logo
#

أحدث الأخبار مع #المتنبى

غُريبة الشيخ حمزة.. ومفارقات على لوز
غُريبة الشيخ حمزة.. ومفارقات على لوز

بوابة الأهرام

time٢٨-٠٣-٢٠٢٥

  • ترفيه
  • بوابة الأهرام

غُريبة الشيخ حمزة.. ومفارقات على لوز

لم نكن مع الشاعر الكبير المتنبى فى هذا المشهد... وهو ينظر إلى المحروسة نظرة أخيرة قبل أن يقرر تركها إلى الأبد. فعلها المتنبى وغيره لم يستطع لأنه جاء بأحلام عريضة لم يتحقق منها شيء. كان يريد لنفسه مالا أو إقطاعية لها كنوز من خيرات الأرض المصرية. ولكن ما حدث جاء مخالفا لكل توقعاته وهو الذى وقف عند أبواب كافور الأخشيدى مادحا، وكان فى شعره هو أبو المسك الذى يحكم البلاد والأستاذ الذى يحترمه الناس. كتب المتنبى وصال وجال بقصائده، وارتفعت به الأحلام وحلقت به. ولكنها كانت فقط أحلاما وأحلاما لم يفق منها الا على قول كافور إنه إذا حصل على ما يريد...فمن يطيقه. كان رد كافور حاسما، فلن يجود على الشاعر المتألق إلا بدعوة على موائده. لكن هل أتى المتنبى ليكون ضيفا، لا أعتقد، فطموحه يفوق كثيرا ما نعتقد. ولهذا أعتبر ما جاء على لسان كافور وما فعله إساءة بل إهانة لا تغتفر. هذا لأنه فى اعتقاد الشاعر الكبير أنه يطلب، فيجاب. فلم يجد أمامه سوى شعره الذى هجا فيه كافور علانية وعلى مشهد من الجميع ليصل إلى أسماع كل من يقرأ لا تشترى العبد إلا والعصا معه. والمهم أن المتنبى قد ترك شعرا، ليس له مثيل. فقد ينسى الناس الناس ويبقى الحكم والشعر والأمثال. وإن كان قد يتساءل البعض، هل لو صبر المتنبى على كافور لحصل على ما يريد، ربما وكأن ما حدث بينهما يمر مثل زعابيب أمشير وربما لن يحصل على ما أراد وأنه كان محقا فى عزمه على الرحيل. هذا هو المتنبى الذى كتب يوم عيد ..«بأى حال عدت يا عيد؟»، لكن العيد فى مصر لم يفهمه كبير الشعراء . يمكننا القول ببساطة وارتياح إنه لم يفهم معنى العيد فى مصر، ولو عرفه على حقيقته المصرية لما بدأ قصيدته بهذا البيت. تأتى أعياد مصر محملة بنسمات الرحمة والتراحم، بهجة وطقس مصرى بامتياز يتجدد منذ وعت الدنيا وكأنه مهمة احتفالية تتناقلها الأجيال للبحث عن كل ما يسعدهم. أنت جلاب السعادة يا عيد، ولنقلب الصفحات معا، ولنختر أن نذهب إلى الفسطاط والقاهرة القديمة حيث يأتى عيد الفطر بعد شهر من الابتهال والرجاء والدعوات الحارة. بداية من التمر المبتل بالماء وأكواب الشاى بالنعناع حتى الموائد العامرة التى تحفظها البيوت. هى ثلاثون يوما رمضانيا يبدأ بـ«المرق» الذى تصبر عليه البيوت أيام قبل رؤية الهلال حتى إذا ما أهل رمضان تبسط الموائد وتمد بأطيب طعام يملكه كل منزل. ليأتى بعدها عشرة «الحلق» الذى تتحضر فيه البيوت لصاجات الكعك المحمولة إلى الأفران، ثم عشرة «الخرق» الخاصة بإعداد الملابس التى سترتدى فى العيد بعد أن تثبت صوانى الكعك والغريبة. أصناف وأشكال مختلفة من الكحك والحلويات على موائد العيد هذا هو طقس العيد عيدية وفاكهة وحلوى وكعك هو صنعة متقنة ومعروفة من زمن المصريين القدماء. وإن كان كل زمن يضيف مثل على لوز ضيف العيد المفضل. فكما يحكى الكاتب أحمد أمين « كان الأطفال فى العيد يعقدون السكر ويصبونه فى صوان صغيرة، ويضعون عليه اللوز المقشر، وينادون عليه على لوز. وقد استعمله الأطفال جلبا للعيدية، فأقارب الأطفال يأخذون من حلاوته هذه قطعة صغيرة تسمى «الملوق»، ويدفعون له عيديته. وكان هناك من يتاجر بها فى الأعياد فيصنع صوانى كبيرة مملوءة بعلى لوز. لكن ليس على لوز وحده، فالغُريبة أيضا لها قصة وشهرة، فكما يحكى عبد الله باشا فكرى أن الشيخ حمزة فتح الله قد أخذ معه بعض قطع من الغُريبة إلى مؤتمر المستشرقين، فوجد أن هناك جمركا كبيرا قد فرض عليها. فلم يفهم الأوروبيون ما جاء به الشيخ، ونتيجة لذلك تفتت الغُريبة إلى قطع صغيرة، فأتلفت جبته وقفطانه الموجود فى الحقيبة، فلم يجد بدا أمام ما حدث إلا أن يشحنها مرة أخرى إلى مصر بواسطة شركة شحن كبيرة. موقف غريب، ولكن من يكون الشيخ حمزة وراوى الواقعة عبد الله باشا فكرى، ولماذا يتذكرها الناس إلى الأن؟ ربما كان السبب هو عبد الله باشا فكرى والذى كان شاعرا وكاتبا مصريا رفيعا استطاع أن يحقق الكثير فى زمن الخديو إسماعيل. وقد كان من كبار المتعلمين فى بر مصر وترقى لكى يكون ناظرا أو وزيرا للمعارف المصرية فى وزارة البارودى، ولكنه رغم براعته القلمية كما يتضح فى كتبه « الفوائد الفكرية للمكاتب المصرية» قد وجد نفسه متهما ذات يوم. والتهمة غريبة وهى الاشتراك فى الثورة العرابية. ويُخْتار فيما بعد رئيسا للوفد العلمى المصرى فى مؤتمر إستوكهولم، وأما الشيخ الأزهرى حمزة صاحب الغريبة فقد كان هو الآخر رمزا تنويريا وكاتبا وصحفيا بجريدة الكوكب الشرقى، وكانت له مهمته الكبيرة فى مدرسة دار العلوم، وكان مهتما بحقوق النساء فى الإسلام. حدث كل هذا فى القرن التاسع عشر، بل الغريب أنه يقال إن عبد الله باشا توفى فى أحد الأعياد. ولتظل هذه واحدة من النوادر التى نتناقلها بين الكعك والغريبة. وهكذا مصر خلطة غريبة تجمع بين الطعام والثقافة والتراث والسعادة. ولعلها مناسبة لأن نقرأ عن مصر التى لا يعرفها كثيرون، والتى تكثر فيها الأحداث والشخصيات حتى إن بعضها قد يغيب وسط عزها الدائم.

حمل التطبيق

حمّل التطبيق الآن وابدأ باستخدامه الآن

مستعد لاستكشاف الأخبار والأحداث العالمية؟ حمّل التطبيق الآن من متجر التطبيقات المفضل لديك وابدأ رحلتك لاكتشاف ما يجري حولك.
app-storeplay-store