logo
#

أحدث الأخبار مع #أبجدخيالي

"العربية: أبجد خيالي" للباحث والشاعر شربل داغر
"العربية: أبجد خيالي" للباحث والشاعر شربل داغر

المدن

time١٤-٠٥-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • المدن

"العربية: أبجد خيالي" للباحث والشاعر شربل داغر

صدر عن منتدى المعارف كتاب "العربية: أبجد خيالي" للباحث والشاعر شربل داغر. هنا مقدمته: "أتحققُ أحياناً من أنني أدوِّن حروفاً فوق بنطالي، وأنا في طائرة، أو سيّارة. أُدوِّنها لغياب أي حاملٍ مادي قابلٍ لما أكتبُ فوق ورقه أو شاشة هاتف. أُدوِّن ما لا ينتظم في كلمات، على أن بعض الحروف تتقارب مع العربية؛ بل أنتبهُ، في خطي الاعتيادي، إلى أنني أشدِّدُ على إبراز السنات الثلاث في حرف: الشين. قد يكون هذا من قبيل الصحوة اللاواعية لِما كان عليه تعلُّمي في المدرسة الابتدائية للخط؛ بل قد يكون أخفى من ذلك، وهو انشدادي البعيد إلى العربية. يبدو، في هذا، أنه كان لها، ما يستثير بريقاً في المدى غير المنظور أمام طفلٍ منبهرٍ بكيانٍ ينقاد إليه بمجرد تحريك بضعة حروف: الشدُّ على بدن الورقة الرقيق والشفاف لم يكن ليغيب عن العمَّال الخافِين إذ يَسحبون الحبر الأسود من مياهه الجوفية لكي ينمو على عَجل، ولكن بأناقة، ما يشبهُ عالماً ولو بحركات قليلة من شكل. هذا ما بقيَ كما لو أنها آثارٌ خفية، تقبعُ في طرف الأصابع الثلاثة التي كان الباني يحتاجُها، في ريشته ذات الطرف الطويل والدقيق، لنقلِ خطى هي أقرب إلى ما تُحدِثُه عصافير راجفة في ثلجِ الخلاء. ألهذا الكتاب مقدمة ممكنة؟ هو ليس بكتاب في منطلقه، في ترتيبه، وفي إعداد مواده. إذا كان للكتاب في منطلقه مدى، فإن ما انتهيتُ إليه أدناه يشبه الاقتراب من غابة، والتقدم بين أشجارها، وظلالها، وعتمتها، والخروج منها من جديد. لم أُقبلْ على كتابة هذا، في تتابع مواده، مثل أي كتاب، إذ كنتُ أباشر تبعاً لحروف وألفاظ من دون قصد معجمي، أبجدي أو غيره. كنتُ أقرب الى متنزهٍ في... غابة، كما تخيَّلَ لي. ووجدتُ أن هذا أقرب إلى رسمٍ، إلى مخطط، مسبوق بقصد، وهو القيام بجولات متقطعة ومتتابعة في آن. هكذا أدخلُ إلى معجمي، كما أدخل إلى غابة: من غير مكان، في غير اتجاه. ولكلٍّ معجمُه بشكل تلقائي، طبيعي، من حيث يدري ولا يدري. هذا ما يمكن التحقق منه إذ تقفز كلمات، بل جُملٌ أحياناً، من خفائها، لتسبقنا إلى التكلم. هي لم تكن هامدة، باردة في صقيعها، بل كانت تحيا، من دون أن نعرف أو نُبلَّغ عن انتظام تلك الحياة. كلُّ معجمٍ خياليٌّ بدوره؛ معجم فردي؛ معجمُ ما يقع بين التعلم والتمرين. بين الحصول والاشتهاء. بين لغة محفوظة، وأخرى ناشطة من دون بيان أو جردة حساب. معجم لغير الاستعمال فقط، خصوصاً وأن استعماله قد يعني تجديد العربية، عمداً أو من غير قصد. اللغة تستقبل المولود الذي نبدأ به سعيَنا، وتبقى بعدنا، بعد أن تنقطع بنا السبل؛ وهو أحد معاني العبارة الشهيرة: اللغة-الأم، على ما أرى وأقترح. هذا ما يُطيل جاك لاكان في عرضه وشرحه، متنبهاً الى الثدي والرضاعة، وإلى أن حليب اللغة أكثر من مورد لحياة الطفل في خروجه من حضن الأم إلى حضن الجماعة. للزمن، للحياة، سيرةٌ في اللغة، في استعمالاتها، لا تبلغ المعجم العربي في أحوال كثيرة. هذا ما يُقَوِّي الرغبة - لديّ على الأقل - في المرور من جديد في بعض تلك الفجوات. هذا ما اتكلُ عليه في ممكنات اللغة، وفي التخييل فيها. هذا ما أحاولُه في هذه النبذات، أي جمع اللغة بالحياة، حيث تجري أيضاً، وليس في المعجم وحده. هذا ما أجرِّبه بنفسي، على نفسي، في لغتي، وفي "حياتي" فيها، ومعها. الكتابة تجربة، تمتحن كينونتي في العالم عبر اللغة. أجرّب كتابةً تخالِف ما هو عليه المعجم (حتى لو كان خياليّاً)، ولو أتتْ في صيغة : أبجد. اللغة تُحفَظ في معجم، لكنني عندما أتصفحُها فيه، أكتبُها، وهي تكتبني، أتنقلُ في مسالكها، وأتنفسُ فيها ومعها. أتنقل في دروب، بالتالي، ملتوية، متعرجة، لا يكشف البدء بها عما يمكن أن تنتهي إليه. تنقلات تتشبه ظاهرياً بـ"مداخل" المعجم، أو الأبجد، المرتبة، المتتابعة، لكنها تخالفها، إذ تسير، وتتقدم، من دون نظام مسبق. اللغة هي نحن، أنت وأنا وغيرنا. هي ما نكون. ما نصبو إليه، وجوداً وتطلعاً وتعبيراً. هي ما يَعتمل فينا، من دون أن نقوى على استخراجه من دواخلنا. هي ما نعملُ على بنائه، فنصل إلى حيث لم نقصد بالضرورة، لكننا نرضى به؛ بل قد نفرح بما وهبتنا الحياة في اللغة، وبها. كما لو أن ما ننتجه، لا يختلف تماماً عن مولوداتنا الأخرى، الطبيعية : هي من صلبنا، لكنها قد لا تشبهنا تماماً، وهي لا تتطابق معنا مؤكداً. عابرون في اللغة: أبعد منا. أبقى منا. لهذا يطيب لي التوقف في مجالها، مثل من يتفقد سيرته، حَراكه، ودورانه، كم لو أنه يُعاود الخطى في ما ليس له، في ما يسبقه إلى ملامح هيئته الهاربة، المتبددة في هشيم اللحظات. لهذا يشغلني الغامضُ في اللغة، وسحيقُها، على أن اقتفاء آثار متبقية لا تبعد عن اقتفاء الماشي في صحرائه، من دون دليل غير ما تُحدثُه الخطوة تلو الخطوة في ما هو تخييلٌ، ويظنه أقرب من سراب غيمة. لهذا أتحرَى عمّا خفي، عما اندثر، عما تبقى منها، في تلك الدروب التي تمَّحِي بقدر ما ترتسم، أو ترتسم ولا تلبث أن تمحي بعزمٍ تتولاه الخفة في تحليقها. لهذا تبقى اللغة أبعد منا، ولا يكفينا منها ما ينتظم من علاقات، من طرق اشتقاق، من إلماحات الوجوه والتعابير في رحيل الكلمات. سيتنبه القارئ اللبيب إلى أنني أضع حروفاً، بل جذوراً أحياناً، مختلفة للنبذات، ما لا ينسجم بالضرورة مع بناء معجم، فهو يتطلب، لاسيما مع المعاجم المعاصرة، ترتيباً نسقيّاً للمداخل المعجمية فيه. إلا أن هذا القارئ اللبيب سيتنبه كذلك، منذ الصفحات الأولى في الكتاب، إلى أنه يقترب من الكتاب (ولاسيما بعد الاطلاع على مجموعه)، من التأليف أكثر منه من بناء معجم. ومردُّ هذا يعود إلى أنني طلبتُ فيه التوقف والانصراف إلى اشتغالات مختلفة في مدار: اللغة. فاللغة، أو اللسان، أو العربية، هي ما يجمع شتات المكتوب فيها، ويجمع شوارد التفكير في مسائلها. هذا يتوزع في مناطق مختلفة ومتنوعة من "حياة" اللغة: في أصولها، واشتقاقاتها، وتراكيبها، وتحولاتها وغير ذلك. وهذا ما يشتمل أيضاً على نبذات، بل على وقفات فاحصة، في ما يصل اللغة بغيرها: بالفلسفة، والترجمة وغيرها. هذا ما يَحمل على التفكير، بل على التخيل، ما هو مدعاة لسؤال هو في أساس قيام هذا الكتاب: ألا يُسهم الخيال في عمليات الفكر، خاصة في مجاهل اللغة؟ فما أروده في مدار اللغة ينبني انبناءات مختلفة في الكتاب: منها ما ينبني على الدرس المعجمي في طرق استدلاله، ومنها ما ينبني على التفسير والربط والتحليل وغيرها من أقيسة النظر، ومنها ما ينبني على مقادير من التخيل، كما يمكن تسميته. فالخيال، باحتمالاته وتجاوزاته وتنقلاته المجازية، يتيح مثل هذا التجوال في مجاهل اللغة؛ ويقودني في هذا التعليلُ التالي: إن بعضاً مما جرى في اشتقاقات الألفاظ، ولا سيما في معانيها، عند المستعملِين الأوائل لها، وعند معتمديها بعد ذلك، ألا يشبه عمليات التجول الخيالي... عندي أو عند غيري؟ هكذا يتوقف الكتاب، في نبذات، مثل أبجد أو قاموس؛ لكن النبذات منتقاة وفق مقاصد بحثية، من جهة، ووفق حرية التجوال في الألفاظ واحتمالاتها، من جهة ثانية. هكذا يتوقف الأبجد عند: البطاطا وغيرها من الألفاظ اليومية؛ كما يتوقف عند ألفاظ-مفاهيم في عربية اليوم، مثل: الأدب، والتراث، والترجمة، والثقافة، والثورة، والزخرفة، والسامية، والسرد، والشعر، والصورة، والعربية، والعامية، والفنون، والقصيدة، والمعجم وغيرها. وهذا التوقف، عند أقطاب المعاني هذه، طلبَ فحصَ العمليات التي أصابت ألفاظاً في العربية، ما بدَّل من "حمولاتها"، بين ما كانت عليه، وبين صارت عليه. فقد جرتْ (على ما أمكن التحقق) عملياتُ تبديلٍ لمعاني كثير من الألفاظ – لا سيما في سجلات ألفاظ الأدب والثقافة والفنون والسياسة والفلسفة عموماً – ابتداء من القرن التاسع عشر: عملياتٌ أشبه بعمليات الصيرفة، عملياتِ تبديل العملة، حيث طالبُ التبديل يفقد بعضاً من قيمة عملته بمجرد شراء غيرها بها. ولقد كان لهذه العمليات نتائج متعددة: منها "بلبلة" مفهومية، ما جعل اتساق المعاني والدلالات في تاريخ هذه الألفاظ غير قائم، بل بات ملتبساً ومتداخلاً بين قديمه ومستحدثه؛ ومنها أن النظر بات مزدوجاً لهذه الألفاظ بين ما كانت تعنيه وبين ما باتت تعنيه؛ ومنها أن التبديل لم يكن لغوياً، بل ثقافياً (و"حضارياً"، حسب تصنيفات لم تعدْ، اليوم، سارية)، وأدى إلى النظر المتدني وغير السليم إلى ما كانت تدل عليه هذه الألفاظ المعنية في ماضي استعمالاتها في دورات التداول... كما طلبَ الأبجدُ التوقفَ عند جوانب من سيرتي مع العربية، في طفولتي أو في دراستي، ومع "المعلِّمِين" الثلاثة الذين قادتني مباحثُهم: الخليل بن أحمد الفراهيدي، وأحمد فارس الشدياق، والشيخ عبد الله العلايلي. ملاحظة أخيرة: وجدتُ من المناسب، بعد استعراض النبذات التي انتهى إليها البحث والتأليف في هذا الأبجد، أن أنشر، في "ملحق"، مواد سبق أن بحثتُ فيها قبل قيام مشروع الكتاب، وتتناول موضوعات وقضايا متصلة باللغة، بـ"سلطانها"، وبلغوية الترجمة، فضلًا عن ترجمة أجزاء واسعة من نص غير معروف في العربية، يعود إلى الشاعر هنري ميشو، ويتناول فيه اللغة، في "تشاكيلها" الأولى، بين الدرس والتخيل. (*) دعا منتدى المعارف إلى توقيع كتاب "العربية: أبجد خيالي"، يوم الثلاثاء 20 أيار الجاري، من الساعة الخامسة حتى السابعة مساء، جناح منتدى المعارف في معرض بيروت الدولي للكتاب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store