١١-٠٥-٢٠٢٥
رسالة إلى نفسي!
أكتب هذه الرسالة إلى نفسي قبلك، لأننا ننسى دائمًا نعم الله علينا بعد الخروج من أي مازق، ونظن أن بأيدينا الخلاص!. نمرّ جميعًا بفترات عصيبة جدًا، وفي كل مرة نعتبرها الفترة الأصعب في حياتنا، لذلك أكتب:
فقدان المعنى
إن من أصعب ما يمكن أن يشعر به الإنسان شعورَ الأبواب المغلقة، أي عدم وجود المخارج في المستقبل القريب، كما نقول باللغة العامية: "مسكّرة من كل الجهات".
وإن هذا الشعور يولّد شعورًا آخر هو انعدام الأمل، ما يؤدي إلى الإحباط، وبالطبع سينعكس هذا على سلوك الإنسان؛ فتتباطأ حركته في السعي نحو أي جديد، والسبب العلمي حسب علم النفس هو "عدم وجود المعنى"، أو -بتعبير آخر- عدم القدرة على إيجاد المعنى لأي شيء يفعله! (Frankl, 1985).
الإنسان بطبعه عجول وطمّاع لذا تصبح نظرته للأمور تشاؤمية إلى أبعد حد، ما يؤدي إلى سلوك التباطؤ في كل شيء، وهذا ما سيضع الإنسان فعلًا في المنطقة التي يخاف من أن يصل إليها: خانة الفشل
المشكلة ليست في المشكلة بل في المعتقدات الناتجة عنها
إن الخبرات والتجارب السيئة التي يمر بها الإنسان تبني جزيئات داخل الذاكرة في الدماغ (أنماطًا معرفية)؛ لتحميه من تكرار الأخطاء السابقة، وترفع من وعيه واستبصاره للأمور المستقبلية، وهذه نسميها نحن (الخبرة).
هذه الأنماط تؤثر على أداء الذاكرة أحيانًا، وتتسبب بما يسمى بالذاكرة الوهمية أو الكاذبة (الاعتقاد بأنه قد حصلت معك أشياء، وهي بالفعل حصلت ولكن ليس بهذا الشكل).. (Loftus,2005).
ولأن الإنسان بطبعه عجول وطمّاع تصبح نظرته للأمور تشاؤمية إلى أبعد حد، ما يؤدي -كما ذكرت- إلى سلوك التباطؤ في كل شيء، وهذا ما سيضع الإنسان فعلًا في المنطقة التي يخاف من أن يصل إليها، ألا وهي خانة الفشل.
والمقصود من هذا الكلام أن خبراتك السيئة ستبني تصورات معينة تؤدي إلى سلوك معين، هو -وليس المشكلة ذاتها- ما سيدفع بك إلى الفشل (Beck,2011).
لا تترك التصورات التلقائية تسيطر عليك.. فشلك في محطة لا يعني أبدًا أنك شخص فاشل. فالمثل الصيني يقول: "الفشل أُمُّ النجاح"
حجم المشكلة والنسبية
أذكّرك، عزيزي القارئ، وأذكّر نفسي بجملة مهمة جدًا وهي: "هناك مشكلة واحدة، بأمر الله -عز وجل- لم تحدث بعد، ولكنها إن حدثت -لا سمح الله- ستحول كل المشاكل الكبيرة القديمة إلى تحديات بسيطة لا قيمة لها!".
كل شيء يرجع إلى النظرية النسبية لآينشتاين، الذي شرح لنا النسبية في كل شيء، ما يعني أن حجم الشيء يكبر ويصغر وتختلف سرعته تبعًا للمقارنة بالشيء الآخر، سواء أكان سرعةً، أم زمنًا، أم كتلةً.
لذلك يقولُ تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [سورة الشرح، 5-6 ]… ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًۭا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [سورة الطلاق، 2-3]… ﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوٓءَ﴾ [سورة النمل، 62]… ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّۢ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ﴾ [سورة الأنعام، 17] ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ [سورة الزمر، 53]… صدق الله العظيم.
وهناك الكثير الكثير من الآيات التي أنزلها الله -تعالى- على رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم)، لتصل إلينا علّنا نفهم!
القدر وحجم العِوض
الملخص أن كل شيء مقدّر من الله تعالى القائل: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [سورة القمر، الآية 49]؛ فلا تترك التصورات التلقائية تسيطر عليك… فشلك في محطة لا يعني أبدًا أنك شخص فاشل. ويعجبني مثل صيني يقول: "الفشل أُمُّ النجاح"، ونجاح غيرك لا يعني أبدًا أنه أفضل منك.
إعلان
واعلم أن الابتلاءات متفاوتة في الدنيا ولكن الله عدله مطلق، لذلك سيعوضك خيرًا في الآخرة، لأننا -ومهما فعلنا- مقصرون في حق أنفسنا وحق الخالق، عز وجل.
لذلك، إذا رأيت شخصًا ناجحًا ومرتاحًا فاحزن عليه، لأنه أخذ الكثير في الدنيا، ولم يتبقَّ له الكثير في الآخرة، ولكن انتبه! الكثير في الدنيا قليل جدًا بالنسبة إلى الآخرة، والدليل أن الرسول- ﷺ- قال: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة، ما سقى كافرًا منها شربة ماء" [رواه الترمذي: 2320]؛ فالدنيا كاملة لا تساوي عند الله جناح بعوضة، فما بالك بكلمة "الكثير في الآخرة"؟
البشر والاستثناء
مشكلة البشر أنهم يستثنون أنفسهم دائمًا من القاعدة، وأنا أولهم.. قلت كثيرًا لنفسي:
محمد، أنت بدأت العمل في عمر صغير، أصدقاؤك في الجامعة كانوا يلهون دائمًا، وأنت كنت تعمل موظفًا في المطار، درست وتخرجت، وعملت في أكثر من 5 شركات، وتعبت ليلًا ونهارًا إلى أن وصلت إلى مناصب إدارية عليا، وقمت بتأسيس عملك الخاص، ودرست كثيرًا جدًا، من كورسات إلى اعتمادات، ودرست الماجستير في علم النفس، والماجستير في إدارة الأعمال … إلخ.
وبعد الجهد الكبير، وبعد كل هذا، ذات مرة ذهبت أنت وأصدقاؤك إلى المزرعة، هم كانوا يلهون ويلعبون وأنت تدرس وتعمل على "اللابتوب" الذي أصبح جزءًا منك.. والمحصلة أنك لم تشعر بأن نتائجك "ماليًا" أفضل منهم بكثير! مع أن المنطق يقول إنك يجب أن تكون بحالة مالية أفضل منهم بأضعاف، باعتبار المستوى الفكري الأعلى والمجهود الأكبر!
ومع أنني مؤمن بأن الرزق ليس له ارتباط مباشر بحجم الجهد، فإني أستثني نفسي دائمًا من القاعدة، وأقول سيُعطيني الله أفضل منهم! وهو ما يؤكد مبدأ المقارنة الاجتماعية في علم النفس، حيث نُدرك حجم الألم أو النجاح دائمًا في ضوء مقارنة أنفسنا بالآخرين أو بمواقف أخرى (Festinger, 1954).
بيد أن حكمة الله فوق كل شيء، لذلك أقول لك، يا عزيزي القارئ، إن المنطق الدنيوي بعيد جدًا عن القدر الإلهي؛ فالرزق مكتوب بغض النظر عن مجهوداتك التي تعتبرها أنت عظيمة.
لن نقنط من رحمة الله، تعالى، ونقول الحمد لله على كل شيء، ولنحمد الله بالدعاء الذي رأى بسببه نبينا- ﷺ- بضعة وثلاثين ملكًا يبتدرونه، وذلك هو القول: "ربنا لك الحمد، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه".