#أحدث الأخبار مع #اجتماعيينصحيفة الخليج١٥-٠٥-٢٠٢٥علومصحيفة الخليجأخلاقيات الهوية في الشبكات الاجتماعيةتقريباً، إن كل شيء الآن يمرّ بشكل أو بآخر من خلال شبكات التواصل الاجتماعي في الإنترنت، ابتداءً من السلع وأنماط الاستهلاك والآراء السياسية، وهذا التحوّل الذي فرضته ثورتا التقانة والاتصالات، أصبح سمة دامغة لعصرنا، بل ربما السمة الأبرز لهذا العصر قياساً بما عرفته البشرية من أنماط تواصل مختلفة. ومنذ بدء تنامي الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي، تشكّلت حول هذا الفضاء الجديد حركة نقدية لا تزال مستمرة، في محاولة تقصّي عدد من القضايا المرتبطة بالتواصل متعدّد الأوجه والاستعمالات في الشبكات الاجتماعية. وكما رافقت النظريات النقدية الأخلاقية كل الحقول الأساسية المتعلقة بالوجود، مثل أخلاقيات الطب، والتعليم، والنزاعات، والدبلوماسية، وغيرها، فإن الفضاء الجديد الذي طرحته شبكات التواصل الاجتماعي، شكّل حالة فضول وإغراء للبحثين الفلسفي والاجتماعي، فإذا كان البحث الفلسفي يدور حول الماهيات والمفاهيم والأخلاق، فإن البحث الاجتماعي يتقصى ديناميات الحركة الاجتماعية ضمن الفئات المتعددة، وكلا الأمرين، أي الماهيات والديناميات متحقق في الشبكات الاجتماعية، لكن وجودهما يتجلى بطرق جديدة، لم تكن مألوفة سابقاً في التاريخ البشري. تبدو قضية الهويّة هي القضية الأبرز في شبكات التواصل الاجتماعي، إذ يتمحور الحضور وحتى التنافس على الهويات، مبنى ومعنى، فقد أتاحت شبكات التواصل الاجتماعي إمكانات جديدة لم تكن متاحة لبناء الهويّة الفردية والجماعية، لكن هذه المرة بشكل ينطوي على التداخل والتسارع في الوقت ذاته، من دون أن تكون هاتان الخاصيتان إيجابيتين بالضرورة، وهذا الأمر بحدّ ذاته يشكل عقبة إبتسمولوجية (معرفية) في نقد آليات بناء الهويّات في شبكات التواصل الاجتماعي، فقد أصبح متاحاً للمشتركين في شبكات التواصل الاجتماعي أن يختبروا أوساطاً بعيدة عنهم، وعن بيئتهم وثقافتهم الاجتماعية والفكرية والعقائدية. في التصور الذي بناه الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر (1889-1976) حول الهوية، أنها تعيد تشكيل خصائصها المميزة من خلال الزمن، معتبراً أن عامل الزمن هو التكثيف الموضوعي لمجمل التحوّلات الاجتماعية، لكن هذا التعريف الذي يضع القيمة المعيارية في الزمن الاجتماعي التقليدي، لم يعد مطابقاً كلياً للوضع الناشئ بعد نمو شبكات التواصل الاجتماعي، التي دفعت الحركة النقدية الأخلاقية لتركيز السؤال حول البعد الافتراضي، الذي أصبح حاكماً لعمليات بناء الهوية، وهو بعد يتشكّل من خلال طبيعة الشبكات الاجتماعية نفسها، التي تضغط على المشتركين لاعتماد آلياتها هي في بناء الهوية. إن التعرض لكمّ هائل وسريع من الآراء والصور بشكل عشوائي يضع المتلقي في خانة السلب، أي يحوّله إلى كائن منفعل، فالشبكات الاجتماعية تلغي المسافة الضرورية بين الذات وما تتعرّض له، وهو ما يضع الهويّة أمام اختبارات متواصلة، خصوصاً مع ازدياد رغبة الأفراد في التموضع في فضاءات أوسع من حيزهم الاجتماعي الخاص. إن واحدة من المعضلات الأخلاقية الكبرى التي تفرض نفسها اليوم على الهوية، أن الشبكات الاجتماعية هي الوسيط التفاوضي الذي يتواصل من خلاله الأفراد، وهو وسيط برمجي، له خصائص مستقلة، تخدم الشركات، بما يخدم مصلحتها في بناء قواعد بيانات هائلة وتفصيلية، وتجعل من الخصوصية الفردية عرضة للانتهاك المتواصل، أو تحدّ من خيارات التواصل نفسها، بما تقدمه من اقتراحات على المشاركين. مشكلة الوسيط التفاوضي الافتراضي تطرح نفسها كسؤال فلسفي جديد، لكن هذه المرة تقريباً بلا جمهور واسع لهذا السؤال، أو ما يطرح حوله فلسفياً، فإذ تحاول حركة النقد الجديد تقصي الأخلاقيات من خلال المعايير التي تفرضها الأنظمة البرمجية لشبكات التواصل الاجتماعي، فإن لا إمكانية فعلية وعملية لتقديم مقترحات للشركات العملاقة، التي تستحوذ اليوم على مجال صناعة الهويّات في العالم. من جهة أخرى، فإن النقد الاجتماعي قد يبدو أكثر فاعلية في الجانب التطبيقي، أي في التوجه للجهات القائمة على بناء الهويّات التعليمية والقانونية والمؤسساتية، التي يمكن اعتبارها نقابات تنوب عن أصحاب المصلحة من طلاب وموظفين ومشتركين، كما يمكن أن تسهم في صياغة التشريعات الضرورية، من دون أن يكون الهدف الحمائي المحض هو الدافع للتشريع القانوني، بل بوصفها خلاصة الحوارات المجتمعية التفاوضية على أسس الهوية الفردية والجماعية. للوهلة الأولى، تظهر شبكات التواصل الاجتماعي كوسيط ليبرالي فعّال، لكن هذا الوسيط هو في نهاية المطاف أداة عولمية لتنميط الاستهلاك والفكر والثقافة والهوية، ومحل نزاع للهيمنة من قبل الشركات والأفراد، أي أنه خاضع لعمليات ضبط ومعايرة لأغراض متعددة، بعضها رقابي محض، لا علاقة له بأي قيمة ليبرالية. إن واحدة من الصور الأسوأ لبناء الهويات في شبكات التواصل الاجتماعي تظهر في تضخيم النزاعات الهويّاتية الجماعية في الدول التي تشهد نزاعات وحروباً وفوضى، إذ تصبح هذه الشبكات ساحات قتال حقيقية، تحاول فيها جميع الأطراف زيادة مستوى هيمنتها، من خلال التأطير الهوياتي، بغرض الاستثمار السياسي، وهذا التضخيم يتحوّل إلى أداة فعالة من خلال بناء سرديات المظلومية أو سرديات القوة لدى كل طرف، وهو ما يمكن تصنيفه كأداة لا أخلاقية في تشكيل الهويات، وتأجيج النزاعات بين المجتمعات المحلية، أو في حيز جغرافي/ وطني واسع.
صحيفة الخليج١٥-٠٥-٢٠٢٥علومصحيفة الخليجأخلاقيات الهوية في الشبكات الاجتماعيةتقريباً، إن كل شيء الآن يمرّ بشكل أو بآخر من خلال شبكات التواصل الاجتماعي في الإنترنت، ابتداءً من السلع وأنماط الاستهلاك والآراء السياسية، وهذا التحوّل الذي فرضته ثورتا التقانة والاتصالات، أصبح سمة دامغة لعصرنا، بل ربما السمة الأبرز لهذا العصر قياساً بما عرفته البشرية من أنماط تواصل مختلفة. ومنذ بدء تنامي الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي، تشكّلت حول هذا الفضاء الجديد حركة نقدية لا تزال مستمرة، في محاولة تقصّي عدد من القضايا المرتبطة بالتواصل متعدّد الأوجه والاستعمالات في الشبكات الاجتماعية. وكما رافقت النظريات النقدية الأخلاقية كل الحقول الأساسية المتعلقة بالوجود، مثل أخلاقيات الطب، والتعليم، والنزاعات، والدبلوماسية، وغيرها، فإن الفضاء الجديد الذي طرحته شبكات التواصل الاجتماعي، شكّل حالة فضول وإغراء للبحثين الفلسفي والاجتماعي، فإذا كان البحث الفلسفي يدور حول الماهيات والمفاهيم والأخلاق، فإن البحث الاجتماعي يتقصى ديناميات الحركة الاجتماعية ضمن الفئات المتعددة، وكلا الأمرين، أي الماهيات والديناميات متحقق في الشبكات الاجتماعية، لكن وجودهما يتجلى بطرق جديدة، لم تكن مألوفة سابقاً في التاريخ البشري. تبدو قضية الهويّة هي القضية الأبرز في شبكات التواصل الاجتماعي، إذ يتمحور الحضور وحتى التنافس على الهويات، مبنى ومعنى، فقد أتاحت شبكات التواصل الاجتماعي إمكانات جديدة لم تكن متاحة لبناء الهويّة الفردية والجماعية، لكن هذه المرة بشكل ينطوي على التداخل والتسارع في الوقت ذاته، من دون أن تكون هاتان الخاصيتان إيجابيتين بالضرورة، وهذا الأمر بحدّ ذاته يشكل عقبة إبتسمولوجية (معرفية) في نقد آليات بناء الهويّات في شبكات التواصل الاجتماعي، فقد أصبح متاحاً للمشتركين في شبكات التواصل الاجتماعي أن يختبروا أوساطاً بعيدة عنهم، وعن بيئتهم وثقافتهم الاجتماعية والفكرية والعقائدية. في التصور الذي بناه الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر (1889-1976) حول الهوية، أنها تعيد تشكيل خصائصها المميزة من خلال الزمن، معتبراً أن عامل الزمن هو التكثيف الموضوعي لمجمل التحوّلات الاجتماعية، لكن هذا التعريف الذي يضع القيمة المعيارية في الزمن الاجتماعي التقليدي، لم يعد مطابقاً كلياً للوضع الناشئ بعد نمو شبكات التواصل الاجتماعي، التي دفعت الحركة النقدية الأخلاقية لتركيز السؤال حول البعد الافتراضي، الذي أصبح حاكماً لعمليات بناء الهوية، وهو بعد يتشكّل من خلال طبيعة الشبكات الاجتماعية نفسها، التي تضغط على المشتركين لاعتماد آلياتها هي في بناء الهوية. إن التعرض لكمّ هائل وسريع من الآراء والصور بشكل عشوائي يضع المتلقي في خانة السلب، أي يحوّله إلى كائن منفعل، فالشبكات الاجتماعية تلغي المسافة الضرورية بين الذات وما تتعرّض له، وهو ما يضع الهويّة أمام اختبارات متواصلة، خصوصاً مع ازدياد رغبة الأفراد في التموضع في فضاءات أوسع من حيزهم الاجتماعي الخاص. إن واحدة من المعضلات الأخلاقية الكبرى التي تفرض نفسها اليوم على الهوية، أن الشبكات الاجتماعية هي الوسيط التفاوضي الذي يتواصل من خلاله الأفراد، وهو وسيط برمجي، له خصائص مستقلة، تخدم الشركات، بما يخدم مصلحتها في بناء قواعد بيانات هائلة وتفصيلية، وتجعل من الخصوصية الفردية عرضة للانتهاك المتواصل، أو تحدّ من خيارات التواصل نفسها، بما تقدمه من اقتراحات على المشاركين. مشكلة الوسيط التفاوضي الافتراضي تطرح نفسها كسؤال فلسفي جديد، لكن هذه المرة تقريباً بلا جمهور واسع لهذا السؤال، أو ما يطرح حوله فلسفياً، فإذ تحاول حركة النقد الجديد تقصي الأخلاقيات من خلال المعايير التي تفرضها الأنظمة البرمجية لشبكات التواصل الاجتماعي، فإن لا إمكانية فعلية وعملية لتقديم مقترحات للشركات العملاقة، التي تستحوذ اليوم على مجال صناعة الهويّات في العالم. من جهة أخرى، فإن النقد الاجتماعي قد يبدو أكثر فاعلية في الجانب التطبيقي، أي في التوجه للجهات القائمة على بناء الهويّات التعليمية والقانونية والمؤسساتية، التي يمكن اعتبارها نقابات تنوب عن أصحاب المصلحة من طلاب وموظفين ومشتركين، كما يمكن أن تسهم في صياغة التشريعات الضرورية، من دون أن يكون الهدف الحمائي المحض هو الدافع للتشريع القانوني، بل بوصفها خلاصة الحوارات المجتمعية التفاوضية على أسس الهوية الفردية والجماعية. للوهلة الأولى، تظهر شبكات التواصل الاجتماعي كوسيط ليبرالي فعّال، لكن هذا الوسيط هو في نهاية المطاف أداة عولمية لتنميط الاستهلاك والفكر والثقافة والهوية، ومحل نزاع للهيمنة من قبل الشركات والأفراد، أي أنه خاضع لعمليات ضبط ومعايرة لأغراض متعددة، بعضها رقابي محض، لا علاقة له بأي قيمة ليبرالية. إن واحدة من الصور الأسوأ لبناء الهويات في شبكات التواصل الاجتماعي تظهر في تضخيم النزاعات الهويّاتية الجماعية في الدول التي تشهد نزاعات وحروباً وفوضى، إذ تصبح هذه الشبكات ساحات قتال حقيقية، تحاول فيها جميع الأطراف زيادة مستوى هيمنتها، من خلال التأطير الهوياتي، بغرض الاستثمار السياسي، وهذا التضخيم يتحوّل إلى أداة فعالة من خلال بناء سرديات المظلومية أو سرديات القوة لدى كل طرف، وهو ما يمكن تصنيفه كأداة لا أخلاقية في تشكيل الهويات، وتأجيج النزاعات بين المجتمعات المحلية، أو في حيز جغرافي/ وطني واسع.