logo
#

أحدث الأخبار مع #أدريانكوينلان

حيرة فنان!
حيرة فنان!

timeمنذ 3 أيام

  • ترفيه

حيرة فنان!

رسالة حائرة متسائلة من الفنان التشكيلى أمير وهيب على الواتساب عن أسباب «هبوط» قيمة الإبداع الحقيقى فى المجتمع، أتصور أن غالبية المجتمع يتفق معه فى إحساسه وألمه، هو فنان تشكيلى له سمعة عالمية، وأعمال فى متاحف مهمة، ولا يشعر بأن له قيمة فى وطنه تعادل قيمة «أسماء مشهورة جدا»، لها رنين الطبول الإفريقية وصخبها. كدت أرد عليه بأن هذا هو الحال فى بلادنا، وأضرب له عشرات الأمثلة عن أحوال المؤلفين والكتاب والمنتجين والعلماء وأساتذة الجامعات مقارنة بأحوال السماسرة والتجار والمعلنين ونجوم التسلية..إلخ، فالتفاوت بين عوائد عمل الطرفين، وهى حالة شائعة فى العالم إلى حد ما، لكن فى الدول المتقدمة الفوارق ليست بهذا الاتساع المخيف، وأحيانا تتقارب المسافات! وهذا طبيعى فى أى مجتمع يميل إلى الاستهلاك الواسع قبل أن يصل إلى مرحلة الإنتاج الكبير، فعقلية المجتمع الاستهلاكى وثقافته تميلان إلى «المكسب» السريع والإنفاق المظهري، فتعلو فيه قيمة وظائف الوسطاء وأصحاب الامتيازات، بينما مجتمعات الإنتاج الكبير تحرص على تراكم القيمة المضافة وتطوير الأداء وتنمية القدرات، وهى أشياء تتطلب منتجين مهرة فى كل مجالات الحياة، دون أن تبخس الوسطاء أدوارهم! وأمير فنان تشكيلى حالم، لا يحبس أحلامه داخله، وإنما يفسرها خطوطا وألوانا وتكوينات فى لوحات غير مألوفة لها جاذبية نابعة من جمالها الداخلي، وهذا واضح للعيان من أول معرض كبير له فى مدينة نيويورك التى يسميها عاصمة الفن التشكيلى فى العالم، وكان عن الساعات فى المدينة الشهيرة، وراح يلف فى شوارعها وميادينها يطالع المبانى التى تحمل ساعات، أياما طويلة وقف فيها متأملا أكثر من مئة ساعة، حتى اختار منها 21 ساعة، لا تسأله عن أسباب هذا الاختيار، فالسر قابع داخل نفس الفنان، الذى تحركه دوافع خفية ومشاعر واعية، قد لا يستطيع عقله أن يشرحها بمنطق المعادلات الرياضية، فالفن طائر حر فى فضاء لا تحده خطوط فاصلة. سنة كاملة تمتص عيناه ومشاعره تفاصيل دفينة من زوايا مختلفة، يحولها إلى 28 لوحة، مكنته فى نوفمبر 2009، من افتتاح معرضه «ساعات فى المدينة» فى كنيسة سانت بيتر اللوثرية، لكنه لم ينل الاهتمام الذى توقعه، عاد بعدها إلى مصر نصف محبط، لكن الإبداع الحقيقى لا يموت ولا تتراجع قيمته، فدعته نيويورك ليعرض فنه مرة ثانية فى 2011، وهذه المرة لفت الأنظار، إلى الدرجة التى كتب عنه أدريان كوينلان محرر الفن فى «نيويورك تايمز» مقالا أشاد فيه بعمله، قائلا إن مشروع وهيب هو استكشاف فنى يسلط الضوء على الوقت والتاريخ والتفاصيل المعمارية لمدينة نيويورك. بعدها حلق اسمه فى صحف ومجلات فى أمريكا وانجلترا وروسيا واليابان! وأذكر حين زرت أمير وهيب لأول مرة فى مرسمه بمصر الجديدة، تسمرت أمام بابه قبل أن أدخل منه، الباب لوحة فنية، وأمير مغرم بثلاثة أشياء تكاد تأخذ حيزا كبيرا من فكره وفنه ولا تكاد تخلو منه لوحة، الباب والساعة والكرسي، علاقة تجمع بين الفلسفة والفن، فالباب عنده ليس مجرد مدخل أو فتحة فى جدار، وإنما هو ساتر لأسرار ووقائع تجرى خلفه، ربما تكون أغرب من الخيال، الباب حياة، فقد يصد خطرا أو يحمى نفسا أو يصون عرضا، وما الحياة إلا أبواب، والموت خروج منها.. أما الساعات، فهى الوقت والزمن، جسر بدأ الإنسان ونهايته، من لحظة الميلاد إلى آخر دقة قلب، والوقت ليس ذهبا ولا فضة ولا ألماسا ولا روديوم ( الجرام بـ500 دولار)، الوقت هو الحضارة، فإذا ضاع الوقت سدى دون تراكم معرفى وصناعة حضارة، فالفراغ والتخلف هما المصير الحتمي، ومن لا يدرك قيمة الوقت يعيش فقيرا على هامش العصر، وأتصور أن اهتمامه بساعات نيويورك لم يكن سببه معماريا، وإنما المعنى الحضارى حتى لو غاب عن وعيه اليقظ وهو يمسك بفرشاته، وتخفى فى وجدانه متربصا بخطوطه وألوانه. يبقى الكرسى، والكرسى ليس مقعدا والسلام، فالأحداث والوقائع التى يحملها عبر التاريخ الإنسانى تتجاوز كونه من الأثاث، فالكرسى له معنى ظاهر يعرفه كل البشر، وألف معنى باطنى، يتصارع عليه بعض البشر: النفوذ والسلطة والجاه والصراع حتى الموت..إلخ. ويتفنن وهيب فى رسم الكرسى بأشكال تجسد كل تلك المعاني، ويرى فى الكرسى صدقا خالصا، فإذا كان مريحا يرتاح الإنسان عليه، وإن كان متعبا يتألم الإنسان منه، ورأيت له لوحة مدهشة، الكرسى فيها غريب التكوين، وحين نظرت إليه مستفسرا، قال: هذا كرسى براوي، كالحصان البراوى الذى يصعب ترويضه، ولا يستحق معاناة الإنسان من أجل الحصول عليه، لكنه لا يتوقف عن البحث عنه! وخارج الباب والساعة والكرسي، وجدت «صورة» بورتريه لفيل، الوجه فقط باللونين الأزرق والبني، فالأصل بيع لمليونير أمريكى جامع للفن، فسألته: الفيل كائن رمادي؟، رد: الفيل من الحيوانات النبيلة، وداخل كل إنسان حيوانه الخاص، الوفاء كالكلب، الدهاء كالثعلب، الغباء كالضبع، وهكذا، وقد عشت مشهدا فريدا لفيل يبكى على فيل مات. قد تسألون: ولماذا لا يصنع أمير وهيب لوحات لـ «ساعات القاهرة» أيضا؟ عنده حلم أكبر، مشروع قومى لتجميل كل ميادين مصر فى جميع محافظاتها، تتحمل تكاليفه الشركات والبنوك والمحال الكبرى فى كل محافظة، بعيدا عن ميزانية الدولة التى تشرف فقط، فمن المهم أن نشع الجمال فى حياة الناس، والجمال فى جوهره إنسانية وأخلاق وسلوكيات، ويمكن بهذا المشروع أن نغير شكل مصر. باختصار كل إبداع حقيقى تعيش قيمته فى الزمن، وكل ما هو استهلاكى يموت مبكرا، فلا تحزن!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store