logo
#

أحدث الأخبار مع #الآراء

حين يصبح الصمت فضيلة
حين يصبح الصمت فضيلة

الغد

timeمنذ 2 أيام

  • منوعات
  • الغد

حين يصبح الصمت فضيلة

اضافة اعلان قال لي صديق معني بالشأن العام، بعدما أخبرته أن أحدهم كتب مقالًا يشيد به: "المحظوظ في هذه الأيام من لا يُذكر لا بخير ولا بشر". لم تكن جملته مجرد تعبير عن التواضع أو رغبة في الهروب من الأضواء، بل كانت تلخيصًا دقيقًا لحالة اجتماعية متفاقمة في عصر السوشال ميديا، حيث أصبح ذكر الأسماء – حتى في سياق إيجابي– محفوفًا بالمخاطر.ففي هذا الزمن، لم يعد النقاش يدور حول الأفكار، بل حول الأشخاص، فكل كلمة تُقال تُقرأ خارج سياقها، وكل موقف يُعلن يُفسر على أنه اصطفاف أو عداوة. فجأة، تجد نفسك في مرمى سهام النقد أو التنمر، فقط لأنك عبّرت عن رأيك أو ورد اسمك في نقاش عام.ومع صعود وسائل التواصل الاجتماعي، تغيرت طبيعة الحوار بشكل جذري، فكثير من النقاشات تحولت إلى ساحات لتصفية الحسابات الشخصية، وأصبح التربص سلوكًا شائعًا، حتى بات كثيرون منا يفضلون الصمت أو الابتعاد عن المشهد العام، خشية أن يتحولوا إلى هدف لحملات التشويه أو السخرية.هذه الظاهرة ليست مجرد انعكاس لاستقطاب سياسي أو اجتماعي، بل هي أزمة عميقة في ثقافة الحوار. فحين يغيب النقاش حول الأفكار ويحل محله الهجوم على الأشخاص، نخسر جميعًا فرصة التطور والنضج. فالأفكار لا تنمو إلا في بيئة تسمح بالاختلاف وتحترم الرأي الآخر. أما حين يصبح كل رأي مخالف مدعاة للاتهام أو التشكيك في النوايا، فإننا نغلق الباب أمام أي حوار حقيقي.لقد عززت منصات التواصل هذه النزعة، إذ أتاحت للناس التعبير عن آرائهم بسرعة ويسر، ومنحتهم شعورًا زائفًا بالقوة من خلف الشاشات. ففي هذا الفضاء الافتراضي، يسهل إطلاق الأحكام أو الشتائم دون تحمل مسؤولية الكلمة أو أثرها، فيتحول النقاش من فرصة للتعلم إلى معركة لإثبات الذات أو تصفية الحسابات.المفارقة أن كثيرًا من رواد هذه الحملات يرفعون شعارات الحرية والديمقراطية، لكنهم في الممارسة يضيقون بأي رأي مخالف، ويعتبرون كل اختلاف تهديدًا شخصيًا. وهكذا، يصبح الصمت فضيلة، والحياد ملاذًا، والاختفاء عن الأنظار نعمة. لذلك نلاحظ أن كثيرًا من أصحاب الرأي أو العاملين في الشأن العام باتوا يفضلون الابتعاد عن النقاشات، أو حتى الامتناع عن التعبير عن آرائهم، خوفًا من أن يتحولوا إلى هدف لحملات التشويه أو الإساءة.المؤسف أن هذه الحالة تعكس هشاشة المجتمع ونزقه، فحين نخشى التعبير عن أفكارنا، فهذا يعني أن ثقافة الحوار تراجعت لصالح ثقافة التربص. والأسوأ أن هذا المناخ يقتل روح المبادرة، ويجعل من الصعب ظهور أصوات جديدة أو أفكار مبتكرة، لأن الجميع يخشى العواقب.أحيانًا أشعر أن الصمت أصبح فضيلة، وأن الحياد صار ملاذًا آمنًا، فكثيرون ممن أعرفهم أصبحوا اليوم يفضلون النأي بأنفسهم عن النقاشات العامة، ليس لقلة الدراية بل لأنهم يخشون أن يتحولوا إلى هدف لحملات التشويه أو السخرية، وصار البعض يردد: "دعني في الظل، فالضوء يكشفك لسهام المتربصين".ربما آن الأوان أن نعيد الاعتبار للفكرة لا للشخص، وأن نحتفي بالاختلاف بدلًا من الخوف منه، وأن نمنح أنفسنا والآخرين فرصة التعبير بلا خوف من التربص أو الإساءة، فمجتمع لا يحتمل النقاش والاختلاف، مجتمع محكوم عليه بالانكفاء.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store