منذ 8 ساعات
6.4 تريليون دولار فجوة تمويل التنمية: منتدى أبوظبي يحشد الجنوب العالمي لتكامل اقتصادي وإصلاحات جريئة
وفقاً لتقرير حديث نشرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من المتوقع أن ترتفع فجوة تمويل التنمية في بلدان الجنوب العالمي إلى 6.4 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030، مما يُؤكد الحاجة المُلحة إلى تعاون أعمق بين الاقتصادات النامية. وقد مثّلت هذه الدعوة إلى العمل رسالةً رئيسيةً من قادة الحكومات والخبراء المجتمعين في الدورة الافتتاحية للمنتدى الاقتصادي لبلدان الجنوب العالمي، الذي عُقد في أكاديمية "أنور قرقاش" الدبلوماسية بأبوظبي.
ومع تحول العولمة إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، أكد المنتدى على الأهمية المتزايدة للتعاون فيما بين بلدان الجنوب في تسريع التجارة والاستثمار والشراكات الاستراتيجية في جميع أنحاء العالم النامي من خلال جلساته المواضيعية الخمس.
قال معالي "أحمد الصايغ"، وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والتجارية بوزارة الخارجية بدولة الإمارات العربية المتحدة: "لم تعد دول الجنوب العالمي هامشية في الشؤون الاقتصادية العالمية، بل أصبحت محورية في صياغة أجندة العمل، والمساهمة في بلورة الأفكار، وتطوير أطر التعاون العادل. وتعمل هذه الدول، مجتمعةً، على إعادة صياغة الشراكات، وتقديم حلول عملية قائمة على الطموح المشترك والاحترام المتبادل."
وقال إن دولة الإمارات العربية المتحدة تؤمن بأن أصوات وقيم ورؤى بلدان الجنوب العالمي لا غنى عنها لتشكيل نظام دولي أكثر شمولاً وتوازناً.
قال معاليه: "يتمتع الجنوب العالمي اليوم بإمكانيات لا مثيل لها كمحركات للنمو والابتكار، ومسؤولين عن الموارد الحيوية والتراث الثقافي، ومدافعين عن اقتصاد عالمي أكثر عدلاً ومرونة. لتحقيق هذه الإمكانيات، علينا العمل معاً لتسخير التقنيات الناشئة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والطاقة النظيفة والتمويل الرقمي، لتحقيق التنمية المستدامة؛ وتعميق التكامل الاقتصادي من خلال الممرات التجارية والبنية التحتية الذكية وتسهيل الاستثمار؛ واستعادة الخطاب العالمي نحو الشمولية، وتعزيز الشراكات بين بلدان الجنوب، وبين بلدان الجنوب والشمال، والتي لا تقل أهمية، على أساس الاحترام المتبادل والفرص المشتركة والاستقلالية الاستراتيجية".
وقال أيضاً: "سواء من خلال الاستثمارات في الطاقة النظيفة، أو الاتصال الرقمي، أو الأمن الغذائي، أو تمويل التنمية، فإننا نواصل التزامنا بتمكين مسارات الرخاء المشترك. وبصفتها دولة تقع على مفترق طرق القارات والثقافات، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة ترى دورها ليس فقط كجسر، بل أيضاً كمتعاون ومحفز للتعاون الذي يتجاوز الجغرافيا".
تُعدّ اتفاقيات الشراكة الاقتصادية الشاملة لدولة الإمارات العربية المتحدة مثالاً رائداً على التعاون بين بلدان الجنوب. ونتيجةً لهذه الاتفاقيات، ارتفع إجمالي التجارة الخارجية لدولة الإمارات بنسبة 49%، ليصل إلى 5.23 تريليون درهم (1.42 تريليون دولار) في عام 2024، مقارنةً بـ 3.5 تريليون درهم (949 مليار دولار) في عام 2021، وفقاً لمنظمة التجارة العالمية.
قال "نيكولاي ملادينوف"، المدير العام للمنتدى الاقتصادي العالمي للجنوب: "من خلال المنتدى الاقتصادي العالمي للجنوب، تسعى دولة الإمارات العربية المتحدة إلى بناء جسور التواصل في وقتٍ يبني فيه الآخرون جدراناً. ونأمل أن يكون المنتدى الاقتصادي العالمي للجنوب جزءاً من عملية الانفتاح هذه، وبناء الجسور، وتمكين الدول وقادة الفكر من التوافق معاً حول أفكارٍ لمستقبلنا."
وفقاً لتقرير حديث صادر عن مجموعة بوسطن الاستشارية، يُصبح الجنوب العالمي قوةً دافعةً للنمو الاقتصادي. باستثناء الصين، تُمثل هذه الكتلة المكونة من 133 دولة حوالي 18% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وبإضافة الصين، ترتفع هذه النسبة إلى 40%، أي ما يُمثل 65% من سكان العالم. ومن المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي المُجمع لهذه الدول بنسبة 4.2% سنوياً حتى عام 2029، أي أكثر من ضعف النسبة المُتوقعة للاقتصادات المتقدمة والبالغة 1.9%.
تشهد التجارة داخل بلدان الجنوب العالمي نمواً متزايداً أيضاً، حيث من المتوقع أن تنمو التجارة فيما بين بلدان الجنوب بمعدل نمو سنوي مركب نسبته 3.8% حتى عام 2033، مقارنةً بنسبة 2.2% للتجارة بين بلدان الشمال. وبحلول عام 2033، قد تصل تجارة بلدان الجنوب العالمي إلى 14 تريليون دولار سنوياً. ومع ذلك، يرسم تقرير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية "التوقعات العالمية لتمويل التنمية المستدامة 2025" صورةً قاتمة. فبينما بلغ التمويل الخارجي للدول النامية 5.24 تريليون دولار في عام 2022، إلا أنه لا يزال أقل من 9.24 تريليون دولار المطلوبة سنوياً لتحقيق خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030. وقد اتسعت فجوة التمويل بسبب تغير المناخ، والتوترات الجيوسياسية، والزيادات الأبطأ من اللازم في الموارد المتاحة.
بين عامي 2015 و2022، ارتفعت احتياجات التمويل بنسبة 36٪، بينما زادت تدفقات الموارد الفعلية بنسبة 22٪ فقط، مما أدى إلى عجز قدره 60٪، وفقاً لتحذير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وبدون إصلاح هيكلي، قد يصل هذا العجز إلى 6.4 تريليون دولار بحلول عام 2030.
المنتدى الاقتصادي العالمي للجنوب (GSEF 2025)، الذي نظمه مركز الدراسات الجيواقتصادية للجنوب العالمي (COGGS) بالتعاون مع منظمة "أيه جي دي أيه" (AGDA)، ومركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية (ECSSR)، والأكاديمية الصينية للدراسات الصينية والعالمية المعاصرة (ACCWS)، جمع أكثر من 100 مندوب، من بينهم عدد من كبار المسؤولين الحكوميين وأعضاء السلك الدبلوماسي في دولة الإمارات العربية المتحدة. يهدف المنتدى إلى صياغة حوار حول التحديات الجيواقتصادية، وتعزيز التكامل الإقليمي وتبني التكنولوجيا، وتطوير أطر عمل جماعية لإعادة تشكيل الحوكمة الاقتصادية العالمية. وقد ساهم مكتب أبحاث الصناعات والأساسيات الاقتصادية في تسهيل حضور الوفد الهندي في المنتدى.
وقال "محمد ثاقب"، الخبير الاقتصادي ومنسق بمركز الدراسات الجيواقتصادية للجنوب العالمي: "العالم على أعتاب نظام اقتصادي جديد. يبرز الجنوب العالمي كقوة دافعة في تشكيل الأنظمة العالمية، ويكتسب صوتنا الجماعي قوة في عالم متعدد الأقطاب. نحن ملتزمون ببناء أطر اقتصادية عادلة".
تناول المنتدى أيضاً اتجاهات الاستثمار. ووفقاً لتقرير الاستثمار العالمي 2024، انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدول النامية بنسبة 7% لتصل إلى 867 مليار دولار أمريكي، ويعزى ذلك بشكل رئيسي إلى انخفاض بنسبة 8% في آسيا النامية. وعلى الرغم من الإعلان عن أكثر من 1000 مشروع استثماري جديد في الدول النامية، إلا أن معظمها تركز في جنوب شرق آسيا وغربها، بينما شهدت أفريقيا وأمريكا اللاتينية نشاطاً محدوداً.
وصرحت "أيانانغشا مايترا"، منسقة المنتدى: "لم يكن المنتدى الاقتصادي العالمي للجنوب مجرد جلسات لمشاركة الأفكار، بل هو بوتقة للحكمة المجربة، حيث واجهت التجارب العملية تحديات آنية. بعيداً عن الحصرية، يزدهر المنتدى الاقتصادي العالمي للجنوب بالشمولية، جامعاً أصواتاً متنوعة على طاولة واحدة لصياغة مستقبل يتحرك في اتجاهات متعددة."