منذ 17 ساعات
اجتماع رئاسي طائر..!
عبد اللطيف مجدوب
كانت هناك ملفات شائكة ذات حساسية سياسية بالغة الخطورة ؛ أصدر الرئيس تعليماته بأن تصحبه في رحلته الشرق الأوسطية ، إلى جانب مستشاريه ، وثلة من رجال المال والأعمال، 'رحلة صيد' كما وصفها مقربون من الرئيس ، أو لا تعدو مجرد رحلة استطلاع ، كما ألفها الرئيس ، سيما إذا عنّت له فكرة تمديد الخارطة السياسية ، أو ضم منطقة جغرافية معينة.
ولج أحد المستشارين مكتبه البيضاوي ، ودون ما استئذان ، خاطب الرئيس بنبرة هادئة ، كما توصي به البروتوكولات الحديثة:
• 'سيدي الرئيس ، سيتأخر موعد إقلاع الطائرة بستين دقيقة ، نظرا لكثافة الإجراءات الأمنية ، والتحقق من الصيانة العامة ، لطائرة ستدخل الاستعمال أول مرة..'
• الرئيس ، يتململ في كرسيه ، مقطبا جبينه ، ومطقطقا أصابعه في توتر باد: '… لا تنسوا أن تصحبوا كبير الطهاة.. والتخلي عن المشروبات الغازية..'
على متن الطائرة
أخذ الرئيس وبعض مرافقيه جولة حول مرافق الطائرة ، قادته إلى صالة اجتماعات فسيحة ، بخمسين مقعدا ، تتوسطها على الجدار شاشة تفاعلية باتصالات ذكية ، تربطه بأجهزة البيت الأبيض ومقر المخابرات المركزية ، تمكن المتكلم داخلها بالحديث بعفوية تامة دون ما حاجة لاستعمال أزرار أو ميكروفونات ، بها بوابة تفضي مباشرة إلى قاعة لعب الغولف ، وغير بعيد عنها وبغطاء بلوري ، كان هناك مسبح يسع لخمسة أشخاص ، فضلاً عن مطبخ بأشعة مكيفة إلى جوار مخادع للنوم والاستحمام . وفي طابقها العلوي يكاد يختص بخمس طائرات الدرون ، وطائرة خفيفة للطوارئ ، إلى جانب ركن خاص بمخازين المؤونة والوقود النووي .
كان الرئيس ؛ خلال تجواله ؛ لا يفتر لسانه عن إطلاق كلمة ' Good' ، كلما حملق في جدرانها المطلاة بالذهب ، أو حانت منه إطلالة عبر فتحات نوافذها.
داخل الصالة
داخل صالة الاجتماعات ، حيث سينتهي به التجوال ، جلس حول الطاولة الأسطوانية ، وأومأ إلى المظيفة بأن تستدعي مرافقيه ، ويستقلوا مقاعدهم من حوله، كما هو مؤشر عليها.
توجه بأنظاره ، وكأنه يتفرس وجوها لأول مرة :
• 'أيها السادة ؛ تعلمون أن المناخ العالمي ، حالياً لا يجري لصالحنا ، والحروب ستكلفنا أثمانا لا طاقة لنا بها ، لكن وبدلا من العيش تحت رحمة نيرانها ، ابتدعنا وسيلة ، ليس لأحد الاعتراض على نجاعتها ، إنها المال ؛ في صوره الراقية ؛ كالتجارة والاقتصاد والاستثمار ، والتحكم في الأسواق ، ولهذه الغاية أضحت خريطتنا السياسية ممتدة إلى ما وراء البحار ، لتشمل بلدانا شرق آسيا والمحيط الهندي وجنوب أمريكا…'
توقف الرئيس قبل أن يستطرد ، موجها سؤاله إلى كبير مستشاريه:
• 'المستر ويليامس كراك ، عهدي بك أنك ضليع في فلسفة المال ، ما رأيك ، إذا نحن طالبنا جهارا بانضمام هذه الدول إلى حضيرتنا..؟'
دنت منه السكرتيرة Marom ، وهي الروبوت المفضلة ، كان يصطحبها في رحلاته الملاحية ، فهمست في أذنه :
• 'لقد حان أوان قيلولتك ، هل سأعدً لك..'
• أشاح عنها بوجهه : ' دائماً أوصيك.. بالتخلي عن استعمال هذا العطر.. ألا تعلمين أنه يدغدغ أعصابي ، وأنا في اجتماع حاسم..؟! '
• 'عفواً سيدي الرئيس ، سأرجئه إلى حين الولوج إلى مخدعك.. فهلا صببت لك قدحا من شرابك 'صامويل' ؟ '
• 'لا .. قومي برصد جزيرة 'سيبروس' لأعاين مقر تواجد مخزوننا النووي الآسيوي..'
• كبير مستشاريه مستدركا : 'عفواً سيدي الرئيس ؛ فالجزيرة تعتبر أكبر مخزون لمعدن (الكاليفيرنيوم) ، توجد به كميات خام ضخمة ؛ كافية لإنتاج ملايين الرؤوس النووية..'
أوان الاتصالات
حان موعد الاتصالات الرئاسية ، كما كان مقررا لها ؛ الأولى مع شين بي ، والثانية مع فلاديمير بوتين ، بينما الثالثة كانت مخصصة للفريق USAPEACE على سطح القمر. وللتو تحولت الشاشة إلى مشهد منتزه افتراضي ، ظهر على ضفافه الرئيسان يخطوان الهوينا ؛
• دونالد ترامب مازحا: ' قيل بأنك تعشق النسرين وتهيم به ، لذا وقع اختيارنا على هذا المرج..'
• شين بي ، يصدر قهقهة شبيهة بطائر الصقصاق ، سرعان ما كظمها : 'آه.. هذا لطف كبير من سيادتكم ، فكرت في أن أستثمر في النسرين ، طالما أنه بدأ ينقرض'
• ترامب ، معقبا : 'كل شيء يتحول لديكم إلى استثمار.. أخشى أن تستثمروا غدا في نعيق البوم! '
• شين بي مقهقها: ' وما بالكم أنتم تستثمرون في النيران ، فتعالوا نعقد صفقة هدنة..'
• ترامب ؛ هدنة ! طيب سننظر في هذا الأمر متى تبين لنا حقيقة ما تعنونه بهذه الكلمة ! إلى اللقاء السيد الرئيس'
• إلى اللقاء السيد الرئيس.
وفي لحظة موالية ، تغيرت الشاشة لتتحول إلى مشهد الرئيس بوتين و ترامب ، يخطوان بممشى داخل دغل كثيف مكسو بالثلوج،
• ترامب ، محاولا نفض معطفه من ندف ثلوج عالقة : '.. ما زلت أحاول فك لغز'الدب الروسي ' ومقارنته بالدب الأمريكي ، ولماذا ينعتوننا بوحوش ضارية ، على هذه الشكيلة ؟! '
• بوتين ، يهز كتفيه في خيلاء: '.. لا.. الدب الروسي مازال حيا يرزق ، بينما الدب الأمريكي فلعله انقرض أو في طريقه إلى الانقراض.'
• ترامب ، حانقا : '.. كنت لا أصدق زيلينسكي ، كلما حاول توصيفك .. ربما تخليك عن العناد سيكون مفتاحا لإيقاف هذه الحرب المستعرة بينكما..'
• بوتين ، يتوقف ويلتفت إلى ترامب وجها لوجه : 'السيد الرئيس ، ربما غاب عن أنظاركم أن مفتاح إيقاف دوامة الحرب هذه ، أساسا يكمن في الودائع الروسية المجمدة لديكم ، إلى جانب العقوبات المفروضة علينا غصبا..'
• ترامب ، مستدركا: 'الودائع.. الودائع. نعم سأتحدث إلى الاتحاد الأوروبي بشأنها.. لكن ربما ستتعرض إلى القضم ، إذا بقيت مصرا على ركوب ماكينة الحرب..! '
• بوتين ، متهللا وجهه: ' شكرا السيد الرئيس.. سننظر في الأمر لاحقاً. '
اتصال مفاجئ
اقتربت منه Marom ، وهو يهم بالولوج إلى مخدعه : ' سيدي الرئيس.. مهلا…مهلا.. فهناك كيم جونغ ، رئيس كوريا الشمالية ، على الخط .'
• ترامب ، كوريا الشمالية ! طيب .. أفسحي له الخط.
• كيم جونغ ، على الموبايل: 'هذا رئيس كوريا الشمالية ، فهل تسمعني ؟ '
• ترامب ، منفعلا: 'أهلا بالرئيس.. نعم أسمعك جيداً'
• كيم جونغ: 'أنا لا أحذر ، ولكن أُشْعر أن أي اعتداء عسكري على روسيا يعتبر اعتداء على كوريا الشمالية ، لكن نأمل معا ألا تزيغ مواقفنا.. أو تغذيها أطراف معادية..'
• ترامب ، وقد احمرت أوداجه: ' لا أسمح لأحد التحدث إلي بهذه اللهجة ، حتى ولو كان في منزلة الرئيس. ! يقفل الخط فجأة '
لكن قبل أن يهم بإفراغ كوب البولصا في جوفه ، عاودته المضيفة : 'لديك مكالمة من إحدى دول الشرق الأوسط ، فهل سأؤجلها ؟ '
• ترامب ، في حيرة: ' إني لأعلم هذه المكالمة وكنهها ، فكم أرقتني ، وما زالت! … عملية قصف المفاعلات النووية الإيرانية ، باتت تشكل لدي ورما.. كيف سأتخلص منه… والتقارير الإستخباراتية الواردة علي ، سواء من البنتاغون أو المخابرات المركزية CIA تؤكد أن محاولة من هذا القبيل تعد ضربا من الجنون ، لها تبعات ايكولوجية وعسكرية لامحدودة ، وتعد بمعنى من المعاني مقدمة لحرب عالمية ، وهي لا تعدو ؛ إن نشبت ؛ محاولة لإنقاذ مستقبل سياسي لرجل متطرف لأقصى الحدود… هلاك مئات الآلاف.. لحماية شخص واحد… ياللهول ! '
عين الرئيس على القمر!
آن موعد الرئيس لولوجه قاعة لعبة الغولف ، كانت هناك مشروبات تؤثث جنبات القاعة ، إلى جانب عصي بشتى الأشكال ، موضوعة على حافة البساط الأخضر ؛ تقدم الرئيس وأمسك بإحداها محاولا قذف كرة في اتجاه إحدى الحفر ، حرص على التركيز ، لكن سرعان ما قذف بها جانبا متأففا:
• ' لم تدع لي السياسة سوى التوتر… جهزوا لي المسبح ، علني أتخلص من هذا الضغط الرهيب '
وما زال كذلك ، إذا بالمضيفة تلتحق به لاهثة :
• 'سيدي الرئيس..! هناك اتصال من القاعدة العسكرية ، على سطح القمر '
الرئيس ، يدير الزر للمكالة المصورة:
• 'أهلا.. الكابتن مارلوكس ، ومرحبا ، كيف هي ظروف الإقامة هناك ؟'
الكابتن مارلوكس ، في صوت عميق :
• 'جيد .. جيد.. سيدي الرئيس ، لقد قمنا بتأمين منطقة بمساحة عشرات الأميال ، وجهزناها بكل ما يلزم للإقامة السياحية..' .
• الرئيس ، مقاطعا ، وقد تهلل وجهه ، ونسي أنه دخل المسبح بثيابه : 'عظيم… عظيم.. أجمل خبر أتلقاه في حياتي ؛ نادوا مستشاري فورا ، وليعملوا من الآن على تحضير سفريات إلى القمر ، وفتحها في وجه العموم.. مقابل سبعمائة مليار دولار ، للإقامة الفردية مدة يومين…'
يسدل ستار الأقصوصة على :
الطائرة الرئاسية ، تحاول الرسو بمطار رونالد ريغان ، والرئيس؛ من خلال كوة ؛ يستعرض أمام ناظريه مدرج المطار ، و الإجراءات البروتوكولية الجارية لاستقبال عودته إلى أرض الوطن .