#أحدث الأخبار مع #«شوفياحبيبي»الوطنمنذ 18 ساعاتترفيهالوطنالأغنية السعودية أكبر من طلال مداح ومحمد عبدهحين يستعرض تاريخ الموسيقى السعودية في المحافل أو في أحاديث المهتمين، غالباً ما تختزل هذه المسيرة العريقة في اسمين فحسب: طلال مداح ومحمد عبده. هذه النظرة المبسطة، وإن كانت تعكس محبة حقيقية لفنانين لعبا دوراً مهماً في تشكيل الأغنية السعودية الحديثة، إلا أنها تغفل عن عمد أو جهل عشرات الأسماء التي شاركت في صناعة هذه الهوية الفنية منذ الخمسينيات وحتى اليوم. إن الاقتصار على هذين الاسمين يعد ظلماً للأرشيف الموسيقي السعودي الذي تزخر مكتبته بأعمال وتجارب غنية ومتنوعة، بعضها لم يسلط عليه الضوء بما يستحق. الإطار التاريخي عند تناول نشأة الأغنية السعودية الحديثة نقول إن التحول الجذري في بنية الأغنية السعودية بدأ منذ خمسينيات القرن الـ20، عندما انتقل الفن في معظم المناطق من طابع جماعي شفهي وتلقائي إلى فن منظم وفردي. هذا التغير جاء مواكباً لتأثير الإذاعة والتلفزيون ودخول الموسيقى العربية الحديثة إلى آذان الجمهور السعودي، خصوصاً موسيقى مصر ولبنان، مما أسهم في حدوث موجة تأثر وتأثير متبادلين. في تلك المرحلة، ظهرت أصوات سعودية بدأت تبني ذائقتها الخاصة وتحاول رسم ملامح موسيقاها بأسلوبها الفريد، بعضها سار في طريق الابتكار والتجريب، وبعضها الآخر استنسخ التجربة المصرية في بداياته، وممن وقعوا في هذا الفخ: طلال مداح ومحمد عبده، وهذا أمر طبيعي في طور التكوين الفني. فبناء هوية موسيقية وطنية لا يأتي فجأة ولا ينبثق من فرد بعينه، بل هو نتيجة تراكم الجهود عبر أجيال متوالية، ومساهمة جماعية من ملحنين، شعراء، مطربين، وعازفين. نقد الأسطرة من المغالطات الشائعة التي تروج دون تمحيص، الادعاء بأن هوية الأغنية السعودية الحديثة قد نزلت فجأة كالوحي على طلال مداح، دون سوابق أو روافد. هذا تصور عاطفي ساذج، يتغذى على التعصب الجماهيري ويغفل أن الأغنية المكبلهة السعودية - كصناعة - لم تتبلور فعلياً بهويتها الخاصة إلا في مطلع السبعينيات، بعد تجارب ومراحل ومحاولات عدة. بل إن هناك تجارب فردية سبقت طلال مداح في تقديم شكل الأغنية السعودية المكبلهة، لكنها لم تحظَ بنفس الزخم الإعلامي أو الاعتراف الجماهيري، على رغم أن بعضها كان ذا بصمة متقدمة لزمانها. نماذج منسية أين عبدالله محمد من هذا التاريخ؟ ذاك الفنان الرائد الذي شهدت له الستينيات بألحانه المتفردة وصوته الدافئ، وكان أستاذاً لطلال مداح كما صرح الأخير بنفسه! بل إن تأثيره المبكر كان حجر الأساس في نشوء بعض الألوان اللحنية التي أصبحت لاحقاً جزءاً من القالب السعودي الحديث. وأين هي ابتسام لطفي؟ هذا الصوت النسائي السعودي الفريد، التي لا تقل جودة أعمالها عن أي من أغاني «العمالقة»، وقدمت أغاني عبقرية خالدة مثل: «شوف يا حبيبي» و«عبير» و«وداع» و«وبعد الحبيب». بل إن صوتها، وأداءها، واختياراتها الشعرية واللحنية تجعلها جديرة بأن يقام لها مهرجان سنوي تحيى فيه أعمالها وتقدم بتقدير يليق بها. وفوزي محسون، «سفير الأغنية الجداوية»، الذي اختار أن يغني بطبيعته، وهويته، ولهجته، ونجح في ذلك أيما نجاح. كيف ينسى اسمه عندما تؤدى أغانيه اليوم على المسارح؟ ألا يعلم معظم جمهور عبدالمجيد عبدالله أن أغنية «روح أحمد الله وبس»، و«سبحانه وقدره عليه»، هما في الأصل لفوزي محسون؟ إن غياب الإشارة إلى الأصل يعد انتهاكاً لحقوق الذاكرة الموسيقية، وطمساً لهوية فنان من الأجدر أن نكرمه لا أن نقصيه. وماذا عن مطلق الذيابي، المثقف والفنان، صاحب الرؤية الشعرية الغنائية العميقة؟ أو الصوت الشجي محمد السراج؟ هؤلاء الفنانون وغيرهم كثير، لا ينبغي أن يغيبوا عن ذاكرتنا، فهم جزء من النسيج الفني والثقافي الذي أسهم في بناء المشهد السعودي الذي نراه اليوم. ثقافة التعصب الفني من المؤسف أن يتعصب الجمهور السعودي في ما يشبه «ديربي» غنائي بين طلال مداح ومحمد عبده، ويتجاهل البقية. إن حب الفنانين الكبار لا ينبغي أن يقصي غيرهم، فالأغنية السعودية لم يصنعها شخصان، بل صاغتها أجيال متداخلة، واحتضنتها مناطق مختلفة من الوطن، ولكل منطقة ذائقتها، ولكل فنان أثره الخاص. التعصب الفني أعمى، يقصي كل من لا يدخل في «الثنائية الذهبية»، ويمنع كثيراً من الشباب من اكتشاف الأصوات الأخرى التي أسهمت بعمق، وأسست بوعي، وابتكرت بروح صادقة. ومن هذا المنطلق أرى أن الوقت قد حان لتغيير النظرة القاصرة إلى الأغنية السعودية، عبر آليات مؤسسية وشعبية على حد سواء. حب الموسيقى إن حب الموسيقى يقود في العادة إلى التنقيب عن الكنوز الدفينة، لا الاكتفاء بما هو ظاهر على السطح. فالأغنية السعودية كيان حي شأنه شأن تاريخ أي فن أو حركة فنية لا يمكن أن تختصر في شخصين أو اسمين بصرف النظر عمن يكونان، ولا أن يروى تاريخه بانتقائية. فالفن نشاط يشترك فيه الجميع ولكل فنان دور مرهون بوقته وظروفه وحجم هذا الدور وتأثيره وانتشاره، ولا بد أن ترصد جهود الجميع، وهذا يتطلب أن نعيد الاعتبار لرموز لم تأخذ حقها، ونحافظ على الذاكرة الفنية كما نحافظ على آثارنا وتاريخنا. فاختزال الفن في طلال ومحمد فقط هو عاطفة جماهيرية، واكتشاف الأغنية السعودية بكل أطيافها ووجوهها الأصيلة هو واجب المؤرخين والدارسين والعاملين والمهتمين في هذا القطاع. مقترحات لتغيير النظرة القاصرة إلى الأغنية السعودية • إقامة مهرجانات سنوية متخصصة في أرشيف الأغنية السعودية • تخصيص جوائز فخرية تمنح للرواد المنسيين • إعادة إصدار تسجيلات نادرة بجودة عالية، مع توثيق معلوماتها • حث الفنانين الصاعدين على أداء الأغاني القديمة مع ذكر أصحابها الأصليين في كل مناسبة • إدخال مادة «تاريخ الموسيقى السعودية» ضمن مناهج التعليم الفني والثقافي • إنتاج أفلام وثائقية ومسلسلات إذاعية ومرئية تحكي سيرة الرواد في كل منطقة
الوطنمنذ 18 ساعاتترفيهالوطنالأغنية السعودية أكبر من طلال مداح ومحمد عبدهحين يستعرض تاريخ الموسيقى السعودية في المحافل أو في أحاديث المهتمين، غالباً ما تختزل هذه المسيرة العريقة في اسمين فحسب: طلال مداح ومحمد عبده. هذه النظرة المبسطة، وإن كانت تعكس محبة حقيقية لفنانين لعبا دوراً مهماً في تشكيل الأغنية السعودية الحديثة، إلا أنها تغفل عن عمد أو جهل عشرات الأسماء التي شاركت في صناعة هذه الهوية الفنية منذ الخمسينيات وحتى اليوم. إن الاقتصار على هذين الاسمين يعد ظلماً للأرشيف الموسيقي السعودي الذي تزخر مكتبته بأعمال وتجارب غنية ومتنوعة، بعضها لم يسلط عليه الضوء بما يستحق. الإطار التاريخي عند تناول نشأة الأغنية السعودية الحديثة نقول إن التحول الجذري في بنية الأغنية السعودية بدأ منذ خمسينيات القرن الـ20، عندما انتقل الفن في معظم المناطق من طابع جماعي شفهي وتلقائي إلى فن منظم وفردي. هذا التغير جاء مواكباً لتأثير الإذاعة والتلفزيون ودخول الموسيقى العربية الحديثة إلى آذان الجمهور السعودي، خصوصاً موسيقى مصر ولبنان، مما أسهم في حدوث موجة تأثر وتأثير متبادلين. في تلك المرحلة، ظهرت أصوات سعودية بدأت تبني ذائقتها الخاصة وتحاول رسم ملامح موسيقاها بأسلوبها الفريد، بعضها سار في طريق الابتكار والتجريب، وبعضها الآخر استنسخ التجربة المصرية في بداياته، وممن وقعوا في هذا الفخ: طلال مداح ومحمد عبده، وهذا أمر طبيعي في طور التكوين الفني. فبناء هوية موسيقية وطنية لا يأتي فجأة ولا ينبثق من فرد بعينه، بل هو نتيجة تراكم الجهود عبر أجيال متوالية، ومساهمة جماعية من ملحنين، شعراء، مطربين، وعازفين. نقد الأسطرة من المغالطات الشائعة التي تروج دون تمحيص، الادعاء بأن هوية الأغنية السعودية الحديثة قد نزلت فجأة كالوحي على طلال مداح، دون سوابق أو روافد. هذا تصور عاطفي ساذج، يتغذى على التعصب الجماهيري ويغفل أن الأغنية المكبلهة السعودية - كصناعة - لم تتبلور فعلياً بهويتها الخاصة إلا في مطلع السبعينيات، بعد تجارب ومراحل ومحاولات عدة. بل إن هناك تجارب فردية سبقت طلال مداح في تقديم شكل الأغنية السعودية المكبلهة، لكنها لم تحظَ بنفس الزخم الإعلامي أو الاعتراف الجماهيري، على رغم أن بعضها كان ذا بصمة متقدمة لزمانها. نماذج منسية أين عبدالله محمد من هذا التاريخ؟ ذاك الفنان الرائد الذي شهدت له الستينيات بألحانه المتفردة وصوته الدافئ، وكان أستاذاً لطلال مداح كما صرح الأخير بنفسه! بل إن تأثيره المبكر كان حجر الأساس في نشوء بعض الألوان اللحنية التي أصبحت لاحقاً جزءاً من القالب السعودي الحديث. وأين هي ابتسام لطفي؟ هذا الصوت النسائي السعودي الفريد، التي لا تقل جودة أعمالها عن أي من أغاني «العمالقة»، وقدمت أغاني عبقرية خالدة مثل: «شوف يا حبيبي» و«عبير» و«وداع» و«وبعد الحبيب». بل إن صوتها، وأداءها، واختياراتها الشعرية واللحنية تجعلها جديرة بأن يقام لها مهرجان سنوي تحيى فيه أعمالها وتقدم بتقدير يليق بها. وفوزي محسون، «سفير الأغنية الجداوية»، الذي اختار أن يغني بطبيعته، وهويته، ولهجته، ونجح في ذلك أيما نجاح. كيف ينسى اسمه عندما تؤدى أغانيه اليوم على المسارح؟ ألا يعلم معظم جمهور عبدالمجيد عبدالله أن أغنية «روح أحمد الله وبس»، و«سبحانه وقدره عليه»، هما في الأصل لفوزي محسون؟ إن غياب الإشارة إلى الأصل يعد انتهاكاً لحقوق الذاكرة الموسيقية، وطمساً لهوية فنان من الأجدر أن نكرمه لا أن نقصيه. وماذا عن مطلق الذيابي، المثقف والفنان، صاحب الرؤية الشعرية الغنائية العميقة؟ أو الصوت الشجي محمد السراج؟ هؤلاء الفنانون وغيرهم كثير، لا ينبغي أن يغيبوا عن ذاكرتنا، فهم جزء من النسيج الفني والثقافي الذي أسهم في بناء المشهد السعودي الذي نراه اليوم. ثقافة التعصب الفني من المؤسف أن يتعصب الجمهور السعودي في ما يشبه «ديربي» غنائي بين طلال مداح ومحمد عبده، ويتجاهل البقية. إن حب الفنانين الكبار لا ينبغي أن يقصي غيرهم، فالأغنية السعودية لم يصنعها شخصان، بل صاغتها أجيال متداخلة، واحتضنتها مناطق مختلفة من الوطن، ولكل منطقة ذائقتها، ولكل فنان أثره الخاص. التعصب الفني أعمى، يقصي كل من لا يدخل في «الثنائية الذهبية»، ويمنع كثيراً من الشباب من اكتشاف الأصوات الأخرى التي أسهمت بعمق، وأسست بوعي، وابتكرت بروح صادقة. ومن هذا المنطلق أرى أن الوقت قد حان لتغيير النظرة القاصرة إلى الأغنية السعودية، عبر آليات مؤسسية وشعبية على حد سواء. حب الموسيقى إن حب الموسيقى يقود في العادة إلى التنقيب عن الكنوز الدفينة، لا الاكتفاء بما هو ظاهر على السطح. فالأغنية السعودية كيان حي شأنه شأن تاريخ أي فن أو حركة فنية لا يمكن أن تختصر في شخصين أو اسمين بصرف النظر عمن يكونان، ولا أن يروى تاريخه بانتقائية. فالفن نشاط يشترك فيه الجميع ولكل فنان دور مرهون بوقته وظروفه وحجم هذا الدور وتأثيره وانتشاره، ولا بد أن ترصد جهود الجميع، وهذا يتطلب أن نعيد الاعتبار لرموز لم تأخذ حقها، ونحافظ على الذاكرة الفنية كما نحافظ على آثارنا وتاريخنا. فاختزال الفن في طلال ومحمد فقط هو عاطفة جماهيرية، واكتشاف الأغنية السعودية بكل أطيافها ووجوهها الأصيلة هو واجب المؤرخين والدارسين والعاملين والمهتمين في هذا القطاع. مقترحات لتغيير النظرة القاصرة إلى الأغنية السعودية • إقامة مهرجانات سنوية متخصصة في أرشيف الأغنية السعودية • تخصيص جوائز فخرية تمنح للرواد المنسيين • إعادة إصدار تسجيلات نادرة بجودة عالية، مع توثيق معلوماتها • حث الفنانين الصاعدين على أداء الأغاني القديمة مع ذكر أصحابها الأصليين في كل مناسبة • إدخال مادة «تاريخ الموسيقى السعودية» ضمن مناهج التعليم الفني والثقافي • إنتاج أفلام وثائقية ومسلسلات إذاعية ومرئية تحكي سيرة الرواد في كل منطقة