أحدث الأخبار مع #الشيرازي


شبكة النبأ
منذ 11 ساعات
- سياسة
- شبكة النبأ
مفهوم التعددية وتطبيقاته عند الامام الشيرازي
شكل السيد محمد الشيرازي علامة فارقة في الفكر الإسلامي المعاصر، لا سيما في تناوله لمفهوم التعددية بمستوياته المختلفة، وقد استطاع أن يقدم رؤية إسلامية عقلانية وإنسانية للتعدد، تنبع من القرآن والسنة، وتدعو إلى احترام الاختلاف، وتغليب الحوار، وتكريس الشورى، ونبذ الاستبداد والتسلط، وتعزيز ثقافة الحوار ودعم الافكار الداعية لنشر... تعد التعددية من أبرز المفاهيم التي يتم تناولها بشكل متعمق ومفصل، لما تمثله من فكرة محورية تنبثق من حتمية التنوع الكوني والانساني، وقد غابت عن تناول الكثير من المفكرين والإسلاميين ولم يكن هناك سعي مستدام لتأصيل هذا المفهوم ضمن الإطار الإسلامي، بما ينسجم مع قيم الإسلام وتعاليمه التي دعت الى الحرية ورفع الاكراه وتمكين الارادة، وقد برز المرجع الديني الراحل والمجدد الإسلامي البارز الامام السيد محمد الحسيني الشيرازي، كأبرز المنظرين في هذا المجال. لقد خص الشيرازي (رحمه الله) مفهوم التعددية باهتمام بالغ في مختلف مؤلفاته وكتاباته ومحاضراته، حيث قدم رؤية إسلامية أصيلة تنسجم مع الفطرة الانسانية، وتؤكد على احترام التعدد والاختلاف، وتدعو إلى التعايش السلمي بين المذاهب والأديان والثقافات. نهدف في هذا المقال إلى استعراض وتحليل مفهوم التعددية في فكر السيد محمد الشيرازي، من خلال التطرق إلى أبعاده الفكرية والدينية والاجتماعية والسياسية، والوقوف على المنطلقات التي أسس عليها رؤيته. مفهوم التعددية التعددية (Pluralism) هي مصطلح يشير إلى القبول والاعتراف بوجود تنوع في الآراء والأفكار والمعتقدات والثقافات والمذاهب ضمن مجتمع أو نظام معين، مع الاعتراف بحق هذا التعدد في الوجود، وضرورة التفاعل والتعايش معه بشكل سلمي. تطرح التعددية في سياقات مختلفة، مثل التعددية الدينية، والسياسية، والفكرية، والمذهبية، والعرقية، وهي على النقيض من الأحادية والتفرد أو الإقصاء او التهميش والابعاد، حيث يفترض في التعددية احترام الآخر المختلف وعدم فرض الرأي أو المعتقد الواحد على الجميع. التعددية في المنظور الإسلامي من منظور إسلامي، يمكن القول إن التعددية ليست فكرة غريبة عن الإسلام، بل هي موجودة في صلب تعاليمه، فالقرآن الكريم يؤكد على خلق الله للناس مختلفين، ويقر بحرية العقيدة، ويعترف بوجود أديان وشعوب متعددة، يقول الله تعالى: "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين" (هود: 118) كما يؤكد الباري (عز وجل) على التنوع والتعددية في قولة: "وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا" (الحجرات: 13) ويقول تعالى: "لكم دينكم ولي دين" (الكافرون: 6) إلا أن التحدي يكمن في كيفية تفسير هذه الآيات وتطبيقها في الواقع الاجتماعي والسياسي والديني والمذهبي، حتى لا تحرّف عن سياقاتها الطبيعية، او يستهدفها الافراط والتفريط، ومع كثرة التفسيرات والتجاذبات في حدود وانواع ومفاهيم وابعاد التعددية، برزت الافكار التي طرحها الامام الراحل كمفهوم اسلامي اصيل يراعي التناغم الانساني ويحفظ كرامة الفرد والمجتمع. التعددية في فكر الشيرازي يمثل السيد الشيرازي صوتًا بارزًا في الدفاع عن التعددية داخل المنظومة الإسلامية، وقد قدم رؤية متكاملة تضع التعددية كضرورة عقلية واجتماعية يقرها الشارع المقدس، ويمكن تحليل هذا المفهوم عنده في عدة مستويات: 1. التعددية الدينية والمذهبية: يرى السيد الشيرازي أن الإسلام دين يعترف بالتعددية والتنوع والاختلاف، ويحترم أتباع الأديان الأخرى، فهو لا ينادي بفرض الإسلام بالقوة، ويرفض استخدام العنف والاكراه في قبول الافكار والمعتقدات، بل بالدعوة السلمية والحوار الهادئ والتعايش السلمي، وقد أكد في كتاباته عن آداب الحوار على ضرورة احترام أتباع الديانات الأخرى، خصوصا أهل الكتاب. كما كان من دعاة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وأكد على أهمية احترام المذاهب الإسلامية المختلفة، ودعا إلى التفاهم بدل التكفير، والحوار بدل الصراع، وكان يعتبر أن وحدة الأمة لا تعني إلغاء المذاهب، بل تعني تعايشها في ظل الاحترام المتبادل. 2. التعددية السياسية: تبنى الامام الشيرازي في كتابه "السبيل إلى إنهاض المسلمين" نظام الشورى كبديل عن الاستبداد، ورأى أن الإسلام لا يعارض التعددية الحزبية أو السياسية، طالما أن هذه الأحزاب تعمل ضمن إطار سلمي وتحترم القيم الإسلامية العامة، ورفض مبدأ القمع والإقصاء والتسلط. ولا يمكن ضمان التعددية في ظل نظام دكتاتوري مستبد لذلك يحارب الامام الراحل كل اشكال الاستبداد اينما ظهرت من اجل ضمان الاستقامة والحياة الكريمة: "لا دكتاتورية في الإسلام، لا في الحكم ولا في المرجعية الدينية، ولا في الأحزاب والحركات والتنظيمات، فالإسلام دين الحريات والعدالة الاجتماعية". 3. التعددية الفكرية والثقافية: في كتابه "الحرية الاسلامية"، دعا السيد الشيرازي إلى حرية التعبير وحرية التفكير، ورفض الرقابة على الفكر أو الحجر على الآراء المختلفة، حتى وإن خالفته، وكان يرى أن النقد البناء ضروري لتطور الأمة، وأن الاجتهاد لا يجوز أن يتوقف، وكان يرى انه: "من اللازم إطلاق الحريات، وتوفير شرائطها من ناحية، وتحديدها بحدود الصلاح والحكمة، من ناحية أخرى، وهذا هو شأن القيادة الصحيحة للفرد والجماعة، وقد لاحظ الإسلام الناحيتين، ووضع الخطط العامة، للسير بالبشرية نحو التقدم والرقي، بدقة وإتقان". وكان الشيرازي يؤمن إن: "الإنسان مطوي على أكبر قدر من الطاقات الوثابة، فإذا وجد الحرية الكاملة والظروف المناسبة تقدم تقدماً مدهشاً". 4. التعددية الاجتماعية والعرقية: في كتاب "الصياغة الجديدة"، دعا إلى المساواة بين الأعراق والقبائل والشعوب، واعتبر أن الإنسان مكرم بإنسانيته، لا بعرقه أو قوميته، وكان يؤمن أن الإسلام جاء لإزالة الحواجز العنصرية والقبلية حيث قال: "تقوم الأديان السماوية على مصلحة الإنسان، لذلك فإن للأديان وخصوصاً الإسلام القدرة على اقتلاع جذور الأفكار الضيقة المبنية على مصلحة القوم أو الفئة أو العرق أو اللغة أو الجغرافية، وبالدين تكونت أمم عامرة وقامت حضارات زاهرة". المنطلقات الفكرية للتعددية - القرآن الكريم: انطلق السيد الشيرازي في رؤيته من نصوص قرآنية تؤكد على الاختلاف والتنوع كقانون كوني. - السيرة النبوية: استشهد بسيرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه واله وسلم) في تعامله مع اليهود والمشركين والمنافقين في المدينة، حيث اعتمد أسلوب الحوار والمعاهدات من اجل بناء ثقافة التعددية والتعايش السلمي. - العقل والبرهان: رأى أن العقل يقتضي احترام التعدد وقبول الاخر المختلف، لأن القمع لا يؤدي إلا إلى الفتنة والانفجار، والعنف لا يولد الى المزيد من العنف المقابل. - الواقع الاجتماعي والسياسي: اعتبر أن التعددية أصبحت ضرورة اجتماعية وسياسية في ظل تداخل المجتمعات وتنوعها. تطبيقات التعددية ا. دعوته إلى تأسيس منظمات المجتمع المدني. ب. دعوته إلى إنشاء "مجالس شورى محلية" في البلاد الإسلامية. ج. تبنيه لمبدأ اللاعنف كوسيلة للتغيير السياسي والاجتماعي. د. دعمه للمؤسسات الثقافية التي تنشر الفكر المعتدل وتقبل الحوار. الخاتمة لقد شكل المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي علامة فارقة في الفكر الإسلامي المعاصر، لا سيما في تناوله لمفهوم التعددية بمستوياته المختلفة، وقد استطاع أن يقدم رؤية إسلامية عقلانية وإنسانية للتعدد، تنبع من القرآن والسنة، وتدعو إلى احترام الاختلاف، وتغليب الحوار، وتكريس الشورى، ونبذ الاستبداد والتسلط، ومن هذا الاساس يمكن ذكر جملة من التوصيات التي تسهم في زيادة الوعي الاجتماعي في نشر ثقافة التعددية وتطبيقها: 1. تعزيز ثقافة الحوار بين الاديان السماوية من اجل ضمان تقارب المجتمعات الانسانية، فضلاً عن ترسيخ مبدأ الحوار والتفاهم والانسجام بين المذاهب الإسلامية لتعزيز روح الاخوة الاسلامية. 2. إدراج مفاهيم التعددية السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية ضمن المناهج التعليمية لتنشئة اجيال مؤمنة بأهمية التعددية. 3. دعم الافكار الداعية لنشر الحرية والشورى والتعايش السلمي والايمان بالتعددية والحوار وغيرها من القيم الاسلامية الاصيلة. 4. إنشاء مؤسسات بحثية تعنى بالبحث في مضمار التعددية وتطبيقاتها العملية. 5. نشر مؤلفات الامام الشيرازي المتعلقة بالتعددية بشكل موسع في المكتبات والجامعات. 6. الدعوة الى تعزيز العمل المؤسسي والشوروي في المؤسسات الدينية والاجتماعية والسياسية. 7. تشجيع النقاشات الحرة والبناءة في المجتمعات الإسلامية.


شبكة النبأ
منذ يوم واحد
- سياسة
- شبكة النبأ
أساليب مكافحة الإرهاب السياسي
إن اللاعنف دائما يكون الحل المناسب للجميع، وهو الأسلوب الناجع لمكافحة الإرهاب والعنف، وفي حال الإصرار على العنف السلطوي، فإن المواجهة مع الشعب قادمة، وغالبا ما تُهزَم الحكومات في المعارك ضد شعوبها، حتى لو نجحت في بعض الأحيان من كتم المعارضة، لكن من المحال أن يصمت الشعب على حقوقه المستلبة من الحكومة المستبدة... (اللاعنف هو الذي يتغلب على القوى المادية وغيرها) الإمام الشيرازي توجد للإرهاب تعريفات مختلفة بحسب نوعه ومصدره وأهدافه، وكما يقول المعنيون بدراسة الإرهاب، إنه قضية باتت تشغل العالم وانظمته السياسية والدولية لما تخلفه من آثار على الامن والاستقرار الدوليين، ويعد الارهاب السياسي ظاهرة اجتماعية سياسية في ان واحد. الأمر الذي يتطلب الاهتمام بها بقصد ايجاد الحلول الجذرية لها. فالعالم يعيش اليوم تحت رحمة الارهاب ولم تعد لشعوب العالم خيارات كثيرة للتخلص من دائرة الإرهاب. وهناك خطوات إجرائية يجب اتخاذها، لكي تتم محاصرة الإرهاب السياسي، ويتم تقليل أضراره العديدة، ومخاطره الكبيرة، سواء على الدول والمجتمعات، أو على الأفراد، وهنالك حلول ممكنة، على الجهات المعنية أن تبادر بقوة لاتخاذها، لأن ترك الإرهاب يتكاثر يعني منحه الفرصة لتأجيج الأوضاع العالمية أكثر فأكثر. وفي الغالب يكون الأكثر هشاشة وضعفا، هم وقود الإرهاب السياسي، لهذا يجب مكافحة هذا النوع من الإرهاب، عبر الخطوات التي يمكن القيام بها، وهي عبارة عن سلسلة من الإجراءات المتماسكة والمتتابعة كأنها سلسلة مترابطة، وأول هذه الخطوات الوعي. بمعنى يجب أن يكون الناس على وعي بحقوقهم، خصوصا السياسية، ولا يسمحوا بالتجاوز عليها، خصوصا من قبل الأنظمة السياسية والحكومات الدكتاتورية التي تحاول أن تلتف على هذه الحقوق بألف طريقة وطريقة، لهذا يأتي الوعي في الصدارة، مع اللامركزية والتعددية وحماية المؤسسات الدستورية ودعم استقلالها وفاعليتها. الإمام الراحل، آية الله العظمى، السيد محمد الحسيني الشيرازي (رحمه الله) يقول في كتابه القيم الموسوم بـ (فقه السلم والسلام/ الجزء الثاني): (الخطوة الأولى التي تساعد على التقليل من مخاطر الإرهاب السياسي تتمثل بالوعي العام والتعدّدية السياسية والانتخابات الحرّة وفاعلية واستقلالية المؤسسات الدستورية). من الخطوات الفعالة في مكافحة الإرهاب السياسي الذي تمارسه الأنظمة والحكومات المستبدة، نشر العدل بين الناس، وفي مؤسسات الدولة، وتحقيق مبدأ المساواة، لاسيما في جوان حياتية مهمة مثل فرص العمل، والخدمات الأساسية، وفرص التعليم والصحة، وعندما يلاحظ الشعب هذه الإجراءات الصحيحة سوف يكون داعا للحكومة. مراعاة العدالة وتكافؤ الفرص كما أن هذا النوع من المساواة يطفئ الضغينة، ولا يترك سببا عند الناس لكي يكونوا معارضين للسلطة، ولهذا يتحقق التأييد الكبير للحكومة عندما تكون عادلة، وعندما تعمل على نشر المساواة بين الناس، فهذه كلها خطوات فعالة لسحب البساط من تحت الإرهاب، ولا يمكن للناس أن يهددوا السلطات عندما تكون عادلة معهم. حيث يؤكد الإمام الشيرازي ذلك في قوله: (تطبيق العدل والمساواة وإعطاء كل ذي حق حقه حتى يعمّ السلم والسلام من أقصى الشعب إلى أقصاه). كما أن مراعاة العدالة، وتكافؤ الفرص، والمساواة بين الناس، تمنع أسباب العنف، وترفع الظلم والحيف عن الناس المقهورين، على خلاف ما يحدث من قبل الحكومات الفاسدة والدكتاتورية، حيث يتعرض الجميع إلى الإرهاب السياسي، والملاحقات والسجون، لمجرد أنهم يطالبون بحقوقهم المشروعة، ولا تتم الاستجابة لهم. لذلك تبقى الاضطرابات قائمة، ويبقى فتيل الأزمات مشتعلا، ويبقى العنف والعنف المقابل هو الذي يتحكم بطبيعة العلاقة بين الشعب والسلطة، ويؤكد المعنيون أن الشعب في حال حصل على حقوقه، ووجد الاهتمام اللازم، وحصل على ما يحقق له الحياة الكريمة، فإن العنف لن يكون له وجود، وبالتالي تنطفئ أسباب الإرهاب السياسي السلطوي. لذا لابد أن تسعى الأنظمة السياسية والحكومات بجدية إلى إرجاع الحقوق المسلوبة من الناس، وأن لا تبالغ باستخدام الترهيب والإرهاب والقوة ضد الناس، وأن لا يكون أسلوب البطش هو سبيلها في معالجة الاعتراضات الشعبية في حال حدوثها، بل على الحكومة أن تدرس الأوضاع جيدا وتبحث في الأسباب الحقيقية. وتعيد الحقوق المهدورة للناس، فهذا الأسلوب هو الأفضل والأقرب إلى حل المشكلات، لاسيما أن التجارب تؤكد إصرار الشعوب على حقوقها، ولا يمكن أن تتراجع أما أساليب الإرهاب السياسي حتى لو تعاظمت. يقول الإمام الشيرازي حول هذه النقطة: (حتى لا يكون لذوي الحقوق المهدورة سبب للقيام بالإرهاب والمخاطرة بأنفسهم وما يملكون، ورفع الحيف عن المظلومين ورد الحقوق المسلوبة إلى أصحابها وربط الشرعية بالقوة والقوة بالشرعية). من الأمور المعروفة هي أن الشعوب لا تثور إلا في حال حصول الإرهاب السياسي ضدهم من قبل الأجهزة الحكومية السلطوية، وخصوصا في الحكومات المستبدة، حيث ترفع سلاح الإرهاب كنوع من الحلول التي تعالج بها مشاكلها مع الشعب، وهذا الأسلوب لا يمكن أن يكون في صالح الحكومات المستبدة، بل عليها التراجع عن الاستبداد، وأن تكف عن الإرهاب، ومضايقة الناس ومصادرة حقوقهم. الإقناع وسيلة التغيير الناجح وعندما تبقى الحكومات مستمرة في أساليبها الجائرة سوف يظهر أناس لا يقبلون بالإرهاب السياسي الذي تطلقه الحكومة ضد من يطالب بحقوقه، لذلك من الممكن أن يحدث هناك نوع من التفاهم المتبادَل بين الطرفين، لاسيما عندما يكون اللاعنف هو الهدف من قبل الجميع، وهذا يتطلب من الحكومة أن تغيّر أسلوب الإرهاب ضد المعارضين، وتستبدل ذلك بالإقناع. فإذا اقتنع المعارضون بما تقوم به الحكومة من إجراءات، لصالح الناس، فإنهم سوف يقتنعون ويغيرون مواقفهم، ويتحول العنف إلى أسلوب اللاعنف الذي يخدم جميع الأطراف، من خلال اعتماد أساليب غير عنيفة حضارية، ضامنة بقة لحقوق الشعب، وتمنع من استخدام القوة والعنف ضد المعارضين. لذا يقول الإمام الشيرازي: (التوضيح للمعارضين وإقناعهم بأن العنف ليس الوسيلة الصحيحة التي تحقق أهدافهم، بل لابد لهم أن يحققوا تلك الأهداف عبر الموازين الدستورية والقوانين العادية والعرفية والمعايير السلوكية والضغوط الإعلامية والدبلوماسية). إذن بالإمكان التخلص من بؤر التوتر، والحد من أساليب العنف بين السلطات وبين الشعب، كذلك يمكن تغيير أسلوب البطش السلطوي، إذا آمنت الحكومات ومن يقودها بأن الإرهاب السياسي لا يخدم أهدافها، بل أسلوب البطش والتضييق على الناس يسرّع من إسقاط الحكومة، ويجعلها هدفا في مرمى الأعمال المعادية. لهذا فإن اللاعنف دائما يكون الحل المناسب للجميع، وهو الأسلوب الناجع لمكافحة الإرهاب والعنف، وفي حال الإصرار على العنف السلطوي، فإن المواجهة مع الشعب قادمة، وغالبا ما تُهزَم الحكومات في المعارك ضد شعوبها، حتى لو نجحت في بعض الأحيان من كتم المعارضة، لكن من المحال أن يصمت الشعب على حقوقه المستلبة من الحكومة المستبدة. لهذا بدأ النبي محمد صلى الله عليه وآله بعثته النبوية بأسلوب اللين المعروف عنه، وكسب بذلك قلوب وتأييد الجميع له رغم أن الناس قلما تقبل التغيير، إلا إذا كان مقنعا ومقبولا، وكذلك فعل جميع الأنبياء عليهم السلام في تعاملهم باسلوب اللاعنف مع أقوامهم ونجحوا في ذلك. يقول الإمام الشيرازي: (هذا هو سبيل اللاعنف الذي ندعو إليه ودلت عليه الآيات والروايات، وقد ألمحنا إليه في السابق، فاللاعنف هو الذي يتغلب على القوى المادية وغيرها، كما استعمله رسول الله صلى الله عليه وآله، في أول البعثة النبوية المباركة ولهذا تغلب على الماديات، وهكذا كان حال جملة من الأنبياء عليهم السلام الذين وصلت إلينا سيرتهم كعيسى المسيح وموسى الكليم وإبراهيم الخليل ونوح شيخ المرسلين). هذه هي الخطوات التي يمكن اتخاذها في مجال تقليل الإرهاب السياسي ومحاصرته، وفي حال تم استخدام هذه الخطوات، فإنها سوف تفتح الآفاق واسعة أمام تحقيق نوع من اللاعنف يربح منه الجميع بعيدا عن خسارات الأنظمة القمعية والفاسدة، والحكومات السلطوية التي تحرق نفسها، وتلحق أفدح الأضرار بشعوبها.


شبكة النبأ
منذ 5 أيام
- سياسة
- شبكة النبأ
الرفق والعدل شرطان للحكم المثالي
سياسة الحكم الرشيد يمكن أن تجعل من الحاكم مأمورا من شعبه، وخاضعا له، ومستمعا لأوامر شعبه وأمته، كل هذه الصفات يمكن أن تجدها في الحاكم عندما يكون حاكما صالحا، وهذا ما كان يتميز به أمير المؤمنين علي عليه السلام، فهو الذي استجاب لمطالب شعبه الصعبة والمحرجة والخطيرة جدا، بحيث كانت تنطوي على ظلم بيّن... (السياسة التي لا رفق فيها هي كجسد بلا رأس) سماحة المرجع الشيرازي دام ظله ما بين الرفق والعدل روابط ووشائج متينة وقوية لدرجة أنهما يتلازمان معًا في أية سياسة حكيمة وناجحة، كأنهما ركنان لا يمكن للحكم المثالي أو الحكم المتوازن الناجح أن يتخلى عنهما، لهذا أينما تجد العدل تجد الرفق لصيقا به، يدعمه كسياسة دائمة للحاكم وحكومته، وهذه بالضبط هي السياسة التي ميَّزت حكومتيّ رسول الله صلى الله عليه وآله، والإمام علي عليه السلام، حيث كان الرفق ملازما لكل السياسات والقرارات التي صدرت عنهما. وفي نفس الوقت كانت العدل هو الأسلوب الإداري الأعظم الذي أدار فيه الرسول (ص) والإمام علي (ع)، شؤون الدولة والناس، وقد احتل الرفق وصفا هائلا حيث وُصِفَ بأنه بمثابة الرأس للجسد، وهل هناك قيمة للجسد دون رأس، أليس الرأس هو الذي يقود الجسد في كل حركاته وأفعاله وأنشطته بل وحياته كلها، ولنا أن نتصور كيف يعيش الجسد بلا رأس، ففي هذه الحالة يصبح الجسد عدمًا لا قيمة له. بل ليس هذا فحسب، لأن الجسد بلا رأس سوف يتحول إلى جثة لا يخرج منها سوى ما يضرّ الناس ويضر الجسد نفسه، هذا ما يحدث واقعيا وماديا، لكن حتى على سبيل المجاز والوصف، فإن الجثة بلا رأس تشبه الإنسان الأرعن الذي يجوب الشوارع بلا عقل، ولا ينتج عنه سوى إلحاق الأذى بالناس وبنفسه أيضا. سماحة المرجع الديني الكبير، آية الله العظمى، السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، يقول في سلسلة محاضرات نبراس المعرفة بمحاضرة عنوانها (الرفق في الإسلام): (سياسة العدل هي سياسة رسول الله وسياسة أمير المؤمنين صلوات الله عليهما التي أدار بها شؤون البلاد والعباد. وأساس هذه السياسة هو استعمال الرفق. فإذا لم يكن فيها رفق كانت كبدن إنسان ليس فيه رأس، والبدن الذي يفتقد للرأس وجوده كعدمه يبقى مجرد جثة هامدة تتعفن بعد أيام وتكون مصدراً للأمراض والأضرار). سياسة الحكم الرشيد يمكن أن تجعل من الحاكم مأمورا من شعبه، وخاضعا له، ومستمعا لأوامر شعبه وأمته، كل هذه الصفات يمكن أن تجدها في الحاكم عندما يكون حاكما صالحا، وهذا ما كان يتميز به أمير المؤمنين علي عليه السلام، فهو الذي استجاب لمطالب شعبه الصعبة والمحرجة والخطيرة جدا، بحيث كانت تنطوي على ظلم بيّن. متى يصبح الحاكم مأمورا لشعبه؟ ومع ذلك يستجيب الإمام علي لتلك الطلبات التي انحازت بشكل مضاد للحاكم، ومع ذلك ولأن مصلحة الأمة والدولة تكمن في الاستجابة، كانت الحكمة القيادية هي التي جعلت من الحاكم مأمورا لشعبه، ومتقبّلًا لما يريده من قضايا ليست (عادلة)، لكن سلامة الأمة وسلامة نسيجها ووحدتها، جعلت الإمام علي يتعامل بحكمة ويتحمل الأذى والألم حتى لا يصيب الأمة ويجعلها تعاني من التشاحن والتشاجر والاختلاف. سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يشير إلى هذه الحالة فيقول: (إن سياسة الحُكم تجعل من الحاكم مأموراً للأمة حتى لا تصاب الأمة بأذى وضرر وانهيار، ولذا كان الإمام أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) يتحمل الأذى ويرتضيه لنفسه كي لا تتحمل الأمة هذا الأذى وتبقى موحّدة). من الأمور التي يتفق عليها الناس، أن الرأس هو الذي يقود كل شيء، ولهذا انتقل هذا التوصيف إلى التعابير اللغوية، حتى قيل (رأس الحكمة مخافة الله)، لكن كما نعرف واقعيا ليس هناك رأس للحكمة، وهكذا يمكن أن نعثر على الكثير من المقولات تندرج تحت هذا المعنى أيضا، فالرأس هو الأهم دائما والأقدر على اتخاذ القرارات وإدارة الأمور. لهذا وصف الإمام علي عليه السلام الرفق بأنه رأس السياسة، لذا فإن السياسات كلها سواء كانت تتعلق بالسلطة أو علم الإدارة أو العلوم والمجالات الأخرى، إذا لم يكن معها الرفق، فهي بلا (بوصلة) يمكن أن تدلها على الطريق (الصواب، الصحيح)، وقد اقترن هذا الوصف للإمام علي بالتطبيق، حيث طبّقه في سنوات حكمه وإدارته لشؤون المسلمين، فكان الرفق هو الرأس الملازم لجميع قرارات الحاكم، والذي جعل منه في مقدمة الحكام الذين يُضرَب بهم المثل عندما يتم الحديث عن تجارب الحكم الناجحة عبر التاريخ. يقول سماحة المرجع الشيرازي: (أمير المؤمنين هو القائل (رأس السياسة استعمال الرفق) وهو الذي طبق ذلك عملياً في موارد عديدة من حكمه وحياته، والآخرون غير أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) أيضاً يتحدّثون بهذه المفاهيم ولكنهم يعملون بخلافها). عندما نطالع تاريخ الحكومات الإسلامية، فربما نعثر على جودة بعضها وهو في الحقيقة أمر نادر، ولكن وجوده هو نتيجة لا ريب فيها لحكومتي الرسول صلى الله عليه وآله، والإمام علي عليه السلام، فهاتين الحكومتين، كان الرفق عنوانا عريضا لهما في جميع السياسات والقرارات، وكما ذكرنا فإن الرفق يلازم العدل دائما ولا يمكن أن يتخلى عنه. حكومة الرحمة واللين والسلام لهذا فإن أية حكومة إسلامية تمسكت بالرفق كسياسة لها، لابد أن تكون متأثرة بالنموذجين المذكورين في تاريخ الحكم الإسلامي، وعندما نجد الرفق والعدل في حكومة ما، فإننا سرعان ما نعثر على ذلك التأثير الواضح الذي جعل من الرفق قرينا بالعدل، ومن جعل من هاتين الركيزتين نقطة انطلاق متينة لسياسة تعالج شؤون الناس وفق سياسات وقرارات ديدنها الرفق والرحمة واللين والعدل، وهو ما وضّحته لنا صفحات التاريخ الموثوقة. لذا فإن النموذج المثالي لنظام الحكم، كان يتجسد بالحكومتين المذكورتين اللتين سبق ذكرهما في أعلاه، وهذا يعني أن التأثير المنظور الذي انعكس على بعض تجارب الحكم، كان مأخوذا مما رشح عن طريقة إدارة الدولة والناس في عهديّ الرسول صلى الله عليه وآله والإمام علي عليه السلام، ولهذا فإن حكام الحاضر المسلمين ملزمين بقوة بتقديم نموذج الحكم المثالي قبل غيرهم من الأنظمة الأخرى من باب وحدة الانتماء. سماحة المرجع الشيرازي دام ظله يقول: (إذا كان هناك بعض الرفق وبعض الحريات والممارسات الجيدة في بعض الحكومات والأنظمة، إنما هي ناتجة عن سياسة الرفق التي اتّبعها رسول الله صلى الله عليه وآله وسياسة الرفق التي اتّبعها أمير المؤمنين (صلوات الله عليه) في فترة حكميهما والتي كانت فيها الحرية والراحة والطمأنينة والسلام). لا يتعلق الأمر بأنظمة الحكم الإسلامية، عندما نتحدث عن قضية التأثير والتأثّر، فبعد أن اطلعنا على طبيعة ما اقترنت به الحكومتان المثاليتان في تاريخ الإسلام السياسي، لابد أن جميع الدول في العالم، وأنظمة الحكم التي تقودها، ترى فيما تم طرحه عن صفات وسياسات وقرارات الحكومتين (حكومة الرسول (ص) والإمام علي ع)، محفزات واضحة للتشبّه بذلك في إدارة نظام الحكم. حيث يعيش العالم كله طعم (الرفق) كعنصر أساسي في إدارة السلطة والحكم وإدارة شؤون الناس، فيغيب الظلم والظلام، ويحل الضوء والعلم وينجلي الجهل، ويسود العدل والرفق والسلام. لذا يقول سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: (في عالمنا اليوم إذا طبّقت هذه السياسة وعُمِلَ بهذا المنطق، سوف تشهد الإنسانية طعم الرفق، وسوف يتخلّص المجتمع من هذه المظالم التي يعيشها في كل زمان ومكان، سواء كانت قليلة أو كثيرة). إننا في حقيقة الأمر أم نموذجين مثاليين للحكم في تاريخ المسلمين، وهذا يستدعي من الحاكم المسلمين في الحاضر الاستفادة القصوى منهما، لاسيما في تطبيق الركنين المتلازمين (العدل والرفق)، في إدارة السلطة، وهو أمر ممكن إذا عقد السياسيون العزيمة والإرادة لجعل الرفق ملازما لحكمهم والعدل لصيقا بهم.


الخبر
منذ 5 أيام
- أعمال
- الخبر
أثر الضرر في التصرفات الشرعية
لقد ذهب العلماء إلى اعتبار نفي الضرر علة في تشريع عدد من الأبواب الفقهية كالعرية، حيث قالوا في علة جوازها أنها جوزت لرفع الضرر وكذلك الشفعة، حيث جعلوا الأخذ بها من باب دفع الضرر عن الشريك، حتى قالوا: يجبر المشتري على تسليم الحصة (المستشفع فيها)، وذكروا في علة مشروعية القسمة بأنها شرعت لدفع ضرر التشاجر الواقع بين الشركاء. وبناء عليه، ذهب الجمهور من أصحاب مالك من المدنيين والمصريين إلى مخالفته في قوله: بقسم البيت الصغير والحمام إذا دعا إلى ذلك أحد الشركاء فيه إلى القسمة، سواء صار له أو لصاحبه من ذلك ما فيه منفعة أم لا، وقالوا: إنه لا يقسم حمام، ولا فرن، ولا رحى، ولا بيت صغير، ولا بئر، ولا عين، حتى يصير منه لأقلهم نصيب ينتفع به ما لا ضرر فيه، معللين ذلك بأن ما لا ينتفع به عند القسمة فالقسمة فيه ضرر، ومحتجين بقوله صلى الله عليه وسلم: 'لا ضرر ولا ضرار'. واعتمادا على علة دفع الضرر، ذهب الحنفية في الصحيح من أقوالهم إلى الحكم بالقسمة إذا دعا إليها صاحب الأكثر، وإن تضرر بها شريكه، معللين ذلك بأن ضرر صاحب الأكثر بعدم القسمة أعظم من ضرر شريكه بها. وانطلاقا من هذا، جعل الإمام مالك من أصوله في البيوع رعاية المقاصد والمصالح؛ لما يعود من الضرر على المتابعين في مخالفتها، قال ابن العربي وهو يتحدث عن أصول مالك في البيوع: (وأما المقاصد والمصالح فهي أيضا مما انفرد بها مالك دون سائر العلماء، ولابد منها لما يعود من الضرر في مخالفتها، ويدخل من الجهالة). واعتبارا لمقصد الشريعة في نفي الضرر عن الأموال، أسس الشيرازي قاعدته في الخيارات وهي: (كل خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال فهو على الفور). واعتمادا على النصوص النافية للضرر عن أموال الغير، بنى الحنابلة قاعدتهم الفقهية القائلة: (من اتصل ملكه بملك غيره متميزا عنه وهو تابع له ولم يمكن فصله منه بدون ضرر يلحقه، وفي إبقائه على الشريك ضرر، ولم يفعله مالكه، فلمالك الأصل أن يمتلكه بالقيمة من مالكه، ويجبر المالك على القبول، وإن كان يمكن فصله بدون ضرر يلحق مالك الأصل، فالمشهور أنه ليس له تملكه قهرا لزوال ضرره). ولما كان إجراء العقود على أصولها التي شرعت لها يؤدي في بعض الحالات والوقائع إلى لحوق ضرر بأحد طرفي العقد، عمد الفقهاء إلى إدخال استثناءات على تلك الأصول لجعلها متفقة ومقصد نفي الضرر عن الأموال كالعارية مثلا، فإن الأصل فيها عدم اللزوم، إلا أنهم قالوا باللزوم فيها في بعض الحالات، منها لو أن رجلا استعار جدار غيره لموضع جذوعه ووضعها، ثم باع المعير الجدار، فإن المشتري لا يمكن من رفعها، وقيل: لا بد من شرط ذلك وقت البيع. ويندرج في هذا المعنى ما ذكره المازري في علة جواز العرية، حيث قال: (وعلة جوازها رفع الضرر، وذلك أن صاحب الحائط لا ينفك غالبا من دخوله لحائطه يجني ثمرته، وقد يؤذيه بإكثار المسير والمرور والرجو فسامح الشرع في هذه المحرمات لدفع هذا الضرر وصيانة المال، ودفع الضرر عنه يوجب الترخيص فيما الأصل فيه المنع). ولما كانت حاجات الإنسان الكثيرة ومصالحه المتعددة تجعل من المتعذر عليه القيام بعدد منها في آن واحد، شرع له باب الوكالة ودعي إلى تعيين من ينويه في بعضها، ولما كان الإضرار من الوكيل بأموال موكله أمرا وارد الوقوع، لأن قيام الإنسان بمصالحه ليس كقيام وكيله بها، كان الوكيل معزولا عن غير المصلحة، ولا يمضي من تصرفاته كل ما فيه ضرر محض بأموال موكله، حيث قال الفقهاء في ذلك: (كل وكيل فهو معزول عن غير المصلحة الراجحة فلا يمضي من أفعاله إلا ما فيه مصلحة لموكله، إلا إذا وقع التنصيص على المصلحة وغيرها، وإذ ذاك يفعل ما فيه مصلحة مرجوحة. وأما الضرر المحض والعبث المحض، فلا يمضي من أفعال الوكيل شيء منها، ولو كانت ألفاظ الوكالة ما عسى أن تكون، لأنه لو فعل ذلك الموكل بنفسه لصار سفيها يجب تحجيره، وكل ما لا يفعله الإنسان بنفسه لا يفعله وكيله). ولهذا، لو قال الموكل للوكيل: بع مطلقا، فلا يبع بالعرض ولا بالنسيئة ولا بما دون ثمن المثل إلا قدرا يتغابن الناس بمثله. * رئيس الهيئة الشرعية بمصرف السلام الجزائر


شبكة النبأ
١٣-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- شبكة النبأ
مركز المستقبل ناقش.. استراتيجيات الاصلاح والتغيير السلمي في فكر الامام الشيرازي
يبرز في فكر الامام الراحل نقده الحاد للأنظمة الثورية التي تعتمد على الانقسام والصدام، إذ يرى أنها غالبا ما تُفضي إلى اضطرابات اجتماعية وتفككاً في نسيج الأمة. بدلاً من ذلك، يدعو إلى إصلاح يقوم على أسس التفاهم والاعتدال، حيث تُعد الآليات الديمقراطية والحوار البنّاء من أهم الأدوات لتحقيق التغيير السلمي... عقد مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية ملتقاه الفكري في مقر مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام تحت عنوان "استراتيجيات الاصلاح والتغيير السلمي في فكر الامام الشيرازي"، بمشاركة عدد من مدراء مراكز دراسات بحثية، وأكاديميين، وإعلاميين، وذلك بمناسبة الذكرى السنوية لرحيل (المرجع الديني آية الله العظمى الراحل السيد محمد الحسيني الشيرازي)، حيث تم استعراض رؤاه الاصلاحية التي تبرز اهمية الحوار والعدالة الاجتماعية كأساس للتجديد والتحول دون اللجوء الى العنف. قدّم الورقة البحثية في الملتقى الباحث في المركز الاستاذ حيدر عبد الستار الاجودي، حيث ابتدأ حديثه قائلا: "يمثل فكر آية الله العظمى الراحل السيد محمد الشيرازي (طيب الله ثراه) محطة فارقة في تاريخ الفكر الإصلاحي الإسلامي، إذ أنه استطاع أن يجسد رؤية إصلاحية ترتكز على التحول السلمي والتغيير البنّاء دون اللجوء إلى العنف، وذلك من منطلق فلسفي وروحي يعيد إلى الأذهان قيم التجديد التي ينبثق منها الإسلام الحقيقي. فقد حرص السيد الشيرازي على الربط بين المبادئ الدينية الراسخة والتحديات المعاصرة، مقدما نموذجاً متكاملاً للإصلاح يقوم على الحوار المتواصل والنقد العقلاني للنظم القائمة، وهو ما يتجلى في محاولاته لإعادة قراءة التراث الإسلامي بعيون نقدية تستشرف مستقبل الأمة وتواكب متطلبات العصر. إذ يرى السيد الراحل أن الإصلاح ليس مجرد تغيير شكلي أو تعديلات جزئية على النظام السياسي والاجتماعي، بل هو عملية شاملة تبدأ من الداخل الذاتي للفرد وتتسع لتشمل الأطر المؤسسية والنهج الثقافي الذي يتبعه المجتمع، في إطار رؤية تربط بين الروحانية والعقلانية والتجربة التاريخية. وتطرق السيد في أعماله إلى معضلات عدة تتعلق بمفهوم العدالة الاجتماعية، ودور الحكومات والمؤسسات في خدمة المصلحة العامة، مشيرا إلى أن التجديد الحقيقي يجب أن يكون قائماً على أسس أخلاقية مستمدة من التعاليم الإسلامية التي تحث على التوازن والاعتدال، فهو يعتبر أن الإصلاح يجب أن يتم عبر استنباط الدروس من التاريخ الإسلامي، حيث شهدت الأمة فترات انتعاش فكرية وروحية حينما اجتمع فيها العلماء ورجال الدين والمثقفون على رؤية موحدة تقوم على مبادئ الحوار والتفاعل الإيجابي مع متغيرات الواقع، ولعل من أبرز مقومات هذا الفكر هو الاعتقاد الراسخ بأن الإنسان قادر على إصلاح ذاته أولاً قبل أن يسعى إلى إصلاح المجتمع، وهو ما يستدعي عملية تنمية داخلية ترتكز على التربية الروحية والعقلانية في آن واحد. وفي هذا السياق، يؤكد على أن النهوض الفكري والثقافي لا يتحقق إلا عندما تتضافر الجهود لإعادة النظر في المعارف والقيم المتوارثة وتقديمها بصورة تفاعلية مع الواقع المتغير. ويبرز في فكر الامام الراحل نقده الحاد للأنظمة الثورية التي تعتمد على الانقسام والصدام، إذ يرى أنها غالبا ما تُفضي إلى اضطرابات اجتماعية وتفككاً في نسيج الأمة. بدلاً من ذلك، يدعو إلى إصلاح يقوم على أسس التفاهم والاعتدال، حيث تُعد الآليات الديمقراطية والحوار البنّاء من أهم الأدوات لتحقيق التغيير السلمي. وفي هذا الإطار، يتضح أن السيد الشيرازي لم يكن مجرد ناقد للمشكلات القائمة، بل كان يحاول رسم خارطة طريق للإصلاح تضع الإنسان في قلب العملية، وتشدد على أن كل تغيير يجب أن ينطلق من وعي ذاتي عميق يقدّر قيم الحرية والعدالة والتسامح. كما أنه لم يقتصر على النظر إلى التجديد من منظور ديني ضيق، بل سعَى إلى دمج المعرفة العلمية والفلسفية الحديثة مع التراث الإسلامي، وهو ما يظهر جليًا في محاولاته للمقارنة بين التجارب الإصلاحية في العالم الإسلامي والغربي. فقد لاحظ أن النماذج الغربية في الإصلاح، وإن كانت تعتمد على أسس علمانية، إلا أنها تعاني في كثير من الأحيان من غياب البعد الروحي والاعتبار للأبعاد الأخلاقية في عملية صنع القرار، مما يخلق فجوة بين الإنسان والقيم التي يُفترض أن يخدمها. ومن هنا برزت دعوته لإرساء نموذج إصلاحي هجين يجمع بين أصالة الفكر الإسلامي وروح الحداثة، نموذج يتيح للمجتمع استثمار تجاربه التاريخية والثقافية لتحقيق تغيير إيجابي يضمن استقرار العلاقات الاجتماعية والسياسية دون المساس بالقيم الثابتة. وهذا المنهج يدعو إلى ما يمكن وصفه بالمحايدة الفكرية التي تتجاوز الانقسامات التقليدية بين الحداثة والتقليد، مما يفتح آفاقاً جديدة للتفكير في كيفية استثمار الإرث الديني والثقافي في مواجهة التحديات المعاصرة. وفي تحليل أعمق لمفاهيم الإصلاح عند السيد الشيرازي، نجد أنه يتبنى نظرة فلسفية ترتكز على فهم العلاقة بين الحرية والمسؤولية، بحيث يُعطي لكل فرد حرية التعبير والاختيار، ولكنه يشترط أن تكون هذه الحرية مصحوبة بوعي أخلاقي وروحي يدفع الفرد للمشاركة الفاعلة في صناعة التغيير دون إلحاق الضرر بالآخرين أو بالإرث الثقافي والديني للأمة. وفي هذا السياق، يشير إلى أن الإصلاح يجب أن يكون عملية تفاعلية ديناميكية تستند إلى مبدأ المشاركة الجماعية، بحيث يساهم كل فرد في المجتمع في تقديم الرؤى والأفكار البناءة التي تسهم في بناء مجتمع متماسك يسوده العدل والتسامح. ولا يمكن إغفال الجانب الفلسفي والروحي في فكر السيد الشيرازي، الذي يعد من أبرز سماته المميزة، إذ يضع الإنسان في قلب العملية الإصلاحية ككائن يمتلك القدرة على التطور والتعلم من التجارب. فهو يربط بين مفهوم العقلانية والإيمان، معتبرا أن العقل لا يتعارض مع النصوص الدينية وإنما يكملها ويسهم في فهمها على أعمق مستوياتها، مما يتيح للإنسان أن يستخلص منها المبادئ التي تنظم حياته الشخصية والجماعية. ويعتمد في ذلك على مفهوم الحوار الداخلي والخارجي الذي يجمع بين الأصالة والحداثة، فيسعى إلى بناء جسر بين الماضي والحاضر، بين التراث الإسلامي والعلوم الحديثة. وقد أكّد هذا المنهج على ضرورة التمسك بالقيم الأخلاقية والروحية التي تؤسس للسلام الداخلي والخارجي، مما يسمح بفهم شامل للمشكلات المعاصرة وتقديم حلول عملية مبنية على التجربة والواقعية. ومن جهة أخرى، يُظهر السيد الشيرازي حرصه على إعادة تعريف العلاقة بين السلطة والمواطن، فهو يرى أن السلطة الحقيقية تكمن في قدرة كل فرد على المشاركة الفاعلة في صنع القرار، ما يعني أن الإصلاح يجب أن يتم من خلال آليات تشاركية تضمن استماع كل صوت مهما اختلفت مواقفه. هذه الرؤية الديمقراطية تأتي لتشكل تباينا واضحا مع النماذج الثورية التي تعتمد على تركيز السلطة في يد القلة، مما يؤدي إلى انعدام الثقة بين الحاكم والمحكوم. ومن هنا تنبع أهمية العمل على بناء مؤسسات حقيقية تقوم على الشفافية والمساءلة، بحيث تصبح عملية الإصلاح مسألة جماعية لا تخضع لإرادة شخصية أو جماعية ضيقة، بل هي مشروع مجتمعي شامل يشمل جميع الفئات ويتيح المجال للنمو والتطور في ظل مناخ من الاحترام المتبادل. وإن هذه الأفكار لم تأتِ من فراغ، بل هي نتاج قراءة معمقة للواقع السياسي والاجتماعي في العالمين الإسلامي والغربي، حيث لاحظ السيد الراحل أن النماذج الغربية على الرغم من تطورها في ميادين الحرية السياسية، إلا أنها كثيراً ما تفشل في الحفاظ على البعد الروحي والإنساني في العلاقة بين الدولة والمواطن، ما يستدعي إعادة النظر في الأسس التي يقوم عليها النظام السياسي المعاصر. وبينما تتعاظم أهمية هذه الأفكار في ظل الذكرى السنوية لوفاة السيد محمد الشيرازي، نجد أن إرثه الفكري يشكل دعوة للتأمل والبحث في كيفية استثمار هذه الرؤية الإصلاحية في مواجهة التحديات المعاصرة، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية، فإن استحضار التجارب التاريخية والاعتماد على الفكر العقلاني في التعامل مع القضايا الراهنة يعد من أهم المحاور التي يمكن من خلالها تحقيق تغيير إيجابي يعيد للمجتمع اتزانه وروحه التعاونية، مما يستدعي من كافة شرائح المجتمع –من أكاديميين ورجال دين ومثقفين– العمل على تطبيق مبادئه في مختلف المجالات، وهو ما يتطلب جهداً جماعياً لتجسيد تلك المبادئ في واقع ملموس يحترم التاريخ ويستشرف المستقبل. وفي ضوء هذه الورقة البحثية، تتجلى الأسئلة الجوهرية التي يمكن أن تشكل محوراً للنقاش العلمي: السؤال الاول/ كيف يمكن استلهام الدروس والعبر من سيرة وتجارب وافكار الامام الشيرازي في الاصلاح لتطوير نموذج اصلاحي متكامل يضمن استمرارية التطور والتجديد في مواجهة متغيرات العصر؟. السؤال الثاني/ كيف يمكن للركائز التي استند اليها الامام الشيرازي في دعوته للتغيير اللاعنفي ان تترجم الى ممارسات حركية وسياسات مؤسساتية تحقق النهضة والتنمية والاستقرار في المجتمعات؟. - الاستاذ حسن كاظم السباعي/ كاتب وباحث: عند الحديث عن الإمام المجدد والمصلح السيد محمد الحسيني الشيرازي، يتجلى لنا تميزه البارز ليس فقط في حقل العلم والفقه، بل في مجالات الحياة كافة، إذ لم يكتفِ بالدروس والتحقيقات في أروقة الحوزة، بل ترجم فكره إلى حركة إصلاحية شاملة، تفاعلت مع المجتمع والسياسة والفكر، وجعلت من العلم منطلقا للتغيير العملي. لقد أضاف الإمام الشيرازي لتكوينه العلمي الواسع خبرة ميدانية ثرية، أفرزت أطروحات عميقة ومتميزة، كانت حصيلة تفاعله مع الواقع ومعاناة الأمة، ومن أجل استلهام هذه التجربة الفريدة لا بد من فهم سيرة الإمام كما عاشها هو: لا علما جامدا بين جدران، بل معرفة متحركة تثمر فعلا وتغييرا. كما أشار أمير المؤمنين (عليه السلام): "في التجارب علم مستأنف"، فإن من خاض الواقع وواجه تعقيداته يملك علما حيا قادرا على المعالجة الفعلية لا التنظيرية فقط، ومن النماذج البارزة في حياة الإمام الشيرازي موقفه من العمليات الانتحارية، فبينما اكتفى بعض الفقهاء بالحكم الفقهي التقليدي، انطلق الإمام من ميدان الملاحظة الدقيقة ومتابعة الواقع ليعيد النظر ويصل إلى فتوى صريحة بتحريم هذا النوع من العمليات، مهما كانت أهدافها، لما لها من مضار مستقبلية تفوق المكاسب الظرفية. وقد بدا لي ذلك من خلال تجربتي الشخصية في تتبع رأيه حول عاشوراء، إذ وجدت في كتبه الفقهية والتفسيرية إشارات ثمينة، لم تكن ظاهرة في كتب الفكر والتاريخ فقط، ما يعكس النظرة الشمولية والجسد المتكامل في مؤلفاته، نفس الأمر ينطبق على نظرية اللاعنف، التي ناقشها الإمام من زوايا متعددة، وضمن مجالات متنوعة، تحتاج اليوم إلى إعادة بلورة وتأطير لتلائم متطلبات العصر الحديث وتستكمل من حيث انتهى هو دون أن نفقد جوهرها أو حيويتها. لا يمكن فهم فكر الإمام الشيرازي إلا عبر الولوج العميق في تراثه والغوص في مجلداته، حيث أخفى -عن قصد– دررا من الأفكار، بانتظار الجيل المناسب الذي يستخرجها في الزمن المناسب، لم يكن ذلك تشتتا كما يظن البعض، بل هو توزيع استراتيجي لعناصر الفكر، يظهر الإمام المجدد كعالم سبق عصره، وترك لنا أبوابا مشرعة لكل من يريد أن ينهل من هذا البحر المتجدد من العلم والعمل والنهج الإنساني. رائد الفكر الرسالي واللاعنف العملي - الاستاذ محمد جواد علي- كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية: واجه السيد المرجع محمد الشيرازي (رحمه الله) في بدايات انطلاقته الفكرية والإصلاحية صنوف العنف والقسوة، لا سيما في الخمسينيات والستينيات، وهي فترة اتسمت بالاضطراب السياسي والاجتماعي في العراق. وبرغم الظروف القاسية من قتل وخطف وارهاب ممنهج، ظل سماحته متمسكا بخطاب متسامح، وبأفكار ترتكز على الأخلاق والعفو، مستمدا منهجه من سيرة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام). ولذلك أجد أن الحديث عن اللاعنف ينبغي أن يوجه أساسا إلى من أنتجوا العنف وروجوا له، لا إلى أولئك الذين كانوا ضحاياه، فالسيد الشيرازي لم يكن منظرا سلميا فحسب، بل كان مجسدا حيا للفكر اللاعنفي، متحملا في سبيله المشاق والآلام. فقد كان (رضوان الله عليه) أول من يطبق ما يدعو إليه من قيم أخلاقية، وفكرية، وثقافية، ولم يكن يطرح شعارات فارغة، بل عايش أفكاره ومارسها حتى في أشد الظروف، وقد أتذكر واقعة وقعت في أواخر الثمانينيات، عندما قال له أحد الحاضرين: يا سيدنا، لا يسمح لنا بالكتابة أو التعبير بحرية. فرد السيد من بعيد بإشارة حاسمة قائلا: "اكتب"، وكأنه يقول: لا تنتظر الإذن من الأنظمة القمعية كي تعبر عن فكرك، بل بادر، وافرض وجودك بالكلمة والحق، حتى وإن كانت التحديات جسام، لم يكن السيد ينتظر دعما من سلطة أو قرارا رسميا ليمارس رسالته. كان يعمل بجرأة، وينشر أفكاره، ويؤسس المؤسسات، في وقت كان فيه هذا النوع من النشاط محفوفا بالمخاطر. لذا نحن مدعوون اليوم إلى أن نتعلم من تجربة السيد المرجع، لا بأن نقلده تقليدا أعمى، بل بأن نستوعب منهجه، ونقتدي بثباته، ونبادر كما بادر، حتى لو كان الطريق محفوفا بالتحديات. فالحق يبقى حقا، وإن كرهه أكثر الناس. تكاملية البناء المجتمعي والمؤسساتي - د. خالد الاسدي، استاذ في جامعة كربلاء، وباحث في مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث: من خلال مطالعتي لبعض أفكار المرجع الراحل السيد محمد الشيرازي (رضوان الله عليه)، وجدت أنه يركز على محورين جوهريين في مشروعه الفكري والإصلاحي: أولا، بناء الإنسان والمجتمع، إذ يرى أن إصلاح الإنسان هو الخطوة الأولى نحو التغيير الشامل. وثانيا، بناء المؤسسات داخل الدولة لا الدولة بمعناها التقليدي السلطوي، بل الدولة التي تقوم على ركائز مؤسسية حقيقية تدار بكفاءة وتشاركية. يؤمن السيد الشيرازي بأن بناء مؤسسات قوية وفاعلة هو الأساس المتين الذي يمكن أن تنهض من خلاله الدولة، ولذلك ركز على فكرة التكاملية المؤسسية، التي تقوم على اللامركزية في اتخاذ القرار، ورفض الاستبداد أو التسلط في الرأي. فالمركزية المفرطة برأيه تؤدي إلى الاستبداد، في حين أن الشورى ومشاركة الأفكار هي أساس الإدارة الناجحة. ومن الأفكار اللافتة أيضا، تأكيده على ما يمكن تسميته بـ"تكميلية السلطة"، أي أن من يتولى منصبا أو مسؤولية لا يبدأ من الصفر أو يهدم ما أنجزه من سبقه، بل يكمل البناء. وهذا على النقيض من مناهج الهدم والتقويض التي تعيد كل مشروع إلى نقطة البداية، فالسيد الشيرازي يرى أن التراكم والتكامل أساس للتطور الحقيقي، كما كان (رضوان الله عليه) من الداعين إلى تجنب المواجهات المباشرة، مؤمنا بأن الإصلاح الحقيقي لا يتم بالصدام بل بالحوار وبالعمل المتواصل لبناء بدائل عملية. وفي جوهر مشروعه، تبرز فكرة إسلامية الفكر والبناء؛ إذ كان يرى أن الإسلام يشكل الإطار الأشمل لكل عمليات التنمية وبناء الدولة والإنسان معا. فكل مؤسسة وكل مشروع برأيه ينبغي أن ينطلق من منظومة القيم الإسلامية، ويستند السيد الشيرازي في كثير من أفكاره إلى سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، خصوصا في ما يتعلق ببناء المجتمع العادل، وإدارة المؤسسات بروح التكليف لا التسلط، والعمل بروح الشورى لا الانفراد. هذه الرؤية الشاملة والمتكاملة تجعل من فكر السيد الشيرازي مشروعا متجددا يمكن البناء عليه في مختلف مراحل التحول المجتمعي. - الاستاذ صلاح الجشعمي، قانون وناشط حقوقي: تذكرني الورقة التي استعرضت كتابات السيد الشيرازي (رحمه الله) بمرحلة امتدت لثلاثين إلى أربعين سنة، حينما بدأت تلك الكتابات تلفت انتباهنا عقب أحداث 1991 وما تبعها من دمار في كربلاء، كانت مدرسة السليمية هي الجهة التي جذبت اهتمامنا، حيث تم استرجاع الكتب من مرقد الحر وكانت الكتب متوفرة باللغة العربية وقد أغلق البعض الأبواب أمام انتشارها، كنا نتسلل ليلاً لنلتقط لمحات من تلك الكتابات؛ فقد كانت كراساته ومنشوراته، مثل "الرسالة الإسلامية"، بمثابة نافذة نطل من خلالها على أفكاره، رغم أن جيلنا لم يعش في حقبة السيد بنفسه، إلا أن تأثيره كان واضحا على الأجيال التي سبقت، خاصة أولئك الذين تربوا في كربلاء وتعلموا من الكتب المتوفرة في الحوزة الزينبية ومن خلال ما نقل عن أفكاره المتمثلة في الحركات المؤسساتية. كان للسيد الشيرازي رسالة واضحة؛ فهو كان يحث المتدينين على العمل المؤسساتي المتماسك، فكل وفق ميوله ومواهبه: إن أعجبت بالجانب الاقتصادي، فأنشئ مؤسسة اقتصادية؛ وإن كان الشغف في مجال القانون، فأنشئ مؤسسة قانونية. وقد جاء ذلك في إطار تركيزه على الجانب العملي وعدم الاكتراث بالنتائج الآنية، إذ كان يؤكد أن الثمار قد يظهر تأثيرها بعد خمسين سنة. وبذلك، دعا إلى زراعة الأفكار والعمل على إرساء الأسس التي تثمر على المدى الطويل، بعيدا عن التفكير المتسرع الذي يتطلع إلى نتائج سريعة. تجلى تأثير السيد الشيرازي أيضا في تأثيره المبكر على الأطفال الذين أصبحوا فيما بعد قادة المستقبل؛ فقد كانت كتبه ورسائله طريقا لتشكيل الوعي المؤسساتي وتنمية روح المبادرة لديهم، وإن هذا التأثير طويل الأمد يعد من أهم إرثه التي لازالت تؤثر في الأجيال، مؤكدا على أهمية العمل الجاد لبناء مجتمع متماسك قائم على القيم الإسلامية وروح الشورى والمشاركة. - الشيخ مرتضى معاش: اود أولا التأكيد على نقطتين أساسيتين تتعلقان بطرح اللاعنف في فكر السيد الشيرازي، فهو يدعو إلى قراءة هذه الأفكار بعين الاعتبار، إذ يواجه البعض استنكارا ومحاولات للتشكيك في أهمية اللاعنف، وهو ما يستحق إعادة النظر فيه من منظور أعمق. أولا: اللاعنف كتعريف حقيقي للإسلام، حيث السيد الشيرازي كان يركز على مواجهة المرضين الأساسيين اللذين ابتلت بهما الأمة؛ الاستبداد والعنف. من خلال تبنيه لمبدأ اللاعنف، سعى إلى إيصال رسالة واضحة مفادها أن اللاعنف هو من صميم الدين الإسلامي؛ بل إن صور العنف التي تنسب إلى الإسلام هي تشويه للصورة الحقيقية لدين السلام والرحمة، كما أن الإسلام دين ينادي بالسلام والتسامح، وأن النصوص القرآنية والأمثلة النبوية تؤكد ذلك، وأن التصور السائد لدى الكثيرين عن الإسلام كدين عنيف ليس إلا صورة نمطية مغلوطة تعيق استقبال رسالة الإسلام بالطريقة الصحيحة. ثانيا: العنف على أنه طريق لا يؤدي إلى نتائج جيدة، فالاعتماد على العنف في النضال والمقاومة حسب التجارب التاريخية تظهر أن العنف المسلح واللفظي يقود إلى نتائج سلبية وآثار مدمرة على المجتمعات، وأن العنف لا ينتج إلا خسائر فادحة للإنسان والمجتمع، سواء من ناحية النفوس أو من ناحية البنى المؤسسية التي تعاني من تأثيراته المدمرة، كما أن المشروع الذي كان يحمله السيد الشيرازي لم يكن موجهاً نحو السلطة، بل كان مشروع نهضة إصلاحية شاملة تعتمد على المبادئ القرآنية التي تحث على الحرية والتعددية والشورى. ثالثا: مشروع النهضة الإصلاحية والمسار العملي للتغيير، فالمشروع الإصلاحي الذي دعا إليه السيد الشيرازي كان يتمحور حول أسس طويلة المدى، لا تقتصر على تحقيق نتائج فورية أو مادية، وإنما ترتكز على بناء الإنسان والمجتمع على أسس روحية وأخلاقية، وأن السيد الشيرازي كان ينظر إلى العمل الإصلاحي كعملية حركية تنظيمية شاملة تثري حياة الفرد والمجتمع، فكان يحث المتدين على الاستثمار في العمل المؤسساتي، سواء في ميادين الاقتصاد أو القانون أو المجالات الأخرى، وأن النتائج قد تظهر بعد عدة عقود وليست فورية. وقد جسد السيد الشيرازي مبادئه في حياته الشخصية؛ فقد كان متواضعا وزاهدا، يفضل أن يكون له دور فعال في تأسيس المؤسسات الخيرية والتربوية والثقافية، دون الاهتمام بالمجد أو السلطة، مما يدعونا الى ضرورة الاستفادة من تجربة السيد الشيرازي ونقل هذه الأفكار إلى الحياة اليومية، خصوصا في تربية الأطفال والمجتمع وتحفيز الأجيال الناشئة على التفكير الجماعي والمشاركة في بناء مجتمع يقوم على أسس الإصلاح والتجديد، وتجنب الانخراط في صراعات السلطة التي تعوق النهضة الحقيقية، حيث يجب أن يكون الهدف الأسمى هو إصلاح الأمة على المدى الطويل وليس مجرد السيطرة المؤقتة. فإن رؤية السيد الشيرازي تعد دعوة صادقة للعودة إلى مبادئ السلام والتعايش التي رسمها الإسلام، إذ كانت رؤيته للنضال قائمة على التمسك بالقيم الإنسانية والقرآنية بعيدا عن أي إساءة لروح الدين، إنها دعوة للإصلاح الشامل في كل جوانب الحياة، من البنية المؤسسية إلى تنشئة الأجيال القادمة على أسس الحرية والتسامح وروح الشورى. التأني والتماسك المجتمعي - د. لطيف القصاب، كاتب واكاديمي: من واقع تجربتي الشخصية عقب الانتفاضة، حيث كانت تلك الفترة مليئة بحماسة التجديد والثورة الفكرية، وكانت مكتبة السليمية وما تحتويه من كتابات ثورية تساهم في تشكيل وعي الناس وتصويب مسارات الفكر الديني، إن الكتب التي كانت تتداول في تلك الأيام لم تقتصر على الجانب النظري بل فتحت حواس العقل والروح لتستشعر قيم الأخلاق والضمير الواعي وتدفع الإنسان لتفضيل المصلحة العامة على الفردية، كانت تلك الكتب نقطة انطلاق لتماسكنا الروحي والمعنوي، حيث أمدتنا بمعارف عميقة في أصول الدين والفقه والرسائل العملية، مما زاد من فراسة الإنسان لنفسه ولمحيطه، وأسهم في ترسيخ قيم الرحمة والتواضع في التعامل مع الآخرين، وقد ساهمت هذه التجربة الفكرية في تعزيز شعورنا بالانتماء الإيماني. ومن النقاط التي أضحت واضحة مع مرور الزمن، هي كيفية تجسيد السيد الشيرازي لأفكاره على أرض الواقع، لم يقتصر دوره على الكتابة والنظرية، بل كان ميدان التطبيق العملي حيث كان يحث المتدينين على أن ينسوا مجرد تحصل المعرفة النظرية، بل أن يعملوا على تأسيس المؤسسات التي تسهم في تحسين واقع المجتمع. ففي إطار رؤيته الإصلاحية، لم يهتم السيد الشيرازي بإسقاط شعارات تفضي سريعا إلى السلطة أو المكاسب الدنيوية، بل كان دائما منشدا إلى أنسنة المجتمع، أي إدخال روح الإنسانية والرحمة في كل المؤسسات والعمليات الاجتماعية. كان من الصعب على بعض المناوئين الجمع بين هويتنا الحسينية واللطافة الروحية التي دعا إليها السيد الشيرازي. ففي كثير من الأحيان، كان يساء فهم اللاعنف على أنه صفة تخلف عن روح الهوية الحسينية، بينما كان المقصود منه في واقع الأمر استبعاد العنف المفرط الذي يؤدي إلى استبداد الأدوار وقمع الحريات، دون المساس بالقيم الجوهرية التي تجعل من الهوية الحسينية إطارا للتواصل والتعايش الرفيع، فقد بين السيد الشيرازي أن دعوته لللاعنف ترتكز على تجاوز العنف المادي واللفظي الذي لا يؤدي إلا إلى نتائج مخزية على المستوى الإجتماعي والإنساني. إن ما يجب أن نستفيد منه اليوم هو تلك التجربة الإنسانية المتكاملة التي تراكمت عبر السنوات؛ فهي دليل حي على أن الإصلاح الحقيقي لا يقاس بنتائج آنية وسريعة، بل بمسيرة طويلة من العمل المتواصل الذي يجمع بين التجديد الفكري والتنفيذ العملي، وبين الحفاظ على الهوية الحسينية والالتزام باللاعنف. أيقونة الإنسانية والإصلاح الثقافي - الاستاذ علي حسين عبيد/ كاتب في شبكة النبأ المعلوماتية: يمكن اختصار وصف شخصية الإمام الشيرازي (رحمه الله) بما يجسد قيم الإنسانية والإصلاح في آنٍ واحد، فقد كان رجلا محبوبا من الله سبحانه وتعالى، وتركت شخصيته أثرا كبيرا في مسار التاريخ الفكري والديني، لم يكن الإمام الشيرازي مجرد مفكر أو داعية فحسب، بل كان قدوة ناجحة جمعت بين الأفكار الكبيرة والتطبيق العملي على أرض الواقع. في سجلاته المكتوبة والمحاضرات الصوتية والمرئية، ظلت أفكاره الثاقبة موثقة في كتب ومجلدات تناولت شتى المجالات، فقد نثر ثقافة الكتاب والقراءة وفي كل مكان حلت تلك الثقافة التي زرعها، سواء كان ذلك في المدارس الخيرية أو الحسينيات، إذ كان يشجع الناس على الكتابة والتأليف والتفكير الحر، ومما يبرز ذلك تأثيره العميق، ومن القصص الملهمة التي تبرز سمو أخلاقه، أن وفدًا من رجال الكويت جاء لزيارة الإمام الشيرازي في مناسبة أو عيد، وكان من بينهم شخص يحمل بعض المشاعر السلبية تجاهه إلا أنه وبفضل سمو شخصيته وسحر أخلاقه أخذ الجميع يقبلون على توديعه بحفاوة؛ حتى ذلك الرجل الحاقد استرق النظر عندما شهد كيفية تعامله البسيط مع الجميع، مما حول مشاعر الاستياء إلى احترام وإعجاب. هذه الحكاية تجسد كيف أن حضور الإمام الشيرازي كان كافياً ليزرع ثقافة التسامح والإخاء وينثر روح الإنسانية في كل من حوله، فقد كان يمثل الإمام الشيرازي نموذجا فريدا تقتدى به في التجديد والإصلاح الثقافي والديني، فهو بذلك أسهم في صنع تغيير حقيقي في المجتمعات التي تلمسها مبادئه وأخلاقه السامية. فلسفة توازن بين الهدم والبناء يُعد منهج الإمام الشيرازي (رحمه الله) من أبرز النماذج الإصلاحية المستندة إلى فلسفة هدم وبناء متوازنة، بحيث يفرق بوضوح بين عمليتي الإصلاح والتغيير وفقا لرؤيته، فإن عملية الإصلاح تعتمد على هدم وبناء أجزاء محددة من البنى القائمة، بحيث تكون أكثر توافقا مع قدرات الفرد والمجتمع، بينما تتطلب عملية التغيير-الأكثر عمقا وتعقيدا- هدما كليا وبناء جديدا، وهذا التمييز يعتبر حجر الزاوية في فهمه للمسار الإصلاحي السلمي، الذي ينعش الفرد والمجتمع من خلال خطوات تدريجية ومتأنية. يؤمن الإمام الشيرازي بأن لكل كيان صفاته الخاصة؛ فالفرد بمفرده يمكن أن يشكل أمة قائمة بذاتها، مستندا إلى مثال النبي إبراهيم عليه السلام، بينما يحتاج المجتمع إلى عملية تنظيم داخلية تبدأ من أبسط الحركات وتصعد إلى مستويات مؤسساتية متقدمة ولتحقيق ذلك، دعا إلى بناء مؤسسات قائمة على مبادئ الشورى والتعددية، كبديل واضح للاستبداد والتحكم الأحادي، فقد كان يدرك أن قلة الوعي والأنظمة الاستبدادية تعرقل مسيرة الإصلاح، فيستدعي الأمر العمل على رفع مستوى الوعي الثقافي والديني، من خلال تنظيم المؤسسات الدينية والثقافية والتعليمية التي تؤسس لعمليات الإصلاح السلمي. ولم يقتصر عمل الإمام الشيرازي على التأمل النظري، بل كان يحرص في كتاباته ومحاضراته على ملء الفراغ الفكري الذي كان يعاني منه المجتمع الإسلامي في ذلك الوقت، ولم يكن يسعى للمنافسة أو إبراز مكانته كعالم أو مصلح، بل كان يعمل بصمت على تزويد الأمة بالمصادر والمعارف الأساسية التي تستند إليها أفكاره، حيث اعتمد بشكل أساسي على القرآن الكريم وتراث أهل البيت، بالإضافة إلى الاستشهاد بالمصادر الغربية والعلوم الحديثة المتاحة آنذاك. من خلال هذا النهج المتوازن استطاع الإمام الشيرازي أن يرسم خارطة طريق للتغيير تفضي إلى إصلاحات متدرجة على مستوى الفرد والمجتمع، مع التأكيد على ضرورة التمييز بين الإصلاح الفردي والذي يمكن تطبيقه سريعا، وبين التغيير المجتمعي الشامل الذي يحتاج إلى صبر وتدرج، وقد كان لهذا التمييز أثره الواضح في تعزيز قيم الشورى والتنظيم والتعددية كبدائل حقيقية للاستبداد والجهل، مما ساهم في دفع الأمة نحو مسار أكثر إنسانية وسلاما. اللاعنف والحرية إرث لبناء حضارة متسامية من الجميل أن نشهد تقدير الأمم لعلمائها واستحضار سيرهم وإنجازاتهم وجهادهم الفكري والديني، كما يتجلى ذلك في ذكرى الإمام الشيرازي (رحمه الله) الذي ترك بصمة عظيمة في مسار الفكر الإسلامي والحقوقي، وفي كلمة ألقاها مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات بمناسبة الذكرى السادسة عشر لرحيله وتزامنها مع وقت إعلان الانتصار على داعش، أكد البيان على عدد من النقاط الجوهرية التي تبرز منهج الإمام الشيرازي وأهميته في ترسيخ قيم اللاعنف والحرية في الإسلام. اشار الإمام الشيرازي في كتاباته، إلى أن الإسلام يؤكد على احترام الإنسان في محله الإنساني، دون التمييز بين لون أو لغة أو قومية أو دين أو رأي، فالإسلام بما يحويه من قيم سامية، يوجهنا إلى تقدير كل إنسان، حتى وإن كان غير مسلم، لما فيه من إنسانية عظيمة، ويمتد هذا المفهوم ليشمل احترام الإنسان لذاته، مما يتيح المجال لبناء مجتمع يسوده الاحترام المتبادل والسلام. أكد الإمام الشيرازي أن النهج الإسلامي الأصيل يستند إلى مبادئ الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال السلام والحوار بدلا من الفتوحات والعنف. فقد استشهد بآيات قرآنية مثل: "يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة" وآية: "وَإِنْ جَنَحُوا لِلسِّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا" ليُبرز أن الأمن والاستقرار الاجتماعي هما الأساس لبناء مجتمع متماسك ومتقدم، وأن الحرب إن نشبت تصبح مجرد بوتقة للدمار والرذائل تبهت فيها القيم الأصيلة. كان الإمام الشيرازي رائدا في التأكيد على أن الدولة الإسلامية لا يمكن أن تقوم دون انتهاج مبدأ اللاعنف، فالرؤية الحقوقية التي طرحها لم تقتصر على التعامل بين الأفراد، بل امتدت لتشمل التعامل بين المؤسسات والدولة نفسها، فقد أدرك أن استخدام العنف كنهج في التعامل مع الخلافات يؤدي إلى تقليد أساليب الأحزاب والحركات السياسية التي لا تختلف عن غيرها في أساليبها القمعية؛ مما يفسر عزوف الجماهير عن تأييدها في مشاريع بناء الدولة الإسلامية. وفق رؤية الإمام الشيرازي، تشكل الحرية جزءا لا يتجزأ من صميم الدين الإسلامي، إذ لا يمكن أن تستقيم الحياة الاجتماعية والسياسية بدونها، فقد أكد على أن الحرية والشورى معا هما الطريق إلى تقدم المجتمع، وأن القبول بالتعددية والتعامل بروح الحوار هو السبيل الوحيد لتجاوز الانقسامات وعدم الاستسلام لمبادئ الاستبداد التي تقيد الحركة الإصلاحية. وقد أسس الإمام الشيرازي رؤيته على تقرير الحقوق والحريات في إطار القانون، وعلى ضرورة تحقيق المساواة بين المواطنين والمشاركة الفاعلة في شتى مناحي الحياة المدنية والسياسية، وكان يرى أن حب الوطن والتفاني من أجله يمثلان ركيزة لا غنى عنها لتأسيس مجتمع متماسك يسهم في دفع عجلة التنمية والتكامل الاجتماعي والثقافي. إن إرث الإمام الشيرازي ما زال يشكل مرجعا حيويا لفهم المسار الإصلاحي الإسلامي، إذ يقدم نموذجا يلهمنا لاستنهاض قيم السلام والحرية واللاعنف كأساس لتقدم الأمة، إن استحضار ذكراه وما عرضه من رؤى عن احترام الإنسان وتأكيد أن السلم هو السبيل الأمثل للنهوض بالمجتمع، يظل رسالة خالدة يجب أن نتبناها في ظل تحديات العصر. التكامل النفسي والأسري - الاستاذ حسين علي/ مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية: يرتكز منهج الإمام الشيرازي (رحمه الله) على ركيزتين أساسيتين تعدان العمود الفقري لتركيبة إصلاحية شاملة؛ إذ يرى أن التطوير والتحول الإصلاحي يبدأ من الأبعاد النفسية للفرد وينعكس فيما بعد على نسيج الأسرة والمجتمع. يرى الإمام الشيرازي أن لكل إنسان مكانته وتأثيره النفسي، إذ إن الفرد الذي يتربى في بيئة صحية تحرره من عوامل الأمراض النفسية يتمكن من اتباع نهج اللاعنف في حياته، فحتى صوته الذي كان ينقل رسالة الطمأنينة والأمان كان له بالغ الأثر على المستمعين؛ إذ يؤكد أحد الأصدقاء الذي يستمع لمحاضراته أثناء النوم أن لصوت الإمام جانبا نفسيا يشعر الإنسان بالأمان والسكينة، مما يعزز لديه قيم السلام والإيجابية. ينتقل الفكر الشيرازي بعد ذلك إلى إطار الأسرة؛ حيث يرى أن البيئة الأسرية السليمة تعتبر حجر الأساس لتنشئة جيل قادر على تبني قيم اللاعنف والتغيير الإيجابي، في هذه البيئة يتعلم الطفل منذ صغره كيفية التعامل مع المواقف الاجتماعية والإنسانية من خلال القدوة والقيم التي يغرسها الأبناء؛ فلو أن الطفل، عند مواجهة موقف تعليمي سواء كان تربويا إيجابيا كالتقدير والإطراء أو سلبيا مثل الضرب، كان يتلقى رسالة تصقل لديه مشاعر الاحترام والرحمة، فإن ذلك يسهم في بناء وعي مجتمعي راسخ ينبع من روح اللاعنف والفكر البناء. - الاستاذ محمد علاء الصافي/ مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث: تعد شخصية الإمام الشيرازي (رحمه الله) من الشخصيات التي انبثقت منها موجات تغيير حقيقية في المجتمع؛ فقد كان نموذجا ميدانيا نشطا استطاع أن يكسر صورة العالم الديني التقليدي الذي يقتصر دوره على الحوزات والمدارس، ففي زمن كان ينظر فيه إلى المرجع الديني كرجل بعيد عن الحياة الميدانية، استطاع الإمام الشيرازي أن يظهر كقائد ميداني نشط يفيض بالحيوية وينقل الطاقة إلى الشباب، مما جعل تأثيره يتجاوز مجرد الحدود النظرية ليتجلى في ممارسات وسلوكيات عملية تلامس حياة الناس. لم يكن الإمام الشيرازي مجرد شخصية نظرية بل كان رمزا للعمل الميداني العملي، كان يعمل على تطبيق مبادئ التغيير اللاعنفي بطريقة سلسة ومباشرة؛ إذ لم يعرف عنه التضخيم أو استحضار هالة تقليدية كما قد يحدث عند بعض العلماء، بل كان يتفاعل مع مجتمعه كقائد حقيقي، يشارك الناس الهموم اليومية ويقدم حلولا مستندة إلى روح الأخلاق والإنسانية، فقد عارض السلطوية والاستبداد بكل أشكاله، سواء كان ذلك بواقع أسلوب حكم الشاه الظالم أو بممارسات القمع التي جاءت لاحقًا من بعض القيادات؛ وهذا منطلق لم يكن معارضا للسلطة مفهوما، بل معارضا لما فيها من استغلال وتجاهل لحقوق الناس. وقد انعكس ذلك أيضا على الجيل الجديد، حيث تأثر الكثيرون بأفكاره وتجسيده العملي للمبادئ؛ إذ كان يعد مصدر إلهام للشباب الذين شهدوا ظروفا قمعية وصعبة سواء في العراق أو غيرها، وتمكنوا من خلاله من استشراف آفاق جديدة للتغيير بدون اللجوء للعنف، وبالرغم من أنه عاش في حقبة كانت فرص التواصل والمطالعة محدودة، فإن إرثه المؤسسي والخطابي لا يزال حاضرا في تلك المؤسسات التي أنشأها والتي تواصل اليوم خدمة المجتمع. لقد شكل الإمام الشيرازي نموذجا فريدا في الإصلاح؛ كان مناضلا على صعيد الفكر والعمل، يدعو إلى التغيير اللاعنفي الذي يرتكز على احترام الإنسان وعلى رفض الاستبداد بكل صوره، دون الانجرار وراء مواقف عابرة تتعلق فقط بإثبات الذات أمام السلطة، ورغم أن تكنولوجيا العصر الحديث قد فتحت آفاقا جديدة للتواصل والتعليم، فإن إرثه تبقى كنزا غنيا يمكن الاستفادة منه لبناء مجتمع يقوم على مبادئ الحرية والشورى والرحمة. الاقتصاد الإسلامي ومفهوم ملكية الفرد - الاستاذ حامد الجبوري/ مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية: من خلال مطالعتي لكتاب «الاقتصاد الإسلامي: المشاكل والحلول»، لوحظ أن الإمام الشيرازي (رحمه الله) يتجه دائما إلى تصوير الاقتصاد على أنه ملكية تخص المجتمع وليس الدولة، هذه الفكرة تشكل نقطة مركزية ومفصلية في خطه الفكري، مماثلة لنظرته للقضايا السياسية كاللاعنف، حيث يركز على حماية الملكية الخاصة والحقوق المتعلقة بالموارد والأموال التي تعد مقدسة بالنسبة للفرد، كما يرى الإمام الشيرازي أن الاقتصاد يجب أن يكون بيد الأفراد، بعيدا عن الأنظمة الاقتصادية المركزية سواء كانت اشتراكية أو رأسمالية، فبحسب رؤيته لا ينبغي أن تكون السلطة متمركزة في يد الدولة تتحكم في الأموال والموارد بل يجب أن يترك المجال للأفراد للاحتفاظ بملكيتهم وتنميتها، وهو ما يسهم في تحقيق حرية اقتصادية حقيقية وزيادة ثقة المواطن في ذاته وفي مجتمعه. يبرز فكر الإمام الشيرازي في مجالي الاقتصاد والسياسة من خلال التركيز على أن ملكية الفرد هي الأساس في الاقتصاد الإسلامي، وأن النظام يجب أن يعمل على تمكين الأفراد وليس إخضاعهم لهيمنة الدولة، ويتحول هذا الفكر إلى سياسات مؤسسية حركية تترجم المبادئ النظرية إلى واقع ملموس، فيما تظل بعض الأفكار الأخرى رغم قيمتها غير قابلة للتطبيق في الظروف الراهنة. إنسانية وحرية وتقبل للآخر يعتبر الإمام الشيرازي (رحمه الله) من العلماء الذين استطاعوا دمج النصوص الدينية الإسلامية مع قراءة معاصرة لواقع المجتمع، كما تميز بقدرته على تبسيط هذه النصوص وتقديمها بأسلوب سهل الوصول إلى الجميع، سواء من خلال مؤلفاته أو محاضراته الصوتية التي ساعدت في نشر فكره بشكل أوسع، كان الإمام الشيرازي مرجعا دينيا لكنه اتسم أيضا بإنسانيته العميقة، وكان يسعى لتوظيف التراث الديني ليخدم القضايا الإنسانية الكبرى. إحدى أبرز الأفكار التي تميز بها الإمام الشيرازي هي الكرامة الإنسانية التي استلهمها من النصوص القرآنية مثل "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ" (الإسراء: 70)، مما يجسد اعتقاده بأهمية احترام الإنسان بغض النظر عن خلفيته أو معتقداته، في هذا السياق كان الإمام الشيرازي يؤكد على أصالة السلم الاجتماعي، معبرا عن ذلك في دعوته إلى نبذ العنف وإقصاء الآخر، وكان يرى أن الإسلام يجب أن يقدم كدين نموذج يحتذى به في السلم الاجتماعي، بدلا من تقديمه كدين يرتكز على العنف والتهميش. ومن خلال فكرته حول تقبل الآخر، كان الإمام الشيرازي يروج لفكرة أنسنة الآخر، أي التعامل مع الناس وفقا لمفاهيم الاحترام المتبادل وتقدير حقوقهم الإنسانية بغض النظر عن اختلافاتهم، هذه الفكرة كانت جزءا من مساعيه لتقديم نموذج حضاري للعالم الإسلامي يكون قائما على التسامح والاحترام المتبادل، واعتنق الإمام الشيرازي مبدأ الحرية الاقتصادية والحرية العقائدية، مؤكداً على أن الإسلام لا يجب أن يستخدم لتبرير الاستبداد أو مصادرة حقوق الآخرين، من خلال ذلك ناهض الإمام الشيرازي الاستبداد بشتى صوره وأشكاله، داعيا إلى حرية الفكر والعمل كمفاتيح لتقدم المجتمعات. أحد الركائز الأساسية لفكر الإمام الشيرازي كان العمل، حيث كان يؤمن بأن العمل هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن أن تنقذ المجتمعات من الأزمات الاقتصادية مثل البطالة، ويعتبره أداة فاعلة لتحسين الظروف الاجتماعية وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتميز فكر الإمام الشيرازي بقدرته على ربط الدين بالواقع المعاصر، مقدماً رؤى حول الكرامة الإنسانية، الحرية، السلم الاجتماعي، والعمل كأدوات أساسية لبناء مجتمع أفضل. عالم عامل ومظلوم في الذكرى والإنصاف - الاستاذ عدنان الصالحي/ مدير مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية: من خلال اطلاعي على سيرة الإمام الراحل السيد محمد الشيرازي، أجد أن الرجل كان بحق عالما عاملا، لم يكتفِ بالتنظير أو الانزواء في محيط الحوزة، بل مارس دوره الميداني بفاعلية، فمن يراجع كتاباته يلمس بوضوح حجم نشاطه الواسع في مجالات اجتماعية وعشائرية وسياسية، وتواصله المكثف مع زعماء المجتمع، إضافة إلى مواقفه الجريئة في النقد والتقويم. الإمام الشيرازي كان قدوة في العمل قبل القول، وكان يعلم الناس بسيرته قبل أن يعلمهم بعلمه، واليوم نحن في أمس الحاجة إلى هذا النموذج في الفكر والسلوك، يؤسفني أن أقول إن أغلب علمائنا الراحلين لم ينصفوا بعد رحيلهم، ولم يحي ذكرهم كما ينبغي، أما الإمام الشيرازي، فرغم امتداد أثره الفكري والمؤسساتي على مستوى العالم، فإن ذكراه لا تستحضر بالشكل الذي يليق بمكانته، وهذا جزء من مظلوميته، لا سيما أنه لم يكن يميز بين مقلديه وغيرهم، ولم يقصِ أحدا بسبب الانتماء المرجعي، بل زادت مظلوميته من خلال اتهامات باطلة رميت عليه من أطراف لا تختلف معه في الجوهر، بل فقط في الرأي أو الاتجاه، نسأل الله أن يوفق الجميع للإنصاف، والاعتراف بفضل من خدم الدين والإنسانية، ولو بكلمة حق تقال في ذكراه. وفي ختام الملتقى الفكري أجمع المشاركون على اهمية تكاتف الجهود بين الاكاديميين ورجال الدين والمثقفين لتعزيز الحوار البناء وايجاد حلول شاملة تلبي تطلعات الامة في مختلف المجالات. كما تقدم مدير الجلسة الاستاذ حيدر الاجودي بالشكر الجزيل والامتنان إلى جميع من شارك برأيه حول الموضوع سواء بالحضور او من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتوجه بالشكر الى الدعم الفني الخاص بالملتقى الفكري الاسبوعي. * مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية/ 2001 – 2025 Ⓒ