منذ 18 ساعات
خيار الرد الإيراني كان مدروساً بعناية ، بقلم : راسم عبيدات
خيار الرد الإيراني كان مدروساً بعناية ، بقلم : راسم عبيدات
بداية لا بد لنا من القول، بأن ايران محاطة بالأعداء، امريكا واوروبا الغربية واسرائيل، والدول العربية الوظيفية التي تحتضن القواعد العسكرية الأمريكية، والدول المطبعة مع اسرائيل، وهي ترى بأن انتصار ايران ومحورها في المنطقة والإقليم، يزيد من مخاطر تعرض مصالحها للخطر، ويسهم في 'حفر قبور' عروشها، وهي تدرك بأن تلك العروش،هي ليست نتاج إرادة شعبية،بل هي في أغلبها يجري تعيينها وتنصيبها من قبل السفارات الأمريكية والغربية في تلك البلدان،أو هي قيادات صدفة،وليست قيادات أصيلة،ولا تمتلك أية رؤيا استراتيجية،وفاقدة لإرادتها ولقرارها السياسي.
من هذا المنطلق هناك البعض،وربما بحسن نية ولكن بخباثة الأغلبية وفشلهم والتغطية على عجزهم،كانوا يتمنون ان تهزم ايران وتدمر،وشرعوا في توظيف ذبابهم الألكتروني ووسائل اعلامهم ومنصاتهم الإعلامية،والمرتزقة من محللي فضائياتهم السياسيين والخبراء العسكريين الإستراتيجيين والخبراء في الشأن الإسرائيلي والإيراني،وتجار 'التكتوك' وغيرهم،لشن حملة مركزة على ايران،وتصوير الأمور على ان هناك هزيمة كبرى لحقت بإيران،وردود ايران شكلية ومتفق عليها،وانه جرى تدمير قدراتها ومنشأتها النووية والصاروخية وبات النظام اقرب الى فقدان السيطرة والسقوط.
في هذا الإطار والسياق لا بد لنا من جلي الحقائق،استناداً للتحليل الملموس للواقع الملموس،حول شجاعة القيادة الإيرانية وحكمتها والرؤيا الإستراتيجية التي تمتلكها وأدارت فيها المعركة بإقتدار .
البعض كان يرى بأن ايران بعد قصف منشأتها النووية الثلاثة 'فوردو'،نطنز'،و'أصفهان'،والتي أفرغت مسبقاً من اليورانيوم المخصب،واحتفظ به في مواقع أمنة قبل أن يتم قصفها من قبل القاذفات الأمريكية 'جي بي يو 57″،والتي انطلقت من القاعدة الأمريكية' للقيادة المركزية للقوات الأمريكية في المنطقة ،قاعدة' العديد'، والتي استخدمت في العدوان على تلك المواقع،حيث حرصت ايران على استهداف تلك القاعدة،بما لا يمس لا بالشعب القطري ولا بالمنشأت والمؤسسات القطرية،فإيران ليست في حالة عداء مع قطر ولا شعبها،بل هناك روابط وعلاقات جيدة بين البلدين، وما جرى استهدافه الدور الوظيفي لقطر،عبر هذه القاعدة التي تفرض امريكا سيادتها عليها،وكأنها ارض امريكية.
ايران درست خياراتها جيداً،دون ان تفقد اتجاه البوصلة أو الرؤيا الإستراتيجية،فهي ترى بأن الحلقة المركزية للضربة،يجب ان تتركز على شريكة أمريكا وعنوانها وقاعدتها المتقدمة في المنطقة والتي تحمي مصالحها 'اسرائيل'، والتي قال عنها المستشار الألماني فريدريتش ميرتس على هامش اجتماعات الدول الصناعية السبع في كندا يوم الثلاثاء 17/6/2025،بأنها تقوم بالعمل القذر عنا جميعاً،وعندما لا تستطيع القيام بذلك يتدخل الأصيل أمريكا.
وقبل التطرق الى خيارات ايران لما بعد الضربة الأمريكية،ولماذا رسى القرار على الرد بالمثل وبشكل متكافىء وفي إطار الندية،على قصف قاعدة 'العديد' الأمريكية، التي انطلقت منها القاذفات الأمريكية العملاقة.
علينا ان نتذكر جيداً ،انه بعد قرار اليمن- انصار الله،العودة الى حربها الإسنادية لقطاع غزة ومقاومتها،وربط وقف ذلك برفع الحصار عن قطاع غزة وفتح المعابر وإدخال المساعدات الإنسانية غذائية وطبية ووقف العدوان على قطاع غزة.
أمريكا شنت الى جانب بريطانيا وكذلك في بعض الأحيان اسرائيل، غارات غير مسبوقة على اليمن،وعلى البنى التحتية ومحطات الكهرباء وخزانات ومجمعات الوقود وكذلك استهدفت ميناء الحديدة ومطار صنعاء ،والكثير من الأعيان المدنية،وحشدت لذلك بوارجها وسفنها ومدمراتها،واستقدمت احدث طائراتها الحربية،من أجل تركيع اليمن وثنيه عن حربه الإسنادية،ولكن اليمن،سجل حالة صمود وثبات غير مسبوقة،والحق اضرار بالغة بالعديد من المدمرات الأمريكية وخاصة ترومان،وكذلك اسقط احدث طائرات التجسس الأمريكية من طراز هيرمس 900،وأمريكا باتت تخشى على مدمراتها من الغرق لإستهدافها بالصواريخ البالستية والفرط صوتية اليمنية والمسيرات الإنقضاضية،ناهيك ان اليمن دفاعاتها الجوية،كادت ان تسقط طائرة ' أف 35″ ،الشبح،ولذلك رأت امريكا بان هذه الحرب التي ارادت منها ان توجه رسائل لإيران، بأن ما ينتظرها من دمار وخسائر يفوق عشرات المرات ما حل باليمن،ولكن خوف امريكا ودخولها في مأزق استراتيجي وعجزها عن تحقيق نصر على اليمن، دفع بها لكي لا تخسر سمعتها ومكانتها وهيبتها العسكرية، إلى توقيع اتفاق مع اليمن- انصار الله،يوقف استهداف 'انصار الله' للسفن والمدمرات والبوارج الأمريكية،ويبقى على استهداف 'أنصار الله' للسفن التي تخرق الحظر الإقتصادي البحري التي فرضته اليمن على السفن التي تحمل البضائع الى موانىء الإحتلال،واستمرار قصفها بالصواريخ والمسيرات اليمنية.
هذه الرسالة التي ارادت امريكا نقلها لإيران، إرتدت عليها،فإيران ليست اليمن بقدراتها وامكانياتها العسكرية والتسليحية،وما تملكه من ترسانة كبرى من الصواريخ البالستية والفرط صوتية والمسيرات الإنقضاضية.
في الوقت الذي كان فيه ترامب يسعى لعقد اتفاق مع ايران حول برنامجها النووي،على قاعدة حق ايران في امتلاك تقنية تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية،مع ضمانات ملزمة بعدم تحول برنامجها النووي لبرنامج عسكري ،وأن ينحصر التفاوض في هذا البند،ولا يتطرق لا لمنظومات ايران من الصواريخ البالستية والفرط صوتية،ولا الى دورها الإقليمي ودعمها العسكري لقوى المقاومة الفلسطينية والعربية،وجرت خمس جولات تفاوضية برعاية عُمانية، كان ترامب يطلق التصريحات المتناقضة،فتارة يتحدث عن الخيار السلمي والتفاوضي للوصول الى إتفاق مع ايران حول ملفها النووي،ويحذر نتنياهو من التدخل لإفشال جهوده في هذا الإتجاه،وبالمقابل بعد الجولة الخامسة،ونتيجة الضغوط التي مورست عليه من قبل نتنياهو والدولة العميقة في امريكا والمحافظين الجدد في الإدارة الأمريكية واللوبيات الصهيونية، بدأ يتحدث عن ضربة عسكرية لمشروع ايران النووي،اذا لم تستجب لشروطه بتوقيع اتفاق تمنع فيه ايران من التخصيب لليورانيوم،أي اتفاق بدون تخصيب،في حين كان الرد الإيراني لا اتفاق بدون تخصيب.
وفي الوقت الذي استمر فيه في الخداع والتضليل والكذب،كان يخطط مع شريكه نتنياهو لتوجيه ضربة عسكرية اسرائيلية كبرى لإيران في فجر يوم الجمعة 13/6/2025، تطال منشأتها النووية ومنظومات القيادة والسيطرة،واستهداف القيادات العسكرية والأمنية واغتيال العلماء النووين،وتحريك العملاء والمرتزقة في الداخل والمرتبطين مع المعارضة الإيرانية في أوروبا،وكذلك المرتبطة بالموساد،بالتحرك والقيام بعمليات الإغتيال والتفجيرات ونشر حالة من الفوضى والإرباك،من اجل تأليب الجماهير على النظام من أجل اسقاطه واسقاط الدولة الإيرانية،كما حصل في سوريا بإسقاطها بواسطة الحرب والعقوبات.
القيادة الإيرانية ورغم الخسارة الكبيرة، استطاعت ان تستوعب الضربة في اليوم الأول،وفي نهايته كانت تصل الى معادلة الردع والدمار مع اسرائيل وفي اليوم الثاني وصلت الى التوازن النسبي في استهداف الأهداف الإستراتيجية،وفي اليوم الثالث كانت، منظومات الدفاع الجوي الإسرائيلي والأمريكي بطبقاتها المختلفة 'قبب حديدية'،'مقلاع داود'، 'سهم 1 و2 '، و'الثاد' الأمريكية ،تعاني من نقص في الذخائر اللازمة لتذخير الصواريخ الإعتراضية،وبدا نتنياهو الذي كان يزهو كالطاوس،متبجحاً بأنه يغير وجه الشرق الأوسط،قد بدأ يتراجع عن نصره المطلق نحو ضرورة الصمود،في ظل صواريخ ايرانية متدرجة القدرات والنوعية والقوة التفجيرية والمدايات،وصولاً الى الصواريخ متعددة الرؤوس التفجيرية،تلك الصواريخ التي لم تترك أية اهداف عسكرية وأمنية واستخبارية وبيولوجية وتكنولوجية وبحثية وقواعد عسكرية وجوية وبحرية ومطارات ومنصات غاز ومحطات كهرباء وموانىء واهداف اقتصادية وحيوية إلا وطالتها،وهذا شكل ضغط كبير على الجبهة الداخلية الإسرائيلية وعلى الأوضاع المعيشية والحياتية والخدماتية للمستوطنين،والذي بدأ صوتهم يعلو بالصراخ،وبدؤوا هجرة عكسية من فلسطين الى خارجها،هروباً من جحيم ما يعرف بأرض السمن والعسل ،عدا عن الخسائر الإقتصادية غير المسبوقة والحصار الجوي والبحري الذي فرض على اسرائيل،وشل جبهتها الداخلية،ولذلك بدأ نتنياهو يستصرخ ترامب التدخل العسكري المباشر،من اجل تحقيق اهداف الحرب التي عجزت عنها اسرائيل،بتدمير المواقع والمنشأت النووية الإيرانية والأهم منظومات الصواريخ البالستية والفرط صوتية،وصولا الى اسقاط وتغير النظام وهوية الدولة.
ترامب وافق على ان يرفع درجة مشاركته في الحرب الى الشكل العلني والمباشر، ووافق على خطط الحرب،مع اعطاء مهلة اسبوعين في خدعة جديدة،لكي يتسنى له استكمال حشد القوات الأمريكية،واستقدام المزيد من البوارج والمدمرات والطائرات الأمريكية،فإسرائيل باتت في حالة استنزاف وفي خطر يهدد وجودها،وترامب ملزم بمنع هزيمتها والدفاع عنها،ولذلك شن ضربته النووية بإستخدام القاذفات الإستراتيجية 'ج بي يو 57' وصواريخ توماك من قبل السفن الأمريكية،واستخدم في القصف وادارة العملية،قاعدة 'العديد' الأمريكية في قطر، كأكبر قاعدة امريكية للقيادة الوسطى للجيش الأمريكي،وهي القاعدة التي تشكل العصب العملياتي للقوات الجوية الأمريكية، مسؤولة عن تشغيل الأقمار الصناعية،شن الغارات والتحكم في المسيرات وإستيعاب طائرة الشحن الضخمة والمقاتلات بعيدة المدى.
الضربة الأمريكية طالت ثلاث منشأت نووية ايرانية 'فوردو' ،'نطنز' و'اصفهان'،والتي يبدو أنها أفرغت مسبقاً من اليورانيوم المخصب، وتوعدت ايران بالرد على هذا الضربة الأمريكية،التي تفتقر للشرعية وللمصوغات القانونية،وتخرق كل الأعراف والقوانين الدولية،ضرب منشأت نووية تخضع للتفتيش ورقابة وكالة الطاقة الذرية.
قرار الردّ مهما كان محسوباً ومدروساً وحذراً ، هو قرار كبير ومخاطرة بالدخول في حال حرب مع دولة عظمى تملك مقدرات هائلة ويتفادى كل العالم الاصطدام معها ، فقد قالت إيران عبر هذا الردّ إنها دولة عظمى بدرجة تمسّكها بسيادتها مشبعة بالشعور بالكرامة، ولا يمكن لها أن تدع عدواناً على السيادة والكرامة الوطنيتين دون ردّ.
الى جانب الشجاعة في القرار الإيراني،أظهرت ايران حكمة في اختيار مدروس لهذا الرد،فهي لم تذهب لخيارات،كان من الممكن أن تضعف من مواقفها،وتزيد من العداء لها،من قبل دول وقوى،رفضت وادانت العدوان الأمريكي والإسرائيلي على ايران،فمثلا لم تقدم على اغلاق مضيق هرمز،لما لذلك من تداعيات كبيرة على الإقتصاد العالمي،وسلاسل توريد الطاقة،وأكثر من المتأثرين من هذا الإغلاق المنتجين والمستوردين للنفط دول الخليج العربي والصين والهند.
في حين أي قرار بتغيير عقيدتها النووية والذهاب نحو خيار تصنيع السلاح النووي، قد يدفع بمن يقفون الى جانبها في خيار امتلاك برنامج نووي سلمي،للوقوف ضدها والسكوت عن الحرب العدوانية الأمريكية على منشأتها النووية.
ولذلك كانت الحكمة في قرار الذهاب الى الخيار الناري بالرد على قصف منشأتها النووية، بإستهداف قاعدة ' العديد' الأمريكية في قطر، أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة،والتي ادارت الحرب ضد ايران، وانطلقت الصواريخ لقصف منشأت ايران النووية منها،رد متكافىء مع العدوان الأمريكي،ومساوي لعدد الصواريخ التي استخدمت في القصف الأمريكي،وايران ردت وامتلكت الشجاعة والحكمة والجرأة في قرار الرد،بقيت ممسكة بحلقتها المركزية، بإستمرار قصف اسرائيل واستزافها،الأمر الذي دفع بإسرائيل أن تطلب عبر امريكا وقف إطلاق النار،ونقلت امريكا رسائل لإيران وقطر بقبول وقف إطلاق النار، فالجبهة الداخلية الإسرائيلية تنزف واهداف الحرب لم تتحقق،ولذلك بات مطلوباً ،منع انهيار الجبهة الداخلية الإسرائيلية وهزيمة اسرائيل،ولكي تقبل ايران وقف إطلاق النار الذي اقترحته أمريكا،ولكن ان تكون الضربة النهائية لها لوقف العدوان،حيث صواريخها من طراز خيبر شيكن متعدد الرؤوس الحربية، كانت صباح اليوم الثلاثاء،تقصف اهداف استراتيجية في بئر السبع وتل ابيب وشمال فلسطين،مخلفة دمارا واسعاً وقتلى وجرحى.
ما فعلته إيران عبر قرار الردّ قدّم صورة قيادتها كقيادة استراتيجية لدولة عظمى، ومنحها موقع صاحب المبادرة الوحيد في المنطقة، وأن القيادة التي سوف تدفع ثمن هذه الحرب هي قيادة نتنياهو وليس القيادة الإيرانية كما توهّم نتنياهو.
فلسطين – القدس المحتلة