أحدث الأخبار مع #أوليغارشية


العربي الجديد
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- العربي الجديد
"العرب" بين فكرة القومية ومأزق الحريّة!
عندما تأسّست جامعة الدول العربية عام 1945م، بصفتها منظمةً إقليميةً تمثّل كياناً جغرافياً يسمّى "الوطن العربي"، افترض البعض في حينه أنّ هذه الخطوة الأولى نحو الوحدة العربية، وأنّ المشروع البريطاني خلال فترة الانتداب على دول المنطقة، ساهم في ولادة هذه الجامعة، بهدف "تأهيل" الكيانات السياسية العربية الناشئة تحت مظلّة قوميّة! فيما افترض آخرون أنّ دعم بريطانيا للجهود العربية في قيام الجامعة العربية، بعد الحرب العالمية الثانية، هدفه ضمان بقاء الكيان الجديد تحت تأثير نفوذ القوى الإمبريالية القديمة والجديدة. لا شك أنّ الجامعة العربية، ومنذ عام 1990م، تعكس خيبة أمل شائعة بين الشعوب العربية، وشعوراً واسعاً بالإحباط من مؤسّسات العمل العربي المشترك، في ظلّ خمولها وغيابها التام في القضايا الكبرى والأزمات المصيرية، وتعرّضت لنقد شديد من النخب السياسية والفكرية على امتداد الجغرافيا العربية، فلم تنجح في تحقيق الحدّ الأدنى من أهدافها المعلنة، ولا في التعامل الفعّال مع القضايا السيادية؛ فلسطين، لبنان، العراق، سورية، السودان، اليمن وغيرها، وفي كثير من القرارات بقيت رمزية أو غير مُلزِمة، ما جعل دور الجامعة، وفكرة "القومّية" محلّ تساؤل وشكٍ دائمَين. وبرأينا أنّ البُنية الإقليمية "للجامعة العربية" لم تُصمَّم أصلاً لتحقيق وحدة أو تكامل، بل لضبط الإيقاع ضمن حدود لا تهددّ المصالح الغربية ولا تُفككّ المنظومة التي رسمها الاستعمار بخطوطه وحدوده، فالجامعة "بُنيت لتقسيم الجيوسياسي العربي" بما يتماشى مع نظرية إدارة التفكّك لا مقاومته، أي أنّ المؤسسة توفّر غطاءً شكلياً للوحدة، بينما في الواقع تكرّس الانقسام! والأمثلة الواقعية التي عصفت بالمنظومة العربية خلال العقود القليلة الماضية، تؤكّد صحة هذه الفرضية، فالمواقف متباينة بين الدول إلى درجة العداء والقطيعة أحياناً، فضلاً عن استغلال الجامعة، أحياناً، أداةً في صراعات إقليمية بدلاً من كونها محايدة وموحِّدة. المواقف متباينة بين الدول العربية إلى درجة العداء والقطيعة أحياناً، فضلاً عن استغلال الجامعة العربية، أحياناً، أداةً في صراعات إقليمية بدلاً من كونها محايدة وموحِّدة ومع ذلك، هناك من يرى أنّ ضعف الجامعة لا يعني بالضرورة أنّ فكرتها كانت خاطئة من الأساس، بل إنّ المشكلة تكمن في الإرادات السياسية للحكومات الأعضاء، لا في الهيكل ذاته. فهل البديل يكمن في نموذج جديد للوحدة العربية، أم أنّ فكرة "الوحدة" بحدّ ذاتها لم تعد واقعية؟ بعد قرن من تفككّ المشروع القومي، تغيّر إدراك الدول والأنظمة العربية، لمقاربات الوطني والقومي، وفكرة "الوحدة"، التي كانت في لحظة من التاريخ حلماً تحمله النخب والجماهير، أصبحت من الأطلال والتراث، أمام صعود الدول القُطرية وترسيخ مفهوم السيادة بمعناه الضيّق، والتحوّلات الاقتصادية والسياسية التي ربطت بقاء الأنظمة باستقرار خارجي لا داخلي، إضافة إلى التجزئة الثقافية والإعلامية التي عمّقت الفوارق بدل أن تردمها، وأيضاً خلوّ الساحة من مشروع أيديولوجي جامع بعد تراجع القومية واحتواء الإسلام السياسي! ويكمن جوهر المشكلة في غياب الأيديولوجيا العابرة للحدود القومية التي بإمكانها أن توحّد، أو حتى تقرّب بين الشعوب قبل الأنظمة، فالوحدة في الخطاب السياسي غالباً ما تُذكر، إما لأغراض شعبوية أو في سياق عاطفي، لكن لا توجد أدوات فعلية لتحقيقها، ولا حتى رغبة حقيقية من الأنظمة العربية، التي ترى في كلّ مشروع وحدوي تهديداً لمصالحها أو وجودها. وجذر المأساة (أو الملهاة إن شئت) السياسية العربية المعاصرة، يعكس واقعاً تُهيمن عليه أنظمة أوليغارشية تتغذّى على الاستبداد والفساد والتهميش، وتتصرّف بصفتها "ثقباً أسود" يمتصُّ الطاقات، ويبتلع المبادرات، ويعيد تشكيل كلّ تهديد مُحتمل ليصبح جزءاً من بنية هذه الأنظمة! غياب الحرية يجعل الوعي مشوّهاً، والإرادة الجماعية مكسورة، والبدائل غائبة أو مُصادَرة وفكرة التغيير التي تبدأ من الأسفل، أي من الشعوب، كما يرى البعض، تصطدم بجدار سميك، فغياب الحرية يجعل الوعي مشوّهاً، والإرادة الجماعية مكسورة، والبدائل غائبة أو مُصادَرة، والاحتكار الإعلامي والثقافي؛ من الأنظمة، يجعل حتى الحلم بالتغيير يُجرَّم أو يُشوه! إنّ فشل الربيع العربي، أو بالأدق "إفشاله"، مثّل ضربة كبرى للثقة الشعبية بإمكان التغيير السلمي أو الجماهيري، فقد مثّل "الربيع العربي" مشروعاً جماهيرياً للتحرّر وإعادة توزيع الثروة وتداول السلطة، وكان فرصة نادرة لإعادة تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، لكن أحلام الشعوب قُمعت من الداخل والخارج، وتحوّلت بعض مساراتها إلى كوابيس من الفوضى أو الحروب الأهلية، ما أعاد تثبيت خطاب "الاستقرار مقابل الحرية" الذي تتسلّح به الأنظمة. وبلا حرية، لا يمكن أن يُبنى مشروع وطني أو قومي، لأن كلّ مشروع مشترك يتطلّب مشاركة، والمشاركة لا تقوم إلّا على الإرادة الحرّة. وهكذا، قد لا تكون أزمة الجامعة العربية سوى انعكاس لأزمة أعمق: غياب مشروع عربي جامع، لا تصنعه الأنظمة، بل تتبناه الشعوب، حين تُتاح لها الحرية. فهل كانت الجامعة العربية انعكاساً لعجز الأنظمة أم تعبيراً عن موت الحلم القومي؟ وهل يمكن لمشروع وحدوي أن يولد في غياب الحرية، وتحت قبضة أنظمة ترى في كلّ تقارب تهديداً لوجودها؟ أم أنّ المعضلة الحقيقية ليست في فشل المؤسسة، بل في غياب الإرادة الشعبية الجامعة، التي وحدها تستطيع أن تحوّل الشعارات إلى واقع، لو أُتيح لها أن تُعبّر وتختار؟ لعل السؤال الأهم لم يعد: هل يمكن أن نتوحّد؟"، بل.. هل ما زال أحد يريد ذلك حقاً؟


Independent عربية
٢٩-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- Independent عربية
من الرجل المجنون إلى الرجل الانفعالي
في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون روّج وزير خارجيته هنري كيسنجر، بالتفاهم معه، نظرية "الرجل المجنون" في البيت الأبيض، لإرباك خصومه وإخافتهم من سياسة رجل يمكن أن يفعل أي شيء، وأيام الرئيس جورج بوش الابن قال نائبه ديك تشيني إن الانطباع بأن "الرئيس كاوبوي" ليس فكرة سيئة. والسلاح القوي في عهد الرئيس دونالد ترمب هو اقتناع الجميع في أميركا والعالم بأن سيد البيت الأبيض يمارس سياسة "الرجل الانفعالي والارتجالي" الذي يمكن أن ينتقل من رأي إلى عكسه بمنشور، فهو في وقت واحد رجل القومية ورجل الدخول في أزمات العالم ولو في إطار العمل للتسويات، ورجل إنهاء الحروب والعنف في الخارج، ورجل الترسمل على العنف السياسي الذي هو "مصدر الخطر على أميركا من خلال الصدام الثقافي حول طبيعتها وهويتها"، بحسب روبرت بابي، ورجل الوعد بجعل "أميركا عظيمة ثانية"، ورجل العمل مع بوتين وغزوه لأوكرانيا من دون رؤية إستراتيجية للتوصل إلى العكس، وهو ما جعل روسيا عظيمة ثانية. روسيا أيام غورباتشوف ويلتسين أنهت الاتحاد السوفياتي الذي بنته، وترمب ينهي النظام العالمي الليبرالي الذي بنته أميركا بعد الحرب العالمية الثانية، و"الحرب الدائمة هي بين أفكار ترمب الجيدة وأفكاره السيئة"، كما كتب البروفسور هال براندز في "فورين أفيرز"، أما الهرب من العولمة إلى الحروب التجارية والقومية بحجة الالتفات إلى معاناة الطبقة العاملة البيضاء في أميركا، فإنه لا يغطي كون أركان العولمة من الـ "أوليغارشيين" هم الأقرب إليه، ولا يؤذي الصين التي تتولى اليوم قيادة العولمة والحريات التجارية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) أما أعمق توصيف له فهو ما جاء في حديث لوزير الخارجية الفرنسي سابقاً دومينيك دوفيلبان، "ترمب رجل من القرن الـ 19 لكنه مرتبط بأناس من القرن الـ 22 مع أيديولوجيات إيلون ماسك وجيف بيزوس"، ذلك أن أميركا قوة عظمى تديرها أوليغارشية بأهداف التجارة، ولم يجد الرئيس جو بايدن بداً في خطابه الوداعي من التحذير من الـ "أوليغارشية" و"المجمع الصناعي - التكنولوجي"، بعدما حذّر الرئيس أيزنهاور من "المجمع الصناعي - العسكري"، لا بل إن آدم سميث، وهو رائد التنظير للرأسمالية في بداياتها، كتب "أن أسوأ أنواع الحكومات هي التي تدار بأهداف التجارة". وأكثر من ذلك فإن هز الـ "ستاتيكو" ليس لعبة ارتجال ومزاج، فبسمارك هز الـ "ستاتيكو" في أوروبا خلال النصف الثاني من القرن الـ 19، لكنه كان يعرف سلفاً أين ستقع القطع المتناثرة وما الذي سيفعله بها؟ أما ترمب فإنه يهز الـ "ستاتيكو" داخل أميركا وفي عالم القرن الـ 21 من دون أن تكون لديه فكرة واضحة عن سقوط القطع المتناثرة، والقدرة على إعادة صوغ النظام الجديد، والأسئلة لا نهاية لها، فالرئيس الأميركي دخل في مفاوضات مع إيران تحت ضغط الخيار خلال شهرين بين الاتفاق أو الحرب، والمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي تراجع عن قوله إن التفاوض مع أميركا "ليس حكيماً ولا ذكياً ولا مشرفاً"، لكن خامنئي يعرف ما العمل في حال النجاح والفشل، ويعرف ماذا يفعل للفريق الداخلي الرافض للنجاح خوفاً على أرباحه من العقوبات، أما ترمب فإنه لا يعرف في حال النجاح ماذا يفعل مع بنيامين نتنياهو الرافض للتفاوض، ولا في حال الفشل وإمكان الذهاب أو عدم الذهاب إلى ضربة عسكرية لإيران، فضلاً عن أن "الاحتمالات هي إما فشل المفاوضات أو التوصل إلى اتفاق أسوأ من الفشل، ومن الاتفاق الذي جرى مع الرئيس أوباما عام 2015 وانسحب منه ترمب مما سمح لطهران أن تحقق مكاسب متقدمة في الملف النووي". وماذا في مسار التفاوض مع الرئيس بوتين حول إنهاء حرب أوكرانيا؟ ماذا يفعل ترمب إذا واجه الفشل؟ وكيف يواجه خوف أوروبا وغضبها ومأساة أوكرانيا إذا توصل إلى اتفاق مع موسكو يعترف فيه بأن شبه جزيرة القرم روسية، ويعطي لروسيا أربع مناطق على أرض أوكرانيا ويأخذ هو ما تحت الأرض من معادن ثمينة؟ وماذا بعد إطلاق يد نتنياهو في التدمير الكامل لغزة وتهجير أهلها وضم الضفة الغربية؟ أي سلام ونظام أمني إقليمي في المنطقة؟ وهل يجد ترمب له عذراً في القول إن "الشرق الأوسط مكان قاس"؟ اللعبة أشد تعقيداً من أفكار ترمب البسيطة والمطامع الإسرائيلية اللامحدودة، وأخطر من تجاهل الحق الفلسطيني والوزن الإستراتيجي والجيوسياسي للعالم العربي، ففي مقالة بعنوان "العالم الذي يريده ترمب"، يرى مدير "معهد كينان في مركز ويلسون" مايكل كيماج عالم القوة الأميركية في عصر القومية الجديدة، لكن ما قاد إليه عصر القومية القديم هو كل أنواع الحروب وفي طليعتها حربان عالميتان، ولن يتغير الأمر في عصر القومية الجديد.