logo
#

أحدث الأخبار مع #الصادقالمهدي

هل تقود تطورات حرب السودان نحو "دولة ميليشيات"؟
هل تقود تطورات حرب السودان نحو "دولة ميليشيات"؟

Independent عربية

time٢٠-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • Independent عربية

هل تقود تطورات حرب السودان نحو "دولة ميليشيات"؟

يشهد السودان تصاعداً في دور القوات شبه العسكرية والميليشيات في المشهد السياسي والعسكري، مما يعكس تحولات عميقة في طبيعة الحرب الدائرة منذ أبريل (نيسان) عام 2023، إذ استعان الجيش بقوات "درع السودان" وقوات "العمل الخاص" و"القوات المشتركة" في حربه ضد ميليشيات "الدعم السريع"، إضافة إلى قوات جديدة استجابت لدعوة قائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان إلى الاستنفار. وسط هذا الوضع المعقد تتزايد المخاوف من توالد ميليشيات ذات طابع أيديولوجي وإثني، فهذا التصعيد أثار قلقاً من تغلغل الحركة الإسلامية في المقاومة الشعبية المسلحة التي تؤدي تدريباتها على الطائرات المسيّرة وأنظمة التشويش وحرب المدن وسلاح القناصة والمدفعية وسلاح المدرعات في معسكرات تحت إشراف لجان استنفار مركزية في مختلف الولايات، ويطرح تساؤلات حول شرعية العنف واستخدام القوة من قبل هذه المكونات. وبالفعل أصبحت المقاومة المسلحة والميليشيات جزءاً طبيعياً، إن لم يكُن مروعاً، من المشهد الاجتماعي والسياسي السوداني. في الواقع تشكل الميليشيات جزءاً من المشهد السياسي السائد، بعضها بدوافع أيديولوجية تحركها الحركة الإسلامية التي تسعى إلى الاستيلاء على السلطة مرة أخرى من خلال استخدام هذه الميليشيات، وأخرى تتحدى الهياكل المؤسسية وتعرقلها وتقوضها بما يخدم مصالحها بادعاءات التهميش وغيره. ومع تداخل المصالح والانقسامات الإثنية والسياسية أصبح الصراع يتخذ طابعاً أكثر تعقيداً، فتتشكل تحالفات انتهازية وتتفاقم حدة العنف ضد المدنيين، وأصبحت الهويات الإثنية نقاط تجمع لمصالح زعماء هذه الجماعات على حساب المدنيين. وبانتشار هذه الميليشيات أصبحت الحرب تختزل في صراع بين ميليشيات تابعة للجيش وأخرى ضده، وعليه تصنف وتسبغ عليها صفات الخير والوطنية أو الشر والخيانة، كل بحسب موقعه وتحالفاته، حتى في حال اتهامها جميعاً بارتكاب جرائم ضد المدنيين. خطوط فاصلة للحكومات السودانية تاريخ طويل في التعاقد من الباطن على الأمن والمهمات العسكرية مع جهات فاعلة غير حكومية، ويشهد التاريخ القريب تشكيل حكومة الصادق المهدي إبان فترة الديمقراطية الثالثة في ثمانينيات القرن الماضي قوات "المراحيل" من تحالف يضم 27 قبيلة عربية، مما عرف بـ"التجمع العربي" في مواجهة المجموعات الأفريقية المعروفة بـ"الزرقة". وكانت هذه الميليشيات العربية تعمل كقوة موازية تدعم القوات المسلحة السودانية في مواجهة "الجيش الشعبي لتحرير السودان" تحت شعار "حماية الدين والهوية العربية" ضمن خطاب كانت تروج له الحكومة حينذاك. ففي تلك الفترة كانت "الحركة الشعبية لتحرير السودان" بقيادة جون قرنق صعدت عملياتها العسكرية وحققت تقدماً ملموساً في مناطق عدة، متجهة من جنوب السودان إلى منطقة جبال النوبة والنيل الأزرق، كما سعت إلى التمدد نحو جنوب كردفان. وظهرت الميليشيات بصورة أخرى من خلال تأسيس قوات "الجنجويد" في عهد الرئيس السابق عمر البشير لمكافحة الحركات المسلحة في دارفور التي تمردت على الحكومة، وأيضاً وفق ثنائية قبائل "عربية" و"زرقة"، وبرع نظام البشير في تأسيس نظام "الأمن الهجين" المكون من السلطات الدينية والعرفية والقوات الخاصة والمنظمات الشعبية والمقاومة الشعبية. وبعد الإجراءات التي نفذها الفريق البرهان عام 2021 برزت نسخة من هذا النظام الأمني في هذه الفترة ونشطت بعد الحرب. وهذه التجارب التي مر بها السودان تلفت إلى دور الميليشيات الموالية للحكومة والتي تعد سمة بارزة في الحروب الأهلية، منذ حرب الجنوب إلى الحرب في دارفور ثم الحرب الحالية. ومن ضمن الجماعات شبه العسكرية الموالية للجيش وتلك التي تحاربه يبرز النموذج الأول معبراً عن هذا التعاون بين الجيش والجماعة المسلحة، مبتعداً من فكرة تطور الدولة الحديثة ومتجهاً نحو الانغماس والتحول إلى كيان يعزز وسائل العنف. وفي السودان، كما هي الحال في أجزاء أخرى من أفريقيا والعالم، غالباً ما تكون الخطوط الفاصلة بين دور الدولة في توفير الأمن على مستوى المجتمع والاستعانة بهذه القوات، خصوصاً في خضم الحروب والنزاعات، غير واضحة. اتساع التحالفات وعاشت منطقة الجزيرة في وسط السودان إضافة إلى شماله وشرقه بمعزل عن الحروب التي اجتاحت جنوبه وغربه، بحيث بقيت هذه الأقاليم ذات الاقتصاد الزراعي مستقرة ومزدهرة نسبياً، مما أثر في طبيعة سكانها المسالمة. ومع اندلاع الحرب أعلن قائد "درع السودان" أبو عاقلة كيكل الذي ينتمي إلى سهل البطانة انضمامه إلى "الدعم السريع"، وهو ضابط متقاعد في الجيش وأحد الإسلاميين داخل المؤسسة العسكرية خاض معارك في منطقة النيل الأزرق مع القوات الحكومية ضد "الجيش الشعبي لتحرير السودان" وتمكن في وقت سابق من جمع قوات وأسلحة من قبائل عدة في البطانة، وهي المنطقة الممتدة من ولاية الجزيرة وسط السودان إلى نهر النيل شمالاً وولاية كسلا شرقاً، وأسس قوات "درع السودان" عام 2022 رفضاً لـ"اتفاق جوبا" 2020 الذي رأى أنه همش مناطق الوسط والشمال والشرق لمصلحة الحركات المسلحة في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) برز "درع السودان" ضمن تشكيلات مسلحة مطالبة بإنهاء التهميش الاقتصادي والسياسي والعسكري الذي تعانيه مناطق وسط السودان ودمجها بالجيش أسوة بـ"الدعم السريع"، وأثار ظهور القوات العلني جدلاً واسعاً، إذ اعتبرت أداة استخباراتية لإفشال "اتفاق جوبا" وخلق توازن مقابل لحركات دارفور المسلحة. كما ورد أن نشأتها أتت بديلاً لحركة الجنرال الصوارمي خالد سعد، المدعومة من جهاز الأمن والاستخبارات ضمن مخطط كان يستهدف الترتيبات الأمنية في "اتفاق جوبا" ويسعى إلى إغراق القوات المسلحة بعناصر تنظيم "الإخوان المسلمين". وسبب الإعلان عن الخطة حرجاً للمؤسسة العسكرية أوان تحالفها مع المدنيين ودفعها إلى اعتقال قادتها وإطلاق سراحهم لاحقاً، ثم استبدلت بقوات "درع السودان" لتنفيذ الخطة ذاتها. وامتلك كيكل معرفة عميقة بطرق التهريب عبر الحدود الإثيوبية، مما عزز دوره في تأمين الإمدادات العسكرية وقاد السيطرة على ولاية الجزيرة، مما دفع قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو (حميدتي) إلى تعيينه والياً عليها، لكنه انشق في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2024 وعاد للجيش بصفقة استخباراتية، مما أدى إلى هجمات انتقامية من "الدعم السريع" ضد المدنيين في الجزيرة. لكن بعد سيطرة "درع السودان" على مناطق وقرى الجزيرة في يناير (كانون الثاني) الماضي انضمت كيانات من الإقليم إلى هذه القوات، مما ينذر باتساع رقعة التحالفات العسكرية وسط السودان. أبعاد معقدة ونشرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" أن قرية كمبو طيبة بولاية الجزيرة تعرضت للهجوم في التاسع من يناير الماضي بطائرات مسيّرة، وفي اليوم التالي تحول الهجوم إلى تصاعد دموي نتيجة لهجمات الجماعات والميليشيات المتحالفة مع الجيش السوداني ضد بعض المجتمعات في الجزيرة التي استعادها الجيش من "الدعم السريع". واستهدفت القوات بما فيها "درع السودان" و"كتيبة البراء بن مالك" وميليشيات محلية تجمعات اعتقدوا بأنها مؤيدة لقوات "الدعم". وتجاوز الهجوم على كمبو طيبة كونه مجرد اشتباك عسكري في الصراع ليكشف عن أبعاد اجتماعية معقدة تتمثل في الاستهداف الموجه ضد إثنيات معينة، مثل "التاما" و"البرغو" و"المراريت"، وهم جزء من المجتمعات الزراعية المعروفة بـ"الكنابي"، وسكانها معظمهم من إثنيات غير عربية من غرب السودان واستقروا في منطقة الجزيرة منذ عقود ويواجهون تهديدات تشمل محاولات محو هويتهم الثقافية والإثنية. وتسلط هذه الأحداث الضوء على دور الميليشيات في الحرب وتداخل العوامل الإثنية والسياسية والعسكرية، ويمثل الهجوم على قرية كمبو طيبة أحد نماذج تصاعد العنف الذي يرافق هذه الحرب، وقبلها الهجوم على قبيلة "المساليت" في دارفور، حيث يزداد استهداف المدنيين من قبل طرفي الصراع، فضلاً عن أن هذا يشير إلى أن الصراع تطور ليأخذ طابعاً إثنياً، مما يزيد من تعقيد الحلول السياسية المستقبلية. تصريحات الجيش السوداني في شأن هذه الهجمات ووصفها بأنها تجاوزات فردية ولا دليل على تورط قوات "درع السودان" بها قد تحسب كمحاولة لتوجيه الرأي العام نحو التقليل من حجم الانتهاكات وخفض المسؤولية الجماعية. وهنا يبرز الدور الذي تؤديه الميليشيات والجماعات شبه العسكرية في استنادها إلى استراتيجية تضمن الهروب من المساءلة الذي يكون أسهل في حال قامت بها نيابة عن القوات الرسمية مقابل الاعتراف بها وإشراكها في السيطرة على أدوات العنف. دوافع الصعود وتعود دوافع صعود الميليشيات لعوامل عدة هي أولاً، انسحاب الدولة وخفض مسؤوليتها أمام عسكرة العاصمة الخرطوم بعد "اتفاق جوبا" للسلام بنقل الحركات المسلحة التي تنتمي إلى إقليم دارفور ومنطقة جبال النوبة إلى الخرطوم لدمجها في القوات المسلحة وفق بند الترتيبات الأمنية المختلف حوله، مما حفز نمو جماعات مسلحة وميليشيات في مناطق كانت من قبل خالية من مظاهر العسكرة. ثانياً، أتاح فراغ السلطة فرصة للسودانيين في الوسط والشمال للتصرف بناء على دوافع تبني قضايا التهميش والمظلومية، وهي القضايا ذاتها التي أوصلت قادة حركات دارفور وجبال النوبة المسلحة إلى المشاركة في السلطة وفق محاصصة سياسية. ثالثًا، انعدام الأمن حفز من دور المجتمع المحلي الذي عمل على تفعيل المؤسسات المجتمعية غير الرسمية مثل الإدارات الأهلية التي ضعف دورها أمام تيارات العسكرة فانطلقت مؤيدة للمقاومة الشعبية ونتجت من هذا الجو السائد فروع ميليشيات ريفية. رابعاً، استجابة الشباب الذين انضموا إلى "المقاومة الشعبية" والجماعات المسلحة للتفسير التقليدي الذي يحاول من خلاله الحفاظ على واقع أبوي تقليدي يتجلى بصورة خاصة في وحدات الدفاع عن النفس والأرواح والممتلكات الموجودة في الريف والتعبير عنها بالمواجهة المباشرة. ودفع سكان الوسط ثمناً باهظاً في المواجهة بداية من دون حماية من الجيش، فكان أن قرروا بعدها حمل السلاح والانضمام إلى قوات "درع السودان". وهذه الدوافع هزت واقع احتكار الدولة للاستخدام المشروع للقوة بدرجة تلاشى معها التمييز الواضح بين المدنيين والجنود النظاميين في ضوء التعقيدات المتزايدة للحرب في السودان، فبينما يضع القانون الدولي إطاراً صارماً للتمييز بين المدنيين والمقاتلين تكشف الوقائع عن أن الخط الفاصل بين الفئتين غالباً ما يكون غير واضح، إذ يجد المدنيون أنفسهم في وضعيات إجبارية أو طوعية تفرض عليهم حمل السلاح مما يجعلهم عرضة لفقدان الحماية. حكم الميليشيات نظراً إلى العلاقة التي تربط بين المؤسسة الرسمية وهذه الميليشيات، مهما كانت دوافع الأخيرة، فإن مصالح هذه الجماعات المسلحة ووجودها كعنصر فاعل لا ينسجم مع دعم التحول المدني الديمقراطي، حتى لو نشطت في وقت الحرب فقط لأن الإصلاح السياسي يسعى إلى إعادة التوازن ويمكن أن يضعف نفوذها عبر الانتخابات والمشاركة المدنية، مما يقلص سلطتها ويحد من مكاسبها، وهذا الصراع بين التحول الديمقراطي والنظام العسكري يعكس تفضيل قادة الميليشيات للبقاء ضمن الأنظمة الانقلابية التي تضمن لهم نفوذاً. ويمكن ملاحظة أن مشروع التحول المدني الديمقراطي يمثل تهديداً مباشراً لقادة الميليشيات الذين يستفيدون من الحرب لبناء قوتهم. أما تحقيق السلام وبناء دولة المؤسسات من خلال سيادة القانون والتداول السلمي للسلطة فإنه يقلل من إمكان استمرار نفوذهم، لذلك تعمل هذه الجماعات على الحفاظ على مصالحها عبر التحالف مع المؤسسة العسكرية، مما يخلق مشروعاً سلطوياً بديلاً يستند إلى التسوية على حساب الاستقرار والسلام والديمقراطية.

فيصل محمد صالح يكتب: موسم التشرذم السياسي في السودان
فيصل محمد صالح يكتب: موسم التشرذم السياسي في السودان

سودارس

time٠١-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • سودارس

فيصل محمد صالح يكتب: موسم التشرذم السياسي في السودان

آخر هذه الانشقاقات التي خرجت للعلن كان في حزب الأمة القومي الذي قررت بعض أجهزته عزل رئيس الحزب المكلف فضل الله برمة ناصر، في حين قام الرئيس من جانبه بحل الأجهزة التي أعلنت عزله، وانقسم الحزب إلى ثلاث مجموعات تتصارع حول الشرعية. مسببات الانشقاق عديدة، كان أحدها الصراع داخل أسرة زعيم الحزب الراحل الإمام الصادق المهدي حول خلافته، ثم انتقل الصراع لمرحلة جديدة بسبب الحرب؛ إذ تباينت المواقف بين قيادات الحزب، ثم تفجر الصراع بعد توقيع رئيس الحزب على التحالف مع «قوات الدعم السريع» والقوى السياسية والحركات المسلحة التي اجتمعت في نيروبي وكوّنت «تحالف تأسيس»، والذي أعلن نيته تكوين حكومة لتنازع حكومة الفريق البرهان حول الشرعية. هذه الحال تنطبق تقريباً على معظم الأحزاب السياسية السودانية، بلا استثناء، مع اختلاف درجة التشرذم ونوعه؛ فقد وجدت الحرب الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهو أحد الحزبين الكبيرين في البلاد، في حالة يُرثى لها؛ فقد تمزق إلى أشلاء حتى لم يعد ممكناً حصر الأحزاب التي تحمل اسم الحزب مع إضافة صغيرة للتمييز. ووصل الشقاق إلى بيت زعيم طائفة الختمية وزعيم الحزب السيد محمد عثمان الميرغني، فتقاسم الشقيقان جعفر والحسن ما تبقى من الحزب، وذهب أحد أبناء البيت الختمي الكبير، إبراهيم الميرغني، ليوقع على ميثاق نيروبي وينضم إلى «تحالف تأسيس». ويعاني الحزب الشيوعي السوداني، والذي كان في مقام أكبر أحزاب اليسار في المنطقة، من أزمة صامتة بين تيارين داخله، يبحث أحدهما عن تحالف واسع للحزب مع القوى السياسية التي تقف ضد الحروب وتأمل عودة الحكم المدني، وتيار آخر متشدد يقوده السكرتير العام محي الدين الخطيب، ينطلق من موقف تخوين كل القوى السياسية التي كانت حليفة له ويرفض التحالف معها. وقد ظهرت كتابات ناقدة من بعض عضوية الحزب لتيار السكرتير العام، لكن التزم الطرف الآخر الصمت ورفض الدخول في مناقشة عامة، حسب تقاليد الحزب. وانقسمت الحركة الإسلامية من قبل إلى حزبين؛ المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، ثم انقسم كل حزب منهما إلى قسمين. وتعاني أحزاب اليسار الأخرى من التشتت ذاته؛ فقد انقسم حزب البعث إلى ثلاثة أحزاب، وانقسم الناصريون لحزبين، وضعفت أو اختفت تنظيمات يسارية أخرى كانت ناشطة في فترة الثورة. تتشابه الأمراض التي تفتك بالأحزاب السياسية السودانية القديمة، والتي وصلت إلى مرحلة الشيخوخة، ولم تستطع أن تجدد دماءها وبرامجها. ويكفي أن الأحزاب الأربعة الكبرى، بما فيها الحركة الإسلامية والحزب الشيوعي، تربع على زعامتها رؤساء امتدت فترتهم بين الأربعين والخمسين عاماً. عجزت الأحزاب عن استقطاب الشباب لعدم قدرتها على تحديث خطابها، كما أن معظمها ليس لديه برنامج معروف يستقطب به العضوية؛ لأنها تعتمد على الانتماءات الجهوية والطائفية والعرقية، أو على شعارات آيديولوجية قديمة لم يتم تحديثها ومواءمتها مع الواقع السوداني. وتكتسب بعض الأحزاب عضويتها بالوراثة؛ فالانتماء للحزب الذي يُفترض أنه تكوين حديث قائم على البرنامج، يتم في واقع الأمر بناء على انتماء الأسرة أو القبيلة. وتفتقد معظم الأحزاب الديمقراطية الداخلية؛ فهي إما أنها لا تعقد مؤتمراتها بانتظام لانتخاب القيادات ومناقشة البرامج الحزبية، أو تعقد مؤتمرات شكلية لإضفاء الطابع الديمقراطي، في حين يتم توزيع المناصب وحسم التحالفات خارج المؤتمر. من المؤكد أن فترة ما بعد الحرب، متى ما توقفت، ستشهد هزة كبيرة في الواقع السياسي السوداني، وإعادة ترسيم للمشهد بطريقة تشهد تصدع الولاءات القديمة، واختفاء أحزاب كبيرة، وظهور أخرى، وبالذات الأحزاب والحركات المناطقية والجهوية التي تكاثرت في فترة الحرب. إنه طوفان قادم لن يبقى فيه حياً إلا من استعد بالتحديث والتجديد، وتطوير البرامج، والقدرة على التعامل مع الواقع الجديد والمعقد.

موسم التشرذم السياسي في السودان
موسم التشرذم السياسي في السودان

الشرق الأوسط

time٠١-٠٣-٢٠٢٥

  • سياسة
  • الشرق الأوسط

موسم التشرذم السياسي في السودان

تعاني الأحزاب والتيارات السياسية في السودان من حالة تشرذم عامة منذ زمن طويل، لكن وصلت هذه الحالة الآن إلى حدها الأقصى، حتى لم يبقَ حزب على حاله، وتمزقت بعض الأحزاب والكتل إلى مجموعات صغيرة يصعب تجميعها، ثم ساهمت الحرب الدائرة منذ ما يقرب من عامين في زيادة حدة التمزق وتوسيع مداه، وذلك بسبب اختلاف المواقف التي، في كثير من الأحيان، لا تتم على أساس القراءات والتحليلات السياسية المختلفة، ولكن على أسس جهوية وعرقية واجتماعية. آخر هذه الانشقاقات التي خرجت للعلن كان في حزب الأمة القومي الذي قررت بعض أجهزته عزل رئيس الحزب المكلف فضل الله برمة ناصر، في حين قام الرئيس من جانبه بحل الأجهزة التي أعلنت عزله، وانقسم الحزب إلى ثلاث مجموعات تتصارع حول الشرعية. مسببات الانشقاق عديدة، كان أحدها الصراع داخل أسرة زعيم الحزب الراحل الإمام الصادق المهدي حول خلافته، ثم انتقل الصراع لمرحلة جديدة بسبب الحرب؛ إذ تباينت المواقف بين قيادات الحزب، ثم تفجر الصراع بعد توقيع رئيس الحزب على التحالف مع «قوات الدعم السريع» والقوى السياسية والحركات المسلحة التي اجتمعت في نيروبي وكوّنت «تحالف تأسيس»، والذي أعلن نيته تكوين حكومة لتنازع حكومة الفريق البرهان حول الشرعية. هذه الحال تنطبق تقريباً على معظم الأحزاب السياسية السودانية، بلا استثناء، مع اختلاف درجة التشرذم ونوعه؛ فقد وجدت الحرب الحزب الاتحادي الديمقراطي، وهو أحد الحزبين الكبيرين في البلاد، في حالة يُرثى لها؛ فقد تمزق إلى أشلاء حتى لم يعد ممكناً حصر الأحزاب التي تحمل اسم الحزب مع إضافة صغيرة للتمييز. ووصل الشقاق إلى بيت زعيم طائفة الختمية وزعيم الحزب السيد محمد عثمان الميرغني، فتقاسم الشقيقان جعفر والحسن ما تبقى من الحزب، وذهب أحد أبناء البيت الختمي الكبير، إبراهيم الميرغني، ليوقع على ميثاق نيروبي وينضم إلى «تحالف تأسيس». ويعاني الحزب الشيوعي السوداني، والذي كان في مقام أكبر أحزاب اليسار في المنطقة، من أزمة صامتة بين تيارين داخله، يبحث أحدهما عن تحالف واسع للحزب مع القوى السياسية التي تقف ضد الحروب وتأمل عودة الحكم المدني، وتيار آخر متشدد يقوده السكرتير العام محي الدين الخطيب، ينطلق من موقف تخوين كل القوى السياسية التي كانت حليفة له ويرفض التحالف معها. وقد ظهرت كتابات ناقدة من بعض عضوية الحزب لتيار السكرتير العام، لكن التزم الطرف الآخر الصمت ورفض الدخول في مناقشة عامة، حسب تقاليد الحزب. وانقسمت الحركة الإسلامية من قبل إلى حزبين؛ المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي، ثم انقسم كل حزب منهما إلى قسمين. وتعاني أحزاب اليسار الأخرى من التشتت ذاته؛ فقد انقسم حزب البعث إلى ثلاثة أحزاب، وانقسم الناصريون لحزبين، وضعفت أو اختفت تنظيمات يسارية أخرى كانت ناشطة في فترة الثورة. تتشابه الأمراض التي تفتك بالأحزاب السياسية السودانية القديمة، والتي وصلت إلى مرحلة الشيخوخة، ولم تستطع أن تجدد دماءها وبرامجها. ويكفي أن الأحزاب الأربعة الكبرى، بما فيها الحركة الإسلامية والحزب الشيوعي، تربع على زعامتها رؤساء امتدت فترتهم بين الأربعين والخمسين عاماً. عجزت الأحزاب عن استقطاب الشباب لعدم قدرتها على تحديث خطابها، كما أن معظمها ليس لديه برنامج معروف يستقطب به العضوية؛ لأنها تعتمد على الانتماءات الجهوية والطائفية والعرقية، أو على شعارات آيديولوجية قديمة لم يتم تحديثها ومواءمتها مع الواقع السوداني. وتكتسب بعض الأحزاب عضويتها بالوراثة؛ فالانتماء للحزب الذي يُفترض أنه تكوين حديث قائم على البرنامج، يتم في واقع الأمر بناء على انتماء الأسرة أو القبيلة. وتفتقد معظم الأحزاب الديمقراطية الداخلية؛ فهي إما أنها لا تعقد مؤتمراتها بانتظام لانتخاب القيادات ومناقشة البرامج الحزبية، أو تعقد مؤتمرات شكلية لإضفاء الطابع الديمقراطي، في حين يتم توزيع المناصب وحسم التحالفات خارج المؤتمر. من المؤكد أن فترة ما بعد الحرب، متى ما توقفت، ستشهد هزة كبيرة في الواقع السياسي السوداني، وإعادة ترسيم للمشهد بطريقة تشهد تصدع الولاءات القديمة، واختفاء أحزاب كبيرة، وظهور أخرى، وبالذات الأحزاب والحركات المناطقية والجهوية التي تكاثرت في فترة الحرب. إنه طوفان قادم لن يبقى فيه حياً إلا من استعد بالتحديث والتجديد، وتطوير البرامج، والقدرة على التعامل مع الواقع الجديد والمعقد.

كيف اتضح خطر المليشيات بعد الحرب وشبح التقسيم؟
كيف اتضح خطر المليشيات بعد الحرب وشبح التقسيم؟

التغيير

time٢٧-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • التغيير

كيف اتضح خطر المليشيات بعد الحرب وشبح التقسيم؟

تاج السر عثمان بابو بعد الحرب اللعينة واطالة أمدها ومانتج عنها من خطر التقسيم الذي أصبح ماثلا بعد التوقيع الأخير في نيروبي على الميثاق التأسيسي لتكوين حكومة موازية، اتضح جليا خطر المليشيات التي وافق نظام الإنقاذ على قيامها، وكنا قد نبهنا منذ وقت مبكر لخطر المليشيات على الفترة الانتقالية' كما في الدراسة التي نشرتها بتاريخ : 5 نوفمبر 2019م بعد التوقيع علي الوثيقة الدستورية 2019م التي قننت الدعم السريع دستوريا.. وكرست هيمنة اللجنة الأمنية علي السلطة وبقية مليشيات الكيزان والتمكين في القوات النظامية والخدمة المدنية الخ ولم نكن نرجم بالغيب عندما أشارت . الدراسة الي خطر الميليشيات على الفترة الانتقالية والتحول المدني الديمقراطي، كما وضح جليا من انقلاب 11 أبريل 2019م وماتبعه من انقلابات مجزرة فض الاعتصام وانقلاب 25 أكتوبر 2021م التي شارك فيها مليشيات الدعم السريع والكيزان وقوات حركات جوبا وامتدادها في الحرب اللعينة التي نشبت منذ 15 أبريل ٢٠٢٣ وما ألحقته من دمار كبير حتى أصبحت تهدد بتقسيم البلاد. نعيد نشر الدراسة بعنوان ' المليشيات الخطر المباشر على الفترة الانتقالية'. ١ أشارت قوى المعارضة والقوات المسلحة المهنية منذ وقت مبكر إلي خطورة تكوين المليشيات خارج القوات النظامية، ولا سيما المرتبطة بدوائر أجنبية علي وحدة البلاد واستقرارها وأمنها وسيادتها الوطنية، وكانت معارضة هيئة الأركان الجيش السوداني في مذكرتها في فترة الديمقراطية الثالثة لحكومة الصادق المهدي التي أشارت فيها لخطورة تكوين قوات المراحيل أو المليشيات من قبائل المسيرية والزريقات لمواجهة تمرد الحركة الشعبية. كما جاء في الميثاق السياسي لقوى' نداء السودان' لإعادة هيكلة وبناء الدولة السودانية ' حل وتسريح الدفاع الشعبي ومليشيات الدعم السريع وجميع المليشيات التي أنشأها النظام ونزع أسلحتها – وضع ترتيبات أمنية لقوات الجبهة الثورة لمرحلة ما بعد اسقاط النظام، وقومية القوات النظامية كحامية للوطن وسيادته – انتهاج سياسة خارجية متوازنة ومستقلة – إلغاء قانون الأمن لسنة 2010 – والإلغاء الفوري لكل القوانين المقيدة للحريات.' جاء في وثيقة إعلان الحرية والتغيير ' إعادة هيكلة الخدمة المدنية والعسكرية (النظامية) بصورة تعكس قوميتها، وعدالة توزيع الفرص دون المساس بشروط الأهلية والكفاءة – وتحسين علاقات السودان الخارجية وبناؤها علي أساس الاستقلالية والمصالح المشتركة والبعد عن المحاور – وعمل ترتيبات أمنية نهائية مكملة لاتفاق سلام عادل وشامل'. جاء في برنامج الحزب الشيوعي السوداني المجاز في المؤتمر السادس' حل المليشيات كافة ، وحصر السلاح في يد القوات المسلحة والشرطة – إعادة تنظيم القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى علي أسس مهنية وقومية ، واخضاعها للسلطة التشريعية' ( الدستور والبرنامج المجازان في المؤتمر السادس، ص 27) جاء في التقرير السياسي المجاز في المؤتمر السادس للحزب الشيوعي السوداني ' بناء علاقات السودان الخارجية والصداقة والسلام بين الشعوب والمنفعة المتبادلة بين الدول، والنأى عن المحاور والأحلاف العسكرية وعدم التدخل في شؤون الأخرين'. ٢ اتسعت ظاهرة تكوين المليشيات بعد انقلاب الاسلامويين في يونيو 1989، وكان الانقلاب نفسه قامت به مليشياتهم مع الضباط والجنود الموالين لهم، من أكبر الأخطاء التي قاموا بها تدمير القوات النظامية بفصل وتشريد خيرة الكفاءات العسكرية ، وإدخال عضويتهم غير المؤهلة في الجيش، وتكوين مليشيات الدفاع الشعبي ، وكتائب الظل، ووحدة العمليات في جهاز الأمن، والوحدات الجهادية الطلابية ، وجلب صنوف مختلفة من التنظيمات الارهابية للسودان في منتصف تسعينيات القرن الماضي مثل: بن لادن ، وكارلوس ، والارهابيين من فلسطين واليمن وليبيا وتونس، وبوكو حرام ، ومن الدول الأفريقية ،الخ ولعبت جامعة افريقيا دورا كبيرا في ذلك ، وتحول السودان الي قاعدة لانطلاق الارهاب الدولي حتي تم وضعه في قائمة الدول الراعية للإرهاب، وساءت سمعة السودان في الخارج. وبعد الانقلاب الإسلاموي، تم نسف اتفاقية السلام ' الميرغني – قرنق' ، واتسع نطاق الحرب في الجنوب وجنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق، وفي دارفور منذ العام 2003، وفشلت مليشيات الاسلامويين، في حسم الحرب لصالحها التي أشعلتها بعد تدمير الجيش السوداني، مما اضطرها لاستخدام مليشيات 'الجنجويد' التي اتهمتها الامم المتحدة مع البشير بارتكاب جرائم حرب، وضد الانسانية من قتل جماعي وحرق القرى والاغتصاب وارتكاب ابشع المجازر التي بلغ ضحاياها 300 ألف قتيل وتشريد أو نزوح 3 مليون نازح. إضافة للمجازر التي قامت بها في جبال النوبا. الخ.، كما شاركت قوات الدعم السريع في مجزرة هبة سبتمبر 2013 التي قامت احتجاجا علي زيادة الأسعار، وبلغ عدد الشهداء فيها 200 مواطن. ٣ كان من نتائج تدمير القوات المسلحة وفشل مليشيات الإسلامويين أن تم فصل الجنوب، واعتماد البشير علي مليشيات الجنجويد، وصعد نجم حميدتي ' محمد حمدان دقلو'، الذي اصبح مقربا للبشير وخاصة بعد أن قبض علي ابن عمه موسي هلال مكبلا بناءا على طلب البشير ، وكان موسى هلال قد عارض جمع السلاح ( مجلة العربي الجديد ، 23 /8/ 2019). رغم رفض الجيش للدعم السريع ، الا أن حميدتي وجد دعما من البشير الذي تدخل لصالحه ضد وزير الداخلية عصمت محمود الذي طالب بإجلاء الميليشيات من منطقة جبل عامر الغنية بالذهب ، مما أدي لاستقالة وزير الداخلية، وحتى عندما رفض الجيش الدعم السريع قام البشير بإلحاقهم بجهاز الأمن، وتم تعديل الدستور الانتقالي لتصبح قوات نظامية إلي جانب الجيش والشرطة، بل خصص لها البشير ميزانية مباشرة خارج رقابة الدولة لتمويل حرب دارفور، إضافة لتسهيلات وامتيازات في القطاعات التجارية، كما تساهل البشير في صراع حميدتي مع احمد هارون، وقام بحمعهما للصلح بينهما، وتمّ اعتقال الصادق المهدي بعد مهاجمته لمليشيات الدعم السريع واتهمها بارتكاب جرائم حرب. اذا أخذنا في الاعتبار دعم البشير للمليشيات واستفادتها من نظامه الفاشل وضعفه العسكري، نجد أن مليشيات الدعم السريع أصبحت قوة اقتصادية وسياسية. ٤ ما هي مصادر تراكم ثروة حميدتي؟. – نشاطه التجاري السابق في المواشي بين تشاد ومالي، وتقديم خدمات حماية قوافل المواشي بعد أن كون عصابة مسلحة، وسيطر علي خطوط التجارة مع كل من تشاد وليبيا ' مجلة العربي الجديد، مصدر سابق'. وساعده عمله التجاري والتسهيلات الحكومية، والصعود السريع بعلم الدولة، في تكوين مليشيات، وصراعه في مناطق دارفور علي موارد الماء والكلأ والأرض، واستفادت الحكومة من ميليشياته لقمع الحركات والاحتجاجات في دارفور(مجلة العربي الجديد، مرجع سابق). – الميزانية من الحكومة التي كانت لا تمر بالمراجع العام ويجيزها البشير ، علي سبيل المثال في محاكمة البشير الأخيرة اعترف بأنه سلم شقيق حميدتي ( عبد الرحمن دقلو القيادي البارز في الدعم السريع) مبالغ من الأموال التي حصل عليها من الإمارات والسعودية البالغة 91 مليون دولار. – العائدات من الذهب حيث تمكن حميدتي من السيطرة علي الذهب في منطقة جبل عامر ومناطق أخرى، وعمل شركات الجنيد للأنشطة المتعددة التي تستخدم مادة ' السيانيد' الضارة رغم منع الحكومة لها ، وتهريب الذهب الي تشاد ودبي، وقدر تقرير قناة ( تي . أر .تي) أن شركة الجنيد تجنى سنويا من جبل عامر 54 مليون دولار، وأن قيمة الذهب المهرب من 2010 إلي 2014 بلغة 4 مليار و500 مليون دولار ( تقرير سري صادر عن لجنة تابعة لمجلس الأمن الدولي حسب مجلة فورن بوليسي)، وهي معلومات لم تنفيها قيادة المليشيات.( راجع أيضا صحيفة الجريدة بتاريخ 28 /10/ 2019، مقال هنادى الصديق)، بعد انفصال الجنوب أصبح الذهب يمثل 40 % من صادرات السودان، وقام حميدتي بتأسيس مجموعة شركات (الجنيد ) التي توجد لها مكاتب في واشنطن ودبي ويديرها أخوه عبد الرحيم، وتقوم بتعدين الذهب وشحنه مباشرة إلي دبي'. – الدعم الاماراتي السعودي وخاصة بعد مشاركة قوات حميدتي في حرب اليمن، والذي يبلغ مئات الملايين من الدولارات من الرياض وابو ظبي ( مجلة العربي الجديد، مصدر سابق). حيث تقوم المليشيات بحماية ميناء الحديدة والحدود السعودية مع اليمن. وحسب تصريحات حميدتي فان لديه حاليا نحو 30 ألف مقاتل في اليمن. – الحصول علي مئات الملايين من الدولارات من أوربا مقابل حراسة الحدود ومنع الهجرة إلي اوروبا ( العربي الجديد، مصدر سابق). كل ذلك زاد من نفوذ حميدتي العسكري والمالي، مما أغراه للمشاركة في انقلاب اللجنة الأمنية، وأصبح له الدور القيادي العسكري والمالي كما يتضح من الاتي:- قال حميدتي في مؤتمر صحفي نقله التلفزيون السوداني وعدد من القنوات المحلية يوم 27 /7 / 2019 ' أمنا حاجات الناس، ودفعنا الديون، وكدعم سريع دافعين مليار و27 مليون دولار للحكومة'، وهذا يقترب من ربع ميزانية السودان الرسمية لعام 2019 ، والبالغة 4,1 مليار دولار!!، أي أصبح الدعم السريع يدعم الحكومة !!!. – تسديد رواتب الشرطة لمدة 3 شهور.. – تهديد حميدتي بفصل المضربين أثناء الاضراب العام في 28 ، 29 /5 / 2019. – حملت المنظمات العدلية والمحكمة الجنائية المجلس العسكري وقوات الدعم السريع مسؤولية مجزرة الاعتصام، وطالبت بفتح تحقيق حول الحادثة، كما طالبت بتسليم البشير والمطلوبين للجنائية. – توقيف ضباط الجيش المعارضين. – تصريح حميدتي بأنه يملك 50 ألف مقاتل، ويجنى ملايين الدولارات من حرب اليمن وجبل عامر. – سعيه المتواصل لتجنيد أفراد من قبائل جديدة، وكسب الادارة الأهلية في الحملة لدعمه. – محاولته للتقرب من المواطنين بالدعم بالسلع الغذائية، وقوافل العلاج التي استقطب لها أعضاء من المجلس السيادي، وتوفير احتياجات المدارس وحل مشكلة المواصلات باسم الدعم السريع، وتقديم جوائز لأحسن لاعب في الدوري الممتاز، وكلها مهام تدخل في اختصاصات الوزارات، وكما أشار البعض أن قوات الدعم السريع تحاول خلق دولة داخل الدولة. ٥ – أصبحت قوات الدعم السريع تتمدد بعد تقنين الوثيقة الدستورية لها كما جاء في الفصل الحادى عشر (1) ' القوات المسلحة وقوات الدعم السريع مؤسسة عسكرية وطنية حامية لوحدة الوطن وسيادته تتبع للقائد العام للقوات المسلحة، وخاضعة للسلطة السيادية'. هكذا نجد أنفسنا أمام ظاهرة جديدة في السياسة السودانية، حيث تزايد نفوذ مليشيات ق.د.س الذي أصبح لقيادتها مصالح طبقية، وارتباط بدوائر اقليمية وعالمية ونفوذ عسكري بعد إضعاف نظام البشير للجيش. يستحيل الحديث عن نجاح الفترة الانتقالية والوصول لأهداف الثورة في ظل وجود المليشيات، وقوات الدعم السريع التي ما عاد هناك مبرر لوجودها في ظل الاتجاه للسلام ووقف الحرب، وما ينتج عنها من ترتيبات امنية تتطلب حلها، وجمع سلاحها في يد القوات المسلحة، وتكوين جيش البلاد القومي. بالتالي من المهم أن تواصل الحركة الجماهيرية نضالها من أجل قومية القوات النظامية وحل المليشيات التي تشكل خطرا علي الفترة الانتقالية، وعلي وحدة البلاد، كما حدث في انفصال الجنوب، وفي بلدان أخرى بعد تفكيك جيوشها الوطنية ( العراق، ليبيا، اليمن) ، وخطورة مليشيات حزب الله في لبنان، الخ، وهذا يتطلب الاتي: – خروج البلاد من حلف اليمن، وعودة الجنود السودانيين منها، ووقف التدخل في الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى، والسعي لحل مشكلة اليمن سلميا في إطار الأمم المتحدة. – عودة العسكريين المفصولين للخدمة. – تضع الدولة يدها علي ثروة الذهب ووقف التعدين المدمر لبيئة باستخدام مادة السيانيد، ووضع بنك السودان يده علي عائدات الذهب، ومصادرة الحكومة لكل الشركات الفاسدة التي تهرب الذهب للخارج باعتباره ثروة قومية، وحق مناطق الانتاج في نصيبها من العائدات في التنمية والتعليم والصحة والخدمات. – تخفيض ميزانية الأمن والدفاع التي تتجاوز 70 % ، ورفع ميزانية التعليم والصحة والتنمية وبقية الخدمات.

من المسؤول عن الانقسام الجديد لحزب الأمة؟
من المسؤول عن الانقسام الجديد لحزب الأمة؟

التغيير

time٢٥-٠٢-٢٠٢٥

  • سياسة
  • التغيير

من المسؤول عن الانقسام الجديد لحزب الأمة؟

من المسؤول عن الانقسام الجديد لحزب الأمة؟ صلاح شعيب القرار الذي أصدره فصيل من حزب الأمة القومي بإقالة فضل الله برمة ناصر من مهامه الرئاسية سيوجد – لا محالة – انقساماً شديداً داخل الحزب العتيق، والذي يبدو أن هناك الآن ثلاثة أجنحة تتصارع حول قيادته: جناح برمة، و٢- صديق المهدي، و٣- وكريمات الصادق المهدي. إن حال الحزب الآن أمر مؤسف بالنسبة لنا نحن الذين نريد العافية، والإصلاح، لمؤسساتنا الحزبية المركزية حتى تضطلع بمهام توحيد السودانيين فوق العشائرية، والقبلية. الحقيقة أن غياب الزعيم الصادق المهدي بكاريزماه التاريخية، والدينية، والسياسية، المعترف بها داخل تكوين الحزب قد ألقى بظلاله السالبة على التنظيم منذ لحظة وفاته. فهو – من ناحية – لم يجدْ في إعداد خليفة له حقيقي سواء داخل الأسرة، أو خارجها، ليكون مقبولاً للقاعدة الأنصارية قبل الحزبية. فإذا نظرنا بحساب التوريث المتوقع فإن الراحل الصادق المهدي نفسه – برغم حفاظه على الجسم الغالب في حزب الأمة بعد وفاة عمه – ساهم في هذا الفراغ الرئاسي. فابنه اختار، بمباركة من الأب، قراره الذي قضى يحرق نفسه مع النظام الاسلاموي. وبعد نجاح ثورة ديسمبر اللحظي لم يساعد اعتذار عبد الرحمن الصادق المهدي لقاعدة الحزب في جعله عضواً قيادياً فيه ناهيك عن أن يكون في سدته الرئاسية. ونتيجةً لفقر تقديراته السياسية المستمرأة عاد عبد الرحمن إلى حاضنة البرهان بعد الثورة، وانضم للكتلة الديمقراطية المناوئة للحزب، وبعد الحرب ارتدى بزته العسكرية. ولما فشل في تسويق نفسه كبطل مقاتل مثل كيكل – على أقل تقدير – عاد إلى المدنية بتوظيف من النظام لإعداده ليكون رئيس الوزارة المرتقبة، كما أشارت بعض مصادر. من ناحية ثانية لم يبد الصادق المهدي من السياسات الحكيمة التي تكفل إبعاد التوريث، والانحياز للكفاءة على حساب البراعة. فهو لم يحافظ على قيادات تاريخيّة مميزة تعينه حتى قبل وفاته بنضالاتها المعروفة. فاعتزل آدم موسى مادبو، وفيصل عبد الرحمن علي طه، وبكري عديل، وصلاح إبراهيم أحمد، وعبد المحمود أبو صالح. وإذا قلنا إن الراحل بريء من إبعادهم من سدة القيادة الاستشارية فإن المناخ القيادي في الحزب أجبرهم على الابتعاد فيما قرب الصادق شخصيات للاستشارة مشكوك في ولائها وضعيفة في مستواها المعرفي. ومن ضمن هؤلاء الفريق صديق إسماعيل الذي كان محافظاً لكلبس، واحتفظ بعلاقات مريبة مع النظام المباد كما قال خصومه. منذ وفاة الإمام محمد أحمد المهدي كانت قيادة الأنصار تواجه تحديات جمة، وكلنا نعرف الصراع الجهوي الذي واجه اختيار الخليفة. ولما استلم القيادة بعد دحر المهدية ابنه عبد الرحمن نجح في تعزيز قيادته الحزب حتى مماته، ولكن بعد وفاته حدث الخلاف داخل الأسرة حول القيادة السياسية. ومنذ ذلك الوقت ظلت الخلافات الشخصية، والموضوعية، تضرب جنبات الحزب، والأسرة. ولكن ظل الزعيم الصادق المهدي يمسك بزمام غالب عضوية الحزب، ولم تفلح أحزاب الأمة العديدة التي كونها بعض أفراد الأسرة، وخارجه، من منازعة ثقل الإمام الزعيم، وإن كان قد ناقض نفسه لاحقاً. إذا رضي أن يجمع ما بين المنصبين بعد أن كان قد استكثره على عمه الإمام الهادي المهدي. بعض النقاد الغلاة يفرحون لهذا التشظي الذي واجهه حزب الأمة، وغريمه الاتحادي، بعد الإنقاذ حتى صار للحزبين التقليدين أكثر من ستة فروع، أو تزيد لكل منهما. وذلك بحجة أنهما سبب مؤثر لأزمة السودان. ولكن اعتقد أن الحزبين برغم أخطائهما الكارثية سوى أنهما وحدا السودانيين فوق التفكير الجهوي، والقبائلي. وكان من المتوقع أن يصححا بين مرحلة، وأخرى، الأخطاء التاريخية حتى يزدهرا باتجاه إنجاز الرؤى السياسية العقلانية المتقدمة. ولكن!. تأتي إقالة برمة في ظل وضع استقطابي شديد للغاية. ولعل استبداله بخليفته الدومة المنحاز للجيش يؤشر لأكثر من معنى في أتون هذا الصراع داخل مكونات الحزب. ولا ندري حتى الآن إن كانت إقالة برمة استوفت شروطها اللائحية الحزبية، وتمت بخضوره أم لا. ولكن عموماً فإن هذه الخطوة سواء كانت دستورية أم لا، فلا مناص من أن تزيد أوار الصراع على مستوى القواعد. ذلك إذا ما استطاعت رئاسة الحزب ضبط خطوات قياديها بشكل يمنع الانفراد في اتخاذ القرار الكبير نوعياً. ما لا يسهم في استقرار الحزب، ويشكك في صدق نوايا الذين أقالوا برمة لمعالجة منازعة قيادة الحزب بين دعم الجيش أو الدعم السريع هو موقفا د. مريم الصادق وشقيقتها الأستاذة رحاب. فهن بارحا الحياد بين طرفي الحرب في تصريحاتهن، وأثبتن انحيازهن للجيش بجانب انحياز الدومة له على خلفية تضرر مكونه القبلي من الدعم السريع. إن الحاجة ملحة أمام عقلاء الحزب لأبعاده عن الاستقطاب نحو طرفي النزاع كما كان هذا هو الموقف المفترض في أحزابنا المركزية أن تجسر للتفاوض بين الطرفين لإنهاء الحرب. بالإضافة إلى ذلك فإن قاعدة الحزب – حيث أغلبيتها في دارفور وكردفان – تتعرضان منذ فترة لقصف يومي من طيران الجيش الذي راح ضحيته مئات المدنيين، وتدمير البنيات التحتية على شحها. ولهذا فإن انحياز مريم ورباح وشقيقهما عبد الرحمن للجيش ستتبعه ردود فعل مناوئة غاضبة لقيادات، وقاعدة الحزب، ما يجعل من الصعب على الحزب القيام بدور إيجابي لوقف الحرب. في وقت نطالب كديمقراطيين بتوحيد أحزابنا في مظلة وطنية جامعة لوقف الحروب يأتي انقسام حزب الأمة ليزيد الفتق على الراتق الوطني. ومع ذلك فالسبيل لمعالجة الأزمة هو استئناف الاعتماد على المصلحة العامة، وليست الفردية لقيادات الحزب.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store