منذ 17 ساعات
زهران ممداني المسلم الإثنا عشري المهاجر… الاشتراكي أولاً يهز حراس هيكل الحزب الديموقراطي
أعاد زهران ممداني الصراع "الطبقي" إلى بديهياته. المرشح الشاب (33 عاماً) إلى المنصب المرموق لعمدة مدينة نيويورك واجه منافسه المخضرم أندرو كامو، وكان النقيض شكلاً ومضموناً للحاكم السابق للولاية التي تحمل اسم المدينة الأيقونية.
ممداني مهاجر أوغندي من أصول هندية، مسلم شيعي، أو إثنا عشري كما يعرّف عن نفسه، واشتراكي مفوّه لا يضطر إلى الدخول في المنطقة الرمادية التي يعيش فيها منافسه الديموقراطي التقليدي الذي عليه أن يراعي كل التوازنات، بدءاً من حراس هيكل الحزب القدامى، كآل كلينتون، مروراً بمجموعات الضغط السياسية والاقتصادية والداعمين الكبار للحزب وجمهوره التقليدي، وصولاً إلى التنوع الديني والعرقي الهائلين في المدينة التي شهدت، ولا تزال، الصدى الأكبر للحرب الإسرائيلية على غزة، وهي التي تضم أكبر جالية يهودية في أميركا، ونحو مليون مسلم في المقابل.
موقف ممداني من الحرب على غزة لا يختلف في الجوهر عن موقف الاشتراكيين الديموقراطيين وشيخهم الأحمر بيرني ساندرز. يرى في الحرب إبادة جماعية للفلسطينيين ولا يتردد في استخدام مصطلح "الانتفاضة". موقفه الواضح من الحرب جعله عرضة لهجوم اليمين الأميركي واتهامه بمعاداة السامية. اتهام تحوّل بعد فوزه في الانتخابات التمهيدية للحزب الثلاثاء إلى إسلاموفوبيا فجة ركزت على دينه كسبب أكيد لتكرار 11 أيلول/ سبتمبر مجدداً.
كومو في السابعة والستين، أكبر من ممداني بضعفين زائد سنة. ثروته تبلغ خمسة ملايين دولار. ممداني يعتمد على راتبه من عضويته في مجلس الولاية التشريعي. ثروته تراوح بين مئتين وثلاثمئة ألف دولار، بعضها من عائدات إصداراته الموسيقية (راب). ينتميان إلى عالمين مختلفين، وكل منهما خاض المعركة من عالمه. كومو بالأسلوب التقليدي للسياسي الذي اعتمد على السوبر باك لدعم حملته وإغراق خصمه بالدعاية السلبية. توجه إلى القاعدة الديموقراطية من الطبقتين الوسطى والعليا، وكبار رجال الأعمال، بخطاب السياسي الرزين المُجرّب، معتمداً على رصيده من كره دونالد ترامب له وحقده المتراكم عليه من الولاية الأولى للرئيس وصراعهما حيال كيفية إدارة أزمة كوفيد.
ممداني في المقابل، وعلى طريقة حليفته النائبة عن نيويورك في الكونغرس ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز، شكّل جيشاً من الشباب المتحمس له نزل يقرع الأبواب قاصداً الطبقة العاملة في نيويورك، الملايين الذين يرزحون تحت وطأة مدينة من الأغلى في العالم، شديدة الازدحام، ببنية تحتية متهالكة، وأجور لا تكفي لسد الفواتير بين راتب وآخر، حتى مع عمل إضافي.
طبقة العمال يعِدها الاشتراكي بعدالة اجتماعية تتمثل برفع الحد الأدنى للأجور إلى 30 دولاراً في الساعة، وتجميد قيمة الإيجارات التي ترتفع في العادة مع تجديد العقود، في مدينة إيجاراتها بدورها من الأعلى في العالم، حتى خارج حدود مانهاتن. وكما يعِد بفرض ضريبة على أصحاب الدخل السنوي الذي يفوق المليون دولار، ففي المقابل يعد بنقل عام مجاني في الباصات، ومحلات بقالة مملوكة للولاية تبيع بسعر الجملة، وبرعاية عامة للأطفال دون سن السادسة. هؤلاء الذين تضطر أمهاتهم العازبات مثلاً، أو حتى أباؤهم وأمهاتهم معاً، إلى تسجيلهم في دور حضانة خاصة عادة ما تكون تكاليفها مرهقة جداً، لكن لا بديل لها خلال ساعات عمل الأهل.
ببرنامجه هذا، مس ممداني وتراً حساساً عند قاعدة شعبية واسعة قد لا تهتم بحرب تدور في غزة، أو أن ترامب يحارب التنوع الجندري في المدارس، لكن تعنيها بشدة ما قد يشطب ممداني من فاتورة مدفوعاتها في حال فوزه بالعمادة. هذه القاعدة هي التي فضلت الشاب الاشتراكي على الكهل التقليدي وجعلته يفوز عليه بفارق مريح دفعه إلى الانسحاب قبل صدور النتائج الرسمية، مع أنه أبقى الباب مفتوحاً أمام ترشحه منفرداً في الانتخابات العامة في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
نتائج هذه الانتخابات من المفترض أن تكون مؤشراً إضافياً للحزب، الذي يتسع الشرخ فيه بين "حرس قديم" قائم على حماية السياسات الاجتماعية والاقتصادية وحتى الثقافية للحزب الذي يستمر في خوفه من اتهامه باليسار، وفي اللعب بين المصطلحات كي لا يقول شيئاً، في وجه اليمين الترامبي الحاكم، وبين القادة الجدد للقواعد الشابة التي تباشر صعودها من أسفل السلم السياسي بخطاب منحاز تماماً إلى الوضوح في مناهضة كل ما يمثّله ترامب والترامبية، وفي النزاع مع رمادية الحزب الديموقراطي. نزاع على وجه الحزب الديموقراطي سيطول بين قارعي الأبواب الشباب وكهلة الهيكل، وقد سقط واحد منهم الثلاثاء، والأكيد أن الكهلة أصغوا إلى وقع سقوطه المدوي.