#أحدث الأخبار مع #أشرفالعربى،الدستور١٣-٠٥-٢٠٢٥أعمالالدستورأشرف العربى: مصر بعيدة عن «الركود التضخمى».. ومعدل النمو تصاعدىقال الدكتور أشرف العربى، رئيس معهد التخطيط القومى، إن الاقتصاد العالمى يشهد تغيرات وتطورات متسارعة تمهد لإعادة تشكيل النظام الاقتصادى العالمى الذى تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، موضحًا أن سيناريو دخول العالم فى حالة «ركود تضخمى» لا يزال بعيدًا إلى حد ما، مع حدوث تفاهمات بين الولايات المتحدة والصين، فيما تتحسن مؤشرات الاقتصاد المصرى بشكل نسبى. وكشف «العربى»، خلال حديثه لـ«الدستور»، عن أنه سيتم إطلاق تقرير حالة التنمية فى مصر يوم الأحد المقبل، مع اعتماد منهجية جديدة تستخدم لأول مرة فى مصر والعالم، وتتضمن مؤشرات فرعية دقيقة عن كل محافظة، مع تقييم جودة التنمية وليس كميتها فقط، مشيرًا إلى أنه سيجرى أيضًا طرح تقرير «مصر ما بعد ٢٠٢٥» قبل نهاية شهر يونيو المقبل، لرصد معوقات التنمية وتصحيح مسارها قبل ٢٠٣٠. ■ بداية.. كيف تقرأ تطورات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتوقعات دخول اقتصادات العالم فى حالة ركود تضخمى؟ - نحن نعيش بالفعل ملامح نظام اقتصادى عالمى جديد قيد التشكل، فالحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ليست مجرد صراع على الرسوم الجمركية أو الميزان التجارى، بل هى جزء من إعادة توزيع مراكز القوة الاقتصادية عالميًا. وهذا الأمر ترافق مع موجات تضخم مرتفعة وتباطؤ فى معدلات النمو فى عدد من الدول، لكن فى ضوء التطورات الإيجابية الأخيرة، والمتعلقة بحدوث تفاهمات بين أمريكا والصين، قد يكون من المستبعد دخول الاقتصاد العالمى فى حالة ركود تضخمى، لكن عمومًا ما زالت الأمور غير محسومة، فالتغيرات متسارعة بشكل غير مسبوق، ما يصعب من دقة التنبؤ. ■ ما تأثير هذه المتغيرات العالمية وسيناريو الركود التضخمى على الاقتصاد المصرى؟ - حتى اللحظة، الاقتصاد المصرى فى وضع أفضل نسبيًا، فالتضخم لدينا يتراجع حاليًا، ولا بد من الحفاظ على هذا المسار النزولى، ومعدلات النمو لدينا لا تزال موجبة وفى اتجاه تصاعدى، فى ضوء توقعات متفائلة سواء من جانب الحكومة أو المؤسسات الدولية، ما لم تطرأ مستجدات كبيرة على الصعيد العالمى، تبقى الأوضاع بحاجة إلى استعداد دائم ومرونة عالية فى السياسات. ■ تستهدف الحكومة خفض التضخم إلى رقم أحادى.. فما مدى واقعية هذا الهدف؟ - استهداف خفض التضخم عملية مركبة ومعقدة تتطلب العمل على عدة محاور، وتختلف من دولة لأخرى تبعًا لحالة اقتصادها، ففى أمريكا أو أوروبًا مثلًا عندما ارتفع معدل التضخم إلى ٤٪ كانت أزمة كبيرة، لكننا فى مصر مثلًا أقصى ما نطمح لتحقيقه فى المرحلة الراهنة هو خفض التضخم إلى رقم أحادى، أى ما دون الـ١٠٪، نظرًا لأن التضخم فى حالتنا تضخم هيكلى، أى أن هناك أسبابًا كامنة فى الاقتصاد القومى تلعب دورًا فى تحريكه، بخلاف المستجدات والتحديات الخارجية مثل: النزاعات والحروب التجارية والتغيرات المناخية. لذلك يتطلب الأمر مواصلة الإصلاحات الهيكلية التى بدأت الدولة تنفيذها قبل سنوات، واتباع سياسة النفس الطويل حتى الوصول إلى الأهداف المرجوة. ■ لماذا لا يشعر المواطن بثمار التنمية والإصلاحات حتى الآن رغم النتائج الإيجابية المتحققة؟ - الفجوة ليست دائمًا نتيجة خلل فى السياسات، بل يحتاج الأمر إلى استدامة فى النمو الاقتصادى للدولة وتحسن مستوى الدخل مقابل استقرار الأسعار، مع مواصلة السياسات المالية دورها فى سد فجوات التوزيع الأولى للدخل، أى أن «المنظومة كلها لازم تشتغل مع بعضها»، والأساس فيها هو تحقيق نمو اقتصادى مرتفع ومُستدام. وعلى سبيل المثال، حققت الصين من سنة ١٩٧٨ حتى ٢٠٠٨، أى على مدار ٣٠ سنة متواصلة، نموًا اقتصاديًا بلغ فى المتوسط ١٢٪، مع خفض النمو السكانى لأقل من ٠.٢٪ أو ٠.٣٪، بينما فى مصر يتراوح النمو فى المتوسط بين ٣-٤٪ مقابل نمو سكانى على الأقل بمعدل ٢٪. لذا، فإن متوسط دخل الفرد يزيد بنحو ١٪، وهى بالتأكيد نسبة ضعيفة لا تشعره بتحسن، لكن على مستوى الأفراد المتعطلين فالناس اشتغلت، وبالتأكيد شعرت بثمار النمو، والقرى المحرومة من الخدمات وصلت إليها الخدمات، والمدارس انخفضت كثافتها جميعها ما يعكس تحسنًا ملحوظًا، استفاد منه كثيرون، لكن التنمية المستدامة تحتاج إلى تعبئة عامة وأن يعمل الناس جميعًا وفق سياسات منضبطة. ■ برأيك.. ما أبرز التحديات التى تواجه جهود التنمية فى المرحلة الراهنة؟ - هناك تحديات كبيرة تواجه خطط التنمية الوطنية، سواء على الصعيد الإقليمى أم الدولى، خاصة بعد تنصيب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وما واكب ذلك من تطورات سريعة ومتلاحقة، تنذر بحدوث تغيرات فى النظام الاقتصادى العالمى مع التحول من سياسات نيوليبرالية توافق واشنطن إلى سياسات تعيد تشكيل نظام اقتصادى عالمى مختلف عن العقود الماضية، وهو ما يفرض بالتبعية تحديات على منظومة التخطيط القائمة على القدرة على التنبؤ فى ظل التغييرات السريعة. لذلك، بدأنا فى معهد التخطيط القومى العمل على إعداد تقرير حول «مستقبل مصر ما بعد ٢٠٢٥»، ومن المنتظر إطلاقه قبل نهاية شهر يونيو المقبل، بهدف رصد ما تحقق من أهداف التنمية، والتحديات والمعوقات لتصويب الأمور قبل الوصول إلى عام ٢٠٣٠، نظرًا لأن خطط التنمية هى فى النهاية مجرد عمل بشرى ووثائق حية تتسم بالمرونة، ولا بد من تحديثها بشكل دورى فى ضوء المتغيرات المختلفة. وبالإضافة إلى ذلك، فنحن بصدد إطلاق أول تقرير من نوعه، بعنوان «تقرير حالة التنمية فى مصر»، بالشراكة مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الإسكوا»، ويمثل هذا التقرير نقلة نوعية، حيث استخدمنا منهجية مركبة جديدة لقياس مؤشرات التنمية المستدامة على مستوى العالم، ومنها مصر، وتكون مصر أول دولة تستخدم هذه المنهجية فى إعداد تقرير وطنى عن حالة التنمية بالمقارنة مع غيرها من دول العالم. كما أننا لم نكتفِ بتطبيق المنهجية الأممية فقط، بل طورناها لتناسب الخصوصية المصرية، مثل: التحديات الخاصة بالمياه والحوكمة والعدالة الاجتماعية. ■ ما أبرز السمات التى تميز هذا التقرير ومتى يتم إطلاقه؟ - التقرير سيتم إطلاقه رسميًا الأحد المقبل، وأعتقد أن أبرز ما يميزه هو إنتاج مؤشرات فرعية دقيقة عن كل محافظة، مع تقييم جودة التنمية وليس فقط كميتها، وتحليل الفجوات بين المحافظات، وإشراك خبراء محليين ودوليين فى التقييم والتحليل. ■ فى ظل التغيرات المتسارعة عالميًا.. كيف يمكن التخطيط للمستقبل ووضع خطط طويلة الأجل؟ - التخطيط أصبح الآن عملية ديناميكية، وليست مجرد وثيقة ثابتة، فنحن نعمل على تحديث استراتيجية مصر ٢٠٣٠، ونعكف حاليًا على دراسة وتحليل الوضع الراهن تمهيدًا لوضع تصور بعد ٢٠٢٥ وحتى ٢٠٤٠، ولدينا تحديات كثيرة بسبب التطورات العالمية المتتالية، لكننا نؤمن بالمرونة التخطيطية، أى التوازن بين الثبات على الأهداف الكبرى وإعادة ضبط التفاصيل حسب المتغيرات. ■ فى ظل وفرة البيانات حاليًا.. كيف يمكن التمييز بين البيانات الصحيحة والمضللة؟ وما دور المعهد فى سد فجوة البيانات؟ - نحن نعيش فى عصر إتاحة البيانات، لكن هذا لا يعنى أن كل البيانات مفيدة أو صحيحة، فلدينا فجوة كبيرة فى البيانات على مستوى العالم العربى، ونسبة لا تقل عن ٥٠٪ من المؤشرات المطلوبة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة غير متاحة، حيث يحتاج رصد تحقيق أهداف التنمية الـ١٧ أكثر من ٢٣٠ مؤشرًا رئيسيًا لقياس الأداء، لأن ما لا يمكن قياسه لا يمكن تحقيقه ولا رصده. وأعتقد أن فجوة البيانات لا تقل أهمية عن فجوة التمويل، وفى مصر الوضع أفضل نسبيًا عن غيرها من الدول العربية فى إتاحة ووفرة البيانات، حتى البيانات الخام والتفصيلية. ونحن فى معهد التخطيط نعمل على تحليل الاتساق بين المؤشرات المختلفة، وتدريب الباحثين على قراءة البيانات بشكل نقدى، وتقديم المشورة الفنية للجهات الحكومية والخاصة، إلى جانب التعاون مع البنك الدولى والأمم المتحدة فى مشاريع خاصة بتطوير جودة البيانات. ■ ماذا عن نتائج مشروع تعميق التصنيع المحلى الذى أطلقه معهد التخطيط القومى مؤخرًا؟ - مشروع تعميق التصنيع المحلى هو مشروع استراتيجى بدأنا فيه منذ عدة سنوات، وكان هناك تركيز كبير على دراسة كيفية تعزيز قدرات التصنيع المحلى وزيادة القيمة المضافة للمنتجات المصرية، وقد أعددنا دراسة معمقة استمرت ثلاث سنوات، تم خلالها التعاون مع العديد من الجهات المعنية، بدءًا من الحكومة وصولًا إلى القطاع الخاص. وقد كان التواصل مع الوزارات من أهم أولوياتنا، وحصلنا على استجابة فعالة جدًا من رئيس الوزراء، ووزير الصناعة، وغيرهما من المسئولين، حيث تمت مراجعة نتائج الدراسة بشكل مشترك، وتمت مناقشة التوصيات فى لقاءات مستمرة، ووجدنا دعمًا كبيرًا من جميع الأطراف لتطبيق هذه التوصيات، وبالفعل، تم تنفيذ العديد من هذه التوصيات على أرض الواقع، وكان هناك التزام جاد من جميع المعنيين. على سبيل المثال، تم تنفيذ بعض الإجراءات الخاصة بتطوير الصناعات التى تتمتع بميزة نسبية فى السوق المصرية، مثل الصناعات الهندسية والغذائية، بالإضافة إلى ذلك، تم تعزيز السياسات المتعلقة بالتصدير لتوجيه الصناعات المحلية نحو الأسواق العالمية. ومن المهم، أيضًا، أن أذكر أن هناك بعض النتائج المباشرة، مثل خلق فرص عمل جديدة فى الصناعات التى تعتمد على التقنية، وتقليل الاعتماد على الاستيراد فى بعض السلع التى يمكن تصنيعها محليًا، وكل هذا كان جزءًا من رؤية شاملة لتحسين البيئة الصناعية ودعم الإنتاج المحلى. والجانب الذى أود التأكيد عليه هو أن التعاون بين المعهد والوزارات والهيئات الحكومية كان له دور كبير فى دفع هذا المشروع قدمًا، وتم بالفعل تشكيل لجان متابعة من رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، وغيرها من الجهات ذات الصلة، لمتابعة التنفيذ، وهذا التفاعل ساعدنا فى تحقيق تقدم ملموس، وإن كانت هناك بعض التحديات، ولكن الأمور تتحرك فى الاتجاه الصحيح. ■ فى الختام.. ما الرسالة التى تود توجيهها للمواطن المصرى؟ - الوضع ليس بسيطًا لكنه ليس مظلمًا أيضًا، وهناك جهود ضخمة تبذل، وهناك نتائج تحققت على الأرض، لكن التحديات كبيرة والتغيرات سريعة، وأهم ما نحتاجه اليوم هو التقييم العلمى وتحديث السياسات باستمرار، لأن التنمية ليست شعارات بل بيانات ومؤشرات وسياسات مدروسة، وكل خطوة للأمام تحتاج منا إلى تفهم وتكاتف كامل. هل يدخل «الذكاء الاصطناعى» ضمن أدوات التخطيط؟ - نعم، نحن نبدأ حاليًا دمج أدوات الذكاء الاصطناعى «AI» فى عملية التخطيط، خصوصًا فى تحليل البيانات الكبيرة واستشراف المستقبل، وهناك مشروعات بحثية ننفذها حاليًا تعتمد على تحليل السيناريوهات المستقبلية لما بعد ٢٠٢٥، باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعى، فلا أحد يستطيع مقاومة هذا التيار، وعلى العكس، نحن نحاول الاستفادة منه بأقصى شكل ممكن.
الدستور١٣-٠٥-٢٠٢٥أعمالالدستورأشرف العربى: مصر بعيدة عن «الركود التضخمى».. ومعدل النمو تصاعدىقال الدكتور أشرف العربى، رئيس معهد التخطيط القومى، إن الاقتصاد العالمى يشهد تغيرات وتطورات متسارعة تمهد لإعادة تشكيل النظام الاقتصادى العالمى الذى تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، موضحًا أن سيناريو دخول العالم فى حالة «ركود تضخمى» لا يزال بعيدًا إلى حد ما، مع حدوث تفاهمات بين الولايات المتحدة والصين، فيما تتحسن مؤشرات الاقتصاد المصرى بشكل نسبى. وكشف «العربى»، خلال حديثه لـ«الدستور»، عن أنه سيتم إطلاق تقرير حالة التنمية فى مصر يوم الأحد المقبل، مع اعتماد منهجية جديدة تستخدم لأول مرة فى مصر والعالم، وتتضمن مؤشرات فرعية دقيقة عن كل محافظة، مع تقييم جودة التنمية وليس كميتها فقط، مشيرًا إلى أنه سيجرى أيضًا طرح تقرير «مصر ما بعد ٢٠٢٥» قبل نهاية شهر يونيو المقبل، لرصد معوقات التنمية وتصحيح مسارها قبل ٢٠٣٠. ■ بداية.. كيف تقرأ تطورات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين وتوقعات دخول اقتصادات العالم فى حالة ركود تضخمى؟ - نحن نعيش بالفعل ملامح نظام اقتصادى عالمى جديد قيد التشكل، فالحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين ليست مجرد صراع على الرسوم الجمركية أو الميزان التجارى، بل هى جزء من إعادة توزيع مراكز القوة الاقتصادية عالميًا. وهذا الأمر ترافق مع موجات تضخم مرتفعة وتباطؤ فى معدلات النمو فى عدد من الدول، لكن فى ضوء التطورات الإيجابية الأخيرة، والمتعلقة بحدوث تفاهمات بين أمريكا والصين، قد يكون من المستبعد دخول الاقتصاد العالمى فى حالة ركود تضخمى، لكن عمومًا ما زالت الأمور غير محسومة، فالتغيرات متسارعة بشكل غير مسبوق، ما يصعب من دقة التنبؤ. ■ ما تأثير هذه المتغيرات العالمية وسيناريو الركود التضخمى على الاقتصاد المصرى؟ - حتى اللحظة، الاقتصاد المصرى فى وضع أفضل نسبيًا، فالتضخم لدينا يتراجع حاليًا، ولا بد من الحفاظ على هذا المسار النزولى، ومعدلات النمو لدينا لا تزال موجبة وفى اتجاه تصاعدى، فى ضوء توقعات متفائلة سواء من جانب الحكومة أو المؤسسات الدولية، ما لم تطرأ مستجدات كبيرة على الصعيد العالمى، تبقى الأوضاع بحاجة إلى استعداد دائم ومرونة عالية فى السياسات. ■ تستهدف الحكومة خفض التضخم إلى رقم أحادى.. فما مدى واقعية هذا الهدف؟ - استهداف خفض التضخم عملية مركبة ومعقدة تتطلب العمل على عدة محاور، وتختلف من دولة لأخرى تبعًا لحالة اقتصادها، ففى أمريكا أو أوروبًا مثلًا عندما ارتفع معدل التضخم إلى ٤٪ كانت أزمة كبيرة، لكننا فى مصر مثلًا أقصى ما نطمح لتحقيقه فى المرحلة الراهنة هو خفض التضخم إلى رقم أحادى، أى ما دون الـ١٠٪، نظرًا لأن التضخم فى حالتنا تضخم هيكلى، أى أن هناك أسبابًا كامنة فى الاقتصاد القومى تلعب دورًا فى تحريكه، بخلاف المستجدات والتحديات الخارجية مثل: النزاعات والحروب التجارية والتغيرات المناخية. لذلك يتطلب الأمر مواصلة الإصلاحات الهيكلية التى بدأت الدولة تنفيذها قبل سنوات، واتباع سياسة النفس الطويل حتى الوصول إلى الأهداف المرجوة. ■ لماذا لا يشعر المواطن بثمار التنمية والإصلاحات حتى الآن رغم النتائج الإيجابية المتحققة؟ - الفجوة ليست دائمًا نتيجة خلل فى السياسات، بل يحتاج الأمر إلى استدامة فى النمو الاقتصادى للدولة وتحسن مستوى الدخل مقابل استقرار الأسعار، مع مواصلة السياسات المالية دورها فى سد فجوات التوزيع الأولى للدخل، أى أن «المنظومة كلها لازم تشتغل مع بعضها»، والأساس فيها هو تحقيق نمو اقتصادى مرتفع ومُستدام. وعلى سبيل المثال، حققت الصين من سنة ١٩٧٨ حتى ٢٠٠٨، أى على مدار ٣٠ سنة متواصلة، نموًا اقتصاديًا بلغ فى المتوسط ١٢٪، مع خفض النمو السكانى لأقل من ٠.٢٪ أو ٠.٣٪، بينما فى مصر يتراوح النمو فى المتوسط بين ٣-٤٪ مقابل نمو سكانى على الأقل بمعدل ٢٪. لذا، فإن متوسط دخل الفرد يزيد بنحو ١٪، وهى بالتأكيد نسبة ضعيفة لا تشعره بتحسن، لكن على مستوى الأفراد المتعطلين فالناس اشتغلت، وبالتأكيد شعرت بثمار النمو، والقرى المحرومة من الخدمات وصلت إليها الخدمات، والمدارس انخفضت كثافتها جميعها ما يعكس تحسنًا ملحوظًا، استفاد منه كثيرون، لكن التنمية المستدامة تحتاج إلى تعبئة عامة وأن يعمل الناس جميعًا وفق سياسات منضبطة. ■ برأيك.. ما أبرز التحديات التى تواجه جهود التنمية فى المرحلة الراهنة؟ - هناك تحديات كبيرة تواجه خطط التنمية الوطنية، سواء على الصعيد الإقليمى أم الدولى، خاصة بعد تنصيب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، وما واكب ذلك من تطورات سريعة ومتلاحقة، تنذر بحدوث تغيرات فى النظام الاقتصادى العالمى مع التحول من سياسات نيوليبرالية توافق واشنطن إلى سياسات تعيد تشكيل نظام اقتصادى عالمى مختلف عن العقود الماضية، وهو ما يفرض بالتبعية تحديات على منظومة التخطيط القائمة على القدرة على التنبؤ فى ظل التغييرات السريعة. لذلك، بدأنا فى معهد التخطيط القومى العمل على إعداد تقرير حول «مستقبل مصر ما بعد ٢٠٢٥»، ومن المنتظر إطلاقه قبل نهاية شهر يونيو المقبل، بهدف رصد ما تحقق من أهداف التنمية، والتحديات والمعوقات لتصويب الأمور قبل الوصول إلى عام ٢٠٣٠، نظرًا لأن خطط التنمية هى فى النهاية مجرد عمل بشرى ووثائق حية تتسم بالمرونة، ولا بد من تحديثها بشكل دورى فى ضوء المتغيرات المختلفة. وبالإضافة إلى ذلك، فنحن بصدد إطلاق أول تقرير من نوعه، بعنوان «تقرير حالة التنمية فى مصر»، بالشراكة مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا «الإسكوا»، ويمثل هذا التقرير نقلة نوعية، حيث استخدمنا منهجية مركبة جديدة لقياس مؤشرات التنمية المستدامة على مستوى العالم، ومنها مصر، وتكون مصر أول دولة تستخدم هذه المنهجية فى إعداد تقرير وطنى عن حالة التنمية بالمقارنة مع غيرها من دول العالم. كما أننا لم نكتفِ بتطبيق المنهجية الأممية فقط، بل طورناها لتناسب الخصوصية المصرية، مثل: التحديات الخاصة بالمياه والحوكمة والعدالة الاجتماعية. ■ ما أبرز السمات التى تميز هذا التقرير ومتى يتم إطلاقه؟ - التقرير سيتم إطلاقه رسميًا الأحد المقبل، وأعتقد أن أبرز ما يميزه هو إنتاج مؤشرات فرعية دقيقة عن كل محافظة، مع تقييم جودة التنمية وليس فقط كميتها، وتحليل الفجوات بين المحافظات، وإشراك خبراء محليين ودوليين فى التقييم والتحليل. ■ فى ظل التغيرات المتسارعة عالميًا.. كيف يمكن التخطيط للمستقبل ووضع خطط طويلة الأجل؟ - التخطيط أصبح الآن عملية ديناميكية، وليست مجرد وثيقة ثابتة، فنحن نعمل على تحديث استراتيجية مصر ٢٠٣٠، ونعكف حاليًا على دراسة وتحليل الوضع الراهن تمهيدًا لوضع تصور بعد ٢٠٢٥ وحتى ٢٠٤٠، ولدينا تحديات كثيرة بسبب التطورات العالمية المتتالية، لكننا نؤمن بالمرونة التخطيطية، أى التوازن بين الثبات على الأهداف الكبرى وإعادة ضبط التفاصيل حسب المتغيرات. ■ فى ظل وفرة البيانات حاليًا.. كيف يمكن التمييز بين البيانات الصحيحة والمضللة؟ وما دور المعهد فى سد فجوة البيانات؟ - نحن نعيش فى عصر إتاحة البيانات، لكن هذا لا يعنى أن كل البيانات مفيدة أو صحيحة، فلدينا فجوة كبيرة فى البيانات على مستوى العالم العربى، ونسبة لا تقل عن ٥٠٪ من المؤشرات المطلوبة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة غير متاحة، حيث يحتاج رصد تحقيق أهداف التنمية الـ١٧ أكثر من ٢٣٠ مؤشرًا رئيسيًا لقياس الأداء، لأن ما لا يمكن قياسه لا يمكن تحقيقه ولا رصده. وأعتقد أن فجوة البيانات لا تقل أهمية عن فجوة التمويل، وفى مصر الوضع أفضل نسبيًا عن غيرها من الدول العربية فى إتاحة ووفرة البيانات، حتى البيانات الخام والتفصيلية. ونحن فى معهد التخطيط نعمل على تحليل الاتساق بين المؤشرات المختلفة، وتدريب الباحثين على قراءة البيانات بشكل نقدى، وتقديم المشورة الفنية للجهات الحكومية والخاصة، إلى جانب التعاون مع البنك الدولى والأمم المتحدة فى مشاريع خاصة بتطوير جودة البيانات. ■ ماذا عن نتائج مشروع تعميق التصنيع المحلى الذى أطلقه معهد التخطيط القومى مؤخرًا؟ - مشروع تعميق التصنيع المحلى هو مشروع استراتيجى بدأنا فيه منذ عدة سنوات، وكان هناك تركيز كبير على دراسة كيفية تعزيز قدرات التصنيع المحلى وزيادة القيمة المضافة للمنتجات المصرية، وقد أعددنا دراسة معمقة استمرت ثلاث سنوات، تم خلالها التعاون مع العديد من الجهات المعنية، بدءًا من الحكومة وصولًا إلى القطاع الخاص. وقد كان التواصل مع الوزارات من أهم أولوياتنا، وحصلنا على استجابة فعالة جدًا من رئيس الوزراء، ووزير الصناعة، وغيرهما من المسئولين، حيث تمت مراجعة نتائج الدراسة بشكل مشترك، وتمت مناقشة التوصيات فى لقاءات مستمرة، ووجدنا دعمًا كبيرًا من جميع الأطراف لتطبيق هذه التوصيات، وبالفعل، تم تنفيذ العديد من هذه التوصيات على أرض الواقع، وكان هناك التزام جاد من جميع المعنيين. على سبيل المثال، تم تنفيذ بعض الإجراءات الخاصة بتطوير الصناعات التى تتمتع بميزة نسبية فى السوق المصرية، مثل الصناعات الهندسية والغذائية، بالإضافة إلى ذلك، تم تعزيز السياسات المتعلقة بالتصدير لتوجيه الصناعات المحلية نحو الأسواق العالمية. ومن المهم، أيضًا، أن أذكر أن هناك بعض النتائج المباشرة، مثل خلق فرص عمل جديدة فى الصناعات التى تعتمد على التقنية، وتقليل الاعتماد على الاستيراد فى بعض السلع التى يمكن تصنيعها محليًا، وكل هذا كان جزءًا من رؤية شاملة لتحسين البيئة الصناعية ودعم الإنتاج المحلى. والجانب الذى أود التأكيد عليه هو أن التعاون بين المعهد والوزارات والهيئات الحكومية كان له دور كبير فى دفع هذا المشروع قدمًا، وتم بالفعل تشكيل لجان متابعة من رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء، وغيرها من الجهات ذات الصلة، لمتابعة التنفيذ، وهذا التفاعل ساعدنا فى تحقيق تقدم ملموس، وإن كانت هناك بعض التحديات، ولكن الأمور تتحرك فى الاتجاه الصحيح. ■ فى الختام.. ما الرسالة التى تود توجيهها للمواطن المصرى؟ - الوضع ليس بسيطًا لكنه ليس مظلمًا أيضًا، وهناك جهود ضخمة تبذل، وهناك نتائج تحققت على الأرض، لكن التحديات كبيرة والتغيرات سريعة، وأهم ما نحتاجه اليوم هو التقييم العلمى وتحديث السياسات باستمرار، لأن التنمية ليست شعارات بل بيانات ومؤشرات وسياسات مدروسة، وكل خطوة للأمام تحتاج منا إلى تفهم وتكاتف كامل. هل يدخل «الذكاء الاصطناعى» ضمن أدوات التخطيط؟ - نعم، نحن نبدأ حاليًا دمج أدوات الذكاء الاصطناعى «AI» فى عملية التخطيط، خصوصًا فى تحليل البيانات الكبيرة واستشراف المستقبل، وهناك مشروعات بحثية ننفذها حاليًا تعتمد على تحليل السيناريوهات المستقبلية لما بعد ٢٠٢٥، باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعى، فلا أحد يستطيع مقاومة هذا التيار، وعلى العكس، نحن نحاول الاستفادة منه بأقصى شكل ممكن.