logo
#

أحدث الأخبار مع #أنورعبدالملك،

العودة إلى علم الاستغراب
العودة إلى علم الاستغراب

جريدة الوطن

time٠٣-٠٥-٢٠٢٥

  • علوم
  • جريدة الوطن

العودة إلى علم الاستغراب

كان من المهم المبادرة قديماً إلى وضع علم الاستغراب، في إطار عملي فكري في الوطن العربي والشرق المسلم، من حيث التفاعل مع منتج الحضارة الغربية الفلسفي المعاصر، في عرضٍ وتفكيكٍ أمين، والعبور إلى أين نجحت هذه النظريات وأين أخفقت، ولذلك رجوتُ أن أساهم في هذه العودة، ليس من خلال دعوى تميزها، ولكن لتأكيد الأهمية لها. والدعوات لمباشرة علم الاستغراب بدأت منذ أكثر من سبعين عاماً، ومن شخصيات متعددة، أذكر منها المفكر المصري الماركسي د. أنور عبد الملك، وآخرين، غير أني أسجل هنا ثلاث قواعد تحكمني في هذا المسار: 1- إن وصول علم الاستغراب إلى قواعد حتمية ملزمة لم يستقر بعد، ولا يوجد في تقديري أي مبرر للالتزام باجتهادات أكاديمية أو بحثية، لا تملك ما يكفي من قناعة أو جمهرة تأييد ذات تجربة، مع الاحترام الكبير لكل المحاولات التي سعت لوضع محددات لهذا العلم. والذي أراه متفقاً مع عقيدتي البحثية هو أن يكون المسار الاستغرابي قائماً على منطلقٍ أخلاقي، ومحققاً لحصيلة نوعية في العرض والنقد معاً، وليس لإعادة ترجمة المنتج الفلسفي الغربي، مع تقديري لكل التوجهات الأخرى. 2- عرّفتُ علم الاستغراب بهذا التعريف الاجتهادي غير الملزم لغيري. الاستغراب: هو إطلاق قاعدة علم معرفي دراسة منتج الحضارة الغربية؛ لإعادة نقدها بناء على شخصية ندية، تحترم المنجز وتنقد المختلف، تنطلق لدي من رؤية إسلامية ذات عمق مشرقي وتقاطع عالمي جنوبي، تُحرر إشكالية الخلل في أصول الاستدلال وفي مآل التجربة العُمرانية للإنسان في تاريخ العالم الحديث. وتُقدّم رؤيتها البديلة دون أن تُنزه المنجز، ولا تظلمه، وتؤسس من خلال هذا المسار المعرفي قواعد مشتركة لنهضة الشرق والعالم الأخلاقي الجديد، ولا يَلزم من المشاركة في هذا العلم البقعة الجغرافية ولا الهوية السياسية والقومية الضيقة، وإنما كل من شارك وفق شروط هذا المنهج الاستغرابي يشمله هذا العلم. 3- إن استحضار المرجعية الإسلامية المعرفية في علم الاستغراب ليس تعصباً دينياً انعزالياً، ولكن لكون الفلسفة الإسلامية - بكل أبعادها ومذاهبها المتعلقة بالقانون الاجتماعي وعلاقته بالدين - هي الرؤية المركزية المقابلة، ذات الأصول المختلفة والمنطلقات المتمايزة في حوار الحضارات، بل في تحقيق المعادلة المزدوجة لحياة الإنسان، الحياة الآمنة المطمئنة، والإدراك اليقيني لقصة الوجود وما بعد نهاية التاريخ الأرضي. فهي كتلة متماسكة لمن آمن بها، وحتى من رفض مرجعيتها الدينية فسيجد في آخر الأمر معنى هذا التكامل الندّي للرؤية المادية وتطرفها على الإنسان. ولا معنى عندي -مع كل الاحترام للبنى القومية العربية- لتأسيس غرسٍ معرفي خارج الشريعة ومدلولاتها الفلسفية، فالإسلام هو التاريخ الذي وُلدَ به العرب من جديد، والذي أثّر من ثم على حضارات الشرق، والاتصال الإنساني المعرفي المشترك. ولذلك يحضر علم اللاهوت أو مفهوم الدين والخالق في فصول كتابي (الدين والإنسان والقانون الاجتماعي)؛ لكونه مرجعية اعتبارية مطلقة، لا تتداخل مع فلسفة محددة، بل مع نظريات الفلسفة الأخلاقية الكبرى في البحث العالمي اليوم. ثالثاً: يتعامل مسار هذا المشروع مع تجربة المعرفة والفلسفة التشريعية في الغرب، من خلال أنها منجز سعى لتحقيق عدالة اجتماعية لصالح الإنسان (الغربي)، فيُعترف له بحصيلة ما أنجزه، من حيث إنها تجربة إنسانية مشتركة التداول الحضاري، والقواعد الصحيحة فيها تشمل كل الأمم. في حين أطرح النظريات التي وصلتُ إليها في نقد العجز الأخلاقي، أو أثر أصول هذه الفلسفات في مآل العالم اليوم، أو حتى من خلال مخالفة بعض أصوله، كما بينت في مواضع عديدة لفلسفة روسو، التي اتكأت نظريات الحداثة الأخيرة عليها، وكان هو شخصياً يخالف مآلها أخلاقياً وفلسفياً. رابعاً: أقدِّم الكتاب نموذجاً مقترحاً، على طاولة علم الاجتماع الباحث عن نظريات المعرفة الجديدة، وبالذات في فلسفة التشريع القانوني، الذي لا يقف عند الأخلاق الشخصية والطبائع الفردية الروحانية، وإنما يتقدم بقوة نحو مفاهيم أزمة الدولة والاستبداد، والظلم الاجتماعي، وكيف نعيد تحرير الموقف منه في الفلسفة الأخلاقية الإسلامية، وفي دوافع فلاسفة الغرب للهروب من مقصلة السياسة ومشنقة (الدين)، فالكتاب يُحرر أزمة تبديل شرائع العدل والحرية في التاريخ الإسلامي القديم والحديث. وفي نهاية الأمر، أؤكد بلا تردد على أن هذا الجهد - الذي أخذ من عمري مرحلةً مهمة في البحث والمراجعة - لم يقف عند نصوص روسو، ولكن انطلق إلى كل منصة متاحة وصلتُ إليها، مع إعمال الفكر في مواطن التنظير والتحقيق، وسيظل مساحة محدودة معروضة للنقاش والحوار، ولفرص أوسع وأقدر من قلمي المتواضع.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store