منذ 10 ساعات
الرقابة النووية السعودية: استهداف المنشآت السلمية انتهاك للقانون الدولي
قالت هيئة الرقابة النووية والإشعاعية السعودية اليوم الجمعة إن أي هجمات عسكرية على المنشآت النووية المدنية تنتهك القانون الدولي، وذلك في أعقاب هجمات إسرائيلية على مواقع نووية إيرانية وسط الحرب الجوية بين الجانبين.
وأضافت الهيئة أن "أي هجوم مسلح من أي طرف، وأي تهديد يستهدف المرافق النووية المخصصة للأغراض السلمية، يُعد انتهاكاً للقرارات الدولية، ولمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي، والنظام الأساسي للوكالة الدولية للطاقة الذرية". وتُشرف الهيئة على وضع الأطر التنظيمية والرقابية للاستخدامات النووية والإشعاعية داخل المملكة، كما تتولى تنفيذ خطة الاستجابة الوطنية للطوارئ بالتعاون مع 33 جهة حكومية، وترأس اللجنة الوطنية للطوارئ النووية.
ويشمل عمل الهيئة مراقبة المواد المشعة، ورفع الجاهزية لمواجهة الحوادث، والتفتيش الدوري، إلى جانب برامج التوعية والتنسيق مع الجهات المحلية والدولية، في إطار تعزيز الأمن الإشعاعي وطنياً وإقليمياً. وعلى رغم أهمية دورها، بقيت الهيئة خارج التفاعل الإعلامي حتى تصاعدت المخاوف من تداعيات الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، لتعيد إلى الواجهة ملف السلامة الإشعاعية في الخليج.
تساؤلات وقلق
ويأتي ذلك في ظل قلق واسع من احتمال وقوع تسرّب إشعاعي عابر للحدود، بخاصة من مفاعل "بوشهر" المطل على الخليج العربي، الذي يثير مخاوف السعوديين لقربه من المنطقة الشرقية، واعتماده على بنية قديمة من حيث معايير السلامة. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فقد تم رصد تلوث نووي في بعض المواقع المستهدفة داخل إيران.
وتتجدد التساؤلات حول احتمال تلوث مياه الخليج، التي تُعد المصدر الأساسي لتحلية مياه الشرب في السعودية ودول مجلس التعاون، مما يضع الأمن البيئي والصحي تحت المجهر. وأمام هذه المخاوف، بدأت هيئة الرقابة تكثف نشاطها الرقمي عبر منصة "إكس"، فنشرت منذ 13 يونيو (حزيران) نحو 11 منشوراً توضيحياً، تضمنت رسائل طمأنة وتقارير متابعة، وهو ما يوازي إجمالي منشوراتها في شهري أبريل (نيسان) ومايو (أيار) مجتمعين.
وفي إطار إعداد هذا التقرير، تواصلت "اندبندنت عربية" مع هيئة الرقابة النووية والإشعاعية للاستفسار عن مستوى الجاهزية في حال رصد أي تسرب إشعاعي من خارج الحدود، إضافة إلى تفاصيل خطة الاستجابة الوطنية للطوارئ الإشعاعية، إلا أنها لم تتلق رداً حتى لحظة النشر.
تساؤلات شعبية
أكدت الهيئة في منشوراتها أن مستويات الإشعاع داخل المملكة "ضمن المعدلات الطبيعية"، وأن مركز العمليات يعمل على مدار الساعة، وتخضع محطات التحلية لأنظمة ترشيح متقدمة قادرة على التعامل مع أي ملوثات إشعاعية. لكنها على رغم التطمينات، واجهت تساؤلات من المواطنين حول واقعية الخطر، في ظل الانتشار الكبير للصور الذهنية السلبية المرتبطة بالحوادث النووية الكبرى.
وفي هذا السياق، شددت الهيئة على أهمية الالتزام بالبيانات الرسمية وتجنب الإشاعات والمبالغات، مؤكدة أن الحماية من الإشعاعات تشمل المصادر الطبيعية والصناعية والطبية، إلى جانب الرقابة على المنشآت النووية والتزامها بالمعايير الوطنية والدولية.
وبحسب بيانات منشورة على موقع الهيئة، تغطي شبكة الرصد التابعة لها نحو 400 موقع في المملكة، وتتصل مباشرة بمركز عمليات الطوارئ النووية لتفعيل آليات التنبيه الفوري عند رصد أي تغيّر غير طبيعي، ضمن النظام الدولي لمعلومات الرصد الإشعاعي IRMIS، بما يعزز فرص التنسيق العاجل إقليمياً ودولياً.
فوبيا الإشعاع
لكن المخاوف لا تتعلق فقط بالتهديد الفعلي، بل تمتد إلى الجانب النفسي، إذ حذّر استشاري الطب النفسي عبدالله المضيان من تحوّل القلق الطبيعي إلى ما يُعرف بـ"فوبيا الإشعاع"، أي الخوف المبالغ فيه من المواد المشعة، حتى من دون وجود خطر حقيقي. وقال إن الكوارث السابقة كتشيرنوبل وفوكوشيما زرعت صورة ذهنية قاتمة، وتحوّلت إلى رموز ثقافية للخطر في الوعي الجمعي، يغذيها الإعلام والروايات أكثر من الحقائق العلمية.
وأضاف أن هذا الخوف المُضخّم قد يسبب اكتئاباً مزمناً واضطرابات نفسية، منبهاً إلى أن العلاج لا يكون بالطمأنة السطحية فقط، بل عبر تصحيح المفاهيم المغلوطة، وأن العلاج السلوكي المعرفي أو الدوائي قد يكون ضرورياً في بعض الحالات.
ويؤكد مراقبون أن تمركز معظم المنشآت النووية الإيرانية في وسط البلاد وجنوبها الغربي يجعل دول الخليج معرضة لتأثير مباشر في حال وقوع تسرّب، لا سيما مع الرياح الشرقية التي تنقل الغبار المشع نحو الخليج.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
مفاعل "بوشهر"
وفي تصريح سابق لـ"اندبندنت عربية"، أوضح أستاذ العلوم الإشعاعية ناصر شبير أن مفاعل "بوشهر" يمثل الخطر الأكبر، وأن تدمير قلبه قد يؤدي إلى تسرب "السيزيوم 137" و"السترونتيوم 90" و"اليود 131"، وهي عناصر مشعة قد تسبب أمراضاً خطيرة مثل السرطان وتلوثاً بيئياً يمتد لعقود.
وأضاف أن تسرب هذه المواد إلى مياه الخليج يهدد النظم البيئية البحرية والأمن الغذائي، ويستلزم تفعيل خطط طوارئ إقليمية، تشمل أنظمة رصد مبكر، وملاجئ طوارئ، وخطط إخلاء وتنسيق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وفي دراسة علمية نُشرت عام 2023 في مجلة "علوم وهندسة البحار"، حذّر باحثون من أن أي حادث نووي في منشأة مثل "بوشهر" قد يسبب تلوثاً طويل الأمد للمياه، يمتد إلى السلسلة الغذائية ويؤثر في الإنسان عبر الكائنات البحرية. وأشارت الدراسة إلى أن الطبيعة المغلقة للخليج العربي وبطء تجدد مياهه يجعلان من الصعب احتواء الإشعاع أو معالجته، مما يُشكل تهديداً بيئياً ممتداً يتجاوز الحدود.