logo
#

أحدث الأخبار مع #الحريات_الصحافية

كيف نعرف حقائق الصراع الإسرائيلي ــ الإيراني؟
كيف نعرف حقائق الصراع الإسرائيلي ــ الإيراني؟

الشرق الأوسط

timeمنذ 7 ساعات

  • سياسة
  • الشرق الأوسط

كيف نعرف حقائق الصراع الإسرائيلي ــ الإيراني؟

كالملح في الماء، تذوب الحقائق بسرعة وسهولة شديدة، في مصهر مُتخم بالأكاذيب والمبالغات، تؤججه نيران المواجهة المشتعلة بين إسرائيل وإيران، وهي المواجهة التي أضحت أحد أكثر الصراعات المُسلحة تعقيداً من الناحية الإعلامية. في عصر تنتقل فيه الصور والنصوص بكبسة زر في لحظات، ويمتلك كل شخص تقريباً أدوات العمل الإعلامي، وآليات التحرير والبث، ويستطيع أن يكون صحافياً، ومُحللاً، ومراسلاً من موقع الحدث، كان من المفترض أن تكون أخبار المواجهة الإسرائيلية- الإيرانية المشتعلة منقولة على الهواء، ليشاهد العالم كله تفاصيلها، ويحيط بأبعادها، ولكن ما جرى كان عكس ذلك تماماً. فما جرى يمكن تلخيصه ببساطة في أن تلك المواجهة أنتجت أكبر قدر ممكن من المعلومات، وأقل قدر ممكن من الحقائق في آن، لتُجسد طبيعة العصر المعلوماتي الراهن الذي أمست التشبيهات فيه أكثر مصداقية من الواقع، بعدما غرق هذا الأخير في طوفان من الأكاذيب والاصطناع. لم يُقصر الجانبان المتصارعان في حرمان الجمهور العالمي من معرفة حقائق الصراع، واتخذ كلاهما كافة القرارات الكفيلة بالتعتيم على ما يجري في الميدان، والسيطرة على الرسائل الواردة والصادرة من كلا البلدين في أتون المواجهة. فقد تناست إسرائيل أنها تقدم نفسها إلى العالم بوصفها «دولة متطورة تضمن الحريات الصحافية، وتختلف عن محيطها الشرق أوسطي في انفتاحها وتواصلها مع العالم»، كذلك أمعنت إيران في تعميق الجمود والتحكم في المجال الإعلامي، وتسلَّمت الإدارة العسكرية في الجانبين مسؤولية إدارة هذا المجال، بما يتوافق مع «مقتضيات الدفاع». وانقسمت المنصات الإعلامية الإقليمية والعالمية في مقاربتها للصراع إلى قسمين رئيسين: أحدهما يتبنى الرواية الإسرائيلية، والآخر يُروج للسردية الإيرانية، باستثناءات قليلة، لم تكن كافية لإضاءة جوانب الصراع المتعددة والملتبسة. وبينما كان البعض يعوِّل على الممكنات الفريدة لوسائل «التواصل الاجتماعي» في نقل الصورة الحقيقية عن تفاصيل الحرب المشتعلة، اتضح أن تلك الوسائل كانت أكثر مطاوعة لعوامل التزييف والاختلاق من جانب، وأن البلدين المتصارعين لديهما الإرادة والإمكانات اللازمة لإفقادها قدرتها على خرق جدران الحصار والتعتيم، من جانب آخر. وحتى وكالات الأنباء العالمية الكبرى التي أظهرت -في مفاصل كثيرة- قدرة لافتة على الانتصار للقيم المهنية، في مقاربة بعض الصراعات الدولية، راحت تنساق لتأثير الانحيازات البنيوية، فانحرفت تغطياتها للوقائع في كثير من الأحيان، بشكل أبقى الجمهور في حيرة وتضارب. ودخل الذكاء الاصطناعي بقوة على خط التزييف والتلاعب، ولم يوفر طرفا الصراع، والداعمون لكليهما، وقتاً أو جهداً، في توظيف آليات هذا الذكاء المُستجد، من أجل إغراق الواقع في مزيد من الأكاذيب التي بات التحقق من صحتها مسألة صعبة، سواء على المتخصصين وعلى أفراد الجمهور العادي. لقد أضحت الحالة المعلوماتية المصاحبة للمواجهة العسكرية الإسرائيلية- الإيرانية هشة، بشكل أفقد الجمهور القدرة على الحكم الذاتي العقلاني، وحرم المتخصصين من تكوين الآراء الموضوعية التي يمكن أن تشرح وتحلل تفاصيل المواجهة وأبعادها وتداعياتها. وبينما كانت الخوارزميات التي تستخدمها المنصات الإعلامية عبر شبكة «الإنترنت» تؤدي دوراً بالغ الأهمية في بناء واقع موازٍ لكل مستخدم، كانت «الخوارزميات البشرية» تؤدي دوراً أعمق وأخطر؛ عبر قيادة أفراد الجمهور إلى تعزيز آرائهم، وتكريس مواقفهم المبدئية التي بُني معظمها على انحيازات آيديولوجية، ومواقف جامدة ومفعمة بالعواطف. لقد أظهر النظام الإعلامي الذي تجري فيه المواجهة العسكرية الإسرائيلية- الإيرانية، أنه لا يختلف كثيراً عن نظرائه في القرون الفائتة، من جهة قابليته للتطويع والتحكم، وهو أمر مُدهش وصادم بكل تأكيد؛ إذ تأتي تلك الحرب في ظل فورة المعلومات والاتصالات، وتمكُّن الصحافي المواطن، وسيادة وسائل «التواصل الاجتماعي»، وازدهار الذكاء الاصطناعي، وكلها عوامل لم تكن كافية لكي تصمد أمام إرادة الحصار والتعتيم والتزييف والاختلاق. والحل يكمن ببساطة في عدم الاستسلام لمصدر واحد لمعرفة تفاصيل هذه المواجهة المحتدمة، وتوزيع طاقة التعرض على عدد من المنصات الإعلامية ذات الوجاهة المهنية، مع الحرص على اختيارها بشكل يعكس التعدد اللازم، بحيث تمثل رؤى قوى إقليمية وعالمية ذات مصالح متباينة؛ بل ومتصادمة أيضاً، فيما يتعلق بطرفي الصراع وموضوعه. وبموازاة ذلك، يجب التدرب على تدقيق الحقائق والصور والفيديوهات، عبر استخدام أدوات التحقق المُتاحة، فضلاً عن ضرورة تتبع المصدر الأصلي في كل نص أو صورة أو فيديو، والتأكد من صحة كل مادة منشورة. وعلى عكس ما كان مأمولاً، فإن وسيلة إعلام واحدة لن تكون قادرة على تقديم الحقائق المطلوبة لإدراك واقع الصراع على نحو مناسب، كذلك فإن التطورات الإعلامية والاتصالية المُذهلة التي «ننعم» بوجودها عند أطراف أصابعنا اليوم، صعَّبت علينا معرفة الحقائق، وضاعفت الجهد اللازم للوصول إليها!

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store