logo
#

أحدث الأخبار مع #«لوسِدموتورز»

دبلوماسية الاقتصاد في قبضة الرياض: كيف فرضت السعودية نفسها كلاعب رئيسي؟
دبلوماسية الاقتصاد في قبضة الرياض: كيف فرضت السعودية نفسها كلاعب رئيسي؟

الجريدة الكويتية

timeمنذ 6 أيام

  • أعمال
  • الجريدة الكويتية

دبلوماسية الاقتصاد في قبضة الرياض: كيف فرضت السعودية نفسها كلاعب رئيسي؟

في عالم أعادت تشكيله اضطرابات سلاسل الإمداد، وتصاعُد الرسوم الجمركية، وإعادة رسم خريطة الاقتصاد العالمي، برزت المملكة العربية السعودية كمهندس هادئ لكن فاعل للاستقرار والاستراتيجيا. فمن خلال توازن لا مثيل له في الدبلوماسية الاقتصادية، وإطار استثماري منهجي، وإصلاح مؤسسي جريء، نجحت المملكة في تحويل التحديات إلى مكاسب، لترسّخ مكانتها ليس فقط كقوة إقليمية، بل كلاعب اقتصادي عالمي وازن. وجاءت استجابة السعودية للتحديات العالمية الأخيرة من التوترات التجارية بين أميركا والصين إلى تقلبات الطاقة بروح استباقية وتحولية. وليس من المبالغة القول إن المملكة باتت اليوم من أكثر الدول انضباطاً وفعالية في ممارسة الدبلوماسية الاقتصادية. حياد استراتيجي... واتصال عالمي أحدث تجليات الدبلوماسية الاقتصادية السعودية تمثلت في الصفقات الاستثمارية الكبرى التي وقّعتها مع الولايات المتحدة عام 2025، والتي تجاوزت قيمتها 600 مليار دولار، وشملت قطاعات استراتيجية مثل الصناعات الدفاعية، وبُنى الطاقة التحتية، ونقل التكنولوجيا، وإعادة تشكيل سلاسل التوريد، مما ارتقى بالشراكة الاقتصادية بين البلدين إلى مستوى غير مسبوق. ومن أبرز تلك الاتفاقيات، إطار للتعاون الدفاعي والصناعي بقيمة 142 مليار دولار، الذي يعكس ثقة متبادلة ورؤية مشتركة للتعاون الصناعي طويل الأجل. وبموازاة ذلك، أبرمت الرياض اتفاقات مع شركات أميركية رائدة في مجالات النقل، والذكاء الاصطناعي، والطاقة النظيفة، تؤكد مكانة المملكة كمنصة جاذبة للشركات الباحثة عن استقرار ونفاذ استراتيجي للأسواق الإقليمية والعالمية. وما يميز نهج السعودية هو امتناعها عن الانحياز إلى محاور التنافس الكبرى، بل إنها سعت لبناء علاقات عملية ومتوازنة مع القوى الكبرى شرقاً وغرباً. فمن تعميق الشراكات الاقتصادية والتجارية مع الصين والهند، إلى التعاون الدفاعي والاستثماري مع الولايات المتحدة، وصولاً إلى التنسيق المستمر مع روسيا عبر «أوبك بلس»، تسير الرياض على حبل دبلوماسي مشدود بكفاءة استثنائية. كما تعزز تعاونها الاقتصادي مع باكستان، سواء عبر الدعم المالي أو الشراكة الصناعية، لتكرّس موقعها كمحور موثوق في جنوب آسيا. واللافت أن تميّز المملكة لا يعود فقط إلى «مَن» تتعامل معه، بل إلى «كيف» تبني شراكاتها: بمنظور منفعة متبادلة، ورؤية طويلة الأمد، وصبر استراتيجي. رؤية 2030: تحوّل صناعي واستثماري ترتكز الدبلوماسية الاقتصادية السعودية على «رؤية 2030»، الخطة الوطنية التي تركز على تنويع الاقتصاد، وتنمية القطاع الصناعي، وتمكين القطاع الخاص. وهذا التحول ليس نظرياً، بل يجري تنفيذه بالفعل، حيث باتت المملكة قوة صناعية رائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحققت تقدماً ملموساً في قطاعات متعددة: المركبات الكهربائية: من مصنع «لوسِد موتورز» في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، إلى العلامة السعودية «سير»، وبدء إنتاج «هيونداي» محلياً. أشباه الموصلات: مبادرات سيادية تؤسس لبنية تحتية وطنية في تصنيع الرقائق والإلكترونيات. الدواء والتكنولوجيا الحيوية: إصلاحات تنظيمية وشراكات بين القطاعين العام والخاص حوّلت المملكة إلى مركز للابتكار الصحي. الدفاع والفضاء: تحت مظلة الهيئة العامة للصناعات العسكرية (GAMI)، يتم تعزيز المحتوى المحلي في الصناعات الدفاعية. الطاقة المتجددة: استثمارات ضخمة في الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر تعزز مقومات المملكة إلى جانب تفوقها في النفط. وتُعد المناطق الصناعية مثل الجبيل وينبع وسدير، إلى جانب ممرات لوجستية مثل مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، مرتكزات لهذا التحول. سياسة الطاقة: ثنائية النفط و»المتجددة» بعيداً عن التخلي عن النفط، أظهرت المملكة قدرة بارعة في الحفاظ على الاستقرار السعري عبر قيادتها لـ «أوبك بلس»، مع العمل بالتوازي على التحول في مجال الطاقة. إذ تضخ استثمارات بمليارات الدولارات في مشاريع الهيدروجين الأخضر، والطاقة الشمسية، والرياح، في سعي لتصبح قوة مزدوجة في الطاقة التقليدية والمتجددة. هذا النهج المتمثل بالدفاع عن العمود الفقري للطاقة اليوم، مع بناء مستقبل أكثر استدامة، يوفّر مستوى نادراً من الأمان للمستثمرين، ويعزز من مرونة الاقتصاد الوطني. الأسواق المالية: بورصة «تداول» كنموذج ريادي في صلب قصة الاستثمار السعودية تقف سوق الأسهم «تداول»، والذي أصبح بلا منازع المنصة الأهم للاكتتابات العامة في الشرق الأوسط. ومن أبرز الطروحات: • الاكتتاب التاريخي لشركة «أرامكو السعودية». • «أكوا باور»، الرائدة في مشاريع الطاقة النظيفة. • «حلول إس تي سي» و«علم»، محركا التحول الرقمي. ومع استعداد قطاعات جديدة كالصحة والسياحة واللوجستيات والدفاع لطرح شركاتها في السوق، بات «تداول» بوابة رئيسية لرأس المال المؤسسي والعالمي الساعي للدخول إلى قصة نمو الخليج. وتعزز جاذبية السوق إصلاحات الحوكمة، وتوسيع النفاذ للمستثمر الأجنبي، فضلاً عن الدور المتنامي لصندوق الاستثمارات العامة كمحور مالي إقليمي. البنية التحتية والقدرة السيادية استثمارات السعودية في البنية التحتية المادية تسير بوتيرة غير مسبوقة، وتشمل مدناً ذكية، ومناطق اقتصادية، وموانئ تجارية. ومن أبرز المشاريع شبكة موانئ البحر الأحمر، ومترو الرياض، والربط الصناعي العابر للحدود، وكلها تسهم في تحقيق رؤية المملكة كمركز عالمي للتجارة واللوجستيات. ومع الدعم المالي الهائل من صندوق الاستثمارات العامة والتعاون متعدد الأطراف، باتت هذه المشاريع توفّر قدرة تشغيلية مستقلة وتقلّل من انكشاف الاقتصاد لصدمات خارجية. تحويل الرسوم الجمركية إلى أدوات ضغط في حين انشغلت دول كثيرة بمخاطر الحروب التجارية، رأت السعودية فيها فرصة. فقد سرّعت من تحقيق الاكتفاء في قطاعات استراتيجية، وبنت صناعات جاهزة للتصدير، وجذبت الشركات الساعية لتقليل مخاطر سلاسل التوريد. وليس من المستغرب أن ترتفع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بأكثر من 20% في عام 2024، في وقت كانت فيه التدفقات العالمية في تراجع. وباستثمارها في الملكية الفكرية، والتصنيع المحلي، وتسهيل التجارة، أصبحت المملكة خياراً صناعياً ودبلوماسياً في عالم يتسم بالتحول المستمر. فن الحكم الاقتصادي في الرياض إن صعود السعودية في سلّم الاقتصاد العالمي لم يكن ضربة حظ، بل نتيجة تنفيذ دقيق، ونطاق واسع، ورؤية استراتيجية واضحة. حيث تراجعت دول، تقدمت المملكة. وحيث اختار البعض الاصطفاف، اختارت السعودية التوازن. وحيث رأى الآخرون تهديدات، رأت المملكة نظاماً جديداً بحاجة إلى قيادة صبورة وخيارات بديلة موثوقة. من بكين إلى واشنطن، ومن مومباي إلى موسكو، ينظر إلى الرياض باعتبارها شريكاً اقتصادياً فعالاً، متزناً، وعملياً. وفي عالم يبحث عن ركائز للاستقرار الاقتصادي، نجحت السعودية في ترسيخ مكانتها كقوة من قوى القرن الحادي والعشرين في فن الحكم، والدبلوماسية، والسيادة الصناعية. هذه ليست فقط قصة بلد نجح في إدارة الفوضى، بل نموذج لما يمكن أن تفعله الدول إذا أرادت أن تتقن التعامل مع عالم مضطرب: أن تكون جريئة، واستراتيجية، وقبل كل شيء، واقعية اقتصادياً. * الرئيس التنفيذي لشركة «دو كابيتال في سي»، ومحاضر زائر في ريادة الأعمال، ومؤسس الغرفة الإسلامية العالمية للتجارة والصناعة عبر الإنترنت. وهو أيضاً متحدث عالمي في مجالات الاستراتيجية وتطوير الشركات الناشئة، ويُعرف برؤاه في الاقتصاد وبناء منظومات أعمال مبتكرة، وأخلاقية، وقابلة للتطوير.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store