١٠-٠٥-٢٠٢٥
سيناريوهات المواجهة الهندية ــ الباكستانية
شهدت العلاقات الهندية - الباكستانية تدهورا متزايدا عقب الهجوم الإرهابى الذى تعرض له القسم الهندى من جامو وكشمير يوم 22 أبريل الماضي، ولم تعلن اى جماعة مسلحة مسئوليتها عن هذا الهجوم الذى راح ضحيته 26 شخصا من السياح الأجانب فى موقع سياحى يعرف باسم Pahalgam .
آثار هذا الهجوم ردود فعل هندية عنيفة على الصعيدين الرسمى والشعبي، واتهمت الحكومة الهندية باكستان بالمسئولية وراء هذا الهجوم، وهو ما نفته الحكومة الباكستانية، والتى أعربت عن استعدادها فى الاشتراك فى إجراء تحقيقات محايدة للوقوف على الجماعة أو الجماعات المسلحة التى خططت ونفذت هذه العملية الإرهابية، الأولى منذ عام 2019 عندما وقع هجوم مماثل على عناصر أمنية هندية تسبب فى اندلاع اشتباكات عسكرية محدودة بين الجيشين الهندى والباكستاني.
لكن هذه المرة اتخذت الحكومة الهندية مجموعة من القرارات ضد المصالح الباكستانية، لعل أخطرها تعليق العمل بمعاهدة نهر السند التى تم التوقيع عليها فى عام 1960؛ وردا على هذا القرار الخطير على الأمن المائى الباكستاني، أعلنت الحكومة الباكستانية ان مثل هذا القرار يعد «اعلانا للحرب»، كما انها كرد فعل على القرار الهندى علقت العمل بمعاهدة السلام بين البلدين المعروفة التى وقع عليها الرئيس الباكستانى الأسبق ذو الفقار على بوتو عن الجانب الباكستاني، والسيدة أنديرا غاندى رئيسة وزراء الهند السابقة، وذلك فى يوم 2 يوليو عام 1972، التزمت الدولتان بموجبها بالعمل من اجل إحلال «السلام الدائم» فى شبه القارة الهندية، مع التعهد بعدم التهديد باستخدام القوة، وتسوية الخلافات بينهما بالطرق السلمية ، وذلك فى إطار الالتزام المشترك بميثاق الامم المتحدة. والأهم فى هذه المعاهدة هو النص الصريح على احترام الدولتين بما يعرف باسم Line of Control ، وهو خط ورد فى اتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان فى 17 ديسمبر 1971، يفصل بصفة مؤقتة بين القسم الباكستانى والقسم الهندى فى جامو وكشمير، وهى محل نزاع تاريخى قديم يعود إلى الحرب الهندية ــ الباكستانية الأولى فى 1947-1948.
تتزايد المخاوف من اندلاع حرب شاملة بينهما بعد التطورات الأخيرة, والمواجهات العسكرية التى جرت بينهما الأيام الماضية وقيام الهند بتوجيه ضربات عسكرية ضد مواقع فى كشمير الباكستانية وفى ولاية البنجاب, قالت إنها معسكرات تدريب لمتشددين، وردت باكستان عليها وبإسقاط عدد من الطائرات الهندية.
مما لاشكً فيه ان الحكومتين الهندية والباكستانية، ورغم التصريحات العدائية المتبادلة بينهما على خلفية هذا الهجوم الإرهابي, والمواجهات المسلحة بينهما, تدركان انه من الخطورة بمكان وقوع حرب شاملة بين الجيشين. السبب الأول هو الخوف من فقدان السيطرة على الموقف العسكري، فالاحتمالات واردة من حدوث تصعيد . اما السبب الثانى فهو يتعلق بالضغوط الداخلية التى قد تمارس على الحكومتين. فعلى الجانب الهندى الضغط الشعبى للدخول فى حرب قد تصبح مفتوحة كبيرا، واما على الجانب الباكستانى فالأوضاع الاقتصادية والسياسية حرجة للغاية، ولذا قرار الحرب ليس سهلا على الإطلاق، والإجراءات العقابية التى اتخذتها الحكومتان تضر بمصالح الدولتين وصعب تصور استمرار العمل بها.
من جانب آخر عنصر الردع النووى المتبادل يعتبر من العناصر الحاكمة فى الموقف، فلا الجيش الهندى متفوق على الجيش الباكستانى فى مجال الأسلحة التقليدية بفارق كبير، ولا الجيش الباكستانى يرغب فى التورط فى مغامرة عسكرية غير محسوبة قد تتطور إلى وضع يصبح اللجوء فيه إلى الخيار النووى بمثابة محاولة انتحار عسكري. ولهذا كان الاتصال التليفونى الذى حدث بين مدير هيئة العمليات العسكرية الهندية ونظيره الباكستانى يوم الثلاثاء 29 أبريل دليلا على إدراك القيادات العسكرية فى كلا البلدين لخطورة الموقف، وأهمية احتواء اى تصعيد بينهما. هناك عنصر ضاغط آخر على الهند وباكستان إلا وهو تشابك وتداخل مصالح القوى الكبرى فى شبه القارة الهندية. فالصين حليف موثوق لباكستان، ولن تقف مكتوفة الأيدى إذا ما تعرضت باكستان لتهديد عسكرى يهدد وحدتها الإقليمية؛ والولايات المتحدةً لا تريد اندلاع الحرب فى شبه القارة الهندية لعلاقاتها المتشعبة مع كل من الهند وباكستان، فهى ترتبط مع الأولى بسلسلةً تحالفات إقليمية تتركز فى منطقة المحيط الهادى والهندي، كما انها كانت قد قررت فى 2004 اعتبار باكستان حليفا رئيسيا من خارج الحلف الأطلنطي. كما أنها تحتاج إلى استمرار التعاون مع باكستان فى مراقبة تطور الأوضاع فى أفغانستان. هذا بالإضافة إلى تركيز الولايات المتحدة حاليا على حربين، الحرب الأوكرانية فى أوروبا، وحرب غزة وفى جنوب البحر الأحمر, وبالتالى من مصلحتها المؤكدة الضغط على كل من الهند وباكستان لخفض التصعيد الأخير. ولم يختلف الموقف الصينى أيضا، ففى اتصال تليفونى لوزير الخارجية الصينى مع نظرائه فى الهند وباكستان أعرب عن موقف بلاده من ان نشوب الحرب بين البلدين لن يخدم «المصالح الأساسية» لكليهما، مؤكدا ضرورة ضبط النفس فى التعامل مع تداعيات العملية الإرهابية على العلاقات الهندية ــ الباكستانية. وروسيا من جانبها دعت الدولتين لتسوية الخلافات بينهما بالوسائل السلمية.
وبالنسبة لمستقبل العلاقات الهندية - الباكستانية، فمن المؤكد ان هناك مسئولية كبيرة تقع على عاتق الحكومة الباكستانية فى اتخاذ جميع الإجراءات الكفيلة بالحيلولة دون تكرار مثل هذه العمليات الإرهابية من أراضيها. وفى كل الأحوال فرغم أن سيناريو الحرب الشاملة يبدو مستبعدا خاصة بعد أن نجحت أمريكا فى التوصل إلى وقف إطلاق النار بين البلدين.