#أحدث الأخبار مع #الثورةالمصريةالدستور١٥-٠٣-٢٠٢٥سياسةالدستوربين النقد والسياسة «2»توقفت أمس عند ارتباط النقد بالسياسة من منظور ثورة 23 يوليو 1952. وما زلت بصدد مواقف بعض نقاد تلك الفترة من الثورة. يأتى على رأس هؤلاء النقاد الذين أعلنوا مواقفهم بمنتهى الوضوح من الثورة عباس العقاد، فقد كانت الثورة وإلغاء الأحزاب بمثابة صدمة للعقاد، حيث كان يستند فى معظم حياته السياسية إلى حزب من الأحزاب يؤيده ويعارض خصومه. وقد انتهت الأحزاب بعد الثورة. لذلك أعلن العقاد صراحة فى بعض مقالاته عن معارضته لما قامت به الثورة من إجراءات تحديد الملكية الزراعية وتأميم وسائل الإنتاج. وجاء بهذه المعارضة ومبرراتها فى مقال له بعنوان: «لو أصبحت مصر اشتراكية» فى كتابه «دراسات فى المذاهب الأدبية والاجتماعية». لكنه- فى الوقت ذاته- أشاد وأيد ثورة ١٩٥٢، عندما قال كانت ثورة نظيفة لم ترق فيها الدماء، فيقول فى مقال له بعنوان: «الجيش وقائده» فى كتابه «دراسات فى المذاهب الأدبية والاجتماعية»، إن الثورة لا محيص منها، وليكن ما يكون، والحمد لله جاءت الثورة ولم يمض شهران وجاءت سلمية، ولم يسفك فيها دم، ولم يضطرب فيها حبل الأمور، وهو يرى أن الجيش صاحب الفضل الأوحد فى الثورة، وقد أطلق عليها «ثورة الجيش»، فى المقال السابق ذاته. كما أنه نشر مقالات بعنوان «فلسفة الثورة فى الميزان» بمجلة آخر ساعة عام ١٩٥٤، قام فيها بعقد مقارنة بين الثورة المصرية وثلاث ثورات سبقتها، هى الثورة الفرنسية وكيف كان شعارها الحرية والإخاء والمساواة، مؤكدًا أنه لا يصلح لهذه الثورة سوى هذه الكلمات، والثورة التركية التى استفادت من الثورة الفرنسية، وإن استبدلت كلمة الإخاء بكلمة العدالة والثورة الصينية، وكيف حصرت مبادئها فى كلمات ثلاث هى: القومية والديمقراطية والاشتراكية كمطالب تختلف عن مطالب الثورة الفرنسية، ثم جاء حديثه عن الثورة المصرية، مؤكدًا أن شعارها الاتحاد والنظام والعمل، وهو شعار المصريين بغير فارق فى وجهته أو دواعيه، فليس من المصريين من يأبى النظام أو العمل أو الاتحاد. وهذا يعد اعترافًا من العقاد باتفاقه مع آراء جمال عبدالناصر، وأفكاره الواردة فى كتابه «فلسفة الثورة». ومثله نجيب محفوظ الذى لم يكن يحب أن يبقى بعيدًا عن الأنظار، حيث إن موقفه من ثورة يوليو كان واضحًا، إذ انتقدها على المستوى السياسى رغم احترامه التجربة فى مجاليها الاقتصادى والاجتماعى، كذلك احترامه الرمز الممثل فى جمال عبدالناصر. ومع هذا لم يتوقف قلم نجيب محفوظ عن توضيح ملامح النقص فى تلك التجربة الناصرية. وظل واضحًا فى رواياته، فقد هاجم نجيب محفوظ الحكومة الناصرية فى ذروة مجدها فى روايات مثل «الشحاذ» و«اللص والكلاب» و«ثرثرة فوق النيل» و«ميرامار» و«الطريق». وهى الروايات المنشورة بين ١٩٦٢ و١٩٦٧، وفى روايته «الكرنك» المنشورة سنة ١٩٧٤ صور نجيب محفوظ المرحلة الناصرية كأنها محاكم التفتيش. وقال إن مصر كانت عبارة عن سجن كبير، فقدم نقدًا ديمقراطيًا للثورة مثلما قدم نقدًا اجتماعيًا لما قبل الثورة. وفى معظم رواياته انتقد ثورة يوليو والتجاوزات التى حدثت خلالها بكل حدة، سواء الروايات التى نشرها فى حياة عبدالناصر أو غيرها. وكان الانتقاد فيها أقرب للرمز، ووصل لذروته فى «ثرثرة فوق النيل» من خلال مناجاة الحكيم إيبور التى تنبأ فيها بأن مصر تنتظرها سنوات حرب وبلاء، وأن البطانة التى تحيط بالحاكم قد زينت له الأمور وعزلته عن المحكومين أو الروايات التى نشرها بعد حكم عبدالناصر، ولكن هاجم فيها الثورة أيضًا. وكان نجيب محفوظ قد صرح بعد الثورة مباشرة بأنه سيهجر الأدب. فلم يعد يجد ما يقوله. وقطع عددًا من المخطوطات كانت بحوزته، وفضل الصمت. ورغم أنه يتفق مع أهداف الثورة، فإنه رفض مسايرتها، ولم يتحول إلى ناطق رسمى باسم الناصرية، كما رفض محفوظ التأريخ للثورة، بل فضل الصمت والملاحظة والتمسك بفكرة النقد الواقعى والثورة الاجتماعية، مشيرًا إلى أن ديمقراطيتها لا تستحق الثناء. وقد تحدث رجاء النقاش عن موقف نجيب محفوظ ذلك واصفًا إياه باللحظة الحرجة الكبرى فى حياة نجيب محفوظ، قائلًا «بعد قيام ثورة ١٩٥٢ كانت قد أوشكت هذه اللحظة الصعبة أن تضع حدًا نهائيًا لنجيب محفوظ كأديب وفنان، وقد صرح نجيب محفوظ مرارًا بعد قيام الثورة بأنه لم يعد لديه ما يقوله، فقد كانت رواياته حتى الثلاثية تدعو إلى التغيير الكبير، وكانت تصور الآلام الواقعية العسيرة التى يعانى منها الناس والمجتمع فى مصر. وقد جاءت الثورة وبدأت تخطو خطوات سريعة لهدم الأوضاع التى كانت مصدرًا للأوجاع التى يعبر عنها محفوظ فى رواياته الاجتماعية الواقعية». ولقد حملت الثورة معها تغيرات كبيرة متلاحقة، وأصبح مجتمع الثورة، وخاصة فى سنواته الأولى، مثل الشلال يتدفق بالأحداث. وهنا قرر نجيب محفوظ أن يتوقف نهائيًا عن الكتابة، ولا أعتقد أن تصريحاته التى حملت هذا المعنى، والتى أطلقها فى الخمسينيات كانت نوعًا من المكر والدهاء. وهنا يرى رجاء النقاش أن محفوظ كان صادقًا، لأن الثورات الكبرى فى مراحلها الأولى لا تمنح الفرصة لأداء الفنون. وللحديث بقية
الدستور١٥-٠٣-٢٠٢٥سياسةالدستوربين النقد والسياسة «2»توقفت أمس عند ارتباط النقد بالسياسة من منظور ثورة 23 يوليو 1952. وما زلت بصدد مواقف بعض نقاد تلك الفترة من الثورة. يأتى على رأس هؤلاء النقاد الذين أعلنوا مواقفهم بمنتهى الوضوح من الثورة عباس العقاد، فقد كانت الثورة وإلغاء الأحزاب بمثابة صدمة للعقاد، حيث كان يستند فى معظم حياته السياسية إلى حزب من الأحزاب يؤيده ويعارض خصومه. وقد انتهت الأحزاب بعد الثورة. لذلك أعلن العقاد صراحة فى بعض مقالاته عن معارضته لما قامت به الثورة من إجراءات تحديد الملكية الزراعية وتأميم وسائل الإنتاج. وجاء بهذه المعارضة ومبرراتها فى مقال له بعنوان: «لو أصبحت مصر اشتراكية» فى كتابه «دراسات فى المذاهب الأدبية والاجتماعية». لكنه- فى الوقت ذاته- أشاد وأيد ثورة ١٩٥٢، عندما قال كانت ثورة نظيفة لم ترق فيها الدماء، فيقول فى مقال له بعنوان: «الجيش وقائده» فى كتابه «دراسات فى المذاهب الأدبية والاجتماعية»، إن الثورة لا محيص منها، وليكن ما يكون، والحمد لله جاءت الثورة ولم يمض شهران وجاءت سلمية، ولم يسفك فيها دم، ولم يضطرب فيها حبل الأمور، وهو يرى أن الجيش صاحب الفضل الأوحد فى الثورة، وقد أطلق عليها «ثورة الجيش»، فى المقال السابق ذاته. كما أنه نشر مقالات بعنوان «فلسفة الثورة فى الميزان» بمجلة آخر ساعة عام ١٩٥٤، قام فيها بعقد مقارنة بين الثورة المصرية وثلاث ثورات سبقتها، هى الثورة الفرنسية وكيف كان شعارها الحرية والإخاء والمساواة، مؤكدًا أنه لا يصلح لهذه الثورة سوى هذه الكلمات، والثورة التركية التى استفادت من الثورة الفرنسية، وإن استبدلت كلمة الإخاء بكلمة العدالة والثورة الصينية، وكيف حصرت مبادئها فى كلمات ثلاث هى: القومية والديمقراطية والاشتراكية كمطالب تختلف عن مطالب الثورة الفرنسية، ثم جاء حديثه عن الثورة المصرية، مؤكدًا أن شعارها الاتحاد والنظام والعمل، وهو شعار المصريين بغير فارق فى وجهته أو دواعيه، فليس من المصريين من يأبى النظام أو العمل أو الاتحاد. وهذا يعد اعترافًا من العقاد باتفاقه مع آراء جمال عبدالناصر، وأفكاره الواردة فى كتابه «فلسفة الثورة». ومثله نجيب محفوظ الذى لم يكن يحب أن يبقى بعيدًا عن الأنظار، حيث إن موقفه من ثورة يوليو كان واضحًا، إذ انتقدها على المستوى السياسى رغم احترامه التجربة فى مجاليها الاقتصادى والاجتماعى، كذلك احترامه الرمز الممثل فى جمال عبدالناصر. ومع هذا لم يتوقف قلم نجيب محفوظ عن توضيح ملامح النقص فى تلك التجربة الناصرية. وظل واضحًا فى رواياته، فقد هاجم نجيب محفوظ الحكومة الناصرية فى ذروة مجدها فى روايات مثل «الشحاذ» و«اللص والكلاب» و«ثرثرة فوق النيل» و«ميرامار» و«الطريق». وهى الروايات المنشورة بين ١٩٦٢ و١٩٦٧، وفى روايته «الكرنك» المنشورة سنة ١٩٧٤ صور نجيب محفوظ المرحلة الناصرية كأنها محاكم التفتيش. وقال إن مصر كانت عبارة عن سجن كبير، فقدم نقدًا ديمقراطيًا للثورة مثلما قدم نقدًا اجتماعيًا لما قبل الثورة. وفى معظم رواياته انتقد ثورة يوليو والتجاوزات التى حدثت خلالها بكل حدة، سواء الروايات التى نشرها فى حياة عبدالناصر أو غيرها. وكان الانتقاد فيها أقرب للرمز، ووصل لذروته فى «ثرثرة فوق النيل» من خلال مناجاة الحكيم إيبور التى تنبأ فيها بأن مصر تنتظرها سنوات حرب وبلاء، وأن البطانة التى تحيط بالحاكم قد زينت له الأمور وعزلته عن المحكومين أو الروايات التى نشرها بعد حكم عبدالناصر، ولكن هاجم فيها الثورة أيضًا. وكان نجيب محفوظ قد صرح بعد الثورة مباشرة بأنه سيهجر الأدب. فلم يعد يجد ما يقوله. وقطع عددًا من المخطوطات كانت بحوزته، وفضل الصمت. ورغم أنه يتفق مع أهداف الثورة، فإنه رفض مسايرتها، ولم يتحول إلى ناطق رسمى باسم الناصرية، كما رفض محفوظ التأريخ للثورة، بل فضل الصمت والملاحظة والتمسك بفكرة النقد الواقعى والثورة الاجتماعية، مشيرًا إلى أن ديمقراطيتها لا تستحق الثناء. وقد تحدث رجاء النقاش عن موقف نجيب محفوظ ذلك واصفًا إياه باللحظة الحرجة الكبرى فى حياة نجيب محفوظ، قائلًا «بعد قيام ثورة ١٩٥٢ كانت قد أوشكت هذه اللحظة الصعبة أن تضع حدًا نهائيًا لنجيب محفوظ كأديب وفنان، وقد صرح نجيب محفوظ مرارًا بعد قيام الثورة بأنه لم يعد لديه ما يقوله، فقد كانت رواياته حتى الثلاثية تدعو إلى التغيير الكبير، وكانت تصور الآلام الواقعية العسيرة التى يعانى منها الناس والمجتمع فى مصر. وقد جاءت الثورة وبدأت تخطو خطوات سريعة لهدم الأوضاع التى كانت مصدرًا للأوجاع التى يعبر عنها محفوظ فى رواياته الاجتماعية الواقعية». ولقد حملت الثورة معها تغيرات كبيرة متلاحقة، وأصبح مجتمع الثورة، وخاصة فى سنواته الأولى، مثل الشلال يتدفق بالأحداث. وهنا قرر نجيب محفوظ أن يتوقف نهائيًا عن الكتابة، ولا أعتقد أن تصريحاته التى حملت هذا المعنى، والتى أطلقها فى الخمسينيات كانت نوعًا من المكر والدهاء. وهنا يرى رجاء النقاش أن محفوظ كان صادقًا، لأن الثورات الكبرى فى مراحلها الأولى لا تمنح الفرصة لأداء الفنون. وللحديث بقية