منذ 13 ساعات
ترامب و'ثلاثة عيون'!ميسر السردية
ترامب و'ثلاثة عيون'!
كتبت: ميسر السردية
ترامب ليس مجرد رئيس مثير للجدل، بل ظاهرة استثنائية أغرت الكتّاب والصحفيين وعلماء النفس على السواء، لمتابعته وترصده لما تنطوي عليه شخصيته من غرابة وطرافة غير مألوفة في تقاليد الحكم الأمريكي. لذلك، تصدرت الكتب التي تناولته قوائم المبيعات، كاشفةً عن جوانب خفية في مؤسسة الرئاسة التي يخشاها العالم ويتمنى رضى رجلها الاول.
يعد كتاب 'ترامب بلا قناع' تحقيقًا صحفيًا عميقًا أعدّه نحو عشرين باحثًا وصحفيًا من جريدة واشنطن بوست، رصدوا فيه سيرة حياة ترامب وعائلته داخل أمريكا وخارجها، منذ طفولته في ظل أب متسلط حتى صعوده كرجل أعمال وإعلام وسياسة. وقد أوضحوا كيف صنع صورته القوية عبر المال والإعلام، مستندًا إلى 'الطموح والأنانية والشعبوية'.
أما كتاب 'الخوف: ترامب في البيت الأبيض' للصحفي بوب وودوورد، فيسلط الضوء على كواليس إدارة ترامب، كاشفًا حالة من الفوضى والقلق في صناعة القرار، من خلال شهادات ومذكرات كبار المسؤولين. يبرز ترامب فيه كشخص متهور لا يصغي للنصائح، مما دفع بعض مساعديه إلى إخفاء أوراق من مكتبه 'لحماية البلاد من قراراته'.
وفي كتاب 'الحصار'، يتابع الصحفي مايكل وولف ما بدأه في 'نار وغضب'، كاشفًا أسرار البيت الأبيض في عهد ترامب. الذي ورغم محاولات منعه، إلا أن كان الأكثر مبيعًا آنذاك.
يقول وولف: الشرط الأساسي للعمل في البيت الأبيض هو 'الاستعداد لتبرير الواقع أو نزع الشرعية عن الحقيقة، واللجوء إلى الكذب عند الضرورة'. وفي هذا الإطار، يظهر ترامب كرئيس استثنائي بشخصية مركبة: عدواني، مخادع، لا يثق بأحد، يكره التفاصيل، ويعشق الظهور والنجاة الشخصية بأي ثمن.
ولطالما تفاخر ترامب أمام أصدقائه قائلًا: 'أنا من ينجو دائمًا بفعلته'. ومعه حق، فعلى مدار 45 عامًا، خضع لتحقيقات قضائية لا تحصى، لكنه نجا من جميعها دون أن يصاب 'بجرح واحد'. وكان شعار حياته: 'ما لا يقتلني يقويني'.
منذ البداية، ضرب ترامب القوانين بعرض الحائط؛ فعيّن ابنته إيفانكا وصهره كوشنر مستشارين أولين، مخالفًا بذلك قانون 'كينيدي' الذي يمنع محاباة الأقارب في المناصب الحكومية. وعندما تلقى محاضرات عن أهمية الأعراف والتقاليد الرئاسية، علق: 'لا أريد الاستماع إلى هذه التفاهات'.
كان كوشنر من القلة التي تعرف كيف تهدئ غضب ترامب وتدغدغ آماله؛ فهو من نفذ فكرة 'نفخه' بضرورة حصوله على جائزة نوبل للسلام، التي نصحه بها هنري كيسنجر، عبر دفع ترامب لعقد لقاء مع زعيم كوريا الشمالية. وذكر وولف أن كوشنر – الذي وظف العلاقة العائلية لمصلحته الخاصة – وصف ترامب لوالده 'المسجون' بتهم الغش بأنه 'طفولي، مفرط الحركة، لا يميز بين المهم والأقل أهمية'.
يتناول وولف أيضًا سخرية ترامب ممن حوله؛ فقد سخر وقلد أصوات عدد من مساعديه وأبرز مناصريه، كعضو الكونغرس سيشنز، ومستشار الأمن القومي ماكماستر، مما أدى إلى استقالة الأخير بعد ستة أشهر.
ومن المفارقات التي لم يبال بها هي وصية السيناتور جون مكين – بطل الحرب في نظر الأمريكيين – حيث أوصى بعدم حضور ترامب جنازته، بسبب سخريته منه بعد إصابته بالسرطان.
ينطبق على ترامب المثل: 'يخاف ولا يستحي'، فقد كان يتجنب زوجة نائبه كارين بنس التي وصفها زوجها بـ'تخيفني'، ولقبها هو بـ'الأم'. كما وصف محاميه رودي جولياني بأنه 'مختل عقليًا'. وعندما وافق المدير المالي لمؤسسة آل ترامب، اليهودي وايسلبيرغ، على الشهادة ضده، قال: 'اليهود ينقلبون دومًا'، في إشارة إلى عدم ثقته بأحد. وهنا نعرف أن ما آلت إليه علاقته بإيلون ماسك كان عاديًا جدًا.
يُشتهر ترامب المتقلب 'كنهارات آذار' بهوسه بالاستعراض والإعلام والفردية، وعدم رغبته بالعمل ضمن فريق. يقول عنه مستشاره ستيف بانون: 'إنه ليس جمهوريًا، انضم إلى الحزب لمصلحته الشخصية. مبدؤه أن يذل من يخضع له، ويحتقر من لا يشاركه في الأرباح، ولا يعرف للشر حدودًا إذا ما شعر بالأذى'.
ورغم الهجمات أو المصدات الداخلية معه أو عليه، كادت وعوده أن تتحقق في رئاسته الأولى؛ فالاتحاد الأوروبي كان على وشك الاستسلام لمعظم مطالبه، والمكسيك بدأت بقبول تعديلاته على اتفاقية 'نافتا'، تبعتها كندا. أما تهديداته للصين بالرسوم الجمركية، فقد أثارت الذعر، إذ كان يراها سببًا في 'تآكل الطبقة الوسطى الأمريكية'.
يخلص وولف إلى أن المؤسسة العميقة في واشنطن لم تحاول إسقاط ترامب لأنه فاشل، بل لأنه كان ناجحًا بطريقة أزعجتهم.
على ما ورد عن شخصيته الكاريكاتيرية، يصبح من الصعب تحليل تصرفاته بناءً على تغريدة يكتبها ترامب مساءً، وينقلب عليها صباحًا. أما طول لسانه، فلن ينجو منه أحد، سواء أكان على هيئة 'أحدب نوتردام'، أو بوسامة زهران ممداني (المرشح حاليًا لمنصب عمدة نيويورك)…
لا أحد يدري كيف ستبحر سفينة رئاسته الثانية، وهل ستتحطم أم تتحدى جبال الجليد، في مانبقى لها من وقت، وكم هي الكتب التي ستلقيها على شاطئ القراء.
2025-06-28