logo
#

أحدث الأخبار مع #«لورانسفريدمان»

عصر الحروب الأبدية.. غزة نموذجا
عصر الحروب الأبدية.. غزة نموذجا

بوابة الأهرام

time٢٦-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • بوابة الأهرام

عصر الحروب الأبدية.. غزة نموذجا

ليس ضروريا أن نكون خبراء عسكريين لندرك أن صمود المقاومة الفلسطينية لأكثر من عام ونصف العام وهى محاصرة تماما، وتخوض حربا ضروسا هى معجزة حقيقية بأى مقياس عسكري. الاستمرار الأسطورى للمقاومة غير مفهوم منطقيا ويحتاج إلى تفسير لاسيما فى ظل التفوق العسكرى الهائل للعدو، فضلا عن كونها محرومة من أى إمدادات تعوض ما تخسره من أسلحة وما تستهلكه من ذخائر. يضاف إلى هذا قدرتها على العمل والتخفى رغم المراقبة الاستخبارية الصارمة التى تشترك فيها القوات الأمريكية والأوروبية بتكنولوجيا فائقة التطور تغطى كل شبر من غزة على مدى 24 ساعة يوميا. كل من يتابع الحرب لابد أنه يشعر بالدهشة دعك من الإعجاب حتى ولو كان مجرم حرب إسرائيليا، أو حليفا أمريكيا أوروبيا مشاركا فى الإبادة الجماعية بالمال والسلاح والدعم ألاستخبارى والسياسي، أو حتى «متصهين عربيا» من جرذان هذا الزمان الذين يبثون سمومهم عبر وسائل التواصل وبعض الفضائيات إسرائيلية الهوى عربية اللغة. سندع جانبا محاولة إيجاد تفسير علمى للغز صمود حماس فهى مهمة المتخصصين، لكن بعد نحو 15 شهرا من القتال أصبح من الممكن رصد ملامح محددة لطبيعة هذه الحرب ومقارنتها بغيرها من الحروب ليس من حيث التكتيكات المستخدمة، وهى قضية أخرى متروكة للمختصين، لكن من حيث المدى الزمنى والأهداف وطبيعة النهاية المتوقعة. فى هذا الإطار يمكن إدراج الحرب الحالية ضمن التصنيف المسمى بحروب «التخوم الضبابية» وهى تسمية نحتها خبير العلاقات الدولية المرموق السير «لورانس فريدمان» أستاذ استراتيجيات الحرب بجامعة لندن. والمقصود هو ذلك النوع من المواجهات العسكرية التى لا يتم حسمها وتتوقف لفترات تطول أو تقصر ثم تتجدد. فكما هى حرب بلا نهاية محددة فهى أيضا بلا نتيجة واضحة. خلال الأسبوع الماضى نشر فريدمان دراسة موسعة عن هذا الموضوع بمجلة فورين افييرز الأمريكية بعنوان «عصر الحروب الأبدية». وأضافت المجلة عنوانا شارحا يقول: «لماذا لم تعد الاستراتيجيات العسكرية تحقق النصر؟.» لا تتعلق الدراسة بحرب غزة وإن كانت أشارت إليها ضمن النماذج التى يستشهد بها الباحث لدعم أرائه. غير أنه من السهل استحضار حرب غزة كنموذج فى مواضع كثيرة اكتفى فيها بالإشارة إلى حروب أخرى. استعرض الخبير طائفة واسعة من حروب القرن العشرين وما مضى من سنوات فى القرن الحالي، وناقشها من حيث مدتها ونتائجها. وهو يرى أن النصر السريع الحاسم هو الاستثناء وليس القاعدة، وأحد نماذجه البارزة هو حرب عاصفة الصحراء(تحرير الكويت) 1991. فخلال أسابيع كانت أمريكا وحلفاؤها قد أنجزوا المهمة. خلق هذا النصر السريع اعتقادا بأن عصرا جديدا من الحروب الخاطفة قد بدأ، وأنه من الممكن هزيمة العدو بهجوم شامل وسريع بأسلحة ذكية ودعم استخبارى متطور. لكن هذه النظرية لم تصمد طويلا، وسرعان ما انهارت فى مسرح العمليات الأفغاني. فقد بدأت أمريكا الحرب متوقعة القضاء على القاعدة وإنهاء حكم طالبان فى غضون أسابيع، لكنها احتاجت عشرين عاما لتحقيق هدفها. ثم فرت ولم تبلغه بعد أطول حرب فى تاريخها. نفس الأمر ينطبق على الحرب الأوكرانية التى دخلت عامها الرابع، بينما توقعت روسيا أن تنجز أهدافها خلال أسابيع. هنا يشير الخبير للمرة الأولى إلى غزة فقد توقعت إسرائيل أيضا حسم المواجهة فى أيام أو أسابيع على الأكثر. التاريخ كذلك يثبت خطأ نظرية النصر السريع أو على الأقل يؤكد أنها الاستثناء. فعندما بدأت الجيوش الأوروبية تتقاتل فى صيف 1914 توقع الجنرالات حسم المواجهات بحلول الكريسماس أى فى ديسمبر. لكن المعارك التى عرفت باسم الحرب العالمية الأولى استمرت أربع سنوات. تكرر نفس السيناريو فى الحرب العالمية الثانية. كانت ألمانيا على ثقة أنها ستحسم الحرب عندما اجتاحت جيوشها غرب أوروبا فى 1940 لكن تواصلت المعارك بعد ذلك نحو خمس سنوات وانتهت بهزيمتها. تفيض الدراسة بأمثلة كثيرة للحروب الخاطفة، وتلك الممتدة، وهذا النوع الأخير هو ما يعتبره الخبير النمط الشائع للحروب المعاصرة التى ليس لها نهاية واضحة، سواء على مستوى التاريخ أو النتائج أى ذات حدود ضبابية على حد تعبيره. أما لماذا تطول الحرب، فمن وجهة نظره أن القادة لا يضعون أهدافا واقعية محددة لها وبالتالى يعجزون عن تحقيق ما تمنوا ويضطرون لمواصلة القتال. فلو اكتفى بوتين بالاستيلاء على دونباس بشرق أوكرانيا لانتهت الحرب سريعا. ولو اكتفت إسرائيل بتوجيه ضربات قاصمة لحماس لتوقفت أيضا الحرب لكنها مصرة على المضى رغم تأكدها من استحالة اجتثاث الحركة. كذلك أمريكا كان يمكن ألا تغرق فى المستنقع الأفغانى لو غادرت بعد تدمير القاعدة والإطاحة بطالبان. بداية الحرب أسهل كثيرا من إنهائها، وهو درس لا يستوعبه القادة عادة. درس آخر يقدمه الباحث وهو أن الحرب المعاصرة تنتهى عادة «بعدم النصر» «وعدم الهزيمة» لكلا الطرفين. وهذا تماما حال الحرب فى غزة. إسرائيل دمرت القطاع ووجهت ضربات قاصمة لحماس، لكنها لم تنتصر لأن المقاومة مازالت موجودة وقادرة على العمل، لذا فإن حماس لم تنهزم فى المقابل. خطأ آخر يقع فيه القادة تحدث عنه المؤلف وينطبق على إسرائيل وهو إساءة تقدير قوة وقدرة العدو فلم تتوقع صمود حماس كل هذه المدة. وقعت أيضا فى خطأ يتكرر كثيرا وهو الاعتقاد بأن شعب العدو سيثور عليه بسب الويلات التى يتعرض لها نتيجة قرارات قيادته. ارتكبت أمريكا نفس الخطأ عندما بشر المحافظون الجدد مواطنيهم بأن العراقيين سيستقبلون الجنود الغزاة بالورد. نظرية التخوم الضبابية التى يطرحها فريدمان فى توصيفه للحروب المعاصرة ذات النهايات المفتوحة على المستوى الزمنى ومن حيث النتيجة تبدو حتى الآن هى الأكثر واقعية فى النظر إلى حرب غزة والأقرب لتوصيفها. ومثل غيرها من الحروب المدرجة بهذا التصنيف لن تنتهى بمعاهدة سلام بل اتفاق لوقف إطلاق النار. أى تعليق جولة القتال الحالية انتظارا لأخرى ستبدأ عاجلا أو أجلا.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store