتحول إلى بوتقة انصهرت فيها جميع أشكال التعبير الإنساني، من الرسم إلى الرواية، من القصيدة إلى المقال، ومن ندوة الخميس إلى حراك اجتماعي صاخب أعاد تعريف العلاقة بين الثقافة والسلطة. أتيليه القاهرة قهوة ليست كباقي المقاهي في قلب هذا الكيان، ينبض «أكبر مقهى ثقافي في مصر»، لكنه ليس ككل مقاهي القاهرة التي يتقاطع فيها المارة مع المثقفين. هنا، لا يدخل إلا من ينتمي إلى هذا الفضاء فكريًا أو روحيًا أو إبداعيًا، فلا عجب أن تُصبح طاولاته شاهدة على ميلاد تيارات ثقافية وسياسية مختلفة، أو ربما مسودات روايات غيرت وجه الأدب العربي. موقع الأتيليه الجغرافي على بعد خطوات من ميدان طلعت حرب، جعله مركز إشعاع داخل دائرة تتنفس ثقافة «زهرة البستان»، «ريش»، «الجريون»، «مدبولي»، «دار الشروق»، إلى جوار مقرات أحزاب المعارضة، كلها مراكز تمارس تفاعلاً دائمًا مع الأتيليه، كأن القاهرة قررت أن تمنح هذا الركن نبضًا لا يخفت. أتيليه القاهرة الستينيات والتأسيس الثاني شهدت الستينات لحظة الانفجار الثقافي للأتيليه، حيث لم يعد مجرد مقر، بل «مسرحًا لتيارات متعارضة» تتفاعل وتتصارع وتبتكر، ففي هذه الحقبة، امتزج السياسي بالثقافي، وارتبطت الندوات بأحداث الشارع، وتحولت المناقشات إلى وثائق موقف وطني، وبصفته كيانًا أهليًا غير خاضع للمؤسسة الرسمية، صار الأتيليه مأوى لحركات الرفض، ومنبرًا للدفاع عن الإبداع الحر. أسماء لا تموت.. الحضور الأبدي لأتيليه القاهرة مرّت من هنا أعلام لا يُمحى أثرها: طه حسين، يوسف إدريس، لويس عوض، أنجي أفلاطون، جاذبية سري، عزالدين نجيب، محمود أمين العالم، وغيرهم كثير. واليوم، يواصل جيل جديد من المثقفين والكتاب والفنانين المسيرة، ليبقى الأتيليه امتدادًا حيًّا لذاكرة ثقافية عصية على المحو. الانتخابات الأخيرة لأتيليه القاهرة أتيليه القاهرة وتجديد الروح بوجوه جديدة 2025 ومؤخرًا، وفي مشهد انتخابي ناضج، أعلن الدكتور محمد إسحق، عميد كلية التربية الفنية الأسبق، نتائج انتخابات مجلس إدارة الأتيليه لعام 2025، والتي جاءت لتعيد ضخّ الدماء في الجسد الثقافي: الفنانون التشكيليون: فاز بالرئاسة الفنان الكبير «أحمد الجنايني»، إلى جانب كل من حسام ربيع، د. إيمان أنيس، محمود مختار، ود. علاء الطيب. الكتّاب: فاز الأدباء الكبار حزين عمر، إبراهيم السخاوي، نجلاء أحمد، وعزة رياض. ولم يكن اللافت هو الأسماء بقدر ما كان المشهد: مرشحون لم ينجحوا، لكنهم صافحوا زملاءهم الفائزين بأريحية نادرة، وكأن الجميع يدرك أن الانتصار الحقيقي ليس في المقعد بل في استمرار هذه المنارة. الأتيليه.. الذاكرة التي تتجدّد ما يجعل «أتيليه القاهرة» فريدًا ليس فقط تاريخه، بل قابليته للتجدّد دون أن يفقد جوهره. هو الحيّز الذي يذيب الفوارق بين المثقف والفنان والسياسي، ويجعل من الحوار أداة لبناء وطن أكثر عدلاً وحرية. إنه ليس مقهى، بل جمهورية رمزية، حيث كل فنجان قهوة قد يُفضي إلى فكرة تغير مجرى الثقافة.

مصرس
١٤-٠٢-٢٠٢٥
- ترفيه
- مصرس
د. عمار علي حسن يكتب: نوبل في النشر.. جائزة دولية لإبراهيم المعلم
حين اتصلت بالمهندس إبراهيم المعلم، صاحب «دار الشروق»، لتهنئته إثر فوزه بجائزة الاتحاد الدولى للناشرين «IPA Champion Award» التى تعد أرفع الجوائز فى مجال النشر على مستوى العالم، وصف لى الجائزة بأنها «نوبل» فى مجال النشر، ما يعنى أنها الأرفع عالميًا، كما هى حال نوبل فى الآداب والاقتصاد والكيمياء والفيزياء والطب والسلام، وقد أقر كُتاب وناشرون وصف «المعلم» لجائرته، تقديرًا لرفعتها وأهميتها وحاجة النشر العربى إليها فى الوقت الراهن. أثلجت هذه الجائزة صدر الناشرين وأهل الكتابة، ممن يدركون أن وجود مؤسسات متمكنة فى الطباعة والنشر والتوزيع ببلادنا هو، دون شك، يساعد ما يكتبونه على الوصول إلى القارئ فى كل مكان بالعالم العربى، وإلى العرب فى المهجر أيضًا، ويعزز حضور مصر فى الثقافة العربية والعالمية، بما يليق بقيمتها وقامتها.وكم فرح الجميع أيضًا لفوز الناشر أحمد رشاد من الدار المصرية اللبنانية بمقعد فى اللجنة التنفيذية للاتحاد الدولى للناشرين بثانى أعلى الأصوات، فى انتخابات جرت مؤخرًا على خمسة مقاعد ليكون ثالث ناشر عربى يفوز بهذا المقعد منذ تأسيس الاتحاد عام 1896م.يعطى هذان الحدثان بادرة أمل فى تعزيز صناعة النشر فى مصر، بوصفها من الصناعات الثقيلة، تشكل رافدًا أصيلًا من الصناعات الإبداعية التى أصبحت أهم للولايات المتحدة الأمريكية نفسها من صناعة السلاح، لأنها تُدر ربحًا أكثر، وتحقق الهدف القومى أو تخدم التصور الاستراتيجى الأمريكى دون عنت ولا عناء.لقد انتبه غيرنا فى الإقليم إلى هذا فوجدنا دور النشر الكبرى فى مصر تتلقى عروضًا من قبل بلدان عربية لنقل نشاطها إلى هناك، وهذا والله لو حدث لفقدت مصر واحدًا من أبقى أدوارها، وأعز سماتها، وأوضح قسماتها، وأحد المسارات المهمة التى بقيت لها رغم هجوم عوامل تعرية على دورها هذا من كل اتجاه.وما أسعدنى أن أصحاب دور النشر الكبرى فى بلادى رفضوا أن ينقلوا مقراتهم الأساسية إلى الخارج، وتمسكوا بالبقاء فى القاهرة، رغم الصعوبات التى تواجههم، وأقلها ارتفاع أسعار الورق، بل عدم توفره أحيانًا.حالة النشر فى العالم العربى عمومًا، تواجه صعوبات جمة، وهذه خلاصة انتهيت إليها بعد قراءة عدد من التقارير السنوية التى يعدها د. خالد عزب، وتصدر عن اتحاد الناشرين العرب، فهى فى الغالب الأعم صارت، لاسيما عند واردين جدد على عالم النشر، تجارة ثم تجارة ثم تجارة، وبعدها صناعة، بينما تأتى الرسالة أو مهمة ترسيخ المعرفة والوعى والذوق والجمال فى الذيل، وقد لا توجد أصلًا.لقد زحفت آليات الرأسمالية المشوهة على النشر، فصار المهم عند أغلب الدور هو حجم المبيعات لا مستوى ما يُطبع ويقدم للقراء. وبدلًا من الارتقاء بذوق القارئ ومستوى تفكيره، يحدث العكس تمامًا، إذ جرى تقبل واستمراء كل ما يدر ربحًا أعلى، حتى لو كان يهبط بالوعى والذوق إلى أسفل سافلين.وزادت هذه الظاهرة مع ظهور دور نشر صغيرة وعابرة تطبع لمن يدفع وتعطيه اسمها، دون تدقيق فى عمق أو صدق أو صواب أو سلامة أو ملكية ما يُقدم، وبذا صار بوسع أى شخص يمتلك مالًا أن ينشر كتبًا، حتى لو كان الموضوع متهافتًا، والصياغة مهترئة، والفكرة أكل الدهر عليها وشرب.وما يزيد الطين بلة أن أغلب دور النشر الصغرى لا تدفع لمصححين لغويين، ولا لمحررين، ولا للجان للقراءة والحكم على صلاحية العمل للنشر من عدمه، ومن ثم يُفتح الباب على مصراعيه لسيل من الكتابات التى أغرفت السوق، وتقود بالتتابع إلى الحط من شأن الكتب والكتابة والكتاب أنفسهم، حين تضيف إلى صفوفهم ما لا يمكن أن يكون منهم، لو أن هناك مصفاة تمرر الجيد من الكتابة، وتحجب الردىء.ثم يأتى التلاعب فى تزييف عدد الطبعات بما يعطى إيحاء خاطئًا لسوق القراءة، فيقبل الناس على التافه والسطحى أو غير الناضج، وأحيانًا غير المفيد وفاقد القدرة على الإمتاع والإضافة، بدعوى أنه من الأكثر مبيعًا.ليس معنى هذا أن الساحة تخلو من دور نشر صغرى جادة، يؤمن أصحابها، وبعضهم يُحسب على المثقفين، بأنهم معنيون بالارتقاء بقيم الحرية والجمال والعدل والتجدد، وأن الكتاب، ومهما نافسته وسائل أخرى، يظل الطريق الأوسع والأرسخ للمعرفة، وأن مصر لا تكف عن رفد الحياة الثقافية بأصحاب أقلام جدد، يجب استيعاب طاقاتهم الإبداعية، وتقديمهم إلى المجتمع.والأدهى والأمر هو قيام مطابع صغرى فى شوارع خلفية وحارات جانبية بتقليد كتب مهمة وناجحة صدرت عن دور نشر كبرى، وطرحها للبيع على فرشات باعة الصحف والكتب بثلث الثمن أو ربعه، ولو استمرت هذا واستفحل لأثر سلبًا على وضع دور النشر الحقيقية، وربما أضعف بعضها إلى حد طردها من السوق، وإجبارها على الإغلاق.أتذكر أننى تحدثت مع أحد هؤلاء فى شارع النبى دانيال بالإسكندرية حين رأيت رواياتى مطروحة للبيع على فرشته بأسعار تبلغ ثلث سعرها فى الدار المصرية اللبنانية والشروق وغيرهما، بالغلاف نفسه لكن بورق أقل جودة، عن خطر هذا على مستقبل صناعة النشر، وقلت له: الأفضل أن تتفقوا مع دور النشر الأصلية على إصدار طبعات شعبية، فقال لى: موافق. وحين عدت بهذا إلى الأستاذ محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، وصاحب الدار المصرية اللبنانية، قال ضاحكًا: أعيتنا الحيل معهم، وخالفوا كل الاتفاقات، وواصل: بعضهم لا يكتفى بالسوق المصرية، إنما يصدر الكتب المزيفة على أسواق عربية.من ناحية أخرى، أصبح لدينا الآن جيل من القراء تربوا على الثقافة السماعية والمشافهة المبتسرة والجوفاء وغير المؤصلة الراسية على أسس وجذور، والتى تطلقها وسائل التواصل الاجتماعى ليل نهار، وبعض المتفاعلين مع هذا النمط من الثقافة يزحفون سريعًا إلى عالم النشر، سواء ككتاب هواة أو قراء غير مدققين، بل غير مستعدين لتقبل الجيد من النصوص الأدبية والعميق من المعارف العلمية.لكل هذا نستقبل احتفاء العالم بناشر مصرى كبير مثل المهندس إبراهيم المعلم بتفاؤل حيال قدرة صناعة الكتاب فى مصر على التحقق وبلوغ آفاق عالية وواسعة، نريد لها أن تستمر وتتعزز فى قابل السنوات.