أحدث الأخبار مع #انتشفار،واشنتا


هبة بريس
منذ 9 ساعات
- سياسة
- هبة بريس
"الشعبوية" تهدد المشهد الحزبي المغربي وتعمّق أزمة الثقة السياسية
هبة بريس – عبد اللطيف بركة في السنوات الأخيرة، تحوّل المشهد السياسي المغربي من فضاء للتنافس الديمقراطي إلى ساحة سجالات كلامية وصراعات حزبية اتسمت بالشعبوية المفرطة، ما أدى إلى تآكل الثقة بين المواطن والنخب السياسية، انطلقت شرارة هذا التحول مع حكومة عبد الإله بنكيران الأولى، حيث أدخل زعيم حزب العدالة والتنمية مفردات جديدة إلى الخطاب السياسي لم يألفها المواطن المغربي، فكانت البداية لصعود نبرة 'الصراحة المفرطة'، التي تحوّلت لاحقًا إلى تبادل اتهامات علني بين الزعماء السياسيين وصلت حد التخوين، السب، والتشهير. – من 'الصراحة' إلى الفوضى اللفظية شهدت الساحة الحزبية المغربية انحدارًا في مستوى الخطاب السياسي، حيث استُخدمت تعابير مثل 'انت شفار'، 'واش نتا نزيه؟'، و'نماذج من المفسدين'، بل وصلت إلى توظيف أوصاف تنتمي إلى عالم الحيوانات: 'حمار'، 'كلب'، 'بغل'… مما زاد من احتقان الشارع المغربي الذي كان يترقب نقاشات سياسية ناضجة تقدم حلولًا عملية لتحدياته اليومية. هذه الممارسات لم تكن مجرد زلات لسان، بل تعبيرًا عن أزمة عميقة في البنية السياسية الحزبية، التي باتت عاجزة عن إنتاج نخب ذات كفاءة قادرة على خوض النقاشات السياسية بجدية ومسؤولي، وساهم الإعلام الحزبي وشبكات التواصل الاجتماعي في تضخيم هذه السجالات، ما جعل النقاش السياسي يميل إلى الإثارة بدلًا من العمق. – الشعبوية: وعود جذابة بلا مضمون ارتكز الخطاب الشعبوي الذي تبنته الأحزاب على تقديم وعود براقة لا تمت للواقع الاقتصادي والاجتماعي بصلة، فبين من وعد بـ'مغرب بدون بطالة' وآخر تحدث عن 'رفاهية شاملة'، ظل المواطن المغربي، وخاصة الشباب، حائرًا بين تصديق الوعود الزائفة وبين الإحباط من واقع معيشي يزداد سوءًا. تشير تقارير مؤسسات رسمية إلى انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات، خاصة بين الشباب، وهو ما يعكس حجم أزمة الثقة في الفاعلين السياسيين، فالشباب المغربي، الذي يمثل نسبة هائلة من البنية السكانية، لم يعد يرى في الأحزاب السياسية أدوات للتغيير بقدر ما يرى فيها مؤسسات فارغة تكرّس الفشل والجمود. – المال السياسي وشراء الذمم إلى جانب تفشي الخطاب الشعبوي، برزت ظاهرة أخرى لا تقل خطورة، شراء الأصوات، حيث تلجأ بعض الأحزاب إلى استعمال المال لحسم نتائج الانتخابات، في ظل غياب كفاءات حقيقية قادرة في على إقناع الناخب بالبرامج والمشاريع. هذه الممارسة، التي أصبحت شبه علنية، أدت إلى تشويه العملية الانتخابية وتقويض ثقة المواطن في جدوى صناديق الاقتراع. الإصلاح هنا لا بد أن يكون جذريًا، من خلال مراجعة قوانين تمويل الأحزاب وتشديد الرقابة على الحملات الانتخابية، مع تفعيل مبدأ المحاسبة وتحييد القضاء عن التأثيرات السياسية، ليضطلع بدوره في إنفاذ القانون. – ضعف الأحزاب وتراجع الدور السياسي الأحزاب المغربية، رغم تاريخ بعضها الممتد لعقود، أصبحت اليوم تعاني من أزمة هوية، فبدلًا من أن تكون مؤسسات تؤطر المواطن وتنتج القيادات، انشغلت بصراعات داخلية على الزعامة أو التحالفات الظرفية المبنية على مصلحة انتخابية ضيقة،نتيجة لذلك، فقدت تلك الأحزاب الكثير من رصيدها لدى الشارع المغربي، الذي بات يرى السياسة لعبة نفعية لا علاقة لها بالمصلحة العامة. – المجتمع المدني: الأمل في التوازن وسط هذا الانهيار في الأداء السياسي، يبرز دور المجتمع المدني كقوة ضغط قادرة على التغيير، فهناك عدد من الجمعيات والمنظمات المستقلة التي بدأت تشتغل على برامج توعوية لرفع وعي المواطن ومراقبة أداء المنتخبين، كما تسعى إلى إدماج الشباب في النقاشات العمومية من خلال ورشات ومنصات حوارية تفاعلية، إلا أن غياب الدعم المؤسسي وتضييق الحريات أحيانًا، يحدّ من تأثير هذه المبادرات. – الطريق نحو الإصلاح… هل ما زال ممكنًا؟ إن الخروج من هذا النفق يتطلب إرادة سياسية حقيقية لإعادة الاعتبار للعمل الحزبي. لا يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية دون إصلاح بنيوي لمنظومة الأحزاب، يشمل تحديث الخطاب السياسي، تشبيب النخب، وتفعيل الآليات الديمقراطية داخل الأحزاب نفسها، كما أن تطوير النظام الانتخابي ليعتمد على الكفاءة بدل الولاء المالي هو ركيزة أساسية لضمان تمثيلية حقيقية. في المقابل، يجب أن تنخرط الدولة بمؤسساتها في دعم الحياة السياسية بشكل متوازن، بعيدًا عن منطق التوجيه أو التحكم، عبر خلق فضاءات للحوار السياسي وإطلاق إصلاحات تهم التعليم، التشغيل، والصحة، بما يعيد الأمل للمواطن المغربي. إذا استمرت الأحزاب في اعتماد الشعبوية سلاحًا انتخابيًا، وظل المال هو الحَكم الفعلي في صناديق الاقتراع، فإن المغرب سيظل رهين مشهد سياسي مأزوم، تتآكل فيه الثقة، وتضيع فيه فرص الإصلاح. وحده العمل الجاد والمشاركة النزيهة يمكن أن يعيدا الاعتبار للعمل السياسي، في سبيل مغرب يتطلع إلى العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة. تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على WhatsApp تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على Telegram تابعوا آخر الأخبار من هبة بريس على X


هبة بريس
منذ 9 ساعات
- سياسة
- هبة بريس
'الشعبوية' تهدد المشهد الحزبي المغربي وتعمّق أزمة الثقة السياسية
هبة بريس – عبد اللطيف بركة في السنوات الأخيرة، تحوّل المشهد السياسي المغربي من فضاء للتنافس الديمقراطي إلى ساحة سجالات كلامية وصراعات حزبية اتسمت بالشعبوية المفرطة، ما أدى إلى تآكل الثقة بين المواطن والنخب السياسية، انطلقت شرارة هذا التحول مع حكومة عبد الإله بنكيران الأولى، حيث أدخل زعيم حزب العدالة والتنمية مفردات جديدة إلى الخطاب السياسي لم يألفها المواطن المغربي، فكانت البداية لصعود نبرة 'الصراحة المفرطة'، التي تحوّلت لاحقًا إلى تبادل اتهامات علني بين الزعماء السياسيين وصلت حد التخوين، السب، والتشهير. – من 'الصراحة' إلى الفوضى اللفظية شهدت الساحة الحزبية المغربية انحدارًا في مستوى الخطاب السياسي، حيث استُخدمت تعابير مثل 'انت شفار'، 'واش نتا نزيه؟'، و'نماذج من المفسدين'، بل وصلت إلى توظيف أوصاف تنتمي إلى عالم الحيوانات: 'حمار'، 'كلب'، 'بغل'… مما زاد من احتقان الشارع المغربي الذي كان يترقب نقاشات سياسية ناضجة تقدم حلولًا عملية لتحدياته اليومية. هذه الممارسات لم تكن مجرد زلات لسان، بل تعبيرًا عن أزمة عميقة في البنية السياسية الحزبية، التي باتت عاجزة عن إنتاج نخب ذات كفاءة قادرة على خوض النقاشات السياسية بجدية ومسؤولي، وساهم الإعلام الحزبي وشبكات التواصل الاجتماعي في تضخيم هذه السجالات، ما جعل النقاش السياسي يميل إلى الإثارة بدلًا من العمق. – الشعبوية: وعود جذابة بلا مضمون ارتكز الخطاب الشعبوي الذي تبنته الأحزاب على تقديم وعود براقة لا تمت للواقع الاقتصادي والاجتماعي بصلة، فبين من وعد بـ'مغرب بدون بطالة' وآخر تحدث عن 'رفاهية شاملة'، ظل المواطن المغربي، وخاصة الشباب، حائرًا بين تصديق الوعود الزائفة وبين الإحباط من واقع معيشي يزداد سوءًا. تشير تقارير مؤسسات رسمية إلى انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات، خاصة بين الشباب، وهو ما يعكس حجم أزمة الثقة في الفاعلين السياسيين، فالشباب المغربي، الذي يمثل نسبة هائلة من البنية السكانية، لم يعد يرى في الأحزاب السياسية أدوات للتغيير بقدر ما يرى فيها مؤسسات فارغة تكرّس الفشل والجمود. – المال السياسي وشراء الذمم إلى جانب تفشي الخطاب الشعبوي، برزت ظاهرة أخرى لا تقل خطورة، شراء الأصوات، حيث تلجأ بعض الأحزاب إلى استعمال المال لحسم نتائج الانتخابات، في ظل غياب كفاءات حقيقية قادرة في على إقناع الناخب بالبرامج والمشاريع. هذه الممارسة، التي أصبحت شبه علنية، أدت إلى تشويه العملية الانتخابية وتقويض ثقة المواطن في جدوى صناديق الاقتراع. الإصلاح هنا لا بد أن يكون جذريًا، من خلال مراجعة قوانين تمويل الأحزاب وتشديد الرقابة على الحملات الانتخابية، مع تفعيل مبدأ المحاسبة وتحييد القضاء عن التأثيرات السياسية، ليضطلع بدوره في إنفاذ القانون. – ضعف الأحزاب وتراجع الدور السياسي الأحزاب المغربية، رغم تاريخ بعضها الممتد لعقود، أصبحت اليوم تعاني من أزمة هوية، فبدلًا من أن تكون مؤسسات تؤطر المواطن وتنتج القيادات، انشغلت بصراعات داخلية على الزعامة أو التحالفات الظرفية المبنية على مصلحة انتخابية ضيقة،نتيجة لذلك، فقدت تلك الأحزاب الكثير من رصيدها لدى الشارع المغربي، الذي بات يرى السياسة لعبة نفعية لا علاقة لها بالمصلحة العامة. – المجتمع المدني: الأمل في التوازن وسط هذا الانهيار في الأداء السياسي، يبرز دور المجتمع المدني كقوة ضغط قادرة على التغيير، فهناك عدد من الجمعيات والمنظمات المستقلة التي بدأت تشتغل على برامج توعوية لرفع وعي المواطن ومراقبة أداء المنتخبين، كما تسعى إلى إدماج الشباب في النقاشات العمومية من خلال ورشات ومنصات حوارية تفاعلية، إلا أن غياب الدعم المؤسسي وتضييق الحريات أحيانًا، يحدّ من تأثير هذه المبادرات. – الطريق نحو الإصلاح… هل ما زال ممكنًا؟ إن الخروج من هذا النفق يتطلب إرادة سياسية حقيقية لإعادة الاعتبار للعمل الحزبي. لا يمكن الحديث عن ديمقراطية حقيقية دون إصلاح بنيوي لمنظومة الأحزاب، يشمل تحديث الخطاب السياسي، تشبيب النخب، وتفعيل الآليات الديمقراطية داخل الأحزاب نفسها، كما أن تطوير النظام الانتخابي ليعتمد على الكفاءة بدل الولاء المالي هو ركيزة أساسية لضمان تمثيلية حقيقية. في المقابل، يجب أن تنخرط الدولة بمؤسساتها في دعم الحياة السياسية بشكل متوازن، بعيدًا عن منطق التوجيه أو التحكم، عبر خلق فضاءات للحوار السياسي وإطلاق إصلاحات تهم التعليم، التشغيل، والصحة، بما يعيد الأمل للمواطن المغربي. إذا استمرت الأحزاب في اعتماد الشعبوية سلاحًا انتخابيًا، وظل المال هو الحَكم الفعلي في صناديق الاقتراع، فإن المغرب سيظل رهين مشهد سياسي مأزوم، تتآكل فيه الثقة، وتضيع فيه فرص الإصلاح. وحده العمل الجاد والمشاركة النزيهة يمكن أن يعيدا الاعتبار للعمل السياسي، في سبيل مغرب يتطلع إلى العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة.