#أحدث الأخبار مع #المشاهداتصحيفة الخليجمنذ 14 ساعاتترفيهصحيفة الخليجمنطق الجذب بالصدمةمن الإثارة إلى إفقار الوعي وتَصّدر أضواء الشهرة.. هذا هو واقعنا اليوم في عالم تسود فيه الثقافة السوقية، ويتحكم فيه المُعلن. يتراجع المَضمون العميق لمصلحة ما يُثير الانتباه. فعلى وقع الأحداث المتتالية والتغريدات والتصريحات المتلاحقة وكثرة منابر المِنصات الإعلامية، برز في الآونة الأخيرة منطق الجذب بالصدمة. وقد ورد هذا التعبير في كتاب (آلان دونو) الشهير «نظام التفاهة». حيث أشار إلى أن التردي المَعرفي والاجتماعي لم يعد حالة طارئة، بل نظام قائم بذاتِه، يُكافئ السطحيّ بالضوء والشهرة، ويُقصي العميق في هوامش العتمة. وفي هذا السياق يُعد مَنطق الجذب بالصدمة أداة مَركزية لترسيخ هذا النظام لا مجرد ظاهرة عابرة. نحن اليوم أمام إعلام يبحث عن الإثارة أكثر من المضمون. الأمثلة كثيرة وتبدو واضحة في البرامج الحوارية التي انتشرت أخيرة مثل برامج (التوك شو) هناك نجد الكثير من الأمثلة الحيّة على هذا الانحدار الصادم بالعراك اللفظي والذي قد يمتد إلى عراك جسدي ما يجعله أكثر انتشاراً وتفضيلاً لدى المُعلن كونه يجذب عدداً أكبر من المُشاهدات. ونجد المُحَاوِر نفسه ينسى واجبه الإعلامي ويُقدم المُثير على حساب الخبير الموضوعي.. تُختزل القضايا الكُبرى إلى لحظاتٍ مشحونة بالصراخ والإهانة أو السخرية، تتقطع لاحقاً كمقاطع قصيرة تُنتشر على وسائل التواصل لتزيد نسب المشاهدة والتي تعني الربح المادي. إذاً، بالربح المادي يُقاس نجاح البرامج وهو ما يسمى (rating).. يتحكم المال في الإعلام.. ويتحكم الإعلام في التأثير على عقل المُشاهد.. يشتهر التافه الفارغ، ويُطمس العاقل المثقف. فالمعروض أمام الناس كثير.. وللأسف الناس يستوقفها المُثير، هذا هو الوضع الذي أشار اليه صاحب كتاب (نظام التفاهة) بوصفه موت الكفاءة لحساب القابلية لجذب الناس. هذا الواقع ظهر أيضاً بكثافة على منصات مثل (تيك توك) و(انستغرام) حيث لا يتوانى الباحث عن الشهرة السريعة المُجدية مادياً عن أفعال مُخالفة للأخلاق وتصرفات غبية مُثيرة غالباً ما تحصد عدداً كبيراً من المُشاهدات وتجعل من الحَمقى مشاهير، وللأسف أغنياء. هو المنطق الصادم نفسه القادر على جذب الناس يُستخدم في تسطيح العقول وبتمويل كبير من جهات إعلانية تضع الربح المادي فوق أي اعتبار. الإعلانات نفسها تتبع هذا المنطق. كمثال وجدنا شركة ملابس إيطالية معروفة تستخدم صوراً لرجل يموت على السرير (مصاب بالإيدز) للفت الانتباه إلى منتجاتها ثم تعود أمام انتقاد الناس ورفضهم بعد أن تكون بهذا الصدمة وإن كانت سلبية، قد حققت تصدرها للضوء.. تعود وتعتذر وتعرض منتجاتها بشكل مسالم. الأمثلة كثيرة. ولا مجال هنا لذكرها كلها.. لكن ما يجب أن نعرفه هو أنهم يعتمدون منطق الصدمة لجذب الجمهور ويبررون لاحقاً أن هدفهم إنساني وأنهم إنما يُروِجون لدعم المرضى عبر الصدمة البصرية.. لكن حقيقة الحكاية.. لا هدف لهم سوى الشهرة.. وحينما نسأل لماذا تنجح هذه الحملات؟ نجد الجواب.. هو أن العقل البشري يتذكر الصدمة أكثر من العادي. فالصدمة تثير الجدل، وتكرس انتشاراً واسعاً، ومجانيّاً.. وقد تخلق علاقة نفسية قوية مع الرسالة (سواء إيجابية أو سلبية). نحن في زمن يُعدّ فيه جذب الانتباه سواء سلبي أو إيجابي يساوي نقوداً وإعلانات. وكلما أثار شخص أو شركة الجدل زادت قيمته السوقية بغض النظر عن محتوى ما يقدمه. وهكذا يتم شغل الناس بما هو مُثير وغير مَألوف وجذبهم بعيداً عن كل ما هو مُفيد. وهذا ما يفسر إقبال شركات الإعلان على تسليع الشخصية المُثيرة للجدل رغم غرابة وتفاهة المحتوى. الخوارزميات المَبنية على الذكاء الاصطناعي تُروج ما يتفاعل به الناس لا ما هو أرقى أو أنفع. فالذكاء الاصطناعي هنا لم يُسَخر لخدمة الذكاء البشري على العكس هو الذي يجعل الحمقى مشاهير وأثرياء.. ولا مجال لتغيير الخوارزميات فهي أيضاً تحتاج منطق الصدمة الذي يساوي أرباحاً مالية. الخطر الأكبر هنا يكمن في أن الترويج للحمقى يجعلهم قدوة غير مقصودة للأطفال والمراهقين. المؤسف أكثر أن منطق الجذب بالصدمة وهو استراتيجية تسويقه كما أوضحنا، بات يُستعمل بكثرة في صفوف السياسيين.. فنجدهم على منابر التغريدات يلجؤون إلى استعمال عبارات خارجة وصادمة لجذب الانتباه وإثارة المُنافِس أو الخَصم.. وقد امتد الأمر حتى إلى تصريحات المسؤولين الكبار والرؤساء.. فاعتمد بعضهم هذا المنطق لصدم الإعلام وتصّدُر المَشهد، لكنهم سرعان ما يتراجعون (على طريقة شركات الإعلان) بعد أن يكونوا قد حققوا نصر الشهرة والجذب بالصدمة السلبية التي عادة ما تتحول إلى إيجابية عندما تكون الفرصة مؤاتية لتغير المواقف من الحدة إلى اللين، فيكسب بذلك السياسي شهرة وشعبية كبيرة. الحقيقة أن كل شيء بات في زماننا يتبع نظريات السوق وأهدافه. في كتاب «عقيدة الصدمة» للكاتبة (نعومي كلاين) نجد أنها ركزت فيه على أن الصدمة أداة سياسية واقتصادية لتمرير سياسات مُعينة بهدف السيطرة الإعلامية. أما كتاب «الخوف من الحرية» والذي نشر في الأربعينات من القرن الماضي فإن الكاتب (إريك فروم) أبدع في تحليل نفسية الجماهير واستعداها للانقياد خلف سلطات ورموز صادمة تعتمد الصدمة وتجيد تدوير مواقفها لكسب الشعبية.. هذا التحليل يمكن إسقاطه اليوم على واقع الإعلام والسياسة الحديثة.
صحيفة الخليجمنذ 14 ساعاتترفيهصحيفة الخليجمنطق الجذب بالصدمةمن الإثارة إلى إفقار الوعي وتَصّدر أضواء الشهرة.. هذا هو واقعنا اليوم في عالم تسود فيه الثقافة السوقية، ويتحكم فيه المُعلن. يتراجع المَضمون العميق لمصلحة ما يُثير الانتباه. فعلى وقع الأحداث المتتالية والتغريدات والتصريحات المتلاحقة وكثرة منابر المِنصات الإعلامية، برز في الآونة الأخيرة منطق الجذب بالصدمة. وقد ورد هذا التعبير في كتاب (آلان دونو) الشهير «نظام التفاهة». حيث أشار إلى أن التردي المَعرفي والاجتماعي لم يعد حالة طارئة، بل نظام قائم بذاتِه، يُكافئ السطحيّ بالضوء والشهرة، ويُقصي العميق في هوامش العتمة. وفي هذا السياق يُعد مَنطق الجذب بالصدمة أداة مَركزية لترسيخ هذا النظام لا مجرد ظاهرة عابرة. نحن اليوم أمام إعلام يبحث عن الإثارة أكثر من المضمون. الأمثلة كثيرة وتبدو واضحة في البرامج الحوارية التي انتشرت أخيرة مثل برامج (التوك شو) هناك نجد الكثير من الأمثلة الحيّة على هذا الانحدار الصادم بالعراك اللفظي والذي قد يمتد إلى عراك جسدي ما يجعله أكثر انتشاراً وتفضيلاً لدى المُعلن كونه يجذب عدداً أكبر من المُشاهدات. ونجد المُحَاوِر نفسه ينسى واجبه الإعلامي ويُقدم المُثير على حساب الخبير الموضوعي.. تُختزل القضايا الكُبرى إلى لحظاتٍ مشحونة بالصراخ والإهانة أو السخرية، تتقطع لاحقاً كمقاطع قصيرة تُنتشر على وسائل التواصل لتزيد نسب المشاهدة والتي تعني الربح المادي. إذاً، بالربح المادي يُقاس نجاح البرامج وهو ما يسمى (rating).. يتحكم المال في الإعلام.. ويتحكم الإعلام في التأثير على عقل المُشاهد.. يشتهر التافه الفارغ، ويُطمس العاقل المثقف. فالمعروض أمام الناس كثير.. وللأسف الناس يستوقفها المُثير، هذا هو الوضع الذي أشار اليه صاحب كتاب (نظام التفاهة) بوصفه موت الكفاءة لحساب القابلية لجذب الناس. هذا الواقع ظهر أيضاً بكثافة على منصات مثل (تيك توك) و(انستغرام) حيث لا يتوانى الباحث عن الشهرة السريعة المُجدية مادياً عن أفعال مُخالفة للأخلاق وتصرفات غبية مُثيرة غالباً ما تحصد عدداً كبيراً من المُشاهدات وتجعل من الحَمقى مشاهير، وللأسف أغنياء. هو المنطق الصادم نفسه القادر على جذب الناس يُستخدم في تسطيح العقول وبتمويل كبير من جهات إعلانية تضع الربح المادي فوق أي اعتبار. الإعلانات نفسها تتبع هذا المنطق. كمثال وجدنا شركة ملابس إيطالية معروفة تستخدم صوراً لرجل يموت على السرير (مصاب بالإيدز) للفت الانتباه إلى منتجاتها ثم تعود أمام انتقاد الناس ورفضهم بعد أن تكون بهذا الصدمة وإن كانت سلبية، قد حققت تصدرها للضوء.. تعود وتعتذر وتعرض منتجاتها بشكل مسالم. الأمثلة كثيرة. ولا مجال هنا لذكرها كلها.. لكن ما يجب أن نعرفه هو أنهم يعتمدون منطق الصدمة لجذب الجمهور ويبررون لاحقاً أن هدفهم إنساني وأنهم إنما يُروِجون لدعم المرضى عبر الصدمة البصرية.. لكن حقيقة الحكاية.. لا هدف لهم سوى الشهرة.. وحينما نسأل لماذا تنجح هذه الحملات؟ نجد الجواب.. هو أن العقل البشري يتذكر الصدمة أكثر من العادي. فالصدمة تثير الجدل، وتكرس انتشاراً واسعاً، ومجانيّاً.. وقد تخلق علاقة نفسية قوية مع الرسالة (سواء إيجابية أو سلبية). نحن في زمن يُعدّ فيه جذب الانتباه سواء سلبي أو إيجابي يساوي نقوداً وإعلانات. وكلما أثار شخص أو شركة الجدل زادت قيمته السوقية بغض النظر عن محتوى ما يقدمه. وهكذا يتم شغل الناس بما هو مُثير وغير مَألوف وجذبهم بعيداً عن كل ما هو مُفيد. وهذا ما يفسر إقبال شركات الإعلان على تسليع الشخصية المُثيرة للجدل رغم غرابة وتفاهة المحتوى. الخوارزميات المَبنية على الذكاء الاصطناعي تُروج ما يتفاعل به الناس لا ما هو أرقى أو أنفع. فالذكاء الاصطناعي هنا لم يُسَخر لخدمة الذكاء البشري على العكس هو الذي يجعل الحمقى مشاهير وأثرياء.. ولا مجال لتغيير الخوارزميات فهي أيضاً تحتاج منطق الصدمة الذي يساوي أرباحاً مالية. الخطر الأكبر هنا يكمن في أن الترويج للحمقى يجعلهم قدوة غير مقصودة للأطفال والمراهقين. المؤسف أكثر أن منطق الجذب بالصدمة وهو استراتيجية تسويقه كما أوضحنا، بات يُستعمل بكثرة في صفوف السياسيين.. فنجدهم على منابر التغريدات يلجؤون إلى استعمال عبارات خارجة وصادمة لجذب الانتباه وإثارة المُنافِس أو الخَصم.. وقد امتد الأمر حتى إلى تصريحات المسؤولين الكبار والرؤساء.. فاعتمد بعضهم هذا المنطق لصدم الإعلام وتصّدُر المَشهد، لكنهم سرعان ما يتراجعون (على طريقة شركات الإعلان) بعد أن يكونوا قد حققوا نصر الشهرة والجذب بالصدمة السلبية التي عادة ما تتحول إلى إيجابية عندما تكون الفرصة مؤاتية لتغير المواقف من الحدة إلى اللين، فيكسب بذلك السياسي شهرة وشعبية كبيرة. الحقيقة أن كل شيء بات في زماننا يتبع نظريات السوق وأهدافه. في كتاب «عقيدة الصدمة» للكاتبة (نعومي كلاين) نجد أنها ركزت فيه على أن الصدمة أداة سياسية واقتصادية لتمرير سياسات مُعينة بهدف السيطرة الإعلامية. أما كتاب «الخوف من الحرية» والذي نشر في الأربعينات من القرن الماضي فإن الكاتب (إريك فروم) أبدع في تحليل نفسية الجماهير واستعداها للانقياد خلف سلطات ورموز صادمة تعتمد الصدمة وتجيد تدوير مواقفها لكسب الشعبية.. هذا التحليل يمكن إسقاطه اليوم على واقع الإعلام والسياسة الحديثة.