أحدث الأخبار مع #القاعدة،

القناة الثالثة والعشرون
منذ يوم واحد
- سياسة
- القناة الثالثة والعشرون
"لا عودة للوراء".. هل اقترب الشرع من إغلاق ملف المقاتلين الأجانب؟ (فيديو)
من الإدماج في الجيش السوري إلى الترحيل الطوعي وصولا إلى إبقائهم خارج نطاق الدولة، قضية المقاتلين الأجانب في سوريا تقترب من طريق الحل ولا عودة للوراء.. فما الخطة التي سيتم العمل بها لحل أكثر الملفات تعقيدًا في الساحة السورية؟ تشير مصادر سورية خاصة إلى أن المشاورات المكثفة بين السلطات السورية ودول عربية وغربية تقترب من رسم ملامح واضحة لحل ملف المقاتلين الأجانب، وفي الأفق تتبلور سيناريوهات تصنف هؤلاء المقاتلين إلى ثلاث فئات، بناءً على مدى تهديدهم للدولة السورية والدول المجاورة.. وعلى رأس هذه الفئات، يقف المقاتلون الإيغور الذين سيكونون أول من يُفرز ويُقيم مصيرهم ضمن هذه الخطة.. ترى السلطات السورية أن هؤلاء لا يشكلون أي تهديد داخلي أو خارجي لعدة أسباب، أهمها أن أعدادهم قليلة، وأن لديهم عائلات مستقرة في سوريا، إضافة إلى أن الرئيس السوري أحمد الشرع ينظر إليهم كرفاق سلاح وهم الأكثر قربا منه. لذا، من المحتمل أن يتم منحهم الجنسية السورية ودمجهم ليكونوا قوة أمنية شخصية للشرع. وبحسب المصدر، فإن الفئة الثانية من المقاتلين ستخضع لعملية ترحيل طوعية، إذ يُتوقع انتقالهم إلى دول تشهد نزاعات وحروبًا، خاصة في أفريقيا التي تشكل بيئة مناسبة لاستيعابهم، حيث ستقوم القوى الدولية بإعادة استثمارهم واستخدامهم وفقًا لمصالحها. اللافت في الخطة هو السيناريو الثالث لأولئك المقاتلين الذي سيبقون خارج إطار الدولة وهم الذين يرفضون التوجه الجديد للرئيس السوري وهيئة تحرير الشام، كما يرفضون الانتقال نحو الاعتدال النسبي، فمن المتوقع أن ينفصل هؤلاء عن هيئة تحرير الشام، وينضموا إلى تنظيمات متشددة مثل داعش أو القاعدة، ما يجعلهم خارج سيطرة الدولة. ولا بد من الإشارة إلى أن تنظيم داعش قد بدأ بتشجيع المقاتلين الأجانب على الانضمام إلى التنظيم والتحالف معه.. وللتصدي للتنظيم والمقاتلين الذين من المحتمل أن ينضموا إليه، كشفت مصادر مطلعة عن تشكيل تحالف دولي جديد يضم دولاً عربية وإقليمية وعالمية، مهمته التصدي للفئة الأخيرة من المقاتلين ولتنظيم داعش. وما يميز هذا التحالف الجديد هو مشاركة روسيا وإسرائيل في الحملات الجوية، حيث تمتلك روسيا قاعدتين عسكريتين في سوريا وخبرة كبيرة في مواجهة التنظيمات المسلحة التي تهدد مصالحها، أما على الأرض، فسيكون للعراق دور محوري في المواجهة البرية إلى جانب قوات "قسد" التي تتمتع بخبرة واسعة في مكافحة هذه الجماعات واعتبارهم امتدادًا لتنظيم "داعش". انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة. انضم الآن شاركنا رأيك في التعليقات تابعونا على وسائل التواصل Twitter Youtube WhatsApp Google News


العين الإخبارية
منذ 2 أيام
- أعمال
- العين الإخبارية
عقوبات أمريكية جديدة تعزل السودان ماليًا.. والبنك الدولي يستعد لإغلاق آخر الأبواب
تم تحديثه الجمعة 2025/5/23 01:52 م بتوقيت أبوظبي عقوبات أمريكية على خلفية اتهامات باستخدام «الكيمياوي» تسد شرايين حكومة السودان وتنذر بإغلاق آخر منافذ النجاة في بلد تطوقه التحديات. ومساء الخميس، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنها توصلت إلى خلاصة مفادها أن الجيش السوداني استخدم أسلحة كيميائية في الحرب المتواصلة في هذا البلد. وقالت الخارجية إنها تفرض عقوبات على خلفية استخدام هذه الأسلحة الكيميائية، موضحة أن هذا الأمر حصل العام الفائت. وأشارت الوزارة إلى أنها أبلغت الكونغرس، باليوم نفسه، بقرارها المتّصل باستخدام الأسلحة الكيميائية، لتفعيل عقوبات بعد 15 يوما. وتشمل العقوبات قيودا على الصادرات الأمريكية والتمويل لحكومة السودان التي تتخذ من مدينة بورتسودان على ساحل البحر الأحمر مقرًا لها. وخلال مؤتمر صحفي، قالت المتحدثة باسم الوزارة، تامي بروس: 'قررت الولايات المتحدة أن الحكومة السودانية استخدمت أسلحة كيميائية عام 2024، ما يُعد انتهاكًا صارخًا لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية'. عزلة تتجدد في عام 2020، وخلال المرحلة الانتقالية بقيادة الحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك، رفعت واشنطن العقوبات الاقتصادية التي فُرضت على السودان لعقود، بسبب سياسات نظام عمر البشير الذي جاء إلى السلطة بانقلاب عسكري في 1989. وارتبط نظام البشير بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وحروب أهلية طويلة، فضلًا عن دعمه لتنظيمات إرهابية مثل القاعدة، المسؤول عن تفجيري سفارتي الولايات المتحدة في نيروبي الكينية ودار السلام التنزانية عام 1998. ومكّن الانفتاح الاقتصادي في تلك الفترة السودان من إعادة الاندماج تدريجيًا في النظام المالي العالمي، حيث أعلن بنك السودان المركزي في يونيو/ حزيران 2021 عن اجتياز 27 مصرفًا لاختبارات نظام رقم الحساب المصرفي الدولي (IBAN)، إضافة إلى اعتماد السودان ضمن شبكة 'سويفت' العالمية، ما عزز الثقة الدولية بالمصارف السودانية. و رقم الحساب المصرفي الدولي (IBAN) هو نظام ترقيم دولي قياسي للحسابات المصرفية، يهدف إلى تسهيل عمليات التحويلات المالية الدولية وتجنب الأخطاء المحتملة. لكن هذه المكتسبات بدأت تتآكل تدريجيًا بعد انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين أول 2021 الذي نفذته المؤسسة العسكرية ضد الحكومة المدنية، ما أعاد الشكوك الدولية بشأن استقرار السودان والتزامه بالتحول الديمقراطي، رغم بقاء اسمه شكليًا ضمن النظام المالي العالمي. من الانقلاب إلى الحرب.. تحالفات مظلمة وصعود الإخوان تحوّل الصراع بين الجيش وقوات 'الدعم السريع' من تنافس على مسار الانتقال المدني إلى مواجهة دموية اندلعت رسميًا في 15 أبريل/ نيسان 2023. ومع انخراط الإسلاميين الموالين للجيش، تصاعدت حدة القتال واتّسعت رقعة الانتهاكات ضد المدنيين. ومع عودة رموز النظام السابق إلى الواجهة، بات من الواضح أن السودان يتجه نحو عسكرة الحياة السياسية، ضمن تحالفات غير معلنة مع الإخوان أي التيار الإسلامي المعروف محليًا بـ'الكيزان'، بكل ما يحمله ذلك من أعباء أيديولوجية وارتباطات مقلقة بجماعات متطرفة. وجاء استخدام الأسلحة الكيميائية في هذا السياق المأزوم ليشكّل انتهاكًا فاضحًا لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، والتي يُعد السودان طرفًا موقعًا عليها. انهيار وشيك للنظام المالي يمثّل القرار الأمريكي ضربة قاصمة للنظام المالي والاقتصادي السوداني، إذ يعيد البلاد فعليًا إلى نقطة الصفر، ويُمهّد لعزلة مصرفية كاملة كالتي عاشها السودان في العقود الماضية. ووفق خبير اقتصادي دولي، فإن وقف خطوط الائتمان لا يقتصر على حرمان السودان من التمويل المباشر، بل يعطّل تمامًا قدرته على التفاعل مع النظام المالي العالمي. وتعد خطوط الائتمان إحدى أدوات بناء الثقة المصرفية بين الدول، وغيابها يضعف فعالية نظام IBAN رغم استمراره شكليًا، ويزيد من احتمالات عزوف البنوك العالمية عن التعامل مع المصارف السودانية خوفًا من العقوبات. وتوقع الخبير في حديث لـ'العين الإخبارية'، مفضلا عدم الكشف عن اسمه، انكماشًا اقتصاديًا وشيكًا نتيجة شح العملات الأجنبية، وارتفاع كلفة الاستيراد، وتراجع الاستثمارات، مؤكدًا أن القرار يقوّض جهود إعادة الإعمار في ظل استمرار الحرب واتساع رقعة الدمار. وختم بالقول: 'كل هذا يعني تآكل الثقة الدولية في القيادة العسكرية بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان، الذي يسعى إلى تشكيل حكومة مدنية صورية، بينما يحتفظ بالسلطة عبر تحالف عسكري/ إسلامي غير معلن'. البنك الدولي يغلق أبوابه أمام السودان تزامنت العقوبات الأمريكية مع قرار مرتقب من البنك الدولي بوقف جميع أشكال التعاون مع السودان، بما في ذلك تمويل البرامج المجتمعية والإنسانية. ويأتي هذا القرار ضمن خطة البنك الدولي لإعادة هيكلة عملياته عبر تصنيف الدول إلى ثلاث مجموعات. وقد تم إدراج السودان ضمن المجموعة الثالثة التي يمتنع البنك عن العمل معها نهائيًا، ما يفاقم العزلة الاقتصادية ويغلق أحد آخر المنافذ أمام أي دعم دولي ممكن. وليست العقوبات الأمريكية مجرد إجراء سياسي أو دبلوماسي، بل تحمل رسالة صريحة وهي أن العودة إلى ممارسات النظام السابق لن تكون مسموحة ولن تمر بلا ثمن. ومن الناحية الاقتصادية، تُعد هذه العقوبات ضربة مؤلمة لمسار الانفتاح الذي بدأته الحكومة الانتقالية، ومؤشرًا مقلقًا على إعادة السودان إلى مربع الحصار والانهيار. وتأتي هذه التطورات في لحظة حرجة، حيث يحتاج السودان إلى الاستقرار أكثر من أي وقت مضى، لاستعادة الثقة الدولية وبناء ما دمرته الحرب المستعرة. aXA6IDkyLjExMi4xNTAuMTA4IA== جزيرة ام اند امز ES


التغيير
١٤-٠٥-٢٠٢٥
- ترفيه
- التغيير
الفِرانكنشتاينية – وصناعة الهزّة الدائمة بالحرب
الفِرانكنشتاينية – وصناعة الهزّة الدائمة بالحرب الحرب الدائرة في السودان، بكل ما تحمله من مفارقات وغرائب، تكاد تصلح لأن تُقرأ عند التأمل كإحدى قصص الخيال العلمي أو الرعب، بل وربما تكون مادة قابلة للتحويل إلى فيلم سينمائي معاصر. فهي، في طاقة ترميزها ورمزيتها، أقرب ما تكون إلى رواية 'فرانكنشتاين' للكاتبة البريطانية ماري شيلي. فرانكنشتاين- من الطموح إلى الكابوس: في عام 1818، صدرت رواية 'فرانكنشتاين'، أو 'بروميثيوس الحديث'، التي اعتُبرت آنذاك فتحًا جديدًا في أدب الرعب القوطي والخيال العلمي. أحدثت الرواية دويًا أدبيًا واسعًا، وانتشرت بقوة، حيث قدمت للعالم شخصية 'الوحش' الذي خلقه العالم الطموح فيكتور فرانكنشتاين خلال تجربة علمية جريئة حاول فيها إحياء مخلوق تم تكوينه من أجزاء جثث بشرية. لكنه، بعد نجاح التجربة، يُصاب بالرعب والصدمة من نتائج عمله إذ يتحول مخلوقه إلى كائن مخيف ومثير للشفقة في آنٍ واحد. لم يقتصر تأثير 'وحش' فرانكنشتاين' على الأدب فحسب، بل امتد ليصبح أيقونة ثقافية عالمية تُجسد فكرة الكائنات التي تكتسب قدرات استثنائية لكنها تقوم بأفعال مميتة ومدمرة. والمفارقة أن الكثيرين يعتقدون أن 'فرانكنشتاين' هو اسم الوحش، بينما الحقيقة أن الرواية لم تعطِ المخلوق اسمًا محددًا، وأن 'فرانكنشتاين' هو اسم العالِم الذي صنعه. 'الفِرانكنشتانية' كظاهرة سياسية معاصرة: بعد أكثر من قرنين من صدور الرواية، نشهد في عالمنا المعاصر ظواهر واقعية تعكس بدقة فكرة فرانكنشتاين. ففي السياسة، تصنع الأنظمة أحيانًا 'وحوشها' الخاصة لتنفيذ مهام محددة، لكنها تكبر وتتمرد، مما يؤدي إلى دمار شامل. هذه الظاهرة، التي يمكن تسميتها بـ'الفِرانكنشتانية'، فلا تقتصر على الميليشيات المسلحة فقط، بل تشمل كل الكيانات أو الأدوات التي تخرج عن السيطرة بعد أن كانت مجرد أدوات بيد أصحابها ويستخدمونها متى ارادوا. ومن أبرز الأمثلة: الجماعات المسلحة المدعومة سياسيًا أو عسكريًا مثل: طالبان، القاعدة، وداعش. وقوات الدعم السريع. كما التقنيات المنفلتة عن السيطرة مثل الذكاء الاصطناعي غير المنضبط أو الأسلحة البيولوجية. وكذلك الاقتصاديات الخارجة عن السيطرة، مثل الشركات عابرة الحدود التي أصبحت أقوى من الدول نفسها. قوات الدعم السريع: وحش يلتهم صانعيه: يتخذ هذا المقال من قوات الدعم السريع في السودان نموذجًا للوحش الفِرانكنشتاني الذي خرج عن سيطرة صانعيه. أنشأ الرئيس المخلوع عمر حسن البشير هذه القوات في عام 2003 تحت اسم 'حرس الحدود' لمواجهة الحركات الدارفورية المسلحة. أدت هذه القوات مهام قمع وحشية في دارفور تشيب لها الولدان، ثم امتد دورها ليشمل قمع الاحتجاجات الشعبية في العاصمة، خاصة خلال انتفاضة 2013. ومع مرور الوقت، حصلت على اعتراف برلماني رسمي عام 2017 تحت اسم 'قوات الدعم السريع' وأصبح قائدها، محمد حمدان دقلو (حميدتي) أحد أقوى الشخصيات في السودان حتى أن البشير نفسه كان يلقبه بـ 'حمايتي'. بعد ثورة ديسمبر 2018 شهد السودان تغيرات دراماتيكية أدت إلى انقلاب حميدتي على البشير وصعوده إلى قيادة الدولة بعد الثورة. ورغم أن الوثيقة الدستورية لم تنص على منصب نائب رئيس مجلس السيادة إلا أن حميدتي أصبح الرجل الثاني في السلطة. لكن المفارقة الكبرى أن المجلس العسكري او بالأحرى اللجنة الامنية قد حجز فيها الدعم السريع موقعا مفتاحيا، فوجد قائد الجيش نفسه مسهلا للعب الدعم السريع ادوارا اشد تاثيرا في المرحلة الانتقالية بما وفره له من خدمات. لم يتعلم الرجل من خطأ البشير في صناعة الوحش، بل واصل تغذية قوات الدعم السريع كقوة مستقلة، ليستخدمها كأداة لموازنة نفوذه الشخصي في مواجهة محتملة مع المؤسسة العسكرية الملغومة بالإسلاميين، وهكذا، كما حدث مع داعش، حزب الله، وفاغنر، تحولت قوات الدعم السريع بدهاء قائدها الاوفر قوة في تصدير الذهب، وانشاء الشركات الاستثمارية في مجالات التصدير من أداة تكتيكية إلى دولة داخل الدولة، تملك مواردها وتحالفاتها الخارجية. وهنا يجب قراءة الحرب في تقاطع المصالح الإقليمية والدولية للطرفين المتقاتلين معا. فالميليشيات المسلحة كمثال قوات الدعم السريع، داعش، فاغنر، وحزب الله لم تكن مجرد أدوات محلية بل أصبحت تمتلك علاقات دولية وشبكة مصالح خاصة، مما يجعل أجل هذه الحروب ممتدًا، ولأجل غير مسمى. إن ما هو اخطر ان السودان اليوم ليس فقط ساحة معركة داخلية، بل مسرح لتقاطع المصالح الإقليمية والدولية، مما يعقّد الأزمة أكثر ويؤجل نهايتها، ويجعل التكهن بالمستقبل بعد تكوين التحالف الأخير امرا في غاية الصعوبة. أغلب الاحتمالات ان النزاع والتنازع المستند الى دعم اللاعبين الاقليميين سيرجح كفة استدامة الحرب على نحو غير مسبوق. إعادة إنتاج الفِرانكنشتانية في السودان: المزعج في المشهد السوداني ليس فقط وجود الوحش الفرانكنشتاني' ممثلًا في قوات الدعم السريع، بل تواصل إنتاج المزيد من الميليشيات. فمن كتائب الإسلاميين الأمنية، إلى حركات الكفاح المسلح، إلى أحدث تشكيل عسكري باسم 'درع السودان' كما ميليشيات عديدة بالشرق، يتضح أن الذهنية الفِرانكنشتانية أصبحت جزءًا أصيلًا من استراتيجية إدارة الحرب لما تبقى من الدولة السودانية. وهذه ليست مجرد حالة من فقدان السيطرة، بل استراتيجية مستمرة تجعل فرص الاستقرار في المستقبل القريب شبه معدومة ايضا، حتى وان تم الانتصار على الدعم السريع. وهكذا، فكلما استمر النظام في إنتاج الميليشيات كأدوات مرحلية، ازداد احتمال تحولها إلى 'وحوش' جديدة تنفلت من عقالها وتعيد إنتاج الفوضى. مما يعني أن السودان قد يبقى عالقًا في دوامة الفِرانكنشتانية لسنوات قادمة، ما لم يحدث تحول جذري في طريقة إدارة مستقبل البلاد بنحو يقود القوتين إلى طاولة المفاوضات وجعل الحكم المدني خيارا مستحقا رغم كل العوائق والعراقيل من أنصار الحكم القديم وطموحات قائد الجيش في حكم انفرادي مطلق.


الحركات الإسلامية
١١-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- الحركات الإسلامية
من الإخوان إلى داعش: أين تبدأ الفكرة وأين ينتهي العنف؟
منذ صعود تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، شكّل الخطاب العقائدي والعملياتي للتنظيم صدمة للوعي العالمي والإسلامي على حد سواء، نظرًا لما اتسم به من عنف بالغ وتطرف لا سابق له. غير أن هذا الخطاب، ورغم طابعه الخاص شديد الغلو، لم ينبثق من فراغ. بل جاء متكئًا على منظومة مفاهيمية وموروث فقهي وأيديولوجي تشترك فيه جماعات إسلامية متعددة، تتفاوت في درجة راديكاليتها وأساليبها، لكنها تتقاطع في جملة من المرتكزات النظرية التي تُستثمر — بدرجات مختلفة — في تبرير العنف أو بناء مشروع ديني-سياسي مغاير لواقع الدولة الحديثة. ينتمي تنظيم داعش إلى الطيف الأكثر تطرفًا ضمن تيارات الإسلام السياسي والجهادي، إلا أن تقاطعاته مع جماعات مثل القاعدة، والسلفية الجهادية، وحتى بعض تيارات الإخوان المسلمين، تؤكد أن جذوره تمتد إلى أبعد من مجرد انشقاق عن تنظيم أم أو تحوّل عسكري طارئ. فالتنظيم يستبطن مفاهيم مركزية مثل "الجاهلية"، و"الولاء والبراء"، و"دار الكفر"، و"البيعة"، و"الجهاد"، وهي مفاهيم مطروحة — بدرجات مختلفة من الغلو — في أدبيات جماعات متعددة، ما يفرض مقاربة تحليلية تُبرز الاستمرارية بين هذه التيارات، لا مجرد التمايز بينها. هذا التقاطع لا يعني التطابق، بل يفتح الباب لفهم كيفية توظيف المفاهيم الإسلامية في سياقات أيديولوجية مختلفة، وكيف يُعاد تأويل التراث الديني لتبرير مشاريع سياسية تتراوح بين الإصلاح التدريجي، كما في حالة الإخوان المسلمين، إلى المواجهة المسلحة المفتوحة، كما في حالة القاعدة وداعش. إن تتبّع هذه التقاطعات يُمكّن الباحث من تفكيك البنية الأيديولوجية المعقدة التي تقوم عليها هذه الحركات، ويكشف عن إمكانات التدرّج في التطرف الفكري لدى الأفراد والجماعات، من خطاب "النهوض بالأمة" إلى تبرير "الذبح على الهوية". من هنا، فإن دراسة خطاب داعش، خصوصًا في نصوصه التأسيسية وأدبياته الدورية مثل صحيفة "النبأ"، لا يمكن أن تُفهم دون مقارنتها بخطابات الجماعات الإسلامية الأخرى. فتحت عناوين براقة مثل "العودة إلى الإسلام الصحيح"، أو "إقامة الدولة الإسلامية"، تتوارى شبكة معقدة من المفاهيم المتداخلة، التي قد تبدأ بدعوة إصلاحية وتنتهي بخطاب تفجيري. وتصبح المقارنة بين داعش وتلك الجماعات ليست فقط ضرورة تحليلية لفهم الظاهرة الجهادية، بل أيضًا مدخلًا نقديًا لفهم كيف تتحول الفكرة الدينية إلى أداة للعنف، عندما تُنتزع من سياقاتها الأخلاقية والتاريخية. ونستند هنا على افتتاحية صحيفة النبأ (العدد 494) الصادرة عن تنظيم داعش الخميس 8 مايو 2025، التي تتقاطع مع خطاب جماعات إسلامية أخرى، رغم أن له طابعه الخاص المتطرف. هذا التقاطع يمكن فهمه على مستويات متعددة: في العقيدة الجهادية والتصور القتالي يُظهر خطاب داعش في هذه الافتتاحية تقاطعًا جوهريًا مع عقيدة تنظيم القاعدة، خاصة في اعتبار الجهاد القتالي محورًا رئيسيًا للعقيدة والتدين. كلا التنظيمين يقدّمان القتال بوصفه الوسيلة المركزية لتحقيق "التوحيد الخالص" وتطبيق الشريعة، لا كأداة دفاعية مرتبطة بظروف أو ضوابط شرعية. هذا التمركز حول "القتل في سبيل الله" يُقدَّم كطريق سريع إلى الجنة، مما يُفرغ مفهوم الجهاد من أبعاده الأخلاقية والقانونية في الفقه الإسلامي، ويجعله مسارًا حتميًا لكل "مؤمن حقيقي". ما يجمع داعش والقاعدة أيضًا هو الخطاب الذي يمجّد الموت بوصفه "فوزًا" لا خسارة، و"كرامة" لا كارثة. في هذا السياق، لا يُصوَّر القتل بوصفه ضرورة اضطرارية أو فعلًا استثنائيًا، بل كغاية في حد ذاته، بل يُحتفى بالموت الانتحاري والتفجيري كأرقى درجات القرب من الله. غير أن داعش يذهب إلى مدى أبعد، إذ لا يكتفي بتبرير العنف ضد "العدو الكافر"، بل يشرّع استباحة دماء المسلمين المخالفين من تيارات أخرى، أو حتى من جمهور المسلمين، تحت ذرائع التكفير والتصنيف العقائدي. يتقاطع هذا الخطاب كذلك مع ما تبنّته بعض فصائل "السلفية الجهادية" مثل "جبهة النصرة" في مراحلها الأولى، عندما كانت مرتبطة تنظيميًا وفكريًا بالقاعدة. في تلك المرحلة، كان الربط بين مفهومي "الولاء والبراء" و"القتال" حاضرًا بقوة، بما يجعل الاصطفاف العقائدي مقرونًا بالانخراط في العنف المسلح. كما كانت النصرة تستخدم اللغة نفسها في تصوير القتل بوصفه تطهرًا روحيًا، وتقدّم "الموت في المعركة" كعلامة على الصفاء العقدي، لا كخيار سياسي أو عسكري محدد بسياقات معينة. يُظهر هذا النمط من الخطاب تحوّلًا جذريًا في العقيدة الجهادية، من تصوّر القتال كوسيلة للدفاع عن النفس أو عن الأمة، إلى اعتباره فعلًا تعبديًا في حد ذاته، أقرب إلى "طقس ديني" يقوم به المؤمن تقربًا إلى الله. هذا التحول يرفع من شأن العنف المسلح ليجعله التجلي الأعلى للتدين، وهو ما يتشاركه داعش والقاعدة وبعض فصائل السلفية الجهادية. غير أن الفارق الجوهري يبقى في أن داعش يذهب بهذا المنطق إلى أقصاه، حيث تتحول الحياة كلها إلى مسرح قتال، ويُلغى أي اعتبار للواقع أو للضرورات الشرعية في تحديد مشروعية القتال. في التبجيل الانتقائي للسيرة النبوية والصحابة يشترك خطاب تنظيم داعش مع السلفيين التقليديين في تمجيد ما يُعرف بـ"القرون المفضلة"، أي جيل الصحابة والتابعين وتابعيهم، بوصفهم النموذج الأعلى لفهم الدين وتطبيقه. هذا التبجيل ينطلق من قاعدة أن أفضل فهم للإسلام هو ما كان عليه السلف الصالح، ومن هنا تُستدعى سيرهم باستمرار لتبرير المواقف الدينية أو السياسية. إلا أن السلفية التقليدية – كالسلفية المدخلية أو العلمية – تقصر الاستلهام على الجوانب العقدية والعبادية، وتحرص على ضبط الممارسات السياسية والقتالية تحت مظلة "الإمام الشرعي"، رافضة أي خروج مسلح لا تقره السلطة القائمة. على النقيض من هذا الحذر، يعتمد خطاب داعش على قراءة انتقائية للتاريخ الإسلامي، يُبَجِّل فيها مشاهد الغزو والقتال فقط من السيرة النبوية، ويُهمِّش الجوانب التشريعية والمؤسسية التي أسست لدولة ومجتمع. تُستدعى معارك مثل بدر وأحد بلا سياقها التاريخي أو ضوابطها الفقهية، لتُوظف كحجج مباشرة لتبرير التفجيرات والانتحار والقتل الجماعي. فالسيرة هنا لا تُقرأ بوصفها تجربة بشرية معقدة فيها السلم والحرب، وإنما تُحوَّل إلى ترسانة من "الوقائع البطولية" التي تخدم خطاب العنف المطلق. من جهتها، تحتفظ جماعة الإخوان المسلمين بموقف مختلف نوعًا ما، فهي كذلك تمجّد الصحابة وتجعل السيرة النبوية مرجعية، لكنها توظفها في خطاب "نضالي إصلاحي" أكثر منه قتالياً مباشراً. الجهاد لدى الإخوان لا يُفهم بوصفه ممارسة تعبدية للقتل، بل كأداة في معركة سياسية ضد "الاستعمار"، أو في سبيل "التمكين" وإقامة دولة إسلامية. الخطاب هنا أقل دموية، وأكثر التفافًا حول مفاهيم مثل الحاكمية والنهضة والمظلومية، مما يجعل الجهاد جزءًا من مشروع أوسع لا يرتكز على القتال المسلح بحد ذاته، بل يُخضعه لأجندة مرحلية وتنظيمية. رغم الفروق الكبيرة في الوسائل والمآلات، يبقى القاسم المشترك بين هذه التيارات هو التقديس غير النقدي لتجربة الصحابة والسلف، بوصفها العصر الذهبي المطلق، والمرجعية التي لا يُعلو فوقها شيء. لكن الاختلاف يكمن في طريقة توظيف هذا التقديس: السلفية التقليدية توظفه لضبط السلوك الديني ورفض التمرد، الجهادية توظفه لتأبيد القتال والقتل، بينما الإخوان يستخدمونه لبناء سردية سياسية "نهضوية" ترى في تلك الفترة نموذجًا للدولة الإسلامية المنشودة. وهنا تكمن خطورة القراءة غير التاريخية للسيرة، إذ تتحول من مرجعية روحية إلى مبرر أيديولوجي متعدد الاستخدامات. في ثنائية "دار الإسلام ودار الكفر" تعد ثنائية "دار الإسلام ودار الكفر" من الركائز الأساسية في الفكر الجهادي، حيث يتم تقسيم العالم إلى معسكرين متعارضين: المعسكر الإسلامي الذي يطبِّق الشريعة ويعيش في "دار الإسلام"، مقابل المعسكر غير الإسلامي الذي يقع في "دار الكفر". هذا التقسيم نجد جذوره في العديد من الجماعات الجهادية القديمة والمعاصرة، مثل جماعة الهجرة والتكفير التي ظهرت في السبعينيات، وبعض فصائل السلفية الجهادية التي ترى أن أي دولة أو مجتمع لا يطبق الشريعة الإسلامية هو بالضرورة "دار كفر". هذه النظرة تؤدي إلى تجزئة العالم، وإعطاء مبرر ديني لرفض أي تعايش مع الأنظمة التي لا تطبق الشريعة. أجنحة السلفية الجهادية المعاصرة، مثل تنظيم القاعدة، تعتمد هذا التقسيم أيضًا وتعتبر أن المجتمعات التي لا تسير على نهجها الجهادي هي جزء من "دار الكفر". هذا الموقف يجعل من الصعب التوصل إلى حلول سلمية أو توافقات مع هذه المجتمعات، حيث تُعتبر هذه المجتمعات "عدوًا" يجب محاربته، ويُبرر استخدام العنف ضدها. ويرتبط هذا الفكر بتصورات الجهاد العالمي الذي يدعو إلى مواجهة "الكفار" أينما كانوا، بناءً على التقسيم الذي يجعل أي مجتمع غير خاضع لسلطة الإسلام الجهادي بمثابة "دار الكفر" التي يجب أن تُحارب. رغم أن الإخوان المسلمين لا يعبرون صراحة عن تبنيهم لتقسيم "دار الإسلام ودار الكفر"، إلا أن بعض أدبياتهم القديمة تشير إلى رؤية مشابهة. سيد قطب، في كتابه معالم في الطريق، تحدث عن "جاهلية العصر" واعتبر المجتمعات التي لا تطبق الشريعة الإسلامية بأنها في حالة من الجهل أو الضلال، مما يخلق نوعًا من التفريق بين "المؤمنين" في الجماعة و"الجاهلين" في المجتمع. هذه الرؤية قد تكون أقل عنفًا في أدبيات الإخوان مقارنة بجماعات السلفية الجهادية، لكنها تفتح الباب لاحقًا لتوظيف نفس المفهوم في سياقات عنفية، كما في مرحلة لاحقة من تطور الفكر الإخواني التي قد تتبنى تكتيكات أكثر تشددًا. تتجلى مشكلة هذا الفكر في إمكانية استخدامه لتبرير العنف والتمرد ضد الأنظمة القائمة، سواء كان ذلك في سياق الجماعات الجهادية أو حتى في التيارات الإسلامية ذات التوجهات الإصلاحية. على الرغم من أن الإخوان المسلمين في فترات معينة كانوا يبتعدون عن التصريح بشكل مباشر عن "دار الكفر"، إلا أن أدبيات قطب قد تُستخدم لتبرير فرض العنف في حالة الصراع مع الأنظمة الحاكمة التي لا تطبق الشريعة. هذا التوظيف يجعل من الفكر الإسلاموي نقطة انطلاق للتشدد، حيث يتم تفسير الواقع من خلال رؤية دينية تقسم العالم إلى فسطاطين، مما يسهل انتقال الأفراد من الفكر الإصلاحي إلى الفكر المتطرف. في مفاهيم البيعـة والتضحية يُشكّل مفهوم البيعة إحدى الركائز الرمزية والتنظيمية في خطاب الجماعات الإسلامية عمومًا، حيث يُنظر إليها كعقد ديني وسياسي في آنٍ معًا. يتقاطع خطاب داعش في هذا الشأن ظاهريًا مع ما نجده عند جماعة الإخوان المسلمين وبعض الطرق الصوفية الجهادية، إذ يُقدَّم الانتماء إلى الجماعة أو التنظيم بوصفه بيعة لله ثم لرسوله، ثم للقيادة أو الأمير. هذه البيعة تُقدَّم كعهد شرعي يُلزم المنتسب بالطاعة والولاء والانقياد الكامل، ما يمنح التنظيم سلطة دينية مطلقة على الفرد. في حالة تنظيم داعش، تتجاوز البيعة البُعد الرمزي والتنظيمي لتتحول إلى بيعة موت. فهي ليست تعبيرًا عن الالتزام بالتدرج أو العمل السياسي، بل تُقدَّم باعتبارها التزامًا بتنفيذ العمليات الانتحارية، وخوض المعارك حتى النهاية دون رجوع، تحت شعار "بيع النفس لله". البيعة هنا ليست فقط عهد ولاء، بل عقد فداء يتضمن استعدادًا فعليًا للموت، حيث يصبح الانتحار أو "الاستشهاد" هو الترجمة القصوى للوفاء بالبيعة. وهذا ما يجعلها أداة شديدة الفاعلية في حشد الأفراد نحو العنف، وتفجير طاقاتهم النفسية والروحية في اتجاه واحد: القتال حتى الموت. أما في الحالة الإخوانية، فالبيعة تأخذ طابعًا أكثر تنظيمية وبُعدًا عن الطابع الاستشهادي المباشر. فهي تُقدَّم كعهد طويل النفس، مرتبط بمنهجية "التدرج في التمكين"، حيث تُوظَّف في إطار هرم تنظيمي دقيق، يعزز الانضباط والبناء الداخلي للجماعة. البيعة في هذا السياق تمثّل رابطة عضوية، لكنها لا تتطلب بالضرورة التضحية الفورية بالنفس، بل تنصرف إلى أشكال مختلفة من الالتزام الدعوي، التربوي، والنضالي السياسي الذي يمتد عبر مراحل طويلة. الفرق الجوهري بين الخطابين يكمن في وظيفة البيعة وأثرها النفسي والتعبوي. فبينما تُمثّل عند الإخوان وسيلة تنظيمية لبناء شبكة ممتدة ومرنة من الأفراد الملتزمين، تتحول عند داعش إلى أداة اختزال وجودي تختصر الحياة في لحظة موت "مجيدة". بهذا المعنى، فإن داعش تُفرغ البيعة من محتواها التربوي أو السياسي، وتحولها إلى تعبير مطلق عن الاستعداد للفناء، بينما يبقيها الإخوان ضمن استراتيجية تنظيمية تستهدف التغلغل المجتمعي والسياسي دون تصعيد مباشر في كل المراحل. في نفي مشروعية "الواقع" ورفض القعود يقوم الخطاب الجهادي في عمقه على نفي مشروعية الواقع القائم، سياسيًا واجتماعيًا وثقافيًا، وتقديمه بوصفه انحرافًا جذريًا عن "الحق الإلهي". لا يُنظر إلى هذا الواقع كحيّز يمكن إصلاحه أو تطويره، بل كبيئة فاسدة بالكامل، تستوجب المواجهة والقطيعة. هذا المنظور يشكّل القاعدة النفسية الأولى لتحفيز القتال، حيث يصبح التمرّد على المجتمع والدولة واجبًا دينيًا، لا مجرد خيار سياسي. تتجلى ملامح هذا النفي للواقع بوضوح في فكر سيد قطب، لا سيما في كتابه معالم في الطريق، حيث يُصنّف المجتمعات الإسلامية المعاصرة ضمن "الجاهلية الحديثة"، بسبب تعطيلها لحاكمية الله واتباعها "شرائع بشرية". هذا الطرح يلتقي مع أفكار أبو الأعلى المودودي، الذي فرّق بين "الإسلام الحقيقي" وبين "الحضارة الغربية الجاهلية"، معتبرًا أن الأخيرة قامت على فصل الدين عن الحياة، وبالتالي فهي فاسدة من الجذور. كلا المفكرين قدّما أرضية أيديولوجية لرفض الواقع ومواجهته باسم "إعادة الإسلام إلى الحكم والمجتمع". اللافت أن هذا الموقف لا يقتصر على التيارات الجهادية فقط، بل يمتد بشكل ما إلى بعض الحركات الإصلاحية التي تصنّف نفسها كمعتدلة. حتى هذه الحركات، وإن لم تتبنَّ العنف، تتحدث عن "الواقع المنحرف" و"الحياة المادية الفارغة" و"التبعية للغرب"، وتدعو إلى تغييره واستعادته إلى "جادة الصواب". الفرق هو في الوسائل، لا في التوصيف العام للواقع، ما يجعل خطابها في بعض الأحيان أرضًا خصبة لانتقال الأفراد إلى مواقف أكثر تطرفًا، حين تغيب المسافة النقدية بين الدعوي والسياسي، أو بين الإصلاح والمواجهة. في هذا السياق، يُقدَّم القعود – أي عدم الانخراط في مشروع التغيير الجذري – على أنه خيانة أو تواطؤ مع "الجاهلية"، وليس مجرد موقف سياسي أو اجتهادي. يُصوَّر القاعدون على أنهم باعوا أنفسهم للدنيا، ورضوا بالذل والانحراف، بينما المجاهدون هم وحدهم من اختاروا "الحق"، مهما كان الثمن. هذه الثنائية تغلق الباب أمام التفكير النقدي أو التنوع في الرؤى، وتحوّل الخيار الفردي إلى موقف وجودي أخلاقي، إما أن تكون مع "الفرقة الناجية"، أو مع "المجتمع الضال". اخيرا يُظهر خطاب داعش تقاطعات فكرية واضحة مع جماعات إسلامية متعددة، سواء في الرؤية الجهادية الصريحة، أو في الأدبيات التي تقدّم الجهاد كطريق للخلاص، أو حتى في البنية الوجدانية للخطاب الديني التي تمجّد الموت وتُهوّن من شأن الحياة. هذه التقاطعات لا تعني تطابقًا، لكنها تكشف عن بنية مرجعية مشتركة، غالبًا ما تُبنى على تأويلات حماسية للنصوص، وتقديم نماذج مثالية من السلف تُجرد من تعقيداتها التاريخية لصالح غايات دعائية أو تنظيمية. الاختلاف الجوهري بين داعش وهذه الجماعات الأخرى يكمن في درجة التطرّف. إذ تذهب داعش إلى أقصى مدى في إعادة تأويل النصوص الدينية لتقديس القتل، ليس باعتباره ضرورة أو خيارًا دفاعيًا مشروطًا، بل كغاية في ذاته، وكطريق أوحد "للفوز الأخروي". هذا الانقلاب في وظيفة الجهاد من وسيلة إلى غاية، يفرغ الحياة من معناها، ويقدّم الموت لا كخسارة مأساوية، بل كذروة للنجاح الديني والبطولة الفردية. ما يجعل خطاب داعش أكثر خطورة هو أنه لا يُنتَج في فراغ، بل ينهل من التراث الديني السائد، ومن خطابات منتشرة في المجال الإسلامي، حتى داخل تيارات توصف بالاعتدال. إذ يقوم التنظيم بتجميع نصوص، أو شعارات، أو تأويلات جزئية من هنا وهناك، ثم يعيد صوغها ضمن منظومة متكاملة من العنف المطلق. وهذا ما يمنح الخطاب "شرعية شكلية" يصعب على المتلقي غير المختص تفكيكها، ويمنح المجند المحتمل شعورًا زائفًا بالتماهي مع الإسلام الأصيل. لذلك، فإن التعامل مع خطاب داعش لا يكفي أن ينحصر في تفنيد ممارساته أو كشف وحشيته؛ بل يتطلب بالضرورة نقد البنية المرجعية التي يستند إليها، سواء في فهم النصوص، أو في تبجيل التاريخ، أو في تصوير الواقع. فطالما بقي هذا المخزون التراثي قابلاً للاقتطاع والتوظيف بمعزل عن شروطه وسياقاته، فإن أي "داعشي جديد" سيجد دائمًا المادة الأولية التي يحتاجها لصياغة أيديولوجيا دموية، تُقنِع وتُعبّئ وتُفجِّر.


بوابة الفجر
٠٦-٠٥-٢٠٢٥
- سياسة
- بوابة الفجر
إفريقيا في مربع حرب الوكلاء: الصراع الإقليمي والدولي على أرض القارة
تشهد القارة الإفريقية تصاعدًا خطيرًا في نفوذ الجماعات المتطرفة المسلحة، وسط مشهد إقليمي ودولي معقد تتقاطع فيه مصالح جماعات مثل القاعدة، داعش، حركة الشباب الصومالية، بوكو حرام، مع أجندات قوى كبرى مثل إيران، الحوثيين، الصين، أمريكا، روسيا. هذا المشهد لا يمكن فهمه بمعزل عن التنافس على الموارد، النفوذ الجيوسياسي، والممرات الاستراتيجية. أولًا: خريطة الجماعات المتطرفة في إفريقيا ونقاط قوتها تتمركز الجماعات المتطرفة في إفريقيا في ثلاث بؤر رئيسية: 1. غرب إفريقيا (منطقة الساحل والصحراء): عبر تنظيم داعش في الصحراء الكبرى، وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين المرتبطة بالقاعدة، وجناح بوكو حرام (ولاية غرب إفريقيا). 2. القرن الإفريقي (الصومال): حركة الشباب الصومالية تسيطر على مناطق واسعة في الجنوب والوسط. 3. وسط إفريقيا (جمهورية الكونغو، موزمبيق): ظهرت جماعات داعش في موزمبيق والكونغو، ضمن استراتيجية "الولايات الخارجية" لداعش. هذه الجماعات تستفيد من: هشاشة الدول وضعف الحكومات. الفراغ الأمني مع انسحاب أو تقليص أدوار القوات الدولية. الطرق التجارية والتهريب لتمويل أنشطتها (الذهب، المخدرات، السلاح، الفدية). البيئات المهمشة اجتماعيًا حيث تقدم نفسها كبديل يوفر الحماية والخدمات. لكن الأهم أن هذه الجماعات لم تعد تتحرك بمعزل عن الصراعات الدولية، بل أضحت جزءًا من لعبة النفوذ الكبرى. ثانيًا: تقاطع مصالح الجماعات المتطرفة مع القوى الدولية والإقليمية 1. مع إيران والحوثيين: التحالف غير المباشر عبر البحر الأحمر إيران تدعم الحوثيين في اليمن الذين بدورهم يربطون خطوط التهريب والتسليح مع حركة الشباب الصومالية عبر خليج عدن. الحوثيون بحاجة لممرات بحرية آمنة وواجهات في القرن الإفريقي لدعم عملياتهم ضد التحالف العربي. حركة الشباب تستفيد من هذا التهريب في الحصول على السلاح والعتاد. هذا تحالف غير معلن لكنه قائم على المصالح اللوجستية والأيديولوجية (عداء مشترك للأنظمة الحليفة للغرب). 2. مع روسيا: توظيف الفوضى لصالح شركات أمنية وأجندات جيوسياسية روسيا (مباشرة أو عبر فاغنر سابقًا) تدخلت في إفريقيا حيثما يوجد فراغ أمني، واستغلت تمدد الجماعات المتطرفة لتبرير نشر مقاتلين تحت شعار "مكافحة الإرهاب"، بينما في الحقيقة تسعى: لتأمين عقود تعدين وذهب ويورانيوم. لتعزيز وجودها العسكري في موانئ البحر الأحمر (مثل السودان). الجماعات المتطرفة، وإن كانت خصمًا معلنًا، توفر ذريعة لتكريس النفوذ الروسي كقوة أمنية بديلة للغرب. 3. مع الصين: أمن الممرات التجارية واستقرار الاستثمارات الصين، المستثمر الأكبر في البنية التحتية الإفريقية، ترى الجماعات المتطرفة تهديدًا مباشرًا لمشاريعها ومبادرة الحزام والطريق. لكنها تعتمد على استراتيجية ناعمة (اقتصادية وأمنية بالوكالة) بدل التدخل العسكري المباشر، من خلال: الضغط على الحكومات المحلية لشراء تقنيات مراقبة وقمع. دعم قوات الأمن المحلية بأدوات تكنولوجيا المراقبة (كاميرات، برامج تجسس). الصين لا تدعم الجماعات المتطرفة، لكنها تضطر للتعامل مع بيئة تفرض عليها تأمين مشاريعها. 4. مع أمريكا: معركة مكافحة الإرهاب وشبكات المصالح الولايات المتحدة تعتبر إفريقيا ساحة مفتوحة لحرب ممتدة على الإرهاب، خاصة في الصومال ومنطقة الساحل. لكنها تواجه تحديات: قلة الموارد المخصصة مقارنة بالشرق الأوسط. صعوبة كسب حلفاء محليين فعالين. الجماعات المتطرفة توفر مبررًا لاستمرار الوجود العسكري الأمريكي (قواعد، طائرات مسيرة)، وحضور الشركات الأمنية الأمريكية، ضمن معادلة توازن القوى مع الصين وروسيا. في النهاية وجود الجماعات المتطرفة في إفريقيا لم يعد مجرد ظاهرة أمنية محلية، بل تحول إلى ورقة في صراع دولي متعدد المستويات، حيث تتقاطع مصالح وأهداف: الجماعات المتطرفة: التوسع والسيطرة على موارد محلية. إيران والحوثيون: فتح جبهات جانبية لخدمة صراعات الشرق الأوسط. روسيا والصين وأمريكا: التحكم في الممرات التجارية، الموارد، والنفوذ السياسي. هذا المشهد يعيد إفريقيا إلى مربع حرب الوكلاء، ويجعل استقرارها رهينًا بصفقات القوى الكبرى، وسط غياب مشروع أفريقي موحد قادر على كسر هذه الدائرة.