logo
#

أحدث الأخبار مع #«زريابونحن

عودة زرياب
عودة زرياب

الإمارات اليوم

time٠٢-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • الإمارات اليوم

عودة زرياب

في تاريخ الأندلس، قلّة هم الذين يرنّ صدى أسمائهم بنغمة مميزة كأبي الحسن علي بن نافع، المعروف بزریاب (ت. 857م). واليوم أُعيد إحياء إرث زرياب في مشروع موسيقي جريء بعنوان «زرياب ونحن: رؤية جديدة للتراث العربي - الأندلسي». جمع هذا المشروع فنّانين من فرنسا، والمغرب، وإسبانيا تحت سقف نغمي واحد. وبدعم من شبكة «مدينا» المموّلة من الاتحاد الأوروبي، تحوّل هذا اللقاء الفني إلى حياة نابضة، لا من خلال المخطوطات الصامتة، بل عبر الأصوات الحيّة. يقول عنه الإثنوموسيقيّ جوناثان شانون: «زرياب ليس مجرد إنسان - بل هو استعارة يتعرّف الناس من خلالها على جذورهم الثقافية وتراثهم». بالفعل، بالنسبة لهؤلاء الموسيقيين، كان زرياب ملهماً، ففي خلال إقامتهم في كلية بيركلي للموسيقى في فالنسيا، قدموا موسيقاهم التي احتفظوا فيها ببصمات الجاز، والفلامنكو، والمقامات الشرقية، والموسيقى الكلاسيكية الأوروبية. مثل مايسترو يقود الأوركسترا، قادتهم أسطورة زرياب في رحلتهم الإبداعية - رحلةٌ تفاوضوا فيها على الأسلوب، والإيقاع، وقدسية التقاليد، فواجهوا ما سمّاه شانون «عمليات التفاعل» في التعاون بين الثقافات. نشأت توترات - فنية، وسياسية، وشخصية - كالأوتار المشدودة في نغمة فلامنكو حزينة. ومع ذلك، ومن هذه الاحتكاكات، وُلدت روابط جديدة، كما لو أن عود زرياب لايزال يعزَف بأصابعهم. ومن بين المشاركين، كانت المغربية عبير العابد، التي رنّ صوتها بأصداء قصور الأندلس المنسية، وعازف الناي الإسباني سيرخيو دي لوبي، الذي جسّد روح «الدُوِّندا» الأندلسية. وقد تُوِّجت عروضهم بحفل في كاسا آرابه بمدريد، حوّل الأسطورة إلى حوار حيّ. وصفت فيرجينيا بيسانو، العقل المدبّر للمشروع، التجربة بأنها «بوتقة فنية - تختبر حدود التقاليد والهوية». ومثل زرياب نفسه، الذي غيّر عادات البلاط بتقديمه أزياء موسمية وآداب مائدة راقية إلى قرطبة، جلب الفنانون ابتكاراتٍ تجاوزت الموسيقى. وفي هذا الزمن المتشظي، حيث تنكمش الجغرافيا، وتتسع الفجوات، وحيث تُرفع الأسلاك الشائكة بدل الجسور، وتُختزل الهويات في شعارات صاخبة، يأتينا زرياب كنغمةٍ هاربة من عودٍ قديم، تُذكّرنا بأن في لحظةٍ ما من التاريخ، كانت الثقافات تتحاور بلغة الطرب لا الطعن، وبالأوتار لا الأسوار، وبالناي لا بالنار. لقد كان زرياب، في زمانه، صدى حضارةٍ آمنت بأن الجمال شكلٌ من متع العيش، وأن الموسيقى ليست لهواً، بل وسيلة للارتقاء والتقارب. فلعلّه يكون الآن المقام الضائع الذي علينا أن نستعيده لنصوغ به أنشودةً جديدةً، نغنّيها بصوت واحد على اختلاف طبقاتها وإيقاعاتها. * باحث زائر في جامعة هارفارد لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store