أحدث الأخبار مع #اتحادالمغرب


أخبارنا
٠٥-٠٣-٢٠٢٥
- سياسة
- أخبارنا
قراءة في قرار محكمة التحكيم الرياضية
نورالدين زاوش كثر اللغط، وانتشر الهرج والمرج، بين الإعلام المغربي ونظيره الجزائري، حول قرار المحكمة الرياضية فيما يخص ما بات يُعرف بقضية "قمصان نهضة بركان"، فكل طرف يتغنى بالقرار وكأنه نصر عظيم وفتح مبين؛ والحقيقة أنه قرار تقني محظ، ينتصر لمبادئ الرياضة التي من الواجب أن لا تقترب منها السياسة لا من بعيد ولا من قريب، كما ينتصر لاحترام القانون الذي يجب أن يشمل الجميع بدون استثناء. أهم بنود هذا القرار تمثَّل في أمرين لا ثالث لهما؛ تثبيت نتائج نصف النهائي الذي جمع بين فريق "نهضة بركان" و"اتحاد العاصمة"، ثم إبداء ملاحظة للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم من أجل مراجعة لوائحها فيما يخص جواز حمل الفُرق لخرائط بلدانها، على اعتباراها تتضمن إشارات ذات حمولة سياسية، وهما قراران أعتبرهما شخصيا في غاية الحكمة والتبصر، خصوصا وأن هناك بلد عجيب يقتسم معنا الماء والهواء، ليس في قاموسه مثل هذه الأخلاق أو السلوكيات، كما أنه مستعد، تمام الاستعداد، لأن يدمر الرياضة في القارة السمراء، مثلما دمر الاقتصاد والأمن والأمان. لقد أرغد إعلام الكابرانات وأزبد، وطبّل وزمّر، وملأ الدنيا جعجعة؛ إلا إنها جعجعة بدون طحين، فدعوة المحكمة الرياضية لحث "الكاف" لمنع الخريطة على القمصان، اعتبره إعلام الكابرانات البليد، دليل على أن تلك الخريطة وهمية؛ والحقيقة أنها لو كانت وهمية بالفعل، لما أقرَّت محكمة التحكيم الرياضية بنتائج المباريات التي جرت بهذه الخريطة "الوهمية". بغض النظر عن مدى الجنون الذي ألمَّ بهذا النظام الخبيث، الذي نخر اتحاد المغرب العربي في الصميم، وبغض النظر عن مرضه النفسي الذي يطفو إلى السطح كلما رأى خريطة المغرب كاملة مكتملة، سواء على الجدران أو القمصان أو في أي مكان كان، وبغض النظر عن كمية الرعب الذي يدِب إلى أوصاله كلما تعلق الأمر بالصحراء المغربية المباركة، فقد ارتأت "الطاس"، من أجل وأد الجدالات السياسية في المجال الرياضي، أن تتجاوز هذا الهوس المرضي لهذا النظام الأهبل بذكاء وعقلانية، مادامت ليست المكان المناسب لحل هذا النزاع المفتعل، ومادام بإمكان فريق "نهضة بركان" أن يلعب بقميص لا يحتوي على هذه الخريطة، عكس فريق "اتحاد العاصمة"، المغلوب على أمره، والذي يتعذَّر عليه أن يلعب وهو يرى تلك الخريطة الشبح تلاحقه لاعبيه على رقعة الملعب؛ فتخنق أنفاسه، وتجعل صدره ضيقا حرِجا كأنما يصَّعد في السماء. ما يُستفاد من هذا القرار، هو أن محكمة التحكيم الرياضية كانت أرحم على "اتحاد العاصمة" من عسكره الخبيث، والذي لم، ولن، يتردد في جرِّ فرُقه الرياضية إلى "نار جهنم"، حينما يتعلق الأمر بوساوسه السياسية التي مازالت تعشش في رأسه منذ أكثر من ستين عاما، وأنها – الطاس - إنما قررت ما قررته تماشيا مع قاعدة "سيروا سير أهبلِكم" على منوال قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "سيروا سيْر أَضْعفِكم". إن قرار محكمة التحكيم الرياضية موَجه بالدرجة الأولى والأخيرة للكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم، وهو لا يعني من قريب أو من بعيد فريق "نهضة بركان" الذي تأسس قبل دولة الجزائر بربُع قرن، وفي حالة ما عقدت "الكاف" مؤتمرا استثنائيا وراجعت لوائحها مانعة بذلك وضع الخرائط على القمصان، تجنبا لجدالات الكابرانات الذين خسروا المعركة في الأمم المتحدة، فإن الفريق المغربي سيكون أول من يلتزم به، تماما مثلما رصّع الفريق المغربي قمصانه بالخريطة المباركة حينما كانت لوائح "الكاف" تجيز ذلك؛ لأن المملكة المغربية الشريفة بلد الحق والقانون، وقد ورَّثت مؤسساتها السياسية والاقتصادية والرياضية هذه الأخلاق والسلوكيات؛ عكس جمهورية الشر التي ورّثت الشر لمؤسساتها ومجتمعها وكل أطيافها بلا استثناء. عدم وجود خريطة المغرب على أقمصة "نهضة بركان" لا يُعتبر نصرا للنظام الجزائري الأهبل؛ ولا حتى عُشر نصر؛ بل هو هزيمة شنعاء في ثوب نصر مُقنع؛ لأن المغرب، بكل بساطة، لا يستمد سيادته على صحرائه من وجود مثل هذه الخرائط على الأقمصة؛ بل إن الصحراءَ مغربيةٌ قبل حتى إنشاء فريق "نهضة بركان" سنة 1938م بقرون عدة، وما يحاول العسكر الجزائري ترويجه في الإعلام، هو فقط رقصة الديك المذبوح بحثا عن نصر زائف علّه يسد به الأفواه الفاغرة، ويعمي به العيون الجاحظة، وكما قالت العرب: "حراما يركب من لا حلال".


الجزيرة
٠٩-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- الجزيرة
لماذا الحاجة إلى قمة عربية طارئة الآن؟
التطوُّرات التي عرفها العالم العربي في غضون الشهرين المنصرمين مفصلية؛ منها أولًا سقوط نظام بشار في سوريا، وتوقف الحرب على غزة، والعودة إلى الطبيعة الاعتيادية في لبنان بانتخاب رئيس، وهي تحولات تشرع أبواب الأمل، ولكن تظل غيوم مطلة، في الوقت ذاته، يمكن أن تُعطّل الأمل، وتُدخل المنطقة في دوامة من الاهتزازات والتخبط، ومنها تصريح الرئيس الأميركي ترامب الذي لوّح فيه "بتنظيف" غزة، أي إجلاء الفلسطينيين منها. وهو تصريح ينبغي أن يُحمل محمل الجِد، وقد كرره بمناسبة زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض، من أجل أن تضع الولايات المتحدة يدها على القطاع، لزمن طويل الأمد. قبل هذا التصريح بدا أن للعالم العربي فرصة ذهبية، لكي يرسي نظامًا عربيًا جديدًا، يكون فيه مالكًا لأمره، يقف على الحد الأدنى من قواعد التعاون البيني والجماعي والتضامن وتدبير الاختلافات. والحال، أن العالم العربي لم يعد يتحدث لغة واحدة منذ 1979، تحت تأثير حدثين مفصلَين: الأول: هو اتفاقية كامب ديفيد، وما تمخض عنها من شرخ في "الصف العربي"، وقيام جبهة الصمود والتصدي وعزل مصر. والثاني: هو الثورة الإيرانية، وما استتبعها من حرب ما بين العراق وإيران، أثرت بشكل سلبي على العالم العربي، وتوزَّع حولها، وضاعف من الأمر وفاقمه اجتياح جيوش صدام للكويت، مما أنهى عمليًا النظام العربي. لم ينهض النظام العربي منذ ذلك الحين، والتنظيمات الإقليمية التي تأسست قبل ذلك لم تثبت؛ منها مجلس التعاون العربي، ما بين مصر، والعراق، والأردن، واليمن، وانتهى عمليًا مع اجتياح الكويت سنة 1990. وقام "اتحاد المغرب العربي"، الذي انتهي عمليًا، مع فرض المغرب التأشيرة على المواطنين الجزائريين سنة 1994، وإغلاق الحدود البرية من قِبل الجزائر. السياق الجديد يفتح فرصًا جديدة، مع ما عرفته سوريا من انتقال سلس، وآفاق مصالحة داخلية ومع محيطها. من شأن سوريا، أن تكون بوابة نظام عربي جديد من غير تدخل أطراف إقليمية، أو من دون أن يُحجَب الدور العربي في تدبير المنطقة. ولكن الخطورة تظل قائمة ألا يقوم نظام عربي بديل، ويبقى التشرذم جاثمًا، مع ما لوّح به الرئيس الأميركي بشأن تفريغ قطاع غزة من ساكنته، أو "تطهيره"، والضغط على مصر والأردن كي يقبلا "استقبال" الفلسطينيين من غزة، بدعوى أن الولايات المتحدة ساعدت هذين البلدين، وينبغي أن يقبلا العرض الأميركي. وبالمقابل، يمكن أن يفهم إمكانية التضييق عليهما، من خلال توقيف المساعدات المالية والعسكرية، والتعاون الأمني، وشتى صنوف الضغوط. ليس "التنظيف"، إلا صورة محينة لفكرة قديمة وهي الترانسفير، وهي تعود إلى أوليات الصهيونية، منذ بن غوريون، كشف عنها من يسمون بالمؤرخين الجدد، وتم التراجع عنها، في ظل المتغيرات الدولية، وانبعثت في خطاب اليمين المتطرف الإسرائيلي، ويعتبر قانون القومية لسنة 2018، أحد عناصرها، وفق قاعدة "شعب واحد، دولة واحدة، لغة واحدة، ولا مكان لأقلية". ولم يُخفِ اليمين مراميه فيما يخصّ الضفة الغربية، من خلال تكثيف المستوطنات، ووسمها بيهودا والسامرة، واستغل وضع الحرب على غزة ليتحلل علنًا من الالتزامات التي أبرمها منذ أوسلو التي من شأنها أن تنتهي إلى حل الدولتين، وظهر في خضم الحرب، ما سُمي بخطة الجنرالات، أي إخلاء غزة، وأعلن جاريد كوشنر صهر الرئيس في محاضرة له بهارفارد في ربيع السنة الماضية، أن الواجهة البحرية لغزة، لها مؤهلات جمة، من شأنها أن تجعل منها دبي أو سنغافورة ثانية، بإخلائها وإعادة إعمارها. خيار إفراغ غزة من ساكنته صورة جديدة لنكبة جديدة، ستقضي على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، والالتفاف على حقوقه، بصفة نهائية، إذ كيف يمكن الحديث عن شعب، من غير أرض. سينسف الإفراغ إمكانية قيام عربي، وسُيدخل المنطقة برمتها في دوامة اهتزازات، لن تؤثر على سكينة مجتمعاتها فحسب، بل من شأنها أن تنقل التوتر خارج المنطقة، في فصول مروعة لصدام الحضارات والإرهاب، والعداء. نعلم أن النكبة الأولى غيرت من الثقافة السياسية في المنطقة، إذ كانت أحد الأسباب التي دفعت الجيش إلى الواجهة في كثير من البلدان، وتمت تصفية الخصوم جسديًا، أي أنها شرّعت للإرهاب، وأجهضت مد الليبرالية العربية، سياسيًا، من خلال وقف تجارب تمثيلية (مصر، العراق، سوريا)، وثقافيًا من خلال الدفع باتجاهات انكفائية وتقويض التوجه الكوني الذي كانت الثقافة العربية تقدمه حينها. ويمكن تصور الانعكاسات المحتلمة لنكبة جديدة. سيكون من العبث بناء نظام عربي جديد، مع الترانسفير، أو مصالحة مع الذات، أو مع الآخر. من غير المجدي، أمام تلويح الولايات المتحدة بضغوطات أن تقف الدول الحليفة لها، وحدها. ولذلك لا بد من قمة عربية طارئة، للحديث بلسان واحد، حول النازلة، وحول الوضع الإقليمي بصفة عامة. ومثلما نهضت دول الاتحاد الأوروبي، بشكل جماعي ضد رغبة الرئيس الأميركي وضع اليد على غرينلاند، فينبغي للعالم العربي، أن يتحدث بلسان واحد، حول قرار مصيري، من شأنه أن يدخل العالم العربي في دوامة اهتزازات، لن تقف تأثيراتها على المنطقة. لقد عبرت الدول الوازنة والمؤثرة في العالم العربي عن شجبها قرار "التنظيف"، على مستوى وزراء الخارجية، وهي المملكة العربية السعودية، ومصر، وقطر، والإمارات، ويتوجب قمة عربية طارئة، لتدارس المستجدات الإقليمية والدولية، والتنسيق على مستوى دول الطوق، والدولة المعنية، للحديث بلسان واحد. لم تفتأ الإدارة الأميركية، اللعب على ما تنسبه من تصريحات للمسؤولين العرب، مما من شأنه أن يثير البلبلة، وينسف إمكانية موقف موحد. ومن جهة أخرى، على الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن، أن تخرج عن صمتها، لما هو استفراد بالقرار الدولي، والتحلل من القانون الدولي، وإضفاء الشرعية على منطق القوة. نعم هناك حاجة ملحة لإعمار غزة، ويتوجب انعقاد مؤتمر دولي لهذا الغرض، وأن يقترن إعادة الإعمار مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. فتاريخ المنطقة هو تاريخ الفرص الضائعة، ولا ينبغي أن تفلت الفرصة السانحة، بوضع حد لـ"حلم"، من شأنه أن يُحوِّل المنطقة إلى كابوس.