logo
#

أحدث الأخبار مع #السيادة_التكنولوجية

بين واشنطن وبكين.. الإمارات ورهاناتها التكنولوجية
بين واشنطن وبكين.. الإمارات ورهاناتها التكنولوجية

صحيفة الخليج

timeمنذ 10 ساعات

  • أعمال
  • صحيفة الخليج

بين واشنطن وبكين.. الإمارات ورهاناتها التكنولوجية

في خضم التنافس بين الولايات المتحدة والصين على ريادة التكنولوجيا العالمية، لم تعد الخيارات أمام الدول مقتصرة على مجرد اقتناء حلول تقنية متقدمة، بل باتت تتصل بمسارات السيادة، وبموقع كل دولة من شبكات النفوذ التي تُعيد رسم خرائط القوة في القرن الحادي والعشرين. وفي هذا السياق، تبدو الإمارات العربية المتحدة نموذجاً دبلوماسياً في كيفية التوفيق بين الرهانات التكنولوجية المتباينة لكل من واشنطن وبكين، دون الانجرار إلى الاستقطاب السياسي. لقد أدركت الإمارات مبكراً أن التكنولوجيا لم تعد مسألة اقتصادية فحسب، بل أصبحت مسألة «جيواستراتيجية». الذكاء الاصطناعي، وسلاسل أشباه الموصلات، والحوسبة السحابية، والأمن السيبراني، كلها اليوم أدوات بُنى سيادية تعادل في قيمتها الجغرافيا التقليدية أو حتى القوة العسكرية. وهنا جاءت المبادرة الإماراتية الاستباقية: بناء منظومة وطنية متقدمة تحقّق «الاستقلال التكنولوجي»، مع المحافظة على علاقات استراتيجية مع القوى العظمى في هذا الميدان. من جهة، وطّدت الإمارات علاقاتها التكنولوجية مع الولايات المتحدة من خلال استثمارات كبرى وشراكات سيادية. فقد أصبحت شركات، مثل Microsoft وAmazon وGoogle وOracle جزءاً من البنية التقنية للدولة، سواء عبر تطوير مراكز البيانات، أو تمكين الخدمات الحكومية السحابية، أو دعم برامج تدريب الذكاء الاصطناعي. وقد برزت هذه الشراكة بشكل أوضح في عام 2024 عندما استثمرت شركة «مايكروسوفت» مبلغ 1.5 مليار دولار في شركة G42 الإماراتية، بالتزامن مع إطلاق صندوق مشترك بقيمة مليار دولار لتأهيل الكفاءات الإماراتية في الذكاء الاصطناعي، في واحدة من أكبر الصفقات التكنولوجية في المنطقة. وفي موازاة ذلك، أطلقت الإمارات مشروعاً نوعياً يُجسّد مفهوم السيادة الرقمية من خلال منصة MGX، التي تهدف إلى إنشاء نظام تشغيل وطني للذكاء الاصطناعي. وبحسب صحيفة Business Insider (مايو 2025)، فإن MGX تقود استثماراً ضخماً بقيمة 6.6 مليار دولار في شركة OpenAI، وتطوّر في الوقت نفسه بنية تحتية وطنية لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي المفتوحة مثل «Falcon»، ما يجعل الإمارات واحدة من أوائل الدول التي تمزج بين الاستثمار الخارجي والقدرة التشغيلية المحلية ضمن إطار سيادي. في المقابل، لا تُخفي الإمارات علاقاتها القوية مع الصين، خاصة في مجالات الروبوتات، والبنية التحتية للاتصالات، والمدن الذكية. فقد استفادت في مراحل مبكرة من حلول تكنولوجية صينية أثبتت كفاءتها، من دون أن تكون هذه الشراكة على حساب انفتاحها على المنظومة الغربية. وهو ما يمكن وصفه ب«البراغماتية التكنولوجية»: انتقاء ما يخدم المصالح الوطنية، من دون تقييد حرية القرار أو الاصطفاف السياسي. هذا التوازن لا يقوم على مبدأ الحياد، بل في القدرة على صياغة خيارات مستقلة. فبدلاً من أن تنجر الإمارات إلى معركة تجارية بين واشنطن وبكين حول تقنيات الذكاء الاصطناعي أو شبكات الجيل الخامس، انشغلت بتطوير منظومة رقمية خاصة بها، من خلال كيانات وطنية مثل AI71 وCore42، والمؤسسات البحثية الكبرى التابعة لمجلس أبحاث التكنولوجيا المتقدمة، مثل TII وAspire. ووفقًا لتقديرات PwC، فإن إسهام الذكاء الاصطناعي في الاقتصاد الإماراتي قد يصل إلى نحو 100 مليار دولار بحلول عام 2030، أي ما يعادل 14% من الناتج المحلي الإجمالي، وهي من أعلى النسب في المنطقة والعالم. إلا أن هذا التموضع المتوازن لا يخلو من تحديات جيوسياسية متصاعدة، خصوصاً في ظل تصاعد النزعة الحمائية الجمركية لدى القوى الكبرى. فمع كل توتر جديد بين واشنطن وبكين، تزداد الضغوط لاختيار طرف على حساب الآخر. لذلك تمكنت الإمارات من تطوير «دبلوماسية تكنولوجية وقائية»، تضمن لها الوصول الآمن إلى الابتكار دون الوقوع في التناقض الاستراتيجي. في الوقت نفسه، يُشكل التوازن الإماراتي ركيزة مهمة في تعزيز أمنها الوطني. فاعتماد نموذج متنوع وغير أحادي المصدر في التكنولوجيا يقلل من هشاشة الدولة أمام أي صدمة مفاجئة في سلاسل التوريد أو الأنظمة التقنية. كما أن امتلاك أنظمة وطنية في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني يعني قدرة محلية على حماية البنية التحتية الحيوية من الاختراقات، في انسجام مع رؤية الدولة لتعزيز «السيادة الرقمية» كجزء من منظومة الأمن الوطني الشامل. وما يعزّز هذا النموذج هو الدور الذي تلعبه الإمارات في تأسيس علاقات متعددة الأبعاد. فهي عضو نشط في مبادرات تكنولوجية عالمية تقودها الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه تحتفظ بموقع مراقب في مجموعة «بريكس+»، وتعزز شراكاتها مع بكين في إطار «طريق الحرير». هذا الانفتاح المتوازي لا يُفقدها الوزن، بل يزيد من قدرتها على التنمية المستدامة، وعلى تشكيل تحالفات مرنة وفق المصلحة الوطنية. كما بدأت الإمارات تتقدم نحو صياغة قواعد تنظيمية جديدة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أطلقت أول ميثاق لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي على مستوى المنطقة، وتعمل على تطوير سياسات لتنظيم البيانات، وحوكمة النماذج المفتوحة، وتأمين الاستخدام المسؤول للتقنيات الناشئة. وهي بذلك لا تكتفي باستهلاك التكنولوجيا، بل تشارك في رسم قواعد استخدامها، ما يعزّز مكانتها كدولة فاعلة في النظام الرقمي الدولي. في النهاية، لا تطرح الإمارات نفسها كدولة تختار بين الشرق أو الغرب، بل كدولة تصوغ نموذجها من الاثنين، وتضيف عليه من تجربتها الوطنية ما يجعلها طرفاً فاعلاً في تشكيل مستقبل التكنولوجيا العالمية، لا مجرد متلقٍ لمنتجاتها.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

هل أنت مستعد للنغماس في عالم من الحتوى العالي حمل تطبيق دايلي8 اليوم من متجر ذو النكهة الحلية؟ ّ التطبيقات الفضل لديك وابدأ الستكشاف.
app-storeplay-store