#أحدث الأخبار مع #آية_قرآنيةصحيفة الخليجمنذ يوم واحدترفيهصحيفة الخليج«الثلث الجلي».. الحروف تهمس بالخشوعيعد خط الثلث الجلي من الأقلام الأكثر استخداماً وانتشاراً في مجال الخط العربي، ويتميز بقدرته على الظهور بوضوح عند الكتابة على الجدران و الآثار المعمارية، وسمي الخط بـ«الجلي» بسبب سعة الحروف التي تتناسب مع الموازين التكوينية الدقيقة، وقدرته على التلوين والتنسيق، بالإضافة إلى جمالياته الفائقة في تركيب الحروف وسهولة قراءته، حيث تراعي حروفه التوازن البصري بين الأبعاد المختلفة. في هذا السياق، تتجلى أمامنا لوحة الخطاط البوسني منيب أوبرادوفيتش، كعمل فني يخلق تكاملاً بصرياً بين جمالية الخط وروحانية النص، عبر استخدامه لخط «الثلث الجلي» في كتابة الآية الكريمة «فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ» ( القصص- 24). تتميز هذه اللوحة باتساق لافت بين بنية الحروف ودينامية التكوين، مما يعكس قدرة فنية عالية للخطاط على تطويع الخط لخدمة المعنى دون الإخلال بجماليته أو قدسيته، ويعتبر الخط المستخدم فيها وهو «الثلث الجلي»، من أجمل الخطوط العربية والذي يتسم بالانسيابية والرشاقة، ويجعل الناظر إليه يعتاد الجمال والحركة المنتظمة، لما يتطلب تنفيذه من دقة ومهارة عالية في التحكم بالامتدادات، والتركيب والتوازنات. ويترجم ذلك فنياً في تدرج التكوين البنيوي للوحة من الجهة اليمنى إلى اليسرى بحركة أفقية منضبطة، حيث تبدأ الآية بكلمة «فقال»، وتتصاعد في إيقاع بصري نحو «رب» والتي جاءت تتوسط التكوين مكتوبة بامتداد طولي واضح، ثم تنساب الحروف نزولاً نحو بقية الكلمات حتى تصل إلى كلمة «فقير»، في إيحاء بالحركة النفسية من الرجاء إلى الخشوع، ويتجلى هذا الإيقاع البصري الداخلي ليحول الحرف إلى وسيلة تأمل وانسجام روحي. الخطاط أوبرادوفيتش بتكوينه الفني الرصين، نجح في تجسيد هذه اللحظة الإيمانية بلغة الحرف، فالحروف تبدو وكأنها تهمس بالدعاء، تنحني بخفة وتعلو بخشوع، في استحضار مرهف لحالة الرضا والتسليم التي تمثل جوهر هذه الآية الكريمة، مع براعة مميزة في التحكم بأبعاد الخط، خصوصاً في معالجة المسافات بين الحروف والكلمات، بحيث لا تتراكم بشكل عشوائي، لتظهر وكأنها نسج هندسي متكامل، كما يلاحظ المتأمل للوحة، الاستخدام الذكي للامتداد الأفقي في حرف الباء في «رب»، والذي جاء متوازناً مع الامتدادات الرأسية في «أنزلت» و«إلي»، لتكوين وحدة جمالية تسكنها الدهشة. جاء الخط في اللوحة باللون الأسود الحالك، في مقابل خلفية ذات طبيعة حجرية فاتحة، مما يخلق تبايناً بصرياً نقياً، تبرز فيه الحروف بشكل لافت من دون أن تطغى على رقة الخلفية، لتعطي إحساساً بأن الكلمات كتبت على لوح من الرخام في بعد رمزي متجذر في الحضارة الإسلامية يعكس رغبة فنية لدى الخطاط في تخليد النص. *روحانية إلى جانب الجمال الشكلي، تحمل هذه اللوحة قيمة روحية عميقة مستمدة من الآية ذاتها، والتي وردت على لسان سيدنا موسى عليه السلام بعد أن سقى للمرأتين ثم التجأ إلى ربه قائلاً: «فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير». هي لحظة خضوع وتسليم كامل لله، لحظة إنسانية تعكس التضرع الصادق والاعتراف بالحاجة إلى رحمة الله وفضله. يمكن للعين أن تلاحظ كيف تم تطويع الحرف ليصبح امتداداً للموقف النفسي، فهناك سكون في بعض الحروف، وامتداد طويل في غيرها، وكأن كل حرف يعكس لحظة رجاء وصدق داخلي، تنظر في الحرف فتشعر بشيء بداخلك يستكين، هناك نوع من الطمأنينة البصرية، نوع من الإيقاع الداخلي، كأن الحروف تتنفس وتدعو معك، ولعل هذا هو جوهر فن الخط الإسلامي الذي لا يكتفي بإرضاء العين، بل يخاطب الروح. ولد الخطاط البوسني منيب أوبرادوفيتش عام 1971، وتخرج في كلية الهندسة بجامعة 'جامال بييديتش' في مدينة موستار سنة 2000، درس فن الخط العربي علي يد مسعد خضير البورسعيدى، وحصل منه على إجازة الخط العربي، تخرج في معهد الخط العربي 'خليل أغا' في القاهرة، ودرس الخط العربي في مركز الملك فهد الثقافي في مدينة موستار في البوسنة والهرسك، ويعمل على تنظيم المعارض المشتركة لتلاميذه، شارك في العديد من المعارض الجماعية في الدول المختلفة وحصل علي جوائز دولية عديدة.
صحيفة الخليجمنذ يوم واحدترفيهصحيفة الخليج«الثلث الجلي».. الحروف تهمس بالخشوعيعد خط الثلث الجلي من الأقلام الأكثر استخداماً وانتشاراً في مجال الخط العربي، ويتميز بقدرته على الظهور بوضوح عند الكتابة على الجدران و الآثار المعمارية، وسمي الخط بـ«الجلي» بسبب سعة الحروف التي تتناسب مع الموازين التكوينية الدقيقة، وقدرته على التلوين والتنسيق، بالإضافة إلى جمالياته الفائقة في تركيب الحروف وسهولة قراءته، حيث تراعي حروفه التوازن البصري بين الأبعاد المختلفة. في هذا السياق، تتجلى أمامنا لوحة الخطاط البوسني منيب أوبرادوفيتش، كعمل فني يخلق تكاملاً بصرياً بين جمالية الخط وروحانية النص، عبر استخدامه لخط «الثلث الجلي» في كتابة الآية الكريمة «فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْـزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ» ( القصص- 24). تتميز هذه اللوحة باتساق لافت بين بنية الحروف ودينامية التكوين، مما يعكس قدرة فنية عالية للخطاط على تطويع الخط لخدمة المعنى دون الإخلال بجماليته أو قدسيته، ويعتبر الخط المستخدم فيها وهو «الثلث الجلي»، من أجمل الخطوط العربية والذي يتسم بالانسيابية والرشاقة، ويجعل الناظر إليه يعتاد الجمال والحركة المنتظمة، لما يتطلب تنفيذه من دقة ومهارة عالية في التحكم بالامتدادات، والتركيب والتوازنات. ويترجم ذلك فنياً في تدرج التكوين البنيوي للوحة من الجهة اليمنى إلى اليسرى بحركة أفقية منضبطة، حيث تبدأ الآية بكلمة «فقال»، وتتصاعد في إيقاع بصري نحو «رب» والتي جاءت تتوسط التكوين مكتوبة بامتداد طولي واضح، ثم تنساب الحروف نزولاً نحو بقية الكلمات حتى تصل إلى كلمة «فقير»، في إيحاء بالحركة النفسية من الرجاء إلى الخشوع، ويتجلى هذا الإيقاع البصري الداخلي ليحول الحرف إلى وسيلة تأمل وانسجام روحي. الخطاط أوبرادوفيتش بتكوينه الفني الرصين، نجح في تجسيد هذه اللحظة الإيمانية بلغة الحرف، فالحروف تبدو وكأنها تهمس بالدعاء، تنحني بخفة وتعلو بخشوع، في استحضار مرهف لحالة الرضا والتسليم التي تمثل جوهر هذه الآية الكريمة، مع براعة مميزة في التحكم بأبعاد الخط، خصوصاً في معالجة المسافات بين الحروف والكلمات، بحيث لا تتراكم بشكل عشوائي، لتظهر وكأنها نسج هندسي متكامل، كما يلاحظ المتأمل للوحة، الاستخدام الذكي للامتداد الأفقي في حرف الباء في «رب»، والذي جاء متوازناً مع الامتدادات الرأسية في «أنزلت» و«إلي»، لتكوين وحدة جمالية تسكنها الدهشة. جاء الخط في اللوحة باللون الأسود الحالك، في مقابل خلفية ذات طبيعة حجرية فاتحة، مما يخلق تبايناً بصرياً نقياً، تبرز فيه الحروف بشكل لافت من دون أن تطغى على رقة الخلفية، لتعطي إحساساً بأن الكلمات كتبت على لوح من الرخام في بعد رمزي متجذر في الحضارة الإسلامية يعكس رغبة فنية لدى الخطاط في تخليد النص. *روحانية إلى جانب الجمال الشكلي، تحمل هذه اللوحة قيمة روحية عميقة مستمدة من الآية ذاتها، والتي وردت على لسان سيدنا موسى عليه السلام بعد أن سقى للمرأتين ثم التجأ إلى ربه قائلاً: «فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير». هي لحظة خضوع وتسليم كامل لله، لحظة إنسانية تعكس التضرع الصادق والاعتراف بالحاجة إلى رحمة الله وفضله. يمكن للعين أن تلاحظ كيف تم تطويع الحرف ليصبح امتداداً للموقف النفسي، فهناك سكون في بعض الحروف، وامتداد طويل في غيرها، وكأن كل حرف يعكس لحظة رجاء وصدق داخلي، تنظر في الحرف فتشعر بشيء بداخلك يستكين، هناك نوع من الطمأنينة البصرية، نوع من الإيقاع الداخلي، كأن الحروف تتنفس وتدعو معك، ولعل هذا هو جوهر فن الخط الإسلامي الذي لا يكتفي بإرضاء العين، بل يخاطب الروح. ولد الخطاط البوسني منيب أوبرادوفيتش عام 1971، وتخرج في كلية الهندسة بجامعة 'جامال بييديتش' في مدينة موستار سنة 2000، درس فن الخط العربي علي يد مسعد خضير البورسعيدى، وحصل منه على إجازة الخط العربي، تخرج في معهد الخط العربي 'خليل أغا' في القاهرة، ودرس الخط العربي في مركز الملك فهد الثقافي في مدينة موستار في البوسنة والهرسك، ويعمل على تنظيم المعارض المشتركة لتلاميذه، شارك في العديد من المعارض الجماعية في الدول المختلفة وحصل علي جوائز دولية عديدة.