#أحدث الأخبار مع #«مارسيلبروسيت»الدستور٠٥-٠٤-٢٠٢٥ترفيهالدستوركم من الوقت يحتاجه الإبداع؟طالما ناوشنى السؤال عن طبيعة العلاقة بين الإبداع والزمن الذى يستغرقه الفنان أو الروائى ليكتمل عمله. ومما يثير الدهشة فى ذلك السياق أن عملًا روائيًا مثل «دون كيخوت» استغرق من كاتبه العظيم «سرفانتس» بجزأيه الاثنين نحو أحد عشر عامًا كاملة بين ١٦٠٥ و١٦١٥، بينما أتم الكاتب البريطانى «جون بوين» مسودة روايته الشهيرة «صبى فى بيجاما مخططة» فى يومين ونصف اليوم فقط! على حين انتهى الكاتب الأمريكى «جيروم سالينجر» من روايته الرائعة «الحارس فى حقل الشوفان» فى عشر سنوات! الروائى اليابانى البريطانى «كازو إيشيجورو» الحائز على نوبل قال إنه كتب روايته «بقايا النهار» فى أربعة أسابيع فقط! بينما استغرقت كتابة رواية «مارسيل بروسيت» الشهيرة «البحث عن الزمن المفقود» أكثر من ١٣ سنة، بين ١٩٠٩ و١٩٢٢. فى الأدب العربى لدينا نماذج قليلة من الأدباء الذين كان بوسعهم الانتهاء من عمل فى زمن قياسى، على رأسهم «يوسف السباعى» الذى سجل فى مقدمة روايته «إنى راحلة» قوله: «انتهيت من القصة بعد عشرين يومًا»، والقصة تقع فى نحو أربعمائة صفحة كاملة! والأمثلة كثيرة حتى بين أدباء عظام مثل «ليف تولستوى» الذى ظل يكتب وينقح فى قصة «السيد والخادم» على مدى أكثر من خمسة عشر عامًا بطولها! وهناك عوامل تقود للكتابة بسرعة فائقة، منها الديون التى حاصرت الروسى «دوستويفسكى» صاحب رواية «الأبله»، وكان يلاحق مجلة أسبوعية بأجزاء رواياته أولًا بأول لكى يسدد إيجار المسكن ونفقات الحياة اليومية، فكتب رواية «المقامر» فى أقل من شهر تحت ضغط الحاجة الشديدة للمال، لكن هناك اعتبارات أخرى ليست خارجية بل داخلية تؤدى أحيانًا إلى الكتابة فى زمن قياسى، كأن يكون الكاتب فى قبضة شعور حاد بالوحدة أو الظلم أو الحزن على فراق الحبيبة، بينما يحتاج الموضوع فى بعض الروايات- خاصة التاريخية- إلى تنقيب طويل فى المراجع مثلما فعل تولستوى فى «الحرب والسلام». الملاحظ أيضًا أن الخبرة الطويلة قد تجعل الكاتب يكتب فى زمن قياسى، وفى هذا المضمار هناك نكتة عن بيكاسو حين أتاه شخص ليشترى منه لوحة، فقال له بيكاسو إنه يبيعها بمئة ألف دولار، فسأله المشترى: لكن عفوًا كم من الوقت استغرق رسمها؟ قال له بيكاسو: نصف يوم، لكن وراء ذلك النصف يوم خبرة ثلاثين عامًا! يحدث أيضًا فى مجرى العملية الإبداعية أن تتوهج الفكرة شبه مكتملة، تكاد تقول: اكتبونى، كما يحدث العكس حين تظل فكرة العمل تروغ من الكاتب وهو يحدق بها ويحاول القبض عليها، وبذلك الصدد يقول «يوسف إدريس» فى قصته «ربع حوض» من مجموعة أرخص ليالٍ: «إن الفكرة شىء إنسانى عجيب، فهى دائما تتطلب عملًا وجهدًا وأحيانًا تخطر للإنسان فكرة فيظل يستضعفها ويهملها وهو كاره ما وراءها من عمل حتى يقتلها، وأحيانًا تخطر له فكرة فيها جدة وفيها روعة ولذة فتقلب هدوءه رأسًا على عقب، وتنفخ فيه أطنانًا من النشاط». وما من قاعدة تحكم العلاقة بين الإبداع والزمن الذى يستغرقه ليخرج إلى النور، لأن الإبداع عملية معقدة، تدخل فيها العوامل النفسية، والخبرة الأدبية، وظروف الكاتب الشخصية، كما تدخل فيها إرادة الكاتب التى رأينا فى «نجيب محفوظ» أفضل نموذج لها. العلاقة مُعقدة ما دام الإبداع عملية مركبة تجمع بين الإلهام، والتخطيط، والحرفة، والتجربة الشخصية، ومع ذلك فإن تلك العلاقة جديرة بالتأمل ربما نتمكن من القبض ولو على بعض قوانين تلك العلاقة.
الدستور٠٥-٠٤-٢٠٢٥ترفيهالدستوركم من الوقت يحتاجه الإبداع؟طالما ناوشنى السؤال عن طبيعة العلاقة بين الإبداع والزمن الذى يستغرقه الفنان أو الروائى ليكتمل عمله. ومما يثير الدهشة فى ذلك السياق أن عملًا روائيًا مثل «دون كيخوت» استغرق من كاتبه العظيم «سرفانتس» بجزأيه الاثنين نحو أحد عشر عامًا كاملة بين ١٦٠٥ و١٦١٥، بينما أتم الكاتب البريطانى «جون بوين» مسودة روايته الشهيرة «صبى فى بيجاما مخططة» فى يومين ونصف اليوم فقط! على حين انتهى الكاتب الأمريكى «جيروم سالينجر» من روايته الرائعة «الحارس فى حقل الشوفان» فى عشر سنوات! الروائى اليابانى البريطانى «كازو إيشيجورو» الحائز على نوبل قال إنه كتب روايته «بقايا النهار» فى أربعة أسابيع فقط! بينما استغرقت كتابة رواية «مارسيل بروسيت» الشهيرة «البحث عن الزمن المفقود» أكثر من ١٣ سنة، بين ١٩٠٩ و١٩٢٢. فى الأدب العربى لدينا نماذج قليلة من الأدباء الذين كان بوسعهم الانتهاء من عمل فى زمن قياسى، على رأسهم «يوسف السباعى» الذى سجل فى مقدمة روايته «إنى راحلة» قوله: «انتهيت من القصة بعد عشرين يومًا»، والقصة تقع فى نحو أربعمائة صفحة كاملة! والأمثلة كثيرة حتى بين أدباء عظام مثل «ليف تولستوى» الذى ظل يكتب وينقح فى قصة «السيد والخادم» على مدى أكثر من خمسة عشر عامًا بطولها! وهناك عوامل تقود للكتابة بسرعة فائقة، منها الديون التى حاصرت الروسى «دوستويفسكى» صاحب رواية «الأبله»، وكان يلاحق مجلة أسبوعية بأجزاء رواياته أولًا بأول لكى يسدد إيجار المسكن ونفقات الحياة اليومية، فكتب رواية «المقامر» فى أقل من شهر تحت ضغط الحاجة الشديدة للمال، لكن هناك اعتبارات أخرى ليست خارجية بل داخلية تؤدى أحيانًا إلى الكتابة فى زمن قياسى، كأن يكون الكاتب فى قبضة شعور حاد بالوحدة أو الظلم أو الحزن على فراق الحبيبة، بينما يحتاج الموضوع فى بعض الروايات- خاصة التاريخية- إلى تنقيب طويل فى المراجع مثلما فعل تولستوى فى «الحرب والسلام». الملاحظ أيضًا أن الخبرة الطويلة قد تجعل الكاتب يكتب فى زمن قياسى، وفى هذا المضمار هناك نكتة عن بيكاسو حين أتاه شخص ليشترى منه لوحة، فقال له بيكاسو إنه يبيعها بمئة ألف دولار، فسأله المشترى: لكن عفوًا كم من الوقت استغرق رسمها؟ قال له بيكاسو: نصف يوم، لكن وراء ذلك النصف يوم خبرة ثلاثين عامًا! يحدث أيضًا فى مجرى العملية الإبداعية أن تتوهج الفكرة شبه مكتملة، تكاد تقول: اكتبونى، كما يحدث العكس حين تظل فكرة العمل تروغ من الكاتب وهو يحدق بها ويحاول القبض عليها، وبذلك الصدد يقول «يوسف إدريس» فى قصته «ربع حوض» من مجموعة أرخص ليالٍ: «إن الفكرة شىء إنسانى عجيب، فهى دائما تتطلب عملًا وجهدًا وأحيانًا تخطر للإنسان فكرة فيظل يستضعفها ويهملها وهو كاره ما وراءها من عمل حتى يقتلها، وأحيانًا تخطر له فكرة فيها جدة وفيها روعة ولذة فتقلب هدوءه رأسًا على عقب، وتنفخ فيه أطنانًا من النشاط». وما من قاعدة تحكم العلاقة بين الإبداع والزمن الذى يستغرقه ليخرج إلى النور، لأن الإبداع عملية معقدة، تدخل فيها العوامل النفسية، والخبرة الأدبية، وظروف الكاتب الشخصية، كما تدخل فيها إرادة الكاتب التى رأينا فى «نجيب محفوظ» أفضل نموذج لها. العلاقة مُعقدة ما دام الإبداع عملية مركبة تجمع بين الإلهام، والتخطيط، والحرفة، والتجربة الشخصية، ومع ذلك فإن تلك العلاقة جديرة بالتأمل ربما نتمكن من القبض ولو على بعض قوانين تلك العلاقة.