أحدث الأخبار مع #الباني

المدن
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- المدن
"العربية: أبجد خيالي" للباحث والشاعر شربل داغر
صدر عن منتدى المعارف كتاب "العربية: أبجد خيالي" للباحث والشاعر شربل داغر. هنا مقدمته: "أتحققُ أحياناً من أنني أدوِّن حروفاً فوق بنطالي، وأنا في طائرة، أو سيّارة. أُدوِّنها لغياب أي حاملٍ مادي قابلٍ لما أكتبُ فوق ورقه أو شاشة هاتف. أُدوِّن ما لا ينتظم في كلمات، على أن بعض الحروف تتقارب مع العربية؛ بل أنتبهُ، في خطي الاعتيادي، إلى أنني أشدِّدُ على إبراز السنات الثلاث في حرف: الشين. قد يكون هذا من قبيل الصحوة اللاواعية لِما كان عليه تعلُّمي في المدرسة الابتدائية للخط؛ بل قد يكون أخفى من ذلك، وهو انشدادي البعيد إلى العربية. يبدو، في هذا، أنه كان لها، ما يستثير بريقاً في المدى غير المنظور أمام طفلٍ منبهرٍ بكيانٍ ينقاد إليه بمجرد تحريك بضعة حروف: الشدُّ على بدن الورقة الرقيق والشفاف لم يكن ليغيب عن العمَّال الخافِين إذ يَسحبون الحبر الأسود من مياهه الجوفية لكي ينمو على عَجل، ولكن بأناقة، ما يشبهُ عالماً ولو بحركات قليلة من شكل. هذا ما بقيَ كما لو أنها آثارٌ خفية، تقبعُ في طرف الأصابع الثلاثة التي كان الباني يحتاجُها، في ريشته ذات الطرف الطويل والدقيق، لنقلِ خطى هي أقرب إلى ما تُحدِثُه عصافير راجفة في ثلجِ الخلاء. ألهذا الكتاب مقدمة ممكنة؟ هو ليس بكتاب في منطلقه، في ترتيبه، وفي إعداد مواده. إذا كان للكتاب في منطلقه مدى، فإن ما انتهيتُ إليه أدناه يشبه الاقتراب من غابة، والتقدم بين أشجارها، وظلالها، وعتمتها، والخروج منها من جديد. لم أُقبلْ على كتابة هذا، في تتابع مواده، مثل أي كتاب، إذ كنتُ أباشر تبعاً لحروف وألفاظ من دون قصد معجمي، أبجدي أو غيره. كنتُ أقرب الى متنزهٍ في... غابة، كما تخيَّلَ لي. ووجدتُ أن هذا أقرب إلى رسمٍ، إلى مخطط، مسبوق بقصد، وهو القيام بجولات متقطعة ومتتابعة في آن. هكذا أدخلُ إلى معجمي، كما أدخل إلى غابة: من غير مكان، في غير اتجاه. ولكلٍّ معجمُه بشكل تلقائي، طبيعي، من حيث يدري ولا يدري. هذا ما يمكن التحقق منه إذ تقفز كلمات، بل جُملٌ أحياناً، من خفائها، لتسبقنا إلى التكلم. هي لم تكن هامدة، باردة في صقيعها، بل كانت تحيا، من دون أن نعرف أو نُبلَّغ عن انتظام تلك الحياة. كلُّ معجمٍ خياليٌّ بدوره؛ معجم فردي؛ معجمُ ما يقع بين التعلم والتمرين. بين الحصول والاشتهاء. بين لغة محفوظة، وأخرى ناشطة من دون بيان أو جردة حساب. معجم لغير الاستعمال فقط، خصوصاً وأن استعماله قد يعني تجديد العربية، عمداً أو من غير قصد. اللغة تستقبل المولود الذي نبدأ به سعيَنا، وتبقى بعدنا، بعد أن تنقطع بنا السبل؛ وهو أحد معاني العبارة الشهيرة: اللغة-الأم، على ما أرى وأقترح. هذا ما يُطيل جاك لاكان في عرضه وشرحه، متنبهاً الى الثدي والرضاعة، وإلى أن حليب اللغة أكثر من مورد لحياة الطفل في خروجه من حضن الأم إلى حضن الجماعة. للزمن، للحياة، سيرةٌ في اللغة، في استعمالاتها، لا تبلغ المعجم العربي في أحوال كثيرة. هذا ما يُقَوِّي الرغبة - لديّ على الأقل - في المرور من جديد في بعض تلك الفجوات. هذا ما اتكلُ عليه في ممكنات اللغة، وفي التخييل فيها. هذا ما أحاولُه في هذه النبذات، أي جمع اللغة بالحياة، حيث تجري أيضاً، وليس في المعجم وحده. هذا ما أجرِّبه بنفسي، على نفسي، في لغتي، وفي "حياتي" فيها، ومعها. الكتابة تجربة، تمتحن كينونتي في العالم عبر اللغة. أجرّب كتابةً تخالِف ما هو عليه المعجم (حتى لو كان خياليّاً)، ولو أتتْ في صيغة : أبجد. اللغة تُحفَظ في معجم، لكنني عندما أتصفحُها فيه، أكتبُها، وهي تكتبني، أتنقلُ في مسالكها، وأتنفسُ فيها ومعها. أتنقل في دروب، بالتالي، ملتوية، متعرجة، لا يكشف البدء بها عما يمكن أن تنتهي إليه. تنقلات تتشبه ظاهرياً بـ"مداخل" المعجم، أو الأبجد، المرتبة، المتتابعة، لكنها تخالفها، إذ تسير، وتتقدم، من دون نظام مسبق. اللغة هي نحن، أنت وأنا وغيرنا. هي ما نكون. ما نصبو إليه، وجوداً وتطلعاً وتعبيراً. هي ما يَعتمل فينا، من دون أن نقوى على استخراجه من دواخلنا. هي ما نعملُ على بنائه، فنصل إلى حيث لم نقصد بالضرورة، لكننا نرضى به؛ بل قد نفرح بما وهبتنا الحياة في اللغة، وبها. كما لو أن ما ننتجه، لا يختلف تماماً عن مولوداتنا الأخرى، الطبيعية : هي من صلبنا، لكنها قد لا تشبهنا تماماً، وهي لا تتطابق معنا مؤكداً. عابرون في اللغة: أبعد منا. أبقى منا. لهذا يطيب لي التوقف في مجالها، مثل من يتفقد سيرته، حَراكه، ودورانه، كم لو أنه يُعاود الخطى في ما ليس له، في ما يسبقه إلى ملامح هيئته الهاربة، المتبددة في هشيم اللحظات. لهذا يشغلني الغامضُ في اللغة، وسحيقُها، على أن اقتفاء آثار متبقية لا تبعد عن اقتفاء الماشي في صحرائه، من دون دليل غير ما تُحدثُه الخطوة تلو الخطوة في ما هو تخييلٌ، ويظنه أقرب من سراب غيمة. لهذا أتحرَى عمّا خفي، عما اندثر، عما تبقى منها، في تلك الدروب التي تمَّحِي بقدر ما ترتسم، أو ترتسم ولا تلبث أن تمحي بعزمٍ تتولاه الخفة في تحليقها. لهذا تبقى اللغة أبعد منا، ولا يكفينا منها ما ينتظم من علاقات، من طرق اشتقاق، من إلماحات الوجوه والتعابير في رحيل الكلمات. سيتنبه القارئ اللبيب إلى أنني أضع حروفاً، بل جذوراً أحياناً، مختلفة للنبذات، ما لا ينسجم بالضرورة مع بناء معجم، فهو يتطلب، لاسيما مع المعاجم المعاصرة، ترتيباً نسقيّاً للمداخل المعجمية فيه. إلا أن هذا القارئ اللبيب سيتنبه كذلك، منذ الصفحات الأولى في الكتاب، إلى أنه يقترب من الكتاب (ولاسيما بعد الاطلاع على مجموعه)، من التأليف أكثر منه من بناء معجم. ومردُّ هذا يعود إلى أنني طلبتُ فيه التوقف والانصراف إلى اشتغالات مختلفة في مدار: اللغة. فاللغة، أو اللسان، أو العربية، هي ما يجمع شتات المكتوب فيها، ويجمع شوارد التفكير في مسائلها. هذا يتوزع في مناطق مختلفة ومتنوعة من "حياة" اللغة: في أصولها، واشتقاقاتها، وتراكيبها، وتحولاتها وغير ذلك. وهذا ما يشتمل أيضاً على نبذات، بل على وقفات فاحصة، في ما يصل اللغة بغيرها: بالفلسفة، والترجمة وغيرها. هذا ما يَحمل على التفكير، بل على التخيل، ما هو مدعاة لسؤال هو في أساس قيام هذا الكتاب: ألا يُسهم الخيال في عمليات الفكر، خاصة في مجاهل اللغة؟ فما أروده في مدار اللغة ينبني انبناءات مختلفة في الكتاب: منها ما ينبني على الدرس المعجمي في طرق استدلاله، ومنها ما ينبني على التفسير والربط والتحليل وغيرها من أقيسة النظر، ومنها ما ينبني على مقادير من التخيل، كما يمكن تسميته. فالخيال، باحتمالاته وتجاوزاته وتنقلاته المجازية، يتيح مثل هذا التجوال في مجاهل اللغة؛ ويقودني في هذا التعليلُ التالي: إن بعضاً مما جرى في اشتقاقات الألفاظ، ولا سيما في معانيها، عند المستعملِين الأوائل لها، وعند معتمديها بعد ذلك، ألا يشبه عمليات التجول الخيالي... عندي أو عند غيري؟ هكذا يتوقف الكتاب، في نبذات، مثل أبجد أو قاموس؛ لكن النبذات منتقاة وفق مقاصد بحثية، من جهة، ووفق حرية التجوال في الألفاظ واحتمالاتها، من جهة ثانية. هكذا يتوقف الأبجد عند: البطاطا وغيرها من الألفاظ اليومية؛ كما يتوقف عند ألفاظ-مفاهيم في عربية اليوم، مثل: الأدب، والتراث، والترجمة، والثقافة، والثورة، والزخرفة، والسامية، والسرد، والشعر، والصورة، والعربية، والعامية، والفنون، والقصيدة، والمعجم وغيرها. وهذا التوقف، عند أقطاب المعاني هذه، طلبَ فحصَ العمليات التي أصابت ألفاظاً في العربية، ما بدَّل من "حمولاتها"، بين ما كانت عليه، وبين صارت عليه. فقد جرتْ (على ما أمكن التحقق) عملياتُ تبديلٍ لمعاني كثير من الألفاظ – لا سيما في سجلات ألفاظ الأدب والثقافة والفنون والسياسة والفلسفة عموماً – ابتداء من القرن التاسع عشر: عملياتٌ أشبه بعمليات الصيرفة، عملياتِ تبديل العملة، حيث طالبُ التبديل يفقد بعضاً من قيمة عملته بمجرد شراء غيرها بها. ولقد كان لهذه العمليات نتائج متعددة: منها "بلبلة" مفهومية، ما جعل اتساق المعاني والدلالات في تاريخ هذه الألفاظ غير قائم، بل بات ملتبساً ومتداخلاً بين قديمه ومستحدثه؛ ومنها أن النظر بات مزدوجاً لهذه الألفاظ بين ما كانت تعنيه وبين ما باتت تعنيه؛ ومنها أن التبديل لم يكن لغوياً، بل ثقافياً (و"حضارياً"، حسب تصنيفات لم تعدْ، اليوم، سارية)، وأدى إلى النظر المتدني وغير السليم إلى ما كانت تدل عليه هذه الألفاظ المعنية في ماضي استعمالاتها في دورات التداول... كما طلبَ الأبجدُ التوقفَ عند جوانب من سيرتي مع العربية، في طفولتي أو في دراستي، ومع "المعلِّمِين" الثلاثة الذين قادتني مباحثُهم: الخليل بن أحمد الفراهيدي، وأحمد فارس الشدياق، والشيخ عبد الله العلايلي. ملاحظة أخيرة: وجدتُ من المناسب، بعد استعراض النبذات التي انتهى إليها البحث والتأليف في هذا الأبجد، أن أنشر، في "ملحق"، مواد سبق أن بحثتُ فيها قبل قيام مشروع الكتاب، وتتناول موضوعات وقضايا متصلة باللغة، بـ"سلطانها"، وبلغوية الترجمة، فضلًا عن ترجمة أجزاء واسعة من نص غير معروف في العربية، يعود إلى الشاعر هنري ميشو، ويتناول فيه اللغة، في "تشاكيلها" الأولى، بين الدرس والتخيل. (*) دعا منتدى المعارف إلى توقيع كتاب "العربية: أبجد خيالي"، يوم الثلاثاء 20 أيار الجاري، من الساعة الخامسة حتى السابعة مساء، جناح منتدى المعارف في معرض بيروت الدولي للكتاب.


البيان
٠٢-٠٥-٢٠٢٥
- صحة
- البيان
بصمة الأثر الإنساني
تحرص دولة الإمارات العربية المتحدة على مد يد العون للمحتاجين حول العالم وتخفيف معاناتهم، دون تمييز بين دين أو عرق أو لون، وتعتبر مؤسسة محمد بن زايد للأثر الإنساني إحدى المؤسسات المحلية الرائدة في العمل الإنساني العالمي. حيث أطلقت مؤخراً مبادرة هدفها مساعدة النساء والأطفال في جنوب أفريقيا، للمساهمة في تحقيق جودة الحياة الصحية، فأساس جودة المجتمع تبدأ من صحة الأم والطفل. وهذا العمل الإنساني الرائد والمتكاتف مع مؤسسات إنسانية ومنظمات دولية، هدفه الرفع من قيمة الإنسان في المجتمع الأفريقي، وتحقيق الرعاية الصحية الشاملة للأم والطفل. هذا العطاء ليس بالجديد على دولة الإمارات العربية المتحدة، فالدولة اعتادت على إطلاق المبادرات المتواصلة والتي تهدف لتخفيف المعاناة عن الملايين حول العالم. وهذا نهج كرسه الباني المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وسارت عليه قيادتنا الرشيدة بقيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله. بذرة الإمارات الإنسانية ترعرعت ونمت وأصبحت راسخة، وعطاؤها بات يصل لكل محتاج في العالم. فالإمارات تنظر بمنظور واسع يشمل العالم لتحديد الدول المحتاجة ومد يد العون لها، وليكون لها أثر إنساني خالد يكسبها مكانة وسمعة إنسانية، وينبثق ذاك من ديننا وعاداتنا وأعرافنا، ويمثل هويتنا. لقد أكسب تكاتف دولة الإمارات مع المنظمات والمؤسسات الدولية الإنسانية، الدولة ريادة عالمية في العمل الإنساني بكل أشكاله، فالمجتمع الأفريقي في جنوب الصحراء الكبرى يعاني من تحديات وعراقيل صحية واقتصادية، من ضمنها ارتفاع عدد الوفيات للمرأة والطفل بسبب تدني المستوى الصحي. وكما يجتمع العالم في المؤتمرات والمحافل الدولية لمواجهة تحديات المستقبل وإسعاد البشرية، فهذه من ضمن الأولويات التي تسعى إليها الدول متكاتفة لوضع حدٍ لتلك الأزمات التي تواجه المجتمع الأفريقي وتحقيق جودة الحياة الصحية، وتمثل مبادرة مؤسسة محمد بن زايد للأثر الإنساني بارقة أمل لآلاف النساء والأطفال في جنوب أفريقيا، وتعد أثراً خالداً لأرواح عاد إليها الأمل في الحياة.


عكاظ
١٠-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- عكاظ
النقد ثقيل دم
مما تحتفظ به ذاكرتي، أن أبي عليه رحمة الله كلّفني بذبح خروف في ليلة شاتية، وأنا في المرحلة الابتدائية، وكنتُ وجِلاً من هذا التكليف الدموي، ومُبتهجاً في ذات الوقت بالثقة الأبوية، إلا أنه عندما حضر بالكشّاف ليرى ما فعلت، وكانت أُمي رحمها الله تساعدني في السلخ، بدأ ينتقد طريقة سلخي التي أسفرت عن صفق بعض اللحم في الجِلد، وكانت الوالدة رحمها الله تردد (خلّه يكمّل لا تعميه)!! لكنه لم يتوقف عن نقده إلا عندما حزّت الشفرة اصبع الشهادة، واختلط دمي بدماء الخروف، فانصرف وتركنا نكمل المهمة كيفما اتفق!!! حدثتني نفسي الأمّارة بالضوء بحزمة من الأفكار النقدية، وكدتُ أركنُ إليها بانفعال، إلا أنّي بالتريّث وبمراجعة ما حدثتني به، وما خطر على البال، انخفض سقف الانفعال، وتحوّل الانفعال إلى تفاعل، وآثرتُ الصمتَ على الكلام، لأنه إذا كان الكلامُ عِلْماً، فالصمت فنٌّ. لا خلاف على أن المجاملة والمحاباة ليست مُكْلِفة و(حب الثناء طبيعة الإنسان)، وإذا كان هناك من يفرح ويبتهج بالمديح والإطراء، ولو كان مجانياً، فإن هناك من يرفضه ويردّ عليه بقسوة، كون التطبيل والثناء دون مبرر نقداً ساخراً أو هجاء مُبطّناً لا ينطلي على ذي فطنة. وتظل صورة الكاتب، في ذهن البعض، أنه ناقد لا ماسح جوخ، بحكم ما قيل ويقال وما يروى، من أدبيات أمانة الكلمة، وأخلاق الكتابة، وربما لا يزال بعضُ البعض يتطلّع إلى وهج مقالات العقد الأول من القرن الميلادي الحالي، وهذا تطلّع في غير محله، فالظروف لم تعد هي ذاتها والقوانين والتشريعات حددت أطراً كي ينضبط إيقاع النص مع الواقع وإمكانات الشخص. ومن عاش مرحلة الكتابة المفتوحة، أو المشرعة الأبواب على كل همّ وهاجس وقصور، وأدرك المرحلة الحاليّة يُسلّم بأن العمل اليوم أكثر جديّة وصرامة؛ ومن مقتضيات هذه المرحلة مواكبة التحولات بتشجيع، وتحفيز، والإشادة بكل منجز، فالخروج من حقبة إلى حقبة أوسع وأنشط أشبه بهدم وإعادة بناء، والارتماء في حضن النقد ليس إيجابياً على طول الخط، فهناك ما يستدعي التأمل والترقب، والانتظار مع حسن الظنّ في من يعملون. لربما يكون في النقد تنفيس عن الناس الشغوفين بتحقيق المستهدفات، إلا أن نقد التنفيس تعيس، وربما يكون بؤساً على الذي عبّر دون إحاطة شاملة بما يتحدث عنه، فالنقد التنموي يشدّ الأزر ويعزز الأدوار، ويشعر الباني المخلص بأن هناك امتناناً وتثميناً لما يعمله، ما يرفع المعنويات ويرجح كافة الإيجابيات. يرى المثاليون أن النقد أصيلٌ في أدبياتنا، فالله -عز وجل- نقد النبي -عليه الصلاة والسلام- في أكثر من موضع، منها ما يتعلق بالحياة الزوجية، مثل ما ورد في مطلع سورة التحريم، ومنها الجانب السلوكي كما في سورة عبس، ومنها في الجانب العسكري (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض)، ومنها ما يتعلق بالنيات (وتُخفي في نفسك ما الله مبديه) وغيرها؛ وكان المصطفى عليه الصلاة والسلام أميناً على نقل العتاب والنقد كما وصله من السماء دون استشعار منقصة؛ وما كان للمؤتمن على دِين الإله أن يفتري على الله؛ ولكن هو نقد الذي يعلم لمن لا يعلم، وعتاب على مخالفة وقعت ممن يُشرّع للأمة، بينما كان النبي صلى الله عليه وسلم عندما ينتقد أصحابه يكتفي بقوله (ما بال أقوام). ليس من مروءة النقد التقريع والهجاء، ولا من الحكمة تجاهل الإطراء كونه يتنافى مع مفهوم وغايات الناقد، فالنقد الموضوعي الهادف لا يُجرّح ولا ينتقص ولا يُشخصن، ولذا ممكن قبوله والتفاعل معه، إذ ليس هناك عمل يبلغ الكمال إلا عمل رب العالمين. بالطبع من النقد ما هو ذاتي، ومنه ما هو استفزازي، ومنه ما ينسف الجهود، وينتقص من الأدوار، ومثل هذا سرعان ما يكون وبالاً على الناقد الناقم، الذي غفل عن أن النقد وسيلة لتحقيق الأفضل والأميز، من خلال الإشادة بما تحقق من إنجازات، والتطلّع للمزيد من النجاحات، ومن لوازم مهنية النقد اختيار التوقيت، واللغة، والأسلوب؛ فالمنظومة التي تبحر في قارب لا تقبل من مُحبّ أن يشنّع على القارب بمن فيه، ولا يكسّر المجاديف فلربما كان البحرُ لُجّياً، والريح غير مؤاتية؛ أو التربص به من قراصنة أكثر وأكبر مما يتصوّر، وكم كان نقد ردود الأفعال مُهدِراً للمصداقية. تلويحة: لا يغترّ كاتب بقبول المسؤول لنقده، فالنقد بطبعه ثقيل دم، مهما أضفنا له وعليه من المسيّلات والمُخففات، والمُحَلِيَات؛ والمُملِحات، ومن الحكمة إبداء الرأي ممن هو أهل لإبدائه، إذا طلبه منه من يثق برأيه بصفة خاصة. أخبار ذات صلة


الاتحاد
٠٩-٠٤-٢٠٢٥
- سياسة
- الاتحاد
الإمارات.. شراكة عالمية تبتسم للسلام
الإمارات.. شراكة عالمية تبتسم للسلام نهج إنساني يخترق سحابة الظلام في عالم مشوب بالخوف، ورجفة الصراعات الدولية، هو المسعى الإماراتي الاستراتيجي تقوده دبلوماسية شابة، واعية لأهمية أن ينقي الوعي قماشة السياسة الدولية من شوائب، وخرائب، ومصائب، ومعضلات طالما لحقت بالعصر الحديث إثر الغيبوبة التي عاشها الوعي البشري، والانتماءات المضللة، والانزياحات الخطيرة، والاتكاء على موج وفوج من التطلعات ذات العيون الحمراء، والأفئدة الغاشمة، والعيون المغشية بهالة من غبش الأطماع، والأنا المتفحمة، والذات المتورمة، وكل ما يطيح بالحضارة، ويعبث بسلسال الذهب الذي علقه العقل البشري على مدار قرون، واليوم حان الوقت لإزاحة الغي، وطغيان العبثية، والإمارات تتصدر المشهد الإنساني في بناء عالم جديد، يقوم على الحب أولاً، وينحاز إلى السلام بقوة الوعي وقدرة الإرادة، وصلابة العزيمة، والإيمان بأن لا حياة من دون سلام، ولا حضارة تبنى إلا على أكتاف وحدة المصير العالمي، المبني على أسس التكاتف، والتآزر، والتضامن، وحماية المنجزات الحضارية، واعتبار أننا نعيش على أرض واحدة، هي حضننا، وهي عاتقنا الذي يتحمل مسؤولية بناء الحضارة وحمايتها من كل مفترٍ، عتل زنيم، مشاء بنميم. الإمارات اليوم تمشي على ظهر موجة السلام، وتمضي حقباً من أجل تحقيق هذا السلام بالتضامن مع دول العالم المحبة للأمن، وطمأنينة الأوطان، هذه الرؤية مبنية على مآثر الباني ومؤسس الدولة الحديثة، المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وعلى أثره ومنواله تمضي القيادة الرشيدة بحكمة الأوفياء، وفطنة النبلاء؛ للوصول إلى غايات السلام المنشود، وتحقيق أمنيات شعوب العالم كافة، ونبذ كل ما يعيق ويعرقل وحدة الصفوف العالمية، وكل ما يحرف الثوابت، وكل ما يطيح بأسباب الأمن السلام العالمي. الإمارات اليوم تفتح نافذة على الفكرة النيرة، لتضيء سماء الكون بمسلمات الحب، وبدهيات السلام، وتذكر العالم دائماً بأنه لا ترياق يحمي أسس الحضارة، سوى الوعي بأهمية أن نكون معاً في تثبيت الثوابت، وترسيخ المعاني الجليلة لسلام دائم مبني على القواسم المشتركة، والمصالح العامة، ولا سبيل إلى زرع شجرة الأمن سوى الإيمان بأن السلام ضرورة وجودية، والحب قيمته، وبوصلته، ونقطة ارتكازه ومحيطه، وقطره، والوتر، والمشهد في الإمارات واللقاءات الشاملة والكاملة مع قادة دول العالم، لهي الدليل على هذه الرؤية، وهذا المسار الذي سلكته بلادنا، وسارت تبني عليه خطواتها، وخططها، وهذا الفكر الذي تتأسس على أعمدته سياسة دولة آمنت بأن التفرد والتغريد خارج السرب، لا يؤدي إلا إلى التفرق، وتشقق قماشة العلاقات الدولية، وانحسار البنى الحضارية، وغروب شمس إنسانية الإنسان، وتلاشي أحلام الشعوب.


الاتحاد
١٨-٠٢-٢٠٢٥
- سياسة
- الاتحاد
آيدكس ونافدكس.. جناحا الازدهار (2)
آيدكس ونافدكس.. جناحا الازدهار (2) أنت تكون حراً عندما يكون غذاؤك من صناعة تربتك، وتكون قوياً عندما يكون سلاحك من صنع إرادتك. ولكي تكون في هذا العالم مسموعاً ومرئياً، لا بد أن تكون طرقات قدميك قوية، ولا بد لصوتك أن يكون بحجم الغيمة التي تصدر رعدها قبل الهطول على رؤوس الأشجار، وقبل ملامسة أنامل العشب على الأرض. هكذا بنيت الحضارات، وهكذا سعت الأمم الراقية في تأسيس حضارتها، واستكمال رواية التاريخ، وإنارة الوعي بطاقة إيجابية، حالمة بالسلام متكئة على صخرة الإصرار بأن تكون في العالم راحة في قبضتها تستيقظ أسماع من في قلبه غاية. هكذا هي اليوم الإمارات، وبمساعٍ حثيثة من القيادة الرشيدة، أصبحت في العالم مركزاً للدائرة، وصار لخطواتها رنين الساعات العملاقة، توقظ من به لغط، ومن على جفنيه غبش، وفي مقلته غشاوة. هكذا أصبحت الإمارات اليوم في العالم قامة، وقوامة، ومقامة، تحرك رحى الحياة باتجاه وعي لا تغمض له عين، ولا يسبل جفن، ولا يصم أذنين، وعن ضرورة الوجود، وأسباب التقدم نحو غايات، بحجم التضاريس، وأهداف ترتب المعاني، وتؤكد أن الحياة سجادة نحن الذين نلون صوفها بالرونق، ونحن الذين نحوك خيوطها، ونحن الذين نهذب أهداب الشمس، كي تصبح في الوجود عقداً يطوق النحور ببراعة الأذكياء ويهدي للحياة جمال البقاء، وعيش الهانئين، الذين ينهلون من إرادة القوة سلام النفوس ورفعة الرؤوس. ومنذ فجر التأسيس، والقيادة تعمل على بناء جسور المحبة والسلام بمحض إرادة قوية، وعزيمة صلبة، قوامها الوعي بأهمية أن تستمر غيمة الأحلام ممطرة بماء المكرمات، وأهمية أن تكون العلاقة مع الآخر مبنية على أسس الاحترام، والثقة المتبادلة وتكوين أواصر ذات أنامل ناعمة، ورؤى أرهف من أجنحة الطير، وسياسة تدار بذهنية القرارات التي تنهل من إرث الباني المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، هذه المسيرة المظفرة، هذه الخطوات الثابتة، هي التي فرضت احترام العالم للإمارات، وهي التي أسست البناء العالي، وخلقت ذاك الوهج في عيون كل من يتطلع لعلاقة صحية مع الإمارات؛ لأننا في هذا البلد تقود قافلتنا الحكمة، وفطنة التعامل مع الآخر، ومن دون لغط، ولا شطط، الأمر الذي يجعل الحياة في دائرة الضوء، ويجعلنا في قلب الدائرة العالمية، متسلحين بالثبات، متآزرين بالثقة، مستمرين في العطاء، البذل هو سمتنا، الجهد الصحيح هو جبلتنا، الانتماء إلى السعادة هو فطرتنا، والوفاء للوجود هو أصل نشأة دولتنا. فاليوم لا يمر نهار، إلا وتبزغ فيه شمس مشروع، أو احتفال، أو احتفاء، أو معرض، أو مؤتمر، كل ذلك يشير بالبنان بأن الإمارات قطب حيوي لا يمكن تجاوز جياده الواثبة ضبحاً، الذاهبة إلى الحياة بمقومات أدوات النجاح الخارقة، كل ذلك يدل على أننا وقفنا الوقفة الصحيحة، في المكان الصحيح، في الزمن الصحيح. فشكراً، وحباً للرجال النبلاء الذين يلهموننا القوة عند كل مطلع قول يتبعه فعل.