logo
#

أحدث الأخبار مع #السلاممحنةٌ

بول فالادييه.. حين يصبح السلام معركة روحية
بول فالادييه.. حين يصبح السلام معركة روحية

العربي الجديد

timeمنذ 2 أيام

  • سياسة
  • العربي الجديد

بول فالادييه.. حين يصبح السلام معركة روحية

لماذا أصبح السلام بعيد المنال؟ وما الذي يجعل حضوره هشّاً؟ وكيف يمكن التفكير في تحقيقه رغم كل الصعاب؟ وما هو الالتزام الذي يفرضه علينا للحفاظ عليه حيّاً في عالم يكاد تطويه النزاعات؟ عن هذه الأسئلة وغيرها يجيب كتاب "السلام محنةٌ" الصادر حديثاً عن منشورات سيرف عام 2025، للباحث والكاهن اليسوعي الفرنسي بول فالادييه، أستاذ الفلسفة في كليات لويولا ومعهد الدراسات السياسية في باريس. ينطلق فالادييه في كتابه من منظور فلسفي ولاهوتي متشعب يستعين فيه بثقافته الواسعة، ليُسلّط الضوء على أزمة السلام التي تواجه البشرية اليوم في ظل تزايد الصراعات والحروب التي تتنقل من قارة إلى أخرى، وتتكاثر بأشكال معقدة ومتداخلة، مهددة بذلك حلم الإنسان في السلام الدائم الذي كان فكر الفلاسفة مثل إيمانويل كانط في القرن الثامن عشر يروّج له ويعتبره هدفًا إنسانياً سامياً. يرى أستاذ الفلسفة أن هذه الحروب والصراعات لم تعد مجرد مواجهات عسكرية، بل تحطم الروابط الاجتماعية والثقافية بين الشعوب، وتقسّم الصفوف داخل المجتمعات الواحدة، وتبني حواجز بين الأديان والثقافات، حتى في زمن العولمة الذي كان يفترض به أن يوطد وحدة الإنسان ويقرب بين مختلف الشعوب والثقافات، إلا أنه، على العكس، حمل معه بذور التشرذم والانقسام، وأصبح منبرًا جديدًا لنشر النزاعات والانقسامات. في هذا السياق، يستعرض الكتاب تاريخ مشروع الاتحاد الأوروبي الذي أطلقه روبرت شومان وألتيشيده دي غاسبري وكونراد أديناور بعد الحربين العالميتين من أجل إخماد نيران الحرب وإرساء رابطة متينة بين الدول الأوروبية، التي طالما عانت من الحروب والصراعات المستمرة. ويرى أن هؤلاء القادة السياسيين الخلّاقين كانوا يدركون أن القومية المتطرفة لا تُروَّض بالعنف والقمع، بل عبر بناء رؤية مشتركة تُشرك الشعوب وتفتح أمامها آفاق التعاون والتكامل. فقد كانت مبادئهم تنطلق من مبدأ التفاهم المشترك والتعايش بدلاً من اجترار الأحقاد القديمة. وبهذا المنطق، أرادوا تأسيس مستقبل يسوده السلام والاستقرار عبر تجاوز مآسي الماضي. انطلاق من مفهوم أن الحروب الحاصلة في العالم هي حروب كلمات رغم ذلك، لا يكتفي فالادييه بسرد هذا التاريخ، بل يتابع مسار السلام في ظل تحديات العصر الحديث، مستدلاً بصرخة البابا بولس السادس من منبر الأمم المتحدة عام 1965، حين طالب بوقف الحروب، معلناً رفضه لسفك الدماء. ورغم هذا النداء الإنساني، استمرت الحروب، ولا يزال الإنسان رغم تاريخه المأساوي متمسكاً بالحلم الذي يرفعه كهدف سامٍ، رغم براعة الإنسان في ارتكاب العنف والفظائع. يتناول فالادييه التحولات الكبرى التي عرفها العالم، مثل فترة السلام والازدهار التي شهدتها أوروبا بعد الحرب، لكنه لا يغفل عن المآسي التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي، وما تبعها من موجات نزوح وتهجير، وانفجار صراعات دموية مثل تفكك يوغوسلافيا، وحربها الكارثية التي أذهلت العالم في وقت ظن فيه كثيرون أن أوروبا قد دخلت عهد الاستقرار الدائم. ويصل الكاتب إلى الحديث عن الحرب الروسية-الأوكرانية التي أعادت أوروبا إلى واقع مرير من القلق والخوف، ما دفعها لتعزيز قدراتها العسكرية رغم تعهّدها في السابق بتقليص الإنفاق الدفاعي، ظناً بأن تحالف ناتو يكفي لحمايتها. يُشير فالادييه كذلك إلى رفض فرنسا عام 1954 معاهدة إنشاء جيش أوروبي مشترك، وهو القرار الذي وافقت عليه دول مثل ألمانيا وبلجيكا وهولندا واللوكسمبورغ، مؤكداً أنّ هذا الرفض كان له انعكاسات على مسار الأمن الأوروبي. كما يذكر التهديدات المتكررة من جانب الرئيس الروسي بوتين باستخدام السلاح النووي، والتي تضيف طبقة من الرعب والهواجس إلى الأمن الأوروبي، فضلاً عن الحروب المتفجرة في الشرق الأوسط، كالصراع في غزة، والحرب في اليمن، والصراعات في السودان وبورما وأرمينيا، بالإضافة إلى عنف الإنترنت وحملات التضليل التي تهدد استقرار الديمقراطيات، مؤكداً قول البابا فرنسيس الذي وصف العالم اليوم بأنه يعيش "حرباً مجزأة" ومتناثرة. في رؤية فالادييه، لم تعد الحروب تقتصر على المواجهات العسكرية فقط، بل أصبحت "حروب كلمات"، حيث فقدت الكلمة مكانتها كصلة تواصل بين البشر، وأصبح العنف والسلاح هو المتحدث الأول. ومن هنا، يطرح مفهوم "السلام الهجين" الذي يصف وضعاً جيوسياسياً لا يصل إلى الحرب الكاملة، لكنه بعيد عن الاستقرار التام، ويعبر عن حالة من التوتر المستمر وعدم الاطمئنان، حيث تستخدم التكنولوجيا الحديثة لشن حروب جديدة من نوع آخر، تشمل التدخل في حياة الأفراد الخاصة، التأثير على قرارات القادة السياسيين والاقتصاديين، ونشر الخوف والشكوك التي تؤدي إلى انغلاق الأفراد والجماعات على أنفسهم. وهذا ما يفسر حسبه صعود اليمين المتطرف في أوروبا والعالم، الذي يتبنّى خطاب الكراهية والعنصرية ومعاداة الهجرة، ويرفض التعددية الثقافية، متبعاً أحياناً أساليب عنيفة لتحقيق أهدافه. ينتقل فالادييه إلى دور الأديان في السلام والحروب، موضحاً أن جوهر الأديان هو "دين" بمعناه اللاتيني (re-ligare)، أي الرابط الذي يوحد الناس، ويسعى إلى تحقيق سلام النفس وطمأنينة القلب، ويفتح الإنسان على مطلق يعطي معنى لوجوده. هذا السلام الداخلي هو أساس السلام الخارجي بين الناس. غير أنه يتساءل: هل لا تزال الأديان تلعب هذا الدور في عالمنا اليوم؟ يشرح فالادييه هذا التساؤل من منظوره المسيحي، لكنه يوسع النظر ليشمل جميع الأديان، ويعترف بواقع أن بعض التيارات الدينية المتطرفة تساهم في تأجيج العنف والصراعات، مثل الأصولية الإسلاموية التي تدعو إلى الجهاد كحرب مقدسة، والهندوسية القومية المتطرفة "الهندوتفا"، والصراعات البوذية في ميانمار ضد الروهينغيا، والصهيونية المتطرفة في إسرائيل، فضلاً عن الصراعات الطائفية في إيرلندا ويوغوسلافيا وروسيا. ويُبرز أن هذه التيارات الراديكالية تبرر العنف باسم الدين، مما يؤدي إلى تفاقم العداوات، ويهدد سلام المجتمعات نفسها. لكنه يؤكد أن هذه "الهمجيات" لا تمثل جوهر الأديان ولا أغلبية المؤمنين الذين يسعون إلى السلام والتعايش. سؤال عن دور الأديان في عملية السلام والمخاطر الناتجة عن الحروب ويلاحظ فالادييه أن العقائد الدينية أو الأيديولوجية في بعض الأحيان تبرر الأفعال المتطرفة، وتضع المؤمنين أنفسهم تحت التهديد، كما هو الحال مع المسلمين الذين يعانون من وصمة التطرّف بسبب أفعال الأقلية المتشددة، رغم أن الأغلبية ترغب في حياة سلمية. من هنا، يطرح فالادييه مفهوم "السلام الهش" الذي ينبثق من هذه التوترات الدينية والسياسية والاجتماعية. ولا يخفي نقده للكنيسة الكاثوليكية نفسها، التي في بعض الحالات ساعدت على قيام قوميات أدت إلى صراعات، أو تواطأت مع أنظمة ديكتاتورية قمعية. ويتناول الكتاب الدور الجيوسياسي الذي يشكل تهديدًا للسلام، ويتحدث عن محاولات المجتمع الدولي لاحتواء النزاعات، ودور الأديان في دعم السلام أو تعقيد الصراعات. وينهي الكتاب بالتأمل في تأثير التكنولوجيا الحديثة، وظهور الأجهزة الرقمية التي تسيطر على حياة الأفراد، وتتحكم في سلوكهم، وتنشر المعلومات المغلوطة، وتغرق الناس في حالة مستمرة من التوتر والخوف، مما يزيد من هشاشة السلام ويجعل تحقيقه أصعب من أي وقت مضى. * كاتبة وأكاديمية من لبنان كتب التحديثات الحية عيسى مخلوف.. دفاتر شاعر باريسي

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store