منذ 3 أيام
أركنساس.. أمل أمريكا في إزاحة قبضة الصين على الليثيوم
كشف تقرير نشرته صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية إن جنوب غرب ولاية أركنساس وحده يحتوي على ما يصل إلى 19 مليون طن من موارد الليثيوم.
وتعد الكمية كافية لتلبية الطلب الأمريكي الحالي عدة مرات إذا تم استخراجها بكفاءة.
وفقًا لتقرير صادر عن هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، فإن تكوين منطقة "سماك أوفر" الممتدة تحت أركنساس وعدة ولايات مجاورة، يحتوي على مياه مالحة جوفية غنية بالليثيوم -وهو عنصر حيوي في البطاريات القابلة لإعادة الشحن التي تُستخدم في السيارات الكهربائية والهواتف الذكية والتقنيات الدفاعية.
وتتسابق أكثر من 12 شركة -بما في ذلك عمالقة الطاقة مثل إكسون موبيل وأوكسيدنتال بتروليوم وإكوينور- لاستخراج هذه المياه المالحة باستخدام تقنية جديدة تُعرف باسم "الاستخراج المباشر لليثيوم" (DLE). ويقول المؤيدون إن هذه التقنية يمكن أن تُحدث تحولًا في صناعة الليثيوم الأمريكية، كما فعل التكسير الهيدروليكي في صناعة النفط قبل نحو عشرين عامًا. ويرى آندي روبنسون، المؤسس المشارك لشركة "ستاندرد ليثيوم"، أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تطلق قطاعًا محليًا بمليارات الدولارات.
تقنية حديثة
وعالميًا، تزداد شعبية DLE. وتتابع جامعة كولومبيا ما لا يقل عن 36 مشروع DLE قيد التطوير، منها 13 في الصين. وتتحول دول مثل تشيلي والأرجنتين من التبخير إلى DLE بسبب المخاوف البيئية.
وطورت شركة ستاندرد ليثيوم تقنيتها واختبرتها خلال خمس سنوات في منشأة تجريبية بالشراكة مع شركة لانكسس الألمانية. وفي هذه المنشأة، تتم معالجة المياه المالحة أولًا لاستخلاص البرومين، ثم تُرسل إلى نظام DLE التابع لشركة ستاندرد لاستخلاص الليثيوم باستخدام تقنية مرشحات مرخصة من شركة كوتش إندستريز، وهي مساهم في الشركة.
ويُعتبر DLE أسرع وأقل استهلاكًا للأراضي مقارنة بالطرق التقليدية مثل التعدين المكشوف أو برك التبخير. فبدلًا من انتظار تبخر المياه المالحة لأشهر، تستخدم تقنية DLE مذيبات أو مرشحات لاستخراج الليثيوم خلال ساعات. ويمكن أن تصل معدلات الاستخلاص إلى 90%، مقارنة بـ 40-60% في الطرق التقليدية، مما يجعل التقنية واعدة، خصوصًا في مناطق مثل أركنساس، حيث تركّز الليثيوم مرتفع والبنية التحتية متوفرة.
تحديات قائمة
لكن التحديات لا تزال قائمة. فبعض النقاد يرون أن DLE لم تُثبت نفسها تجاريًا على نطاق واسع بعد. وقد واجه مشروع مشابه في الأرجنتين تابع لشركة فرنسية تأخيرات خلال مراحل التشغيل. كما أن كل مصدر من المياه المالحة يتميز بتركيبة مختلفة، مما يتطلب معالجة مخصصة تزيد من التكلفة وتعقيد التشغيل. وتُقدر "بنشمارك مينيرال إنتليجنس" أن تكلفة إنتاج الطن من الليثيوم من مصادر المياه المالحة الأمريكية تبلغ حوالي 10,735 دولارًا -وهي أعلى بكثير من تكلفة الإنتاج في بعض مواقع التبخير التي لا تتعدى 6,000 دولار للطن.
إلى جانب ذلك، يمر سوق الليثيوم بتقلبات شديدة. فقد انخفضت الأسعار بنسبة 80% منذ ذروتها في عام 2022، ويرجع ذلك جزئيًا إلى زيادة العرض من الصين، التي تهيمن على سلسلة توريد الليثيوم العالمية. كما فرضت بكين قيودًا على تصدير بعض المواد والتقنيات الحيوية لمعالجة الليثيوم، مما أضاف بُعدًا جيوسياسيًا للمنافسة. وتزعم الشركات الأمريكية أن الصين تتلاعب بالسوق عمدًا لإبطاء المشاريع المنافسة.
ومع ذلك، تمضي الشركات الأمريكية قدمًا. وتقول ستاندرد ليثيوم إنها قادرة على إنتاج كربونات الليثيوم بدرجة بطارية بأقل من 6,000 دولار للطن من حيث تكاليف التشغيل المباشرة — باستثناء النفقات الرأسمالية — مما يجعل المشروع مجديًا اقتصاديًا حتى في ظل الأسعار المنخفضة الحالية، وكذلك بفضل الدعم الفيدرالي بما في ذلك منحة بقيمة 225 مليون دولار.
سباق في أركنساس
وفي الولايات المتحدة، تتصدر أركنساس المشهد. فقد أطلقت شركة إكسون موبيل مشروع "سولتويركس" لتطوير الليثيوم من منطقة سماك أوفر، مستهدفة إنتاج ما يكفي لتلبية احتياجات تصنيع مليون سيارة كهربائية سنويًا بحلول 2030. ومع تزايد المشاريع، تشتد النزاعات حول ملكية الأراضي وحقوق المعادن، كما حدث في جلسة استماع عامة مؤخرًا حيث اعترض ملاك الأراضي على حقوق التنقيب.
وتُعد الإتاوات موضوعًا حساسًا آخر. حيث تقترح ستاندرد ليثيوم نسبة 2.5% من الإيرادات لأصحاب الأراضي، بينما يطالب البعض بنسبة تصل إلى 12.5%. وتُحذر الشركات من أن رفع الإتاوات قد يُقوّض القدرة التنافسية الأمريكية أمام الصين. فالصين، خلال عقد من الزمن، بنت شبكة ضخمة من تعدين ومعالجة الليثيوم، مما ساهم في جعل صناعة السيارات الكهربائية فيها رائدة عالميًا.
على مستوى الولاية، تسعى أركنساس لاستغلال الفرصة بالكامل. وقد أقرّ المجلس التشريعي للولاية حوافز ضريبية جديدة لجذب مستثمري الليثيوم. وتقول حاكمة الولاية، سارة ساندرز، إن أركنساس قد توفر ما يصل إلى 15% من احتياج العالم من الليثيوم، مما يعزز موقعها التنافسي ويدعم أمن الطاقة الوطني.
كما تعمل المؤسسات التعليمية المحلية أيضًا على سد الفجوة المهارية. على سبيل المثال، تقدم كلية جنوب أركنساس برامج تدريبية في تشغيل العمليات الكيميائية.
يمثل اندفاع الليثيوم في أركنساس تلاقياً نادراً بين الفرص الاقتصادية، والابتكار البيئي، والحاجة الجيوسياسية. وإذا نجح، فقد يُعيد إحياء مدينة بترولية سابقة، ويُسهم في تعزيز مكانة أمريكا في التحول العالمي نحو الطاقة النظيفة، ويُوفر وظائف دائمة، ويُقلل من الاعتماد على سلاسل التوريد الأجنبية.
aXA6IDgyLjI3LjIyMC41OCA=
جزيرة ام اند امز
LV