#أحدث الأخبار مع #«كييركجارد»السوسنةمنذ 17 ساعاتصحةالسوسنةالاضطراب العقليبعد التجارب المريرة التي يخوضها الإنسان يخرج لا يعاني إلَّا من الكوابيس التي تظهر فيها أشباح خوض تلك التجارب، فتنقض على نومه وتقوِّض راحته، وهذا بافتراض أن المرء استطاع النجاة منها جميعًا ولم تزل قدمه في هاوية الاكتئاب والعزلة من جرَّاء إحداها. ولهذا السبب، نجد أن الإنسان الحديث يؤثر حاليًا التحرر من جميع العلاقات المادية والمعنوية؛ لأنه في النهاية لن يجد نفسه إلَّا وحيدًا ويجب عليه خوض جميع معاركه بمفرده دون أن يتلقى أي مساعدة.قد يظن البعض أن الصورة الفجَّة التي وصل لها الإنسان الحديث في عصر الرقمنة هي شيء مستحدث، وأن سبب انتشارها هو الانخراط في الحياة المادية ووسائل التواصل الاجتماعي وغياهب العالم الرقمي. لكن المفاجأة الكبرى أن تكرار كل هذه الأقاويل ما هو إلَّا مجرَّد كلمات لا أساس لها من الصحَّة؛ فمنذ بداية القرن التاسع عشر، وبالتحديد بعد الثورة الصناعية الأولى، ظهر تيَّار فكري فلسفي يتأمَّل حقيقة وأهمية وجود الإنسان على وجه الأرض، والذي مهَّد لظهور الفلسفة «الوجودية». ويعدّ الفيلسوف النرويجي سورين كييرجارد Søren Kierkegaard (1813-1855)، عالم اللاهوت والفيلسوف والشاغر والمفكِّر الديني، هو رائد الفلسفة الوجودية الأوَّل، والذي إذا كان القدر قد أمهله ليعيش أكثر من هذا، لكان ألهب الساحات العلمية والأدبية بأفكار سبَّاقة؛ فلقد فارق الحياة وهو في سن الثانية والأربعين فقط. لكن على الرغم من موته المبكِّر، ترك إرثًا فكريًا شديد الحصافة والحداثة، ولا يزال ينهل منه الإنسان على مرّ العصور، وصولًا للوقت الحالي، وذلك لأن أفكاره الثورية تشير أن الإنسان مهما فعل أو كان محظوظًا بأصدقاء أو عائلة طوع أمره، فإنه في نهاية المآل لن يجد إلَّا نفسه فقط ليرتكن إليها. وبهذا، يكون «كيركجارد» هو أيضًا أول مؤسس لمنظومة تدريب الإنسان على الاعتماد على الذَّات بكل الوسائل، وذلك بالفعل ما ينصح به حاليًا جميع المؤثرين على وسائل التواصل وتنصح به جميع كتب تنمية الذَّات.ومن خلال مخطوطاته النقدية التي تدور حول فكرة الدين المنظَّم والأخلاق وعلم النفس وفلسفة الدين، استعان «كييركجارد» بالاستعارة والسخرية والأمثال لتوضيح أفكاره، التي كان يؤكِّد فيها أهمية استقلالية الفرد وعدم الاعتمادية على الآخرين. وشحذ نمط أفكاره الحديثة تلك اتصاله بالواقع الإنساني الملموس الذي أعطى له أولوية على التفكير المُجرَّد. ومن أجل هذا، كان لا ينفك عن تسليط الضوء على أهمية الاختيار والالتزام الشخصي. وكان «كييركجارد» يطبِّق مبادئه على ذاته؛ لأنها قناعاته الشخصية، وليست مجرَّد أفكار يطرحها للاستهلاك والشهرة. وكان يردد: «ما أحتاجه حقًا هو أن أكون واضحًا بشأن ما يجب عليّ فعله، لا على ما يجب عليّ أن أعرفه، فيما خلا ذاك القدر من المعرفة التي يجب أن تسبق كل فعل. فأهم شيء هو إيجاد غاية، وفهم المعنى وراء مشيئة الله كي أنفذه؛ والهدف الأسمى هو إيجاد حقيقة تصير حقيقة بالنسبة لي، إيجاد الفكرة التي قد أعيش وأموت من أجلها طوعًا». كانت قناعة «كييركجارد» تتلخَّص في وجوب الاعتماد على النفس وعدم مخالفة مشيئة الله؛ لأن تقلُّبات القدر تحدث بطرق مفاجئة ومحتومة، لكن لا يعني ذلك الاستسلام لألاعيب القدر، بل الاجتهاد والإخلاص في السعي من أجل إيجاد فكرة يكرِّس لها الإنسان نفسه لتصبح بصمته المميَّزة.ومن ذلك المنطلق، فهم «كييرجارد» أن الانغماس في العاطفة وأنواع الحب المختلفة لن تجلب للفرد سوى الشقاء والتعاسة؛ لأنها تسرق استقلالية الفرد وتحوِّله إلى تابع مسلوب الإرادة. ولقد لمس تلك الحقيقة في علاقته مع خطيبته التي كانت الركن الظليل له في مسيرة حياته. ومع ذلك، عندما حاول الاعتماد عليها لتكون كاتمة أسراره، وجد ذاك الأمر مستحيلاً. ومن ثمَّ، اتخذ من القارئ الذي استطاع أن يعتمد على نفسه كاتمة أسراره الأمين لكل ما يجول بخاطره. ومن هذا المنطلق، اعتاد «كييركجارد» أن يسأل نفسه ما إذا كان من الممكن أن يجد الفرد أحدهم ليصبح المؤتمن الروحي، وهو بذلك يمسّ موضوع التقاء الأرواح. لكنه بعد تفكير عميق خلص إلى حقيقة مهمة، جوهرها أن وجود علاقة مباشرة بين روح وروح أخرى هو أمر لا يمكن تصديقه. وبفرض أن تلك العلاقة بالفعل يمكن أن تكون، فإن ذلك يعني أن الطرف الآخر لم يعد روحًا. وبذلك، يشير «كييركجارد» أن الاعتماد الذهني على فرد آخر أمر يبدو مستحيلاً؛ فالاعتماد يجب أن يكون خارج حدود العالم المعنوي وموجوداً بين جدران العالم المادي، ما يوصلنا إلى بداية الفكرة مرَّة أخرى، وهي أن الاعتماد يستلزم وجود شخص، لكن لا يوجد شخص يمكن أن يؤتمن، حتى ولو كان أقرب المقرَّبين. وعلى هذا، فإن الفرد الوحيد الذي يستحق أن نأتمنه هو ذاتنا التي يجب أن نرعاها ونعوِّدها على الاستقلالية.ولقد حذَّر «كييركجارد» من فيروس التبعية الذي قد يسبب اضطرابات عقلية وخيمة وأهمها الاكتئاب واليأس، وهذا الفيروس يأتي في صورة لون من ألوان العشق؛ وما يقصده بذلك هو عشق أي شيء، سواء تجسد في كيان مادي أم معنوي. وذاك الداء الخطير، أو فيروس العشق، يدخل حياة الفرد ويبدلها إلى أن يصبح أحد أشكال الإدمان؛ لأنه، كما يؤكِّد كييركجارد، «بالدخول إلى عالم العشق قلبًا وقالبًا، يستحيل العالم إلى كيان غني وجميل، يتألف فقط من فرص للعشق، حتى وإن كان ذاك العشق مثاليًا». ولهذا، تقود بوابات ذاك العشق إلى التبعية. ويسخر «كييركجارد» في كتابه «ألاعيب العشق» (1847) من ذاك العشق الذي يجعل الوجود مثاليًا ويجعل الإنسان لا يتحدَّث إلَّا عن الكمال والإنسان الكامل بصورة مستمرة؛ فنحن نبحث عن الإنسان الكامل، وكذلك تتحدَّث الأديان عن الكمال والإنسان الكامل. ولكن للأسف، البشر يكرِّسون أنفسهم للبحث عن الإنسان الكامل كي يعشقوه. وما يحدث هو أن يقع البشر في غرام آخرين بعيدين كل البعد عن ذاك الكمال. وأمَّا الأديان التي تدعو إلى التسامح و»حب العدو»، فهذا أيضًا شيء مستحيل؛ فالأعداء لا يطيقون حتى النظر لبعضهم البعض. ولهذا وجد «كييركجارد» الحل في شكل ساخر، وهو أن يغمض الإنسان عينيه فيرى عدوّه يشابه تمامًا جاره الذي قد يكن له الودّ.ومن ثمَّ، سواء في حالة المعشوق أو حتى العدو، لن يستطيع الإنسان الاستحواذ والسيطرة على من يعشق. ولضمان المحافظة على تلك العلاقة التي التحفت بأغلفة من المثالية، يفقد الإنسان إرادته الحرَّة، ويدخل في متاهات التبعية. والغريب أنه بعد كل هذا، تصبح فرص الاحتفاظ بالمعشوق شبه معدومة، ما يجعل الفرد يدخل في دوَّامات أخرى من اليأس والإحباط. ولهذا يقول «كييركجارد» ناصحًا أن الشكوى من حال الدنيا خير من أن ينعى الفرد نفسه وحاله.وبوابات الخروج من دوَّامة الإدمان والتبعية تلك، تفضي إلى طريقين متناقضين؛ فهناك بوابة الهلاك والإحباط، والأخرى بوَّابة الخلاص وإيجاد الإرادة الحرَّة. فالخلاص كما يؤكِّد «كييركجارد»، قد يبدأه الإنسان بحزن شديد على نفسه، وهي حالة تؤهله للتعلُّم والبحث عن فرص النجاة. أمَّا من يقع في فخ الدوائر المفرغة لليأس والإحباط، والتي قد تفضي بالإنسان لأن ينهي حياته، فهذا دليل على أن ذاك الشخص رافض لتعلُّم حب ذاته بصورة جادة وحازمة. وحب الذات هو الطريق لاكتشاف النفس وما بها من ميزات قد تجعل الإنسان يحلِّق في سماوات من النجاح وحرِّية الفكر والنفس.حرِّية الإنسان الحقيقية تتأتى من الصلابة النفسية التي تجعله يقاوم الهزائم التي تتربَّص به طوال الوقت، والتي أيضًا تجعله يتعلَّم أن ما لا يحطِّم الفرد يجعله صلبًا. فقد يصاب الفرد بجراح نفسية غائرة، لكن مع تحسس كل واحدة منها، يتذكَّر أنه خاض معارك مُضنية واستطاع النجاة منها جميعًا، بل أيضًا اكتسب الخبرات اللازمة للإفلات من معارك أخرى أشد ضراوة منها.
السوسنةمنذ 17 ساعاتصحةالسوسنةالاضطراب العقليبعد التجارب المريرة التي يخوضها الإنسان يخرج لا يعاني إلَّا من الكوابيس التي تظهر فيها أشباح خوض تلك التجارب، فتنقض على نومه وتقوِّض راحته، وهذا بافتراض أن المرء استطاع النجاة منها جميعًا ولم تزل قدمه في هاوية الاكتئاب والعزلة من جرَّاء إحداها. ولهذا السبب، نجد أن الإنسان الحديث يؤثر حاليًا التحرر من جميع العلاقات المادية والمعنوية؛ لأنه في النهاية لن يجد نفسه إلَّا وحيدًا ويجب عليه خوض جميع معاركه بمفرده دون أن يتلقى أي مساعدة.قد يظن البعض أن الصورة الفجَّة التي وصل لها الإنسان الحديث في عصر الرقمنة هي شيء مستحدث، وأن سبب انتشارها هو الانخراط في الحياة المادية ووسائل التواصل الاجتماعي وغياهب العالم الرقمي. لكن المفاجأة الكبرى أن تكرار كل هذه الأقاويل ما هو إلَّا مجرَّد كلمات لا أساس لها من الصحَّة؛ فمنذ بداية القرن التاسع عشر، وبالتحديد بعد الثورة الصناعية الأولى، ظهر تيَّار فكري فلسفي يتأمَّل حقيقة وأهمية وجود الإنسان على وجه الأرض، والذي مهَّد لظهور الفلسفة «الوجودية». ويعدّ الفيلسوف النرويجي سورين كييرجارد Søren Kierkegaard (1813-1855)، عالم اللاهوت والفيلسوف والشاغر والمفكِّر الديني، هو رائد الفلسفة الوجودية الأوَّل، والذي إذا كان القدر قد أمهله ليعيش أكثر من هذا، لكان ألهب الساحات العلمية والأدبية بأفكار سبَّاقة؛ فلقد فارق الحياة وهو في سن الثانية والأربعين فقط. لكن على الرغم من موته المبكِّر، ترك إرثًا فكريًا شديد الحصافة والحداثة، ولا يزال ينهل منه الإنسان على مرّ العصور، وصولًا للوقت الحالي، وذلك لأن أفكاره الثورية تشير أن الإنسان مهما فعل أو كان محظوظًا بأصدقاء أو عائلة طوع أمره، فإنه في نهاية المآل لن يجد إلَّا نفسه فقط ليرتكن إليها. وبهذا، يكون «كيركجارد» هو أيضًا أول مؤسس لمنظومة تدريب الإنسان على الاعتماد على الذَّات بكل الوسائل، وذلك بالفعل ما ينصح به حاليًا جميع المؤثرين على وسائل التواصل وتنصح به جميع كتب تنمية الذَّات.ومن خلال مخطوطاته النقدية التي تدور حول فكرة الدين المنظَّم والأخلاق وعلم النفس وفلسفة الدين، استعان «كييركجارد» بالاستعارة والسخرية والأمثال لتوضيح أفكاره، التي كان يؤكِّد فيها أهمية استقلالية الفرد وعدم الاعتمادية على الآخرين. وشحذ نمط أفكاره الحديثة تلك اتصاله بالواقع الإنساني الملموس الذي أعطى له أولوية على التفكير المُجرَّد. ومن أجل هذا، كان لا ينفك عن تسليط الضوء على أهمية الاختيار والالتزام الشخصي. وكان «كييركجارد» يطبِّق مبادئه على ذاته؛ لأنها قناعاته الشخصية، وليست مجرَّد أفكار يطرحها للاستهلاك والشهرة. وكان يردد: «ما أحتاجه حقًا هو أن أكون واضحًا بشأن ما يجب عليّ فعله، لا على ما يجب عليّ أن أعرفه، فيما خلا ذاك القدر من المعرفة التي يجب أن تسبق كل فعل. فأهم شيء هو إيجاد غاية، وفهم المعنى وراء مشيئة الله كي أنفذه؛ والهدف الأسمى هو إيجاد حقيقة تصير حقيقة بالنسبة لي، إيجاد الفكرة التي قد أعيش وأموت من أجلها طوعًا». كانت قناعة «كييركجارد» تتلخَّص في وجوب الاعتماد على النفس وعدم مخالفة مشيئة الله؛ لأن تقلُّبات القدر تحدث بطرق مفاجئة ومحتومة، لكن لا يعني ذلك الاستسلام لألاعيب القدر، بل الاجتهاد والإخلاص في السعي من أجل إيجاد فكرة يكرِّس لها الإنسان نفسه لتصبح بصمته المميَّزة.ومن ذلك المنطلق، فهم «كييرجارد» أن الانغماس في العاطفة وأنواع الحب المختلفة لن تجلب للفرد سوى الشقاء والتعاسة؛ لأنها تسرق استقلالية الفرد وتحوِّله إلى تابع مسلوب الإرادة. ولقد لمس تلك الحقيقة في علاقته مع خطيبته التي كانت الركن الظليل له في مسيرة حياته. ومع ذلك، عندما حاول الاعتماد عليها لتكون كاتمة أسراره، وجد ذاك الأمر مستحيلاً. ومن ثمَّ، اتخذ من القارئ الذي استطاع أن يعتمد على نفسه كاتمة أسراره الأمين لكل ما يجول بخاطره. ومن هذا المنطلق، اعتاد «كييركجارد» أن يسأل نفسه ما إذا كان من الممكن أن يجد الفرد أحدهم ليصبح المؤتمن الروحي، وهو بذلك يمسّ موضوع التقاء الأرواح. لكنه بعد تفكير عميق خلص إلى حقيقة مهمة، جوهرها أن وجود علاقة مباشرة بين روح وروح أخرى هو أمر لا يمكن تصديقه. وبفرض أن تلك العلاقة بالفعل يمكن أن تكون، فإن ذلك يعني أن الطرف الآخر لم يعد روحًا. وبذلك، يشير «كييركجارد» أن الاعتماد الذهني على فرد آخر أمر يبدو مستحيلاً؛ فالاعتماد يجب أن يكون خارج حدود العالم المعنوي وموجوداً بين جدران العالم المادي، ما يوصلنا إلى بداية الفكرة مرَّة أخرى، وهي أن الاعتماد يستلزم وجود شخص، لكن لا يوجد شخص يمكن أن يؤتمن، حتى ولو كان أقرب المقرَّبين. وعلى هذا، فإن الفرد الوحيد الذي يستحق أن نأتمنه هو ذاتنا التي يجب أن نرعاها ونعوِّدها على الاستقلالية.ولقد حذَّر «كييركجارد» من فيروس التبعية الذي قد يسبب اضطرابات عقلية وخيمة وأهمها الاكتئاب واليأس، وهذا الفيروس يأتي في صورة لون من ألوان العشق؛ وما يقصده بذلك هو عشق أي شيء، سواء تجسد في كيان مادي أم معنوي. وذاك الداء الخطير، أو فيروس العشق، يدخل حياة الفرد ويبدلها إلى أن يصبح أحد أشكال الإدمان؛ لأنه، كما يؤكِّد كييركجارد، «بالدخول إلى عالم العشق قلبًا وقالبًا، يستحيل العالم إلى كيان غني وجميل، يتألف فقط من فرص للعشق، حتى وإن كان ذاك العشق مثاليًا». ولهذا، تقود بوابات ذاك العشق إلى التبعية. ويسخر «كييركجارد» في كتابه «ألاعيب العشق» (1847) من ذاك العشق الذي يجعل الوجود مثاليًا ويجعل الإنسان لا يتحدَّث إلَّا عن الكمال والإنسان الكامل بصورة مستمرة؛ فنحن نبحث عن الإنسان الكامل، وكذلك تتحدَّث الأديان عن الكمال والإنسان الكامل. ولكن للأسف، البشر يكرِّسون أنفسهم للبحث عن الإنسان الكامل كي يعشقوه. وما يحدث هو أن يقع البشر في غرام آخرين بعيدين كل البعد عن ذاك الكمال. وأمَّا الأديان التي تدعو إلى التسامح و»حب العدو»، فهذا أيضًا شيء مستحيل؛ فالأعداء لا يطيقون حتى النظر لبعضهم البعض. ولهذا وجد «كييركجارد» الحل في شكل ساخر، وهو أن يغمض الإنسان عينيه فيرى عدوّه يشابه تمامًا جاره الذي قد يكن له الودّ.ومن ثمَّ، سواء في حالة المعشوق أو حتى العدو، لن يستطيع الإنسان الاستحواذ والسيطرة على من يعشق. ولضمان المحافظة على تلك العلاقة التي التحفت بأغلفة من المثالية، يفقد الإنسان إرادته الحرَّة، ويدخل في متاهات التبعية. والغريب أنه بعد كل هذا، تصبح فرص الاحتفاظ بالمعشوق شبه معدومة، ما يجعل الفرد يدخل في دوَّامات أخرى من اليأس والإحباط. ولهذا يقول «كييركجارد» ناصحًا أن الشكوى من حال الدنيا خير من أن ينعى الفرد نفسه وحاله.وبوابات الخروج من دوَّامة الإدمان والتبعية تلك، تفضي إلى طريقين متناقضين؛ فهناك بوابة الهلاك والإحباط، والأخرى بوَّابة الخلاص وإيجاد الإرادة الحرَّة. فالخلاص كما يؤكِّد «كييركجارد»، قد يبدأه الإنسان بحزن شديد على نفسه، وهي حالة تؤهله للتعلُّم والبحث عن فرص النجاة. أمَّا من يقع في فخ الدوائر المفرغة لليأس والإحباط، والتي قد تفضي بالإنسان لأن ينهي حياته، فهذا دليل على أن ذاك الشخص رافض لتعلُّم حب ذاته بصورة جادة وحازمة. وحب الذات هو الطريق لاكتشاف النفس وما بها من ميزات قد تجعل الإنسان يحلِّق في سماوات من النجاح وحرِّية الفكر والنفس.حرِّية الإنسان الحقيقية تتأتى من الصلابة النفسية التي تجعله يقاوم الهزائم التي تتربَّص به طوال الوقت، والتي أيضًا تجعله يتعلَّم أن ما لا يحطِّم الفرد يجعله صلبًا. فقد يصاب الفرد بجراح نفسية غائرة، لكن مع تحسس كل واحدة منها، يتذكَّر أنه خاض معارك مُضنية واستطاع النجاة منها جميعًا، بل أيضًا اكتسب الخبرات اللازمة للإفلات من معارك أخرى أشد ضراوة منها.