#أحدث الأخبار مع #ابنالعلقمي،الشروق٣٠-٠٤-٢٠٢٥سياسةالشروقمن أبي رغال إلى 'أمير المؤمنين'!عبر التاريخ، حدثت خياناتٌ كثيرة للأوطان وفي شتى أنحاء العالم، وكتبُ التاريخ تعجُّ بقصص أنذال كثيرين خانوا أوطانهم وباعوها للعدوّ بأبخس الأثمان، فاستحقّوا بذلك لعنات شعوبهم إلى يوم الدين. يذكر التاريخُ العربي قصص أبي رغال، الذي قاد جيش أبرهة إلى مكة لهدم الكعبة، فأهلكه الله معه بالطير الأبابيل، ونبذه العرب قبل ظهور الإسلام، وأصبحوا يرجمون قبره بعد الحجّ. كما يذكر قصّة ابن العلقمي، الوزير الذي تعاون مع المغول لاحتلال بغداد وإسقاط الخليفة العباسي، المستعصم بالله، طمعا في أن ينصّبوه خليفة مكانه، إلا أنّ قائد الجيش المغولي هولاكو أهانه وقتله. وفي التاريخ الحديث، انتقلت الخيانة من الأفراد إلى الجماعات، فعرفت الثورة الجزائرية حالات 'الحركى' و'القومية' الذين شكّلت منهم فرنسا شبه ميليشيات لمحاربة أبناء بلدهم، وقد أسهموا في تأخير انتصار الثورة أزيد من سبع سنوات، لذلك، كان مصير الكثير منهم القتل خلال الثورة والنفي الأبدي إلى فرنسا بعد استقلال الجزائر. وشهد لبنان حالة 'جيش لبنان الجنوبي'، الذي كان يحارب 'حزب الله'، جنبا إلى جنب مع جيش الاحتلال، ثم انهار بعد هروب الاحتلال في ماي 2000، وكان مصير العملاء السِّجن في لبنان، أو التهميش والاحتقار في الكيان؛ إذ أصبح الكثير منهم يبيع الفلافل في الأسواق، ولا يحقّ له العلاج في مشافي العدوّ ولا العمل ولا التأمين، وبعضهم أضحى بلا مأوى ويعيش في إسطبلات… أمّا اليوم، فقد 'تطوّرت' الخيانة وانتقلت من الأفراد والجماعات إلى الدول؛ إذ قرَّرت بعض الأنظمة العربية والإسلامية الحاكمة الانبطاح الكامل للعدوّ والتخندق معه وبيع القضية الفلسطينية والتخلي عن القدس والقبلة الأولى للمسلمين والتآمر على المقاومة، وبرَّرت هذه الخيانة بأنَّها 'قراراتٌ سيادية' وتشكّل 'مصالح عليا' لبلدانها! وخلال حرب غزة، انتظر الكثير من العرب والمسلمين، أن تستفيق ضمائر الحكام المنبطحين ويتراجعوا عن قرارات التطبيع ويعلنوا قطع علاقاتهم الديبلوماسية مع الاحتلال أسوةً ببعض دول أمريكا اللاتينية، لكن، لا دولة مطبِّعة فعلت ذلك، برغم كل المجازر التي يرتكبها الاحتلال بغزة منذ 18 شهرا من الحرب وكذا جرائم التجويع ومحاولات التهجير والتدمير المنهجي للبيوت والمنشآت الفلسطينية. والأسوأ من ذلك، أنّ بعضها فتح طريقا برّيا إلى فلسطين لتزويد الكيان يوميّا بالمؤن والأغذية، وإفشال الحصار البحري الحوثي عليه وعلى الدول الداعمة له، في موقف حقير يؤكّد أنّهم فقدوا كلّ مشاعر الأخوّة تجاه الفلسطينيين المجوَّعين المحاصَرين ولم يعودوا يشعرون البتّة بمعاناة أطفالهم ونسائهم! منذ أيّام، نشر 'الجهاز المركزي الإسرائيلي للإحصاء' بيانات تؤكّد أنّ حجم التبادل التجاري بين الدول المطبِّعة والاحتلال قد ارتفع إلى 6.1 مليارات دولار، بين أكتوبر 2023 وفيفري 2025، أي خلال ذروة الحرب على غزة. وتستحوذ الإمارات العربية المتحدة على ثلثيه، بقيمة 4.3 مليارات دولار! أما المخزن، فقد ذهب بعيدا في التصهين؛ فهو يحضّر لمقترح قانون يمنح القتلة الإسرائيليين من أصل مغربي وأبناءَهم وأحفادهم الجنسية المغربية، وقد سمح لعدّة سفن بالرسوّ في ميناء طنجة، وهي محمّلة بالأسلحة والذخائر للكيان في عزّ حرب الإبادة على غزة، بعد أن منعتها إسبانيا من ذلك، كما أصبح ينسّق أمنيا واستخباراتيا ويتعاون عسكريا مع الصهاينة، وقمع عشرات المغاربة الذين تضامنوا مع فلسطين وتظاهروا تنديدا بجرائم الاحتلال، وحكم عليهم بالسجن، ومع ذلك كلّه، يصف ملكُها نفسه بـ'أمير المؤمنين' و'رئيس لجنة القدس' وقال إنّ القصد من تطبيعه هو 'خدمة القضيّة الفلسطينية'! أمّا السُّلطة الفلسطينية، فهي تكرّس نفسها لخدمة الاحتلال، وتسهم معه في محاربة المقاومة بالضِّفة، وهي تنكّل بالمقاومين أو تقتلهم أو تنسّق مع الاحتلال ضدّهم، وقد صرّح بعض مسؤوليها لـ'يديعوت أحرونوت' العبرية، منذ أسابيع، بأن الأمن الفلسطيني قد 'مهّد الطريق' لقوّات الاحتلال في جنين، وافتخر بأنّ عمليته الأخيرة أدّت إلى 'كسر عظام حماس'، وهي الآن 'لا ترفع رأسها هناك'! في كتابه 'كتاب الحرب'، يكشف الكاتبُ الصِّحافي بوب ودوورد خيانة قادة خمس دول عربية قابلهم وزيرُ الخارجية الأمريكي السابق أنطوني بلينكن عقب غزوة 7 أكتوبر 2023؛ إذ طالبوا الاحتلال بألا ينهي حربه إلا بعد استئصال شأفة حماس، وكان موقفُ دولة أخرى 'عمليًّا'؛ إذ منحت بلينكن خريطة للأنفاق أعدّتها مخابراتها، حتى يسلّمها لنتنياهو ويساعده في تدميرها والقضاء على المقاومة! يصعب حصرُ كلّ وقائع الخيانة العربية المعاصرة، فهي تحتاج إلى مجلّد ضخم، لذلك اكتفينا بهذه الأمثلة الصارخة وما خفي أعظم.. لكن اللافت، أن الخيانة في الماضي كانت حالات فردية ذات ضرر محدود، وكانت رذيلة وعارا وخزيا يطارد صاحبه ونسله طويلا، ويخلّد التاريخُ أفعالهم المشينة، أمّا الآن، فقد انتقلت الخيانة من الأفراد إلى دول بأكملها، وأصبحت 'قرارات سيادية' و'مصلحة عليا' للأوطان، وعمّ ضررُها وبلواها، وجنّدت لها الأنظمة المتصهينة جيوشا من الإعلاميين والمثقفين وفقهاء البلاط وذبابا إلكترونيّا حقيرا ينشط ليل نهار، ويزيِّن وجهها البشع للشعوب. لقد فقد الخونة الأنذال دينهم وعروبتهم وكل شعور بالكرامة والرجولة والأنفة والشهامة والعزة والشجاعة التي طالما اتّصف بها العرب عبر التاريخ، ولم يعودوا يشعرون بالخجل والعار من خيانتهم وعمالتهم، بل بات بعضهم يفخر بها جهارا نهارا، وكأنّه حقّق إنجازا كبيرا لبلده وشعبه!
الشروق٣٠-٠٤-٢٠٢٥سياسةالشروقمن أبي رغال إلى 'أمير المؤمنين'!عبر التاريخ، حدثت خياناتٌ كثيرة للأوطان وفي شتى أنحاء العالم، وكتبُ التاريخ تعجُّ بقصص أنذال كثيرين خانوا أوطانهم وباعوها للعدوّ بأبخس الأثمان، فاستحقّوا بذلك لعنات شعوبهم إلى يوم الدين. يذكر التاريخُ العربي قصص أبي رغال، الذي قاد جيش أبرهة إلى مكة لهدم الكعبة، فأهلكه الله معه بالطير الأبابيل، ونبذه العرب قبل ظهور الإسلام، وأصبحوا يرجمون قبره بعد الحجّ. كما يذكر قصّة ابن العلقمي، الوزير الذي تعاون مع المغول لاحتلال بغداد وإسقاط الخليفة العباسي، المستعصم بالله، طمعا في أن ينصّبوه خليفة مكانه، إلا أنّ قائد الجيش المغولي هولاكو أهانه وقتله. وفي التاريخ الحديث، انتقلت الخيانة من الأفراد إلى الجماعات، فعرفت الثورة الجزائرية حالات 'الحركى' و'القومية' الذين شكّلت منهم فرنسا شبه ميليشيات لمحاربة أبناء بلدهم، وقد أسهموا في تأخير انتصار الثورة أزيد من سبع سنوات، لذلك، كان مصير الكثير منهم القتل خلال الثورة والنفي الأبدي إلى فرنسا بعد استقلال الجزائر. وشهد لبنان حالة 'جيش لبنان الجنوبي'، الذي كان يحارب 'حزب الله'، جنبا إلى جنب مع جيش الاحتلال، ثم انهار بعد هروب الاحتلال في ماي 2000، وكان مصير العملاء السِّجن في لبنان، أو التهميش والاحتقار في الكيان؛ إذ أصبح الكثير منهم يبيع الفلافل في الأسواق، ولا يحقّ له العلاج في مشافي العدوّ ولا العمل ولا التأمين، وبعضهم أضحى بلا مأوى ويعيش في إسطبلات… أمّا اليوم، فقد 'تطوّرت' الخيانة وانتقلت من الأفراد والجماعات إلى الدول؛ إذ قرَّرت بعض الأنظمة العربية والإسلامية الحاكمة الانبطاح الكامل للعدوّ والتخندق معه وبيع القضية الفلسطينية والتخلي عن القدس والقبلة الأولى للمسلمين والتآمر على المقاومة، وبرَّرت هذه الخيانة بأنَّها 'قراراتٌ سيادية' وتشكّل 'مصالح عليا' لبلدانها! وخلال حرب غزة، انتظر الكثير من العرب والمسلمين، أن تستفيق ضمائر الحكام المنبطحين ويتراجعوا عن قرارات التطبيع ويعلنوا قطع علاقاتهم الديبلوماسية مع الاحتلال أسوةً ببعض دول أمريكا اللاتينية، لكن، لا دولة مطبِّعة فعلت ذلك، برغم كل المجازر التي يرتكبها الاحتلال بغزة منذ 18 شهرا من الحرب وكذا جرائم التجويع ومحاولات التهجير والتدمير المنهجي للبيوت والمنشآت الفلسطينية. والأسوأ من ذلك، أنّ بعضها فتح طريقا برّيا إلى فلسطين لتزويد الكيان يوميّا بالمؤن والأغذية، وإفشال الحصار البحري الحوثي عليه وعلى الدول الداعمة له، في موقف حقير يؤكّد أنّهم فقدوا كلّ مشاعر الأخوّة تجاه الفلسطينيين المجوَّعين المحاصَرين ولم يعودوا يشعرون البتّة بمعاناة أطفالهم ونسائهم! منذ أيّام، نشر 'الجهاز المركزي الإسرائيلي للإحصاء' بيانات تؤكّد أنّ حجم التبادل التجاري بين الدول المطبِّعة والاحتلال قد ارتفع إلى 6.1 مليارات دولار، بين أكتوبر 2023 وفيفري 2025، أي خلال ذروة الحرب على غزة. وتستحوذ الإمارات العربية المتحدة على ثلثيه، بقيمة 4.3 مليارات دولار! أما المخزن، فقد ذهب بعيدا في التصهين؛ فهو يحضّر لمقترح قانون يمنح القتلة الإسرائيليين من أصل مغربي وأبناءَهم وأحفادهم الجنسية المغربية، وقد سمح لعدّة سفن بالرسوّ في ميناء طنجة، وهي محمّلة بالأسلحة والذخائر للكيان في عزّ حرب الإبادة على غزة، بعد أن منعتها إسبانيا من ذلك، كما أصبح ينسّق أمنيا واستخباراتيا ويتعاون عسكريا مع الصهاينة، وقمع عشرات المغاربة الذين تضامنوا مع فلسطين وتظاهروا تنديدا بجرائم الاحتلال، وحكم عليهم بالسجن، ومع ذلك كلّه، يصف ملكُها نفسه بـ'أمير المؤمنين' و'رئيس لجنة القدس' وقال إنّ القصد من تطبيعه هو 'خدمة القضيّة الفلسطينية'! أمّا السُّلطة الفلسطينية، فهي تكرّس نفسها لخدمة الاحتلال، وتسهم معه في محاربة المقاومة بالضِّفة، وهي تنكّل بالمقاومين أو تقتلهم أو تنسّق مع الاحتلال ضدّهم، وقد صرّح بعض مسؤوليها لـ'يديعوت أحرونوت' العبرية، منذ أسابيع، بأن الأمن الفلسطيني قد 'مهّد الطريق' لقوّات الاحتلال في جنين، وافتخر بأنّ عمليته الأخيرة أدّت إلى 'كسر عظام حماس'، وهي الآن 'لا ترفع رأسها هناك'! في كتابه 'كتاب الحرب'، يكشف الكاتبُ الصِّحافي بوب ودوورد خيانة قادة خمس دول عربية قابلهم وزيرُ الخارجية الأمريكي السابق أنطوني بلينكن عقب غزوة 7 أكتوبر 2023؛ إذ طالبوا الاحتلال بألا ينهي حربه إلا بعد استئصال شأفة حماس، وكان موقفُ دولة أخرى 'عمليًّا'؛ إذ منحت بلينكن خريطة للأنفاق أعدّتها مخابراتها، حتى يسلّمها لنتنياهو ويساعده في تدميرها والقضاء على المقاومة! يصعب حصرُ كلّ وقائع الخيانة العربية المعاصرة، فهي تحتاج إلى مجلّد ضخم، لذلك اكتفينا بهذه الأمثلة الصارخة وما خفي أعظم.. لكن اللافت، أن الخيانة في الماضي كانت حالات فردية ذات ضرر محدود، وكانت رذيلة وعارا وخزيا يطارد صاحبه ونسله طويلا، ويخلّد التاريخُ أفعالهم المشينة، أمّا الآن، فقد انتقلت الخيانة من الأفراد إلى دول بأكملها، وأصبحت 'قرارات سيادية' و'مصلحة عليا' للأوطان، وعمّ ضررُها وبلواها، وجنّدت لها الأنظمة المتصهينة جيوشا من الإعلاميين والمثقفين وفقهاء البلاط وذبابا إلكترونيّا حقيرا ينشط ليل نهار، ويزيِّن وجهها البشع للشعوب. لقد فقد الخونة الأنذال دينهم وعروبتهم وكل شعور بالكرامة والرجولة والأنفة والشهامة والعزة والشجاعة التي طالما اتّصف بها العرب عبر التاريخ، ولم يعودوا يشعرون بالخجل والعار من خيانتهم وعمالتهم، بل بات بعضهم يفخر بها جهارا نهارا، وكأنّه حقّق إنجازا كبيرا لبلده وشعبه!