منذ 15 ساعات
الأرض تنذرنا.. والناس غافلون
الأرض تنذرنا.. والناس غافلون
في الوقت الذي تعمّ فيه الفوضى، وتشتعل فيه الصراعات، وخاصة في الشرق الأوسط، يزداد خطر التغيرات المناخية، ويخيّم شبح الاحتباس الحراري على مستقبل كوكب الأرض مهدداً بفناء الحياة البشرية برمّتها. ففي أحدث تقارير «معهد سكريبس لعلوم المحيطات» في سان دييغو؛ أعلن العلماء أن العالم شهد هذا العام ثاني أكثر شهور مايو سخونةً على الإطلاق منذ بدء تسجيل البيانات قبل 67 عاماً. وأشارت «كوبرنيكوس لتغير المناخ» التابعة للاتحاد الأوروبي، في نشرتها، إلى أن التغير المناخي تسبب في موجة حر تخطّت المعدلات القياسية في غرينلاند.
وكشفت النشرة أن درجات حرارة سطح الأرض في الشهر الماضي كانت أعلى بمتوسط 1.4 درجة مئوية، مقارنةً بفترة ما قبل الثورة الصناعية (1850–1900)، وهي الحقبة التي بدأ فيها البشر بحرق الوقود الأحفوري على نطاق واسع لأغراض صناعية. وقد أدى ذلك إلى موجة حر غير معتادة، إذ تجاوز متوسط درجة الحرارة العالمية في 21 شهراً من أصل 22 شهراً مضت، حاجز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة. وبهذه المعدلات، يقدّر الباحثون أن العالم سيتجاوز حدود «اتفاق باريس» بشأن متوسط الاحترار العالمي بحلول عام 2030 تقريباً، لتدخل الأرض وسكانها في دوّامة لا مخرج منها.
ويُحذّر الخبراء من أن استمرار ارتفاع مستويات ثاني أكسيد الكربون يهدد بجعل سطح الأرض مستقبلاً غير صالح لحياة البشر، فضلاً عن التأثيرات الصحية الناجمة عن ارتفاع تركيزات هذا الغاز الذي يؤدي إلى اضطراب أنماط الطقس، وزيادة الظواهر المتطرفة مثل موجات الحر، والجفاف، والفيضانات، وحرائق الغابات، وتهديد الحياة البحرية.
وكشفت الدراسات أيضاً أن حرائق الغابات في كندا أدت إلى انبعاث 3.28 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وقد أثّرت هذه الحرائق الكارثية على جودة الهواء في العديد من المناطق والمدن المأهولة، كما غطّى الضباب الدخاني سماء مدينة نيويورك، ما دفع السلطات إلى إخلاء أكثر من 200 مجتمع، يضم نحو 232 ألف نسمة، خلال الصيف الماضي.
من جانبها، أكدت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، التابعة للأمم المتحدة، في تقرير لها أن المتوسط العالمي لتركيزات ثاني أكسيد الكربون في عام 2022 كان أعلى بنسبة 50% مقارنةً بعصر ما قبل الصناعة، وهي زيادة قياسية تفاقمت خلال الأعوام التالية. وخلال الفترة نفسها؛ سجلت تركيزات غاز الميثان، وأكسيد النيتروز «غاز الضحك»، أعلى زيادة سنوية على الإطلاق من عام 2021 إلى 2022. شخصياً، ومن خلال متابعتي واهتمامي بهذا الملف الخطير، أشعر بخيبة أمل عميقة إزاء تجاهل صناع القرار في العالم لصيحات التحذير المتكررة التي يطلقها العلماء والمختصون ممن يصرخون ليلاً ونهاراً لإيقاظ الغافلين. ورغم صدور مئات التقارير والدراسات؛ فإن العالم لا يزال يتعامل مع هذه الأزمة بـ«لامبالاة» وبطء، بل وربما يسير أحياناً في الاتجاه الخاطئ. المثير للدهشة أن دول الخليج أكثر وعياً بهذه القضية من دول متقدمة، وتتحرك بإيجابية أكبر، حيث تبذل دول المنطقة جهوداً كبيرة ومتواصلة لحماية البيئتين البرية والبحرية في الخليج العربي بهدف التصدي للتحديات البيئية. ومع ذلك؛ تبقى هذه الجهود غير كافية، لأن قضية المناخ قضية كونية، وتتطلب تضافر الجهود الدولية.
فإلى متى ستواصل البشرية غفلتها، رافضة مواجهة الخطر الداهم الذي يهدد وجودها؟ ومتى سنتحرّك بجدية وبصورة جماعية لإنقاذ الموقف قبل أن يفوت الأوان؟ الوقت يدهمنا، والعالم منشغل بصراعات ونزاعات كان بالإمكان تفاديها بالاحتكام إلى صوت العقل، والجلوس إلى طاولة الحوار. لا يزال الأمل قائماً، بشرط توافر الإرادة الجماعية الآن، وليس غداً.