#أحدث الأخبار مع #الدين_الإسلاميالجزيرةمنذ 3 أياممنوعاتالجزيرةالتدين بين وحي السماء والهُوية الجغرافيةفي زحمة الاستعمالات المعاصرة لمصطلحات تصف الأنساق الدينية عبر جغرافيات متمايزة، برز تعبير "التدين الشامي" ليشير إلى نمط ديني وثقافي خاص بمنطقة بلاد الشام. ورغم أن هذا المصطلح قد يبدو بريئًا أو توصيفيًّا لأول وهلة، فإن تدقيق النظر في معناه ومآلاته يكشف عن إشكالية عميقة تمس صلب التصور للدين الإسلامي، الذي لا يُنسب بحال إلى مكان أو قوم، بل هو دين الله الخالص الذي لا يرتبط إلا به، كما قال تعالى: {ألا لله الدّين الخالص} (الزمر:3). فكيف نشأ هذا المصطلح؟ وهل يصح شرعًا وعقلًا نسبة التدين إلى جغرافيا أو ثقافة معينة؟ وما المخاطر العقدية والمعرفية الكامنة وراء هذا الاستخدام؟.. هذا ما سنعرض له في هذه المقالة عبر مسار نقدي، يجمع بين التحليل العلمي والرؤية الشرعية العميقة. في المفهوم الإسلامي، الدين لا يُنسب إلى مكان ولا إلى أشخاص، بل إلى الله وحده، مصداقًا لقوله تعالى: {قل إنّني هداني ربي إلى صراطٍ مستقيمٍ دينًا قيمًا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} (الأنعام: 161) من أين جاء مصطلح "التدين الشامي"؟ يُعد فهم السياق التاريخي والاجتماعي مفتاحًا لقراءة هذا المصطلح.. بلاد الشام -بمكوناتها العرقية والدينية الغنية- شكّلت عبر القرون ملتقى حضاريًّا هامًّا شهد تفاعلات بين الإسلام والثقافات المحلية المتعددة؛ فمنذ الفتح الإسلامي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، تعايشت في الشام مدارس دينية متعددة، من الفقه الحنفي والشافعي إلى التصوف الطرقي، إلى حضور الشيعة بمختلف أطيافهم، إضافة إلى الطوائف المسيحية التقليدية. في ظل هذا التنوع، تبلور نمط مميز في التدين: يتميز بالميل إلى الروحانية الصوفية، وتقدير كبير للعلماء التقليديين، والانفتاح الاجتماعي النسبي مقارنة ببعض البيئات الإسلامية الأخرى. وقد وثّق المؤرخون مثل ابن كثير في "البداية والنهاية" ومحمود شاكر في "التاريخ الإسلامي" كيف شكلت دمشق مهدًا لمدارس علمية وصوفية كبرى. لكن، وعلى الرغم من أهمية هذه الخصوصيات الثقافية، فإن الخطأ يكمن حين تُرفَع هذه الخصوصيات إلى مصافّ "دين مستقل"، أو يُشار إليها بصفة الدين ذاته، كما أشار ابن تيمية (رحمه الله) في "اقتضاء الصراط المستقيم"، حين أنكر بشدة تحكيم الأعراف والعوائد على حساب الشرع المنزَّل. النسبة إلى غير الله إشكالية خطيرة في المفهوم الإسلامي، الدين لا يُنسب إلى مكان ولا إلى أشخاص، بل إلى الله وحده، مصداقًا لقوله تعالى: {قل إنّني هداني ربي إلى صراطٍ مستقيمٍ دينًا قيمًا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} (الأنعام: 161). إن كل محاولة لإضفاء صبغة جغرافية أو ثقافية أو جهوية إلى الدين تهدد بإدخال مفهوم شركي من نوع ما؛ إذ يتحول الالتزام الديني إلى ولاء لمكان أو قومية أو طائفة، لا لله وحده. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من العصبيات الجاهلية، حتى قال: "من قاتل تحت راية عمية، يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية، فقتل، فقتلته جاهلية" (رواه مسلم). وإذا كانت العصبية في نصرة القبيلة مذمومة، فكيف بعصبية تنسب الدين ذاته إلى قوم أو جغرافيا؟ إن الإشكال لا يكمن في وجود مناهج متعددة أو تنوع ثقافي في مظاهر التدين، بل في تحويل هذا التنوع إلى أساس للتمايز العقدي أو الفقهي، ما يهدد وحدة الأمة ويناقض مقصد الشرع الدين ثابت والممارسات متغيرة أحد المفاهيم الأساسية التي يجب توضيحها أن الدين -من حيث هو وحي منزَّل- ثابت لا يتغير باختلاف الأزمنة والأمكنة؛ أما ما يتغير فهو فهم الناس لهذا الدين وتطبيقهم له. وبالتالي، ما نسميه "التدين الشامي" هو في الحقيقة ممارسات بشرية قد تصيب وقد تخطئ، تخضع لعوامل البيئة والتاريخ والعرف. إن الإشكال لا يكمن في وجود مناهج متعددة أو تنوع ثقافي في مظاهر التدين، بل في تحويل هذا التنوع إلى أساس للتمايز العقدي أو الفقهي، ما يهدد وحدة الأمة ويناقض مقصد الشرع في جمع الكلمة. إن الشريعة الإسلامية تقر خصوصيات العادات ما دامت لا تصادم النصوص الشرعية، كما تقرّ العُرف الصحيح، لكن دون أن يتحول هذا العرف إلى دين أو شريعة موازية. تحذير يجب ألا يُغفل إن المتتبع لتاريخ الأديان يرى بوضوح أن تجزئة الدين عبر المسميات الجغرافية والثقافية كانت من أسباب تفكك المسيحية إلى طوائف ومذاهب متناحرة؛ فقد تحولت المسيحية المبكرة إلى كاثوليكية غربية وأرثوذكسية شرقية، ثم إلى طوائف بروتستانتية متفرقة، وغالبًا ما كانت الخلفيات الجغرافية والسياسية هي الدافع الأساسي للانقسام أكثر من الخلافات العقائدية الكبرى. وقد نبه القرآن الكريم إلى خطر التفرق الديني بقوله تعالى: {ولا تكونوا من المشركين من الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون} (الروم: 31-32)، في إشارة إلى أن التشرذم في الدين علامة على انحراف خطير عن التوحيد الخالص. إن درس المسيحية هنا واضح: حين يُسمح للعصبيات الجغرافية أو الثقافية بأن تحتكر تفسير الدين، فإن النتيجة المحتومة هي التمزق والانحراف. التدين بين الخصوصية والانتماء من المهم التفريق بين الاعتراف بالخصوصيات الثقافية في مظاهر التدين، وبين الوقوع في فخّ نسبة الدين إلى تلك الخصوصيات؛ فلا مانع من دراسة "الأنماط الاجتماعية لممارسة الدين في الشام" أو "تاريخ التصوف الشامي"، كما يفعل الباحثون الأكاديميون، ولكن يجب الحذر من إطلاق تسميات توهم بأن هناك "دينًا شاميًّا" مقابل "دين مغربي" أو "دين نجدي". وينبغي الإذعان بضرورة صيانة المفاهيم الشرعية من التحريف الاصطلاحي، فنسبة الدين إلى غير الله يعد من مظاهر الاضطراب العقدي الخفي الذي يجب معالجته بتأصيل المفاهيم. إن الأدق هو الحديث عن "المنهج الشامي" أو "المدرسة الشامية"، مع إدراك أن هذه الاجتهادات تحتكم إلى معيار الصحة والخطأ الشرعي، وليست معصومة أو ملزمة بمجرد نسبتها إلى منطقة بعينها. إن الحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية يمرُّ حتمًا عبر صيانة المفاهيم العقدية الأساسية، وعلى رأسها توحيد المرجعية الدينية لله وحده، وقد أمر الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا} (آل عمران: 103). فإن الاعتصام بحبل الله يتطلب مقاومة كل ما يؤدي إلى تشرذم ديني أو مذهبي باسم الخصوصيات الجغرافية أو الثقافية. فالدين واحد، والمنهج واحد، والممارسات الثقافية متغيرة ومتنوعة، لكن لا ينبغي أن تتعدى مكانها الطبيعي. وهكذا نحفظ ديننا صافيًا من الشوائب، كما جاء به النبي الأمي ﷺ، وكما فهمه السلف الصالح، رحمهم الله جميعًا.
الجزيرةمنذ 3 أياممنوعاتالجزيرةالتدين بين وحي السماء والهُوية الجغرافيةفي زحمة الاستعمالات المعاصرة لمصطلحات تصف الأنساق الدينية عبر جغرافيات متمايزة، برز تعبير "التدين الشامي" ليشير إلى نمط ديني وثقافي خاص بمنطقة بلاد الشام. ورغم أن هذا المصطلح قد يبدو بريئًا أو توصيفيًّا لأول وهلة، فإن تدقيق النظر في معناه ومآلاته يكشف عن إشكالية عميقة تمس صلب التصور للدين الإسلامي، الذي لا يُنسب بحال إلى مكان أو قوم، بل هو دين الله الخالص الذي لا يرتبط إلا به، كما قال تعالى: {ألا لله الدّين الخالص} (الزمر:3). فكيف نشأ هذا المصطلح؟ وهل يصح شرعًا وعقلًا نسبة التدين إلى جغرافيا أو ثقافة معينة؟ وما المخاطر العقدية والمعرفية الكامنة وراء هذا الاستخدام؟.. هذا ما سنعرض له في هذه المقالة عبر مسار نقدي، يجمع بين التحليل العلمي والرؤية الشرعية العميقة. في المفهوم الإسلامي، الدين لا يُنسب إلى مكان ولا إلى أشخاص، بل إلى الله وحده، مصداقًا لقوله تعالى: {قل إنّني هداني ربي إلى صراطٍ مستقيمٍ دينًا قيمًا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} (الأنعام: 161) من أين جاء مصطلح "التدين الشامي"؟ يُعد فهم السياق التاريخي والاجتماعي مفتاحًا لقراءة هذا المصطلح.. بلاد الشام -بمكوناتها العرقية والدينية الغنية- شكّلت عبر القرون ملتقى حضاريًّا هامًّا شهد تفاعلات بين الإسلام والثقافات المحلية المتعددة؛ فمنذ الفتح الإسلامي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، تعايشت في الشام مدارس دينية متعددة، من الفقه الحنفي والشافعي إلى التصوف الطرقي، إلى حضور الشيعة بمختلف أطيافهم، إضافة إلى الطوائف المسيحية التقليدية. في ظل هذا التنوع، تبلور نمط مميز في التدين: يتميز بالميل إلى الروحانية الصوفية، وتقدير كبير للعلماء التقليديين، والانفتاح الاجتماعي النسبي مقارنة ببعض البيئات الإسلامية الأخرى. وقد وثّق المؤرخون مثل ابن كثير في "البداية والنهاية" ومحمود شاكر في "التاريخ الإسلامي" كيف شكلت دمشق مهدًا لمدارس علمية وصوفية كبرى. لكن، وعلى الرغم من أهمية هذه الخصوصيات الثقافية، فإن الخطأ يكمن حين تُرفَع هذه الخصوصيات إلى مصافّ "دين مستقل"، أو يُشار إليها بصفة الدين ذاته، كما أشار ابن تيمية (رحمه الله) في "اقتضاء الصراط المستقيم"، حين أنكر بشدة تحكيم الأعراف والعوائد على حساب الشرع المنزَّل. النسبة إلى غير الله إشكالية خطيرة في المفهوم الإسلامي، الدين لا يُنسب إلى مكان ولا إلى أشخاص، بل إلى الله وحده، مصداقًا لقوله تعالى: {قل إنّني هداني ربي إلى صراطٍ مستقيمٍ دينًا قيمًا ملّة إبراهيم حنيفًا وما كان من المشركين} (الأنعام: 161). إن كل محاولة لإضفاء صبغة جغرافية أو ثقافية أو جهوية إلى الدين تهدد بإدخال مفهوم شركي من نوع ما؛ إذ يتحول الالتزام الديني إلى ولاء لمكان أو قومية أو طائفة، لا لله وحده. وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من العصبيات الجاهلية، حتى قال: "من قاتل تحت راية عمية، يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية، فقتل، فقتلته جاهلية" (رواه مسلم). وإذا كانت العصبية في نصرة القبيلة مذمومة، فكيف بعصبية تنسب الدين ذاته إلى قوم أو جغرافيا؟ إن الإشكال لا يكمن في وجود مناهج متعددة أو تنوع ثقافي في مظاهر التدين، بل في تحويل هذا التنوع إلى أساس للتمايز العقدي أو الفقهي، ما يهدد وحدة الأمة ويناقض مقصد الشرع الدين ثابت والممارسات متغيرة أحد المفاهيم الأساسية التي يجب توضيحها أن الدين -من حيث هو وحي منزَّل- ثابت لا يتغير باختلاف الأزمنة والأمكنة؛ أما ما يتغير فهو فهم الناس لهذا الدين وتطبيقهم له. وبالتالي، ما نسميه "التدين الشامي" هو في الحقيقة ممارسات بشرية قد تصيب وقد تخطئ، تخضع لعوامل البيئة والتاريخ والعرف. إن الإشكال لا يكمن في وجود مناهج متعددة أو تنوع ثقافي في مظاهر التدين، بل في تحويل هذا التنوع إلى أساس للتمايز العقدي أو الفقهي، ما يهدد وحدة الأمة ويناقض مقصد الشرع في جمع الكلمة. إن الشريعة الإسلامية تقر خصوصيات العادات ما دامت لا تصادم النصوص الشرعية، كما تقرّ العُرف الصحيح، لكن دون أن يتحول هذا العرف إلى دين أو شريعة موازية. تحذير يجب ألا يُغفل إن المتتبع لتاريخ الأديان يرى بوضوح أن تجزئة الدين عبر المسميات الجغرافية والثقافية كانت من أسباب تفكك المسيحية إلى طوائف ومذاهب متناحرة؛ فقد تحولت المسيحية المبكرة إلى كاثوليكية غربية وأرثوذكسية شرقية، ثم إلى طوائف بروتستانتية متفرقة، وغالبًا ما كانت الخلفيات الجغرافية والسياسية هي الدافع الأساسي للانقسام أكثر من الخلافات العقائدية الكبرى. وقد نبه القرآن الكريم إلى خطر التفرق الديني بقوله تعالى: {ولا تكونوا من المشركين من الّذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعًا كلُّ حزبٍ بما لديهم فرحون} (الروم: 31-32)، في إشارة إلى أن التشرذم في الدين علامة على انحراف خطير عن التوحيد الخالص. إن درس المسيحية هنا واضح: حين يُسمح للعصبيات الجغرافية أو الثقافية بأن تحتكر تفسير الدين، فإن النتيجة المحتومة هي التمزق والانحراف. التدين بين الخصوصية والانتماء من المهم التفريق بين الاعتراف بالخصوصيات الثقافية في مظاهر التدين، وبين الوقوع في فخّ نسبة الدين إلى تلك الخصوصيات؛ فلا مانع من دراسة "الأنماط الاجتماعية لممارسة الدين في الشام" أو "تاريخ التصوف الشامي"، كما يفعل الباحثون الأكاديميون، ولكن يجب الحذر من إطلاق تسميات توهم بأن هناك "دينًا شاميًّا" مقابل "دين مغربي" أو "دين نجدي". وينبغي الإذعان بضرورة صيانة المفاهيم الشرعية من التحريف الاصطلاحي، فنسبة الدين إلى غير الله يعد من مظاهر الاضطراب العقدي الخفي الذي يجب معالجته بتأصيل المفاهيم. إن الأدق هو الحديث عن "المنهج الشامي" أو "المدرسة الشامية"، مع إدراك أن هذه الاجتهادات تحتكم إلى معيار الصحة والخطأ الشرعي، وليست معصومة أو ملزمة بمجرد نسبتها إلى منطقة بعينها. إن الحفاظ على وحدة الأمة الإسلامية يمرُّ حتمًا عبر صيانة المفاهيم العقدية الأساسية، وعلى رأسها توحيد المرجعية الدينية لله وحده، وقد أمر الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا} (آل عمران: 103). فإن الاعتصام بحبل الله يتطلب مقاومة كل ما يؤدي إلى تشرذم ديني أو مذهبي باسم الخصوصيات الجغرافية أو الثقافية. فالدين واحد، والمنهج واحد، والممارسات الثقافية متغيرة ومتنوعة، لكن لا ينبغي أن تتعدى مكانها الطبيعي. وهكذا نحفظ ديننا صافيًا من الشوائب، كما جاء به النبي الأمي ﷺ، وكما فهمه السلف الصالح، رحمهم الله جميعًا.