أحدث الأخبار مع #«زمزم»


الدستور
٢٧-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الدستور
مسئول أممى: 2 من كل 3 سودانيين فى حاجة إلى مساعدات ودعم إنسانى طارئ (حوار)
كشف دان تينجو، رئيس الاتصالات فى مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية «أوتشا» فى السودان، عن أن أكثر من ٣٠ مليون شخص فى السودان يحتاجون إلى مساعدات ودعم إنسانى عاجل، بواقع ٢ من كل ٣ أشخاص موجودين فى البلد المنكوب الآن. وأكد «تينجو»، فى حواره مع «الدستور»، أن الصراع فى السودان خلق «أكبر أزمة نزوح فى العالم»، بعد نزوح أكثر من ١٢ مليون شخص داخل السودان وعبر حدوده، منذ بداية الأزمة قبل عامين، محذرًا من أن المدنيين ما زالوا يدفعون ثمنًا باهظًا للقتال المستمر، وسط انعدام الأمن، وقيود الوصول والتمويل، التى تعوق بشدة إيصال المساعدات. ■ كيف تنظرون إلى الوضع الإنسانى الراهن فى السودان، خاصة فى مدينة «الفاشر»؟ - الوضع الإنسانى الراهن فى السودان مُزرٍ للغاية، مع تزايد نطاق الاحتياجات وخطورتها يومًا بعد يوم. ملايين الأشخاص مُعرّضون للخطر فى جميع أنحاء البلاد، خاصةً فى «الفاشر»، عاصمة ولاية «شمال دارفور»، ومخيم «زمزم» القريب للنازحين، ومناطق أخرى تعانى من المجاعة. فى جميع أنحاء السودان، يحتاج أكثر من ٣٠ مليون شخص، أى ما يُعادل ٢ من كل ٣ أشخاص، إلى مساعدات ودعم إنسانى عاجل. لقد خلق هذا الصراع أكبر أزمة نزوح فى العالم، فمنذ بدايته قبل عامين، نزح أكثر من ١٢ مليون شخص داخل السودان وعبر حدوده. يدفع المدنيون ثمنًا باهظًا للقتال المستمر. انعدام الأمن، وقيود الوصول والتمويل، تعوق بشدة قدرتنا على الاستجابة. على الرغم من هذه التحديات، نبذل قصارى جهدنا لإيصال المساعدات، أينما سمح لنا الوصول. ■ ما أهم العقبات التى تحول دون دخول المساعدات الإنسانية إلى السودان؟ - انعدام الأمن الناجم عن الصراع الدائر، والقيود المفروضة على الوصول من قبل أطراف النزاع، وتخفيضات التمويل والقيود المفروضة عليه، هى التحديات الرئيسية التى تعوق قدرتنا على إيصال المساعدات الإنسانية إلى من هم فى أمسّ الحاجة إليها. لذا نواصل الدعوة إلى توفير وصول إنسانى آمن إلى المجتمعات الضعيفة، والوقف الفورى للأعمال العدائية، واحترام القانون الإنسانى الدولى، الذى ينص على ضرورة تسهيل جميع الأطراف لإيصال المساعدات الإنسانية. ■ إلى أى مدى تدهور الأمن الغذائى فى السودان؟ - يعانى حوالى ٢٥ مليون شخص، أى ما يعادل نصف عدد سكان السودان، من الجوع الحاد. علاوة على ذلك، يواجه الآلاف بالفعل ظروف المجاعة فى «دارفور» و«كردفان» و«الجزيرة» و«الخرطوم». دون إجراءات فورية ووصول إنسانى آمن، ستنتشر المجاعة، ما يعرض ملايين الأشخاص للخطر. ■ ما آخر التطورات بشأن خطة الاستجابة الإنسانية للسودان؟ - تتطلب خطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام ٢٠٢٥ حوالى ٤.٢ مليار دولار أمريكى، لتقديم مساعدات منقذة للحياة لـ٢١ مليون شخص فى جميع أنحاء البلاد.. مع ذلك، وحتى ٩ أبريل الجارى، لم يتم تسلم سوى ١٠٪ من هذا التمويل، وفقًا لخدمة التتبع المالى. على الرغم من انعدام الأمن وصعوبة الوصول وقيود التمويل، ساعدت الأمم المتحدة وشركاؤها فى المجال الإنسانى أكثر من ١٥ مليون شخص، فى عام ٢٠٢٤، وقدمت الدعم لأكثر من ٥ ملايين شخص هذا العام. ■ ما المطلوب من المجتمع الدولى الآن لوقف ما يحدث فى السودان؟ - نحن بحاجة إلى وقف فورى للأعمال العدائية لمنع المزيد من الخسائر فى الأرواح وتدمير البنية التحتية المدنية، فدون السلام، ستظل الجهود الإنسانية مُقيّدة بشدة. نحن بحاجة إلى وصول إنسانى آمن ودون عوائق إلى ملايين المحتاجين، خاصة فى المناطق المنكوبة بالمجاعة. لكن يجب أن نكون قادرين على فعل ذلك بأمان أولًا. ما نحتاجه أيضًا هو المزيد من التمويل والدعم الدوليين. التمويل يتقلص، بينما تتزايد الاحتياجات الإنسانية. يحرص المجتمع الإنسانى على أن نكون فاعلين وملتزمين بالمبادئ ومبنيين على الاحتياجات، بحيث تصل الأموال إلى حيث تحتاجها. لكن لا يمكننا الاستمرار فى تقديم المزيد بموارد أقل. فى نهاية المطاف، نحن بحاجة إلى السلام. النازحون فى جميع أنحاء السودان يريدون العودة إلى ديارهم، ويريدون العمل، والأطفال يريدون العودة إلى المدارس، لا يريدون أن يكونوا مجرد عبء إنسانى، ولهذا نحتاج إلى السلام. ■ كيف تنظر إلى دور مصر، سواء فى إرسال المساعدات الإنسانية، أو استقبال اللاجئين الفارين من الحرب؟ - يعرب المجتمع الإنسانى عن امتنانه لمصر، شعبًا وحكومةً، على كرمها واستضافتها حوالى ١.٥ مليون لاجئ من السودان، خلال العامين الماضيين تقريبًا، كما نتقدم بالشكر الجزيل لدعم آلاف اللاجئين السودانيين العائدين من مصر إلى ديارهم فى السودان.


التغيير
٢١-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- التغيير
عامان من حرب السودان: لم ينجح أحد
عامان من حرب السودان: لم ينجح أحد فيصل محمد صالح في مايو (أيار) 2023 كتبت مقالاً بهذه الصحيفة، وكان بعنوان: «حرب السودان: من يخسر أكثر؟». وبعد عامين من الحرب لم يتغير الموقف والرؤية للحرب؛ فهي سباق في الخسارة والفقدان. ربما تتراوح الخسائر في الحجم، لكن إجمالاً لم ينجح أحد. لو نظر الإنسان للخسائر البشرية والمادية فلن يجد لها سقفاً؛ آلاف الشباب من أبناء السودان فقدوا أرواحهم في الحرب، من كل أنحاء السودان وجهاته، ومن كل المهن والوظائف، عسكرية كانت أو مدنية، ونزح الملايين من مدنهم وقراهم، ولجأ مئات الآلاف لدول الجوار. دُمّرت البنيات الأساسية؛ مصانع ومساكن، طرق وجسور، مطارات، ومحطات كهرباء ومياه، جامعات ومدارس ومستشفيات… ولا يوجد تقدير دقيق لحجم الخسائر المادية، لكنه بالتأكيد بمليارات الدولارات. أخطر الخسائر حدث في النفوس، متمثلاً في القيم والأخلاق الإنسانية والانقسام الحدي للمجتمع لدرجة لا يمكن تصورها. شهدنا حرباً قدمت أقصى صور البشاعة، حتى صارت الجرائم والانتهاكات الواضحة والظاهرة يتم الالتفاف عليها والبحث عن تبرير لها، بل أكثر من ذلك تُقدم باعتبارها صوراً للبطولة والانتصار. لا يتم استنكار الفعل لأنه منافٍ للقيم الإنسانية والطبيعة البشرية والقانون الدولي الإنساني، بل بوصف من ارتكبه، ويعتمد الأمر على الانتماء العرقي والقبلي والجغرافي. إذا قتلت «قوات الدعم السريع» المدنيين في ود النورة والتكينة والجموعية، تأتي التبريرات من مؤيديهم بأن هذه طبيعة الحرب، وأن المدنيين في دارفور تعرضوا لهذه المعاملة ذاتها من قبل، أو أن هؤلاء المدنيين حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم وأسرهم وممتلكاتهم، وكأن هذه جريمة. وإن قصف سلاح الطيران القرى والأسواق في دارفور يتم التبرير لذلك بأن هذه حواضن اجتماعية لـ«الدعم السريع». وإن تمت تصفية مدنيين في المناطق التي استعادها الجيش، تأتي التبريرات بأن هؤلاء كانوا متعاونين مع «الدعم السريع» حين احتلت قراهم ومناطقهم، ومن بينهم بائعات الأطعمة والشاي. الأقسى من كل ذلك أن يتورط صحافيون وسياسيون وكتّاب في الترويج لهذه الجرائم، ويسموا الطيارين الحربيين «صنّاع الكباب»، في إشارة للجثث المحترقة بعد القصف! في الأسبوع الماضي هاجمت «قوات الدعم السريع» معسكر «زمزم» للنازحين في ضواحي مدينة الفاشر الذي عسكرت القوات المشتركة في بعض أجزائه. وكعادة «قوات الدعم السريع»، لم تفرق بين عسكري ومدني، ولا بين رجل وامرأة وطفل؛ كان الجميع هدفاً للرصاص المنهمر من كل ناحية، والحرائق التي أحالت المساكن المؤقتة إلى خراب. من بين كل الضحايا برزت صورة الطبيبة الشابة هنادي النور التي رفضت الخروج وظلت مع أهالي المدينة، تعالج أمراضهم وجراحاتهم، وتحمل السلاح أحياناً إن دعت الحال. هز موتها القلوب، وكتب عنها الناس ونعوها. بغض النظر عن الموقف السياسي، رأى فيها البعض رمزاً للمقاومة، ورأى البعض الآخر فيها نموذجاً للشباب الغض الذي راح ضحية للحرب، وفيهم من قدم الموقف السياسي قبل كل شيء، ورأى أنها مقاتلة كانت مع الصف الآخر، وبالتالي تستحق الموت! تحاصر «قوات الدعم السريع» مدينة الفاشر منذ فترة طويلة، وتعيش المدينة ومعسكرات النازحين القريبة منها أوضاعاً إنسانية وصفتها المنظمات الدولية بالكارثية، ويقع مئات الآلاف من السكان الذين بقوا فيها في خط تقاطع النيران بين «قوات الدعم السريع» من جهة، والقوات المشتركة لحركات دارفور مع وحدات من الجيش تتمترس داخل المدينة. كانت هناك فرصة أن تبقى المدينة بعيداً عن الحرب أضاعتها الحركات المسلحة التي أعلنت دخولها الحرب بعد فترة من الحياد، ومنذ ذلك الوقت لم ترَ المدينة يوماً واحداً هادئاً. بعد عامين من الحرب لم يربح أحد؛ خسر الجميع، وإن أنكروا ذلك، جهلاً أو مكابرة. خسرنا إنسانيتنا التي أهدرناها في الميدان، حين تمت استباحة دماء وعروض المدنيين على أساس قبلي وجهوي، وحين أمسك مقاتل شاب بلحية شيخ طاعن في السن محاولاً إذلاله، وحين تجمع رجال ونساء وأطفال ليشهدوا تصفية «متعاون» في الشارع العام وسط الزغاريد والتهليل. كما أهدرناها على صفحات «السوشيال ميديا» التي تتقيأ يومياً سموم الكراهية والتحريض القبلي والجهوي، وتوزع نتانتها على الجميع! بعد عامين من الحرب، يقف أكثر من نيرون على قمة ركام وجبال من الخراب والدمار في الخرطوم أو في الفاشر، ليغني للانتصار، وتقف من خلفه أسراب البوم والغربان لتردد أناشيد الموت والدم، وفيهم سياسيون وكتّاب ومثقفون كبار، ويا للأسف!


العربية
١٩-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- العربية
عامان من حرب السودان: لم ينجح أحد
في مايو (أيار) 2023 كتبت مقالاً بهذه الصحيفة، وكان بعنوان: «حرب السودان: من يخسر أكثر؟». وبعد عامين من الحرب لم يتغير الموقف والرؤية للحرب؛ فهي سباق في الخسارة والفقدان. ربما تتراوح الخسائر في الحجم، لكن إجمالاً لم ينجح أحد. لو نظر الإنسان للخسائر البشرية والمادية فلن يجد لها سقفاً؛ آلاف الشباب من أبناء السودان فقدوا أرواحهم في الحرب، من كل أنحاء السودان وجهاته، ومن كل المهن والوظائف، عسكرية كانت أو مدنية، ونزح الملايين من مدنهم وقراهم، ولجأ مئات الآلاف لدول الجوار. دُمّرت البنيات الأساسية؛ مصانع ومساكن، طرق وجسور، مطارات، ومحطات كهرباء ومياه، جامعات ومدارس ومستشفيات... ولا يوجد تقدير دقيق لحجم الخسائر المادية، لكنه بالتأكيد بمليارات الدولارات. أخطر الخسائر حدث في النفوس، متمثلاً في القيم والأخلاق الإنسانية والانقسام الحدي للمجتمع لدرجة لا يمكن تصورها. شهدنا حرباً قدمت أقصى صور البشاعة، حتى صارت الجرائم والانتهاكات الواضحة والظاهرة يتم الالتفاف عليها والبحث عن تبرير لها، بل أكثر من ذلك تُقدم باعتبارها صوراً للبطولة والانتصار. لا يتم استنكار الفعل لأنه منافٍ للقيم الإنسانية والطبيعة البشرية والقانون الدولي الإنساني، بل بوصف من ارتكبه، ويعتمد الأمر على الانتماء العرقي والقبلي والجغرافي. إذا قتلت «قوات الدعم السريع» المدنيين في ود النورة والتكينة والجموعية، تأتي التبريرات من مؤيديهم بأن هذه طبيعة الحرب، وأن المدنيين في دارفور تعرضوا لهذه المعاملة ذاتها من قبل، أو أن هؤلاء المدنيين حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم وأسرهم وممتلكاتهم، وكأن هذه جريمة. وإن قصف سلاح الطيران القرى والأسواق في دارفور يتم التبرير لذلك بأن هذه حواضن اجتماعية لـ«الدعم السريع». وإن تمت تصفية مدنيين في المناطق التي استعادها الجيش، تأتي التبريرات بأن هؤلاء كانوا متعاونين مع «الدعم السريع» حين احتلت قراهم ومناطقهم، ومن بينهم بائعات الأطعمة والشاي. الأقسى من كل ذلك أن يتورط صحافيون وسياسيون وكتّاب في الترويج لهذه الجرائم، ويسموا الطيارين الحربيين «صنّاع الكباب»، في إشارة للجثث المحترقة بعد القصف! في الأسبوع الماضي هاجمت «قوات الدعم السريع» معسكر «زمزم» للنازحين في ضواحي مدينة الفاشر الذي عسكرت القوات المشتركة في بعض أجزائه. وكعادة «قوات الدعم السريع»، لم تفرق بين عسكري ومدني، ولا بين رجل وامرأة وطفل؛ كان الجميع هدفاً للرصاص المنهمر من كل ناحية، والحرائق التي أحالت المساكن المؤقتة إلى خراب. من بين كل الضحايا برزت صورة الطبيبة الشابة هنادي النور التي رفضت الخروج وظلت مع أهالي المدينة، تعالج أمراضهم وجراحاتهم، وتحمل السلاح أحياناً إن دعت الحال. هز موتها القلوب، وكتب عنها الناس ونعوها. بغض النظر عن الموقف السياسي، رأى فيها البعض رمزاً للمقاومة، ورأى البعض الآخر فيها نموذجاً للشباب الغض الذي راح ضحية للحرب، وفيهم من قدم الموقف السياسي قبل كل شيء، ورأى أنها مقاتلة كانت مع الصف الآخر، وبالتالي تستحق الموت! تحاصر «قوات الدعم السريع» مدينة الفاشر منذ فترة طويلة، وتعيش المدينة ومعسكرات النازحين القريبة منها أوضاعاً إنسانية وصفتها المنظمات الدولية بالكارثية، ويقع مئات الآلاف من السكان الذين بقوا فيها في خط تقاطع النيران بين «قوات الدعم السريع» من جهة، والقوات المشتركة لحركات دارفور مع وحدات من الجيش تتمترس داخل المدينة. كانت هناك فرصة أن تبقى المدينة بعيداً عن الحرب أضاعتها الحركات المسلحة التي أعلنت دخولها الحرب بعد فترة من الحياد، ومنذ ذلك الوقت لم ترَ المدينة يوماً واحداً هادئاً. بعد عامين من الحرب لم يربح أحد؛ خسر الجميع، وإن أنكروا ذلك، جهلاً أو مكابرة. خسرنا إنسانيتنا التي أهدرناها في الميدان، حين تمت استباحة دماء وعروض المدنيين على أساس قبلي وجهوي، وحين أمسك مقاتل شاب بلحية شيخ طاعن في السن محاولاً إذلاله، وحين تجمع رجال ونساء وأطفال ليشهدوا تصفية «متعاون» في الشارع العام وسط الزغاريد والتهليل. كما أهدرناها على صفحات «السوشيال ميديا» التي تتقيأ يومياً سموم الكراهية والتحريض القبلي والجهوي، وتوزع نتانتها على الجميع! بعد عامين من الحرب، يقف أكثر من نيرون على قمة ركام وجبال من الخراب والدمار في الخرطوم أو في الفاشر، ليغني للانتصار، وتقف من خلفه أسراب البوم والغربان لتردد أناشيد الموت والدم، وفيهم سياسيون وكتّاب ومثقفون كبار، ويا للأسف!


الشرق الأوسط
١٨-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الشرق الأوسط
عامان من حرب السودان: لم ينجح أحد
في مايو (أيار) 2023 كتبت مقالاً بهذه الصحيفة، وكان بعنوان: «حرب السودان: من يخسر أكثر؟». وبعد عامين من الحرب لم يتغير الموقف والرؤية للحرب؛ فهي سباق في الخسارة والفقدان. ربما تتراوح الخسائر في الحجم، لكن إجمالاً لم ينجح أحد. لو نظر الإنسان للخسائر البشرية والمادية فلن يجد لها سقفاً؛ آلاف الشباب من أبناء السودان فقدوا أرواحهم في الحرب، من كل أنحاء السودان وجهاته، ومن كل المهن والوظائف، عسكرية كانت أو مدنية، ونزح الملايين من مدنهم وقراهم، ولجأ مئات الآلاف لدول الجوار. دُمّرت البنيات الأساسية؛ مصانع ومساكن، طرق وجسور، مطارات، ومحطات كهرباء ومياه، جامعات ومدارس ومستشفيات... ولا يوجد تقدير دقيق لحجم الخسائر المادية، لكنه بالتأكيد بمليارات الدولارات. أخطر الخسائر حدث في النفوس، متمثلاً في القيم والأخلاق الإنسانية والانقسام الحدي للمجتمع لدرجة لا يمكن تصورها. شهدنا حرباً قدمت أقصى صور البشاعة، حتى صارت الجرائم والانتهاكات الواضحة والظاهرة يتم الالتفاف عليها والبحث عن تبرير لها، بل أكثر من ذلك تُقدم باعتبارها صوراً للبطولة والانتصار. لا يتم استنكار الفعل لأنه منافٍ للقيم الإنسانية والطبيعة البشرية والقانون الدولي الإنساني، بل بوصف من ارتكبه، ويعتمد الأمر على الانتماء العرقي والقبلي والجغرافي. إذا قتلت «قوات الدعم السريع» المدنيين في ود النورة والتكينة والجموعية، تأتي التبريرات من مؤيديهم بأن هذه طبيعة الحرب، وأن المدنيين في دارفور تعرضوا لهذه المعاملة ذاتها من قبل، أو أن هؤلاء المدنيين حملوا السلاح للدفاع عن أنفسهم وأسرهم وممتلكاتهم، وكأن هذه جريمة. وإن قصف سلاح الطيران القرى والأسواق في دارفور يتم التبرير لذلك بأن هذه حواضن اجتماعية لـ«الدعم السريع». وإن تمت تصفية مدنيين في المناطق التي استعادها الجيش، تأتي التبريرات بأن هؤلاء كانوا متعاونين مع «الدعم السريع» حين احتلت قراهم ومناطقهم، ومن بينهم بائعات الأطعمة والشاي. الأقسى من كل ذلك أن يتورط صحافيون وسياسيون وكتّاب في الترويج لهذه الجرائم، ويسموا الطيارين الحربيين «صنّاع الكباب»، في إشارة للجثث المحترقة بعد القصف! في الأسبوع الماضي هاجمت «قوات الدعم السريع» معسكر «زمزم» للنازحين في ضواحي مدينة الفاشر الذي عسكرت القوات المشتركة في بعض أجزائه. وكعادة «قوات الدعم السريع»، لم تفرق بين عسكري ومدني، ولا بين رجل وامرأة وطفل؛ كان الجميع هدفاً للرصاص المنهمر من كل ناحية، والحرائق التي أحالت المساكن المؤقتة إلى خراب. من بين كل الضحايا برزت صورة الطبيبة الشابة هنادي النور التي رفضت الخروج وظلت مع أهالي المدينة، تعالج أمراضهم وجراحاتهم، وتحمل السلاح أحياناً إن دعت الحال. هز موتها القلوب، وكتب عنها الناس ونعوها. بغض النظر عن الموقف السياسي، رأى فيها البعض رمزاً للمقاومة، ورأى البعض الآخر فيها نموذجاً للشباب الغض الذي راح ضحية للحرب، وفيهم من قدم الموقف السياسي قبل كل شيء، ورأى أنها مقاتلة كانت مع الصف الآخر، وبالتالي تستحق الموت! تحاصر «قوات الدعم السريع» مدينة الفاشر منذ فترة طويلة، وتعيش المدينة ومعسكرات النازحين القريبة منها أوضاعاً إنسانية وصفتها المنظمات الدولية بالكارثية، ويقع مئات الآلاف من السكان الذين بقوا فيها في خط تقاطع النيران بين «قوات الدعم السريع» من جهة، والقوات المشتركة لحركات دارفور مع وحدات من الجيش تتمترس داخل المدينة. كانت هناك فرصة أن تبقى المدينة بعيداً عن الحرب أضاعتها الحركات المسلحة التي أعلنت دخولها الحرب بعد فترة من الحياد، ومنذ ذلك الوقت لم ترَ المدينة يوماً واحداً هادئاً. بعد عامين من الحرب لم يربح أحد؛ خسر الجميع، وإن أنكروا ذلك، جهلاً أو مكابرة. خسرنا إنسانيتنا التي أهدرناها في الميدان، حين تمت استباحة دماء وعروض المدنيين على أساس قبلي وجهوي، وحين أمسك مقاتل شاب بلحية شيخ طاعن في السن محاولاً إذلاله، وحين تجمع رجال ونساء وأطفال ليشهدوا تصفية «متعاون» في الشارع العام وسط الزغاريد والتهليل. كما أهدرناها على صفحات «السوشيال ميديا» التي تتقيأ يومياً سموم الكراهية والتحريض القبلي والجهوي، وتوزع نتانتها على الجميع! بعد عامين من الحرب، يقف أكثر من نيرون على قمة ركام وجبال من الخراب والدمار في الخرطوم أو في الفاشر، ليغني للانتصار، وتقف من خلفه أسراب البوم والغربان لتردد أناشيد الموت والدم، وفيهم سياسيون وكتّاب ومثقفون كبار، ويا للأسف!