logo
#

أحدث الأخبار مع #الاكاديميةالمصريةللفنون

حين يبكي الإنسان على اخيه الإنسان!
حين يبكي الإنسان على اخيه الإنسان!

اليوم السابع

time٢٣-٠٤-٢٠٢٥

  • سياسة
  • اليوم السابع

حين يبكي الإنسان على اخيه الإنسان!

تعلمنا من دروس التاريخ أن هناك كلمات تحمل في حروفها نور وان هناك أيام تتوهج فيها الشمس بعد غيام السحب وشدة الرياح ووطأة العواصف وان هناك قلوب تسطع بالمحبة والبهجة على وجه من تنظر له دون غاية او هدف او مرود، كما تعلمنا أيضا من دروس التاريخ ان هناك رجالا صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فاتقوا الله في مهمتهم ومعاملتهم الحياتية واوفوا واضافوا لسجلات الانسانية صفحات مليئة بالعمل والعبادة والمعرفة وبددوا ظلمات الجهل والظلم قدر ما استطاعوا. هؤلاء الرجال عاشوا أياما وسنينا وهم مدركين ان الحياة ما هي الا رحلة دنيوية بل بعثة ربانية في ربوع الأرض بهدف السير في ملكوته وإقامة العدل والتحدث بنعم الله والإقدام بوهج نوره على درب الإنسانية كالمصابيح المنيرة المستنيرة وكالعصا يرتكز عليها كل مؤمن بالحق ومعتنق قيم الخير. كلمات النور لا تموت.. قلوب الانقياء تبقى نابضة بالحياة.. فلسفة كبار الرجال تتلألأ كالشعلة تضئ الكون لآل الشغف والمجتهدين مهما مرت الأيام وتبدل الزمان وتغيرت الوجوه.. صوت الحكمة والحق لا يُطمس ولا يخمد ابدا، بل يعلو ويصدح في الفضاء ليسكن في قلب وعقل ذاكرة الإنسانية.. واليوم، ونحن نودع البابا فرنسيس الذي دوي نبأ وفاته في ارجاء العالم واحزن الإنسانية جمعاء، ليس فقط للمسيحيين بل ومن بينهم المسلمون الذين وجدوا فيه صوتًا متواصلا للسلام والحوار. لم يكن البابا فرنسيس مجرد رمزا دينيا، بل كان رمزًا عالميًا للرحمة، ووجها للوسطية والعدالة، والتفاهم بين الأديان، وقد ترك رحيله فراغًا كبيرًا في مشهد جيوسياسي غير مسبوق، معقد وعالم فاقد للمعايير و القيم الإنسانية، عالم أهوج و ما أحوجه اليوم إلى حكمة رجال تتميز بالنبرة المتزنة والصوت المعتدل و لطالما عبّر البابا فرنسيس عن وسطيته العقائدية واحترامه العميق للإسلام والمسلمين، مؤكدًا في أكثر من مناسبة على أهمية قبول الآخر و ضرورة الحفاظ علي الحوار بين الأديان، والحرص علي مدّ جسور التفاهم بدلًا من بناء الجدران تفصل بين الشعوب بعضها البعض و تغتال بارتفاعها رؤية الاخر فتهتك أواصر المحبة ففي احد احاديثه امام اتباعه أكد ان "الإيمان الحقيقي لا يولد الكراهية، بل يدفع نحو المحبة والتلاقي، وأنا أؤمن أن للمسلمين والمسيحيين رسالة مشتركة في بناء عالم أكثر عدلاً ورحمة" هذه الكلمات جعلته محبوبًا ومُقدرًا في قلوب الكثير من المسلمين حول العالم ومنهم فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، الذي وصفه بـ «رجل الإنسانية الذي حمل همّ الإنسانية» فقال "لقد كان البابا رمزًا للسلام والحكمة، وساهم في تعزيز الحوار بين الأديان بروح مخلصة، وسيفتقده العالم كصوت عاقل في زمن مضطرب" وقد أشاد الإمام الأكبر بالمكانة الرفيعة التي احتلها البابا فرنسيس كرمز إنساني نبيل، لم يدّخر جهدًا في اعلاء القيم الإنسانية، مشيرًا إلى ما شَهدته العلاقة بين الأزهر الشريف والفاتيكان من تميز وازدهار في عهده، بدءًا من مشاركته في مؤتمر الأزهر العالمي للسلام عام 2017، ومرورًا بتوقيع «وثيقة الأخوّة الإنسانية» التاريخية في عام 2019، التي جاءت نتيجة نوايا صادقة رغم التحديات، وصولًا إلى سلسلة من المبادرات المشتركة التي عززت الحوار الإسلامي- المسيحي بشكل متفرد. عزيزي القارئ جمعتني الاقدار بهذا الرجل العظيم البابا فرانشسكو - كما اعتدنا تسميته في روما – "المدينة الخالدة" التي عشت فيها سبع سنوات (2012 – 2019) حينما شرفت بالعمل كمستشار ثقافي لدي سفارة مصر بإيطاليا ورئيس الاكاديمية المصرية للفنون في روما. كنت من الذين حالفهم الحظ والتقوا بقداسته بل ومن الذين شاركوا بالكلمة والحديث وتنظيم زيارات/تظاهرات في رحاب رئاسته لمؤسسة الفاتيكان. كما ارادت الاقدار ان يتم دعوتي من خلال تليفزيون الفاتيكان في إطار استوديو تحليلي للتعليق لمتابعي القناة حول العالم - باللغة الإيطالية - علي زيارة البابا الي القاهرة و التي تم الاعداد لها بأدق تفاصيلها من قِبل السفارة المصرية للفاتيكان بقيادة السفير حاتم سيف النصر ونائبه السيد تامر توفيق و بالفعل تُوِجت هذه الزيارة بالنجاح و تم تعظيم الاستفادة من هذا اللقاء التاريخي بين البابا والامام الأكبر فضيلة شيخ الأزهر و الذي نضحت من خلال كلماتهم و احاديثهم نسمات ذكية اثلجت النفوس و انبعثت من خطاباتهم روحانيات واهبة و واعدة بِغَد افضل. اود أيضا ان أذكر انني شرفت بحضور مراسم تنصيبه في 13 مارس 2013 من خلال وفد رفيع المستوي برئاسة وزير الثقافة الأسبق الأستاذ الدكتور محمد صابر عرب الذي قام بالتصديق عي ما تقدمت به من ملف التعاون الثقافي الأول من نوعه مع دولة الفاتيكان في مايو 2013 من خلال المؤتمر الأول لدراسة التوابيت الفرعونية بالتعاون مع الاكاديمية المصرية للفنون في روما ومتحف اللوفر و متحف ليدن علي ان تلقي المداخلات بين فضآت الفاتيكان و قاعات الاكاديمية التي تحمل الحداثة في مبناها الانيق و العراقة في تاريخها المديد عبر مائة عام من الزمان. وفي ختام قولي هذا أستطيع ان أؤكد أن البابا فرنسيس كان شخصية مختلفة قادرة علي تحمل معني الاختلاف متفردة بعطاء قلب نقي ويد ممدودة للأخر، نموذج وقدوة يُحتذى بها فى الدفاع عن قضايا السلام واعلاء صوت الحق في زمن عز فيه اقامة ميزان العدل. لقد كان الرجل يعلو بصوته فوق الضجيج السياسي، يدعو إلى وقف الحروب، ورفع الظلم، ومساندة الفقراء، وكان حريصًا على أن تكون كلماته مصدر أمل للمهمشين، بغض النظر عن دينهم أو جنسهم أو وطنهم. من هذا المنطلق، لم يكن من المستغرب أن نرى مشاعر الأسى والحزن تعم حتى في دول إسلامية عند إعلان وفاته نعلم أن رحيل هذا الرجل العظيم ربما يكون نهاية لصوته ولكنه ليس نهاية لكلماته، بل بداية لفصل جديد من تذوقها، ومن التأمل والتأثير الروحي الذي سيبقى برحيقها ونكهتها التي سترافقنا على الرغم من فقدانه، فإن رسالته الإنسانية ستظل حية في قلوب الملايين، وستستمر في توجيه الأجيال القادمة نحو السلام والمحبة والتسامح. إن وفاة البابا ليست فقط نهاية حياة رجل دين، بل لحظة تأمل في قيم إنسانية خالدة طالما دعي إليها وعاش من أجلها. حيث شهدت حبرية البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، عدداً من القضايا غير المسبوقة خلال سعيه المتواصل من أجل إجراء إصلاحات داخل الكنيسة الكاثوليكية، والحفاظ في ذات الوقت على مكانته بين المؤمنين المحافظين وبينما يودّعه العالم اليوم، يبقى إرثه من المحبة والحوار والرحمة حيًا في قلوب الملايين من مختلف الأديان والثقافات.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store