#أحدث الأخبار مع #الرسالة_الذهنيةالجزيرة٠٦-٠٥-٢٠٢٥ترفيهالجزيرةجحدر.. بين وقتين!تستدرجني "الرسالة الذهنية" في المسلسلات التاريخية السورية، ويتعزّز ذلك كلما تعلّق الأمر بعصر الجاهلية وما قبل الإسلام (الزير سالم، زرقاء اليمامة..)، وفي أعمال "الفانتازيا" (الجوارح، الكواسر، الموت القادم إلى الشرق..)، وكثيراً ما احتوت اللقطات "الثانوية" والمشاهد الاعتراضية على إحالات، منها ما يكون له ما بعده في قادم حلقات المسلسل، ومنها ما يتجاوز أحداث القصة إلى الواقع الاجتماعي والسياسي الحاضر. وقد استوحيت هذه الخاطرة -وبنيت مادتها- على لقطة سرعان ما اكتشفت أنها غير عابرة، حيث مرّ جحدر -في لقطة من مسلسل "الزير سالم"- على كليب، فسأله الأخير: أتريد شيئاً يا جحدر؟ فأجاب بالنفي، ثمّ استدرك أنّ الملل يقتله، واشتكى "تهميشه" في المعاملة، وإقصاءه في ساحة التدريب وساعة الصيد أيضاً.. فردّ عليه كليب: "ليس هذا وقتك"! فأمرّ جحدر العبارة في عقله الباطن وردّدها على لسانه، واستطرد في مرارة: "أنا الذي لا عزّ لي، ولا مال لي، ولا جاه.. حتى إنه لا وقت لي". ثم أبصر -فجأة- فارساً قادماً، فلمّا عرفه قال: "قد يكون هناك وقت لجسّاس". هاجس الدونية وطموح التغيير ولما تقدّم سير الأحداث قليلاً جاء "الوقت الأول" لجحدر، فطلبَه كليب -بالاسم-، فاستغرب فرسان بكر وتغلب من وقوع اختيار "القائد العامّ" على حضرة "المهمّش" دون سواه، فلمّا سألوا وائلاً عن سبب اختيار جحدر -بالتحديد- أخبرهم أن طبيعة المهمة التي رشّحه لها تقتضي وجود شخص لا يثير الريبة، ولا يبعث منظره شعوراً بالتهديد.. وهي مواصفات تنطبق على شخص جحدر، الأشعثِ الأغبر المدفوعِ بالأبواب! وقد كانت ثنائية الصدفة والعصامية عنوان الفرق بين "وقتي" جحدر، الذي أسرّ في نفسه "مشروع تغيير الذات"، ولم يُبْد خُطّته إلا حين تمكّن بعد التمسكُن، لينقل معه ممثل "الشخصية الكاريكاتيرية" مصطفى الخاني من "ثانوية الدور" إلى "محوريته"؛ حيث مرّت تلك الشخصية -مع تقدُّم السيناريو- من طور الفشل في عرض الوجود، إلى مرحلتي إثبات الوجود وفَرْضه. وقد تمثّل عَرض الوجود في محاولة جحدر دخول نادي الكرماء الممدّحين، يوم ذبح النعجة التي أنفق في دفع ثمنها حصيلة تعبه في مهمة كنس الزرائب وتنظيفها، غيرَ مستنكفٍ أن يباشر المهمة التي أنِف غيرُه أن يقربوها، وتحمّلها هو في سبيل توفير الذبيحة، التي مكّنته من دعوة علية القوم وصفوة المجتمع إلى مأدبته، وجمعِهم على مائدته السخيّة! عودة ظافرة وأما إثبات الوجود، فقد تجسّد في عودة "ربيعة" إلى مضارب بني بكر، ليشارك قومه فصول "ملحمتهم الدفاعية" في عزّ "الحرب الأهلية"، قبل أن ينتقل إلى مرحلة "فَرض الوجود"، حيث تحوّل من "ساعي بريد عسكري" يوصل رسائل جسّاس ويحمل عُروضَه، إلى قائد حربي يُحسب له حساب في وضع الخُطط القتالية وإدارة العمليات العسكرية، ويُمنح الامتيازات، كما حدث في "يوم تحلاق اللِّمَم"؛ حين أعفاه الحارث بن عُباد من قَصّة الرأس الإجبارية، مقابل التعرّض لمن يبادِر للمبارزة من معسكر الزير، والتصدي لأول فارس تغلبي يطلع على البكريين، مقدّما نفسه بالاسم الرسمي: "ربيعة بن ضبيعة بن قيس"!! تبخّر الحلم ويا لقسوة "النهاية" التراجيدية، التي جنى فيها المسكين جحدر على نفسِه، وهو يظن أنّه يحافظ على "شرفه المستقبلي" من الإذالة والامتهان، فكانت لِمّته سبب قِتلته المأساوية، التي جاءت على شكل "نيران صديقة"، فلم يُغن عنه تقديم "هُويته الشخصية" -بصوت محتبس مبحوح- مستعطفاً امرأة من قومه وحزبِه، ما كانت لتتأخّر عن سقيه وإسعافه لو عرفت أنه "جُحدر" الأمس المَهين المستضعَف، "ربيعة" اليوم الفارسُ المِغوار، فلمّا تحسّسَت شعر رأسه ولم تجِده حاسِراً، هوت عليه ضرباً بالعصا الغليظة حتى أجهزَت عليه، وهو يستعيد من شريط ذكرياته حياتَه بين "وقتَيه"! ثأر.. بأثر رجعي وكأنما كانت تلك البكرية المحنَقة تنتقم لـ"تاء تأنيث"، أشعلَت الحرب، واختفت تحت جنح الظلام، لتكون أوّل دم يراق فيها، وليكون جحدر أوّل من رمى بسهم في الحرب التي سُمّيت باسم "ضحيته" (البسوس).. فكانت نهايتها على يديه، وكانت نهايته على يد "أختها"… وكأنّما نجا من سيف عدوّه الزير ليموت بعمود في يد امرأة من قومه، بعدما أيقن أنّ بلاءه موكّل بشَعر رأسه الذي اشتراه بمبارزة رابحة، ثم دفع روحه ثمناً لإعفائه!
الجزيرة٠٦-٠٥-٢٠٢٥ترفيهالجزيرةجحدر.. بين وقتين!تستدرجني "الرسالة الذهنية" في المسلسلات التاريخية السورية، ويتعزّز ذلك كلما تعلّق الأمر بعصر الجاهلية وما قبل الإسلام (الزير سالم، زرقاء اليمامة..)، وفي أعمال "الفانتازيا" (الجوارح، الكواسر، الموت القادم إلى الشرق..)، وكثيراً ما احتوت اللقطات "الثانوية" والمشاهد الاعتراضية على إحالات، منها ما يكون له ما بعده في قادم حلقات المسلسل، ومنها ما يتجاوز أحداث القصة إلى الواقع الاجتماعي والسياسي الحاضر. وقد استوحيت هذه الخاطرة -وبنيت مادتها- على لقطة سرعان ما اكتشفت أنها غير عابرة، حيث مرّ جحدر -في لقطة من مسلسل "الزير سالم"- على كليب، فسأله الأخير: أتريد شيئاً يا جحدر؟ فأجاب بالنفي، ثمّ استدرك أنّ الملل يقتله، واشتكى "تهميشه" في المعاملة، وإقصاءه في ساحة التدريب وساعة الصيد أيضاً.. فردّ عليه كليب: "ليس هذا وقتك"! فأمرّ جحدر العبارة في عقله الباطن وردّدها على لسانه، واستطرد في مرارة: "أنا الذي لا عزّ لي، ولا مال لي، ولا جاه.. حتى إنه لا وقت لي". ثم أبصر -فجأة- فارساً قادماً، فلمّا عرفه قال: "قد يكون هناك وقت لجسّاس". هاجس الدونية وطموح التغيير ولما تقدّم سير الأحداث قليلاً جاء "الوقت الأول" لجحدر، فطلبَه كليب -بالاسم-، فاستغرب فرسان بكر وتغلب من وقوع اختيار "القائد العامّ" على حضرة "المهمّش" دون سواه، فلمّا سألوا وائلاً عن سبب اختيار جحدر -بالتحديد- أخبرهم أن طبيعة المهمة التي رشّحه لها تقتضي وجود شخص لا يثير الريبة، ولا يبعث منظره شعوراً بالتهديد.. وهي مواصفات تنطبق على شخص جحدر، الأشعثِ الأغبر المدفوعِ بالأبواب! وقد كانت ثنائية الصدفة والعصامية عنوان الفرق بين "وقتي" جحدر، الذي أسرّ في نفسه "مشروع تغيير الذات"، ولم يُبْد خُطّته إلا حين تمكّن بعد التمسكُن، لينقل معه ممثل "الشخصية الكاريكاتيرية" مصطفى الخاني من "ثانوية الدور" إلى "محوريته"؛ حيث مرّت تلك الشخصية -مع تقدُّم السيناريو- من طور الفشل في عرض الوجود، إلى مرحلتي إثبات الوجود وفَرْضه. وقد تمثّل عَرض الوجود في محاولة جحدر دخول نادي الكرماء الممدّحين، يوم ذبح النعجة التي أنفق في دفع ثمنها حصيلة تعبه في مهمة كنس الزرائب وتنظيفها، غيرَ مستنكفٍ أن يباشر المهمة التي أنِف غيرُه أن يقربوها، وتحمّلها هو في سبيل توفير الذبيحة، التي مكّنته من دعوة علية القوم وصفوة المجتمع إلى مأدبته، وجمعِهم على مائدته السخيّة! عودة ظافرة وأما إثبات الوجود، فقد تجسّد في عودة "ربيعة" إلى مضارب بني بكر، ليشارك قومه فصول "ملحمتهم الدفاعية" في عزّ "الحرب الأهلية"، قبل أن ينتقل إلى مرحلة "فَرض الوجود"، حيث تحوّل من "ساعي بريد عسكري" يوصل رسائل جسّاس ويحمل عُروضَه، إلى قائد حربي يُحسب له حساب في وضع الخُطط القتالية وإدارة العمليات العسكرية، ويُمنح الامتيازات، كما حدث في "يوم تحلاق اللِّمَم"؛ حين أعفاه الحارث بن عُباد من قَصّة الرأس الإجبارية، مقابل التعرّض لمن يبادِر للمبارزة من معسكر الزير، والتصدي لأول فارس تغلبي يطلع على البكريين، مقدّما نفسه بالاسم الرسمي: "ربيعة بن ضبيعة بن قيس"!! تبخّر الحلم ويا لقسوة "النهاية" التراجيدية، التي جنى فيها المسكين جحدر على نفسِه، وهو يظن أنّه يحافظ على "شرفه المستقبلي" من الإذالة والامتهان، فكانت لِمّته سبب قِتلته المأساوية، التي جاءت على شكل "نيران صديقة"، فلم يُغن عنه تقديم "هُويته الشخصية" -بصوت محتبس مبحوح- مستعطفاً امرأة من قومه وحزبِه، ما كانت لتتأخّر عن سقيه وإسعافه لو عرفت أنه "جُحدر" الأمس المَهين المستضعَف، "ربيعة" اليوم الفارسُ المِغوار، فلمّا تحسّسَت شعر رأسه ولم تجِده حاسِراً، هوت عليه ضرباً بالعصا الغليظة حتى أجهزَت عليه، وهو يستعيد من شريط ذكرياته حياتَه بين "وقتَيه"! ثأر.. بأثر رجعي وكأنما كانت تلك البكرية المحنَقة تنتقم لـ"تاء تأنيث"، أشعلَت الحرب، واختفت تحت جنح الظلام، لتكون أوّل دم يراق فيها، وليكون جحدر أوّل من رمى بسهم في الحرب التي سُمّيت باسم "ضحيته" (البسوس).. فكانت نهايتها على يديه، وكانت نهايته على يد "أختها"… وكأنّما نجا من سيف عدوّه الزير ليموت بعمود في يد امرأة من قومه، بعدما أيقن أنّ بلاءه موكّل بشَعر رأسه الذي اشتراه بمبارزة رابحة، ثم دفع روحه ثمناً لإعفائه!