#أحدث الأخبار مع #بائعجوّال،النهار١٥-٠٢-٢٠٢٥ترفيهالنهارهاني السعدي... فارس الفانتازيا وصانع الدراما الاجتماعية الجريئةرحل أمس عن عالمنا الممثل والسيناريست الفلسطيني- السوري هاني السعدي عن عمر يناهز 81 عاماً، تاركاً خلفه إرثا دراميا تجاوز 1200 ساعة تلفزيونية شكّلت جزءاً أساسيا من المشهد الدرامي السوري. وُلد السعدي في جامع البخاري بدمشق بعد تهجيره مع أسرته من فلسطين إبّان النكبة، حيث عاش هناك لعامين قبل أن ينتقل مع عائلته إلى مخيم اليرموك، حيث تلقّى تعليمه في مدارس الأونروا. لم تكن بداياته سهلة، فقد اضطر منذ الثانية عشرة من عمره للعمل كبائع خضار جوّال في شوارع دمشق، تجربة صاغ منها لاحقاً سيناريو فيلمه التلفزيوني "خيال بائع جوّال"، الذي أخرجه الراحل حاتم علي. ورغم انطلاقته المتواضعة، أصبح السعدي واحداً من أبرز كتّاب الدراما السورية، بل وحاز على أعلى أجر بين نظرائه، بفضل أعماله التي امتدت لعقود وأثرت المشهد الدرامي العربي. واجه السعدي في سنواته الأخيرة، معركة قاسية مع الزهايمر، كما ذكرت ابنته روعة السعدي، ليختتم رحلة طويلة من الإبداع كان فيها شاهداً وصانعاً لمراحل مفصلية في الدراما السورية، ومؤثراً في أجيال من الكتّاب والمشاهدين على حدّ سواء. طفولة اللجوء وبداياته الفنية وُلد هاني السعدي في 6 حزيران/ يونيو 1944 في صفورية، فلسطين، لكنه اضطر لمغادرتها مع عائلته إلى سوريا عام 1948 بسبب النكبة، ليستقر في مخيم اليرموك في دمشق. هذا اللجوء المبكر شكل وعيه الفني، حيث حملت أعماله فيما بعد حس النضال والبحث عن العدالة، سواء في مسلسلاته الاجتماعية أو أعماله الفانتازية. كان السعدي متزوجاً ولديه خمس بنات، من بينهن روعة وربى السعدي، اللتان تألقتا كممثلتين في العديد من الأعمال الدرامية السورية. بدأ هاني السعدي مشواره في عالم الفن كممثل، حيث انضم إلى نقابة الفنانين السوريين عام 1973، وشارك في عدة أفلام ومسلسلات بين أواخر الستينيات وبداية الألفية، من بينها: "أسعد الوراق، الحدود، تجارب عائلية، آخر الفرسان، أبو البنات، حارة نسيها الزمن". كما شارك في المسرح في أعمال سعد الله ونوس مثل "حفلة سمر من أجل خمسة حزيران، ورأس المملوك جابر"، إلى جانب عمله مع المسرح الوطني الفلسطيني تحت إشراف المخرج جواد الأسدي. ولكن مع مرور الوقت، أدرك أن شغفه الحقيقي يكمن في كتابة الدراما، فترك التمثيل بعد آخر أعماله، "آخر الفرسان" عام 2002، ليتفرغ بالكامل للكتابة. رحلة الفانتازيا التاريخية يمكن اعتبار هاني السعدي الأب الروحي لمسلسلات الفانتازيا التاريخية بالشراكة مع المخرج نجدت أنزور في الدراما السورية. بدأ هذا التوجه مع مسلسل الجوارح (1994)، الذي أسس لنوع جديد من الدراما يجمع بين التاريخ والأسطورة، ثم توالت أعماله المميزة مثل: الكواسر، الفوارس، البواسل، والموت القادم إلى الشرق". تميزت هذه المسلسلات بتقديم شخصيات أسطورية ذات طابع بطولي، تخوض صراعات قائمة على قيم العدل، والشجاعة، والخيانة، والقوة. لكنها في الوقت نفسه لم تكن مجرد قصص خيالية، بل حملت في طياتها رموزاً سياسية واجتماعية، حاول من خلالها السعدي تمرير رسائل نقدية عن السلطة، والطغيان، والصراعات الأزلية بين الخير والشر. ورغم نجاح هذه الأعمال الجماهيري، واعتبار السعدي لها قراءة مخلتفة للواقع بما فيها من إسقاطات. إلا أن بعض النقاد اعتبروا أن الفانتازيا عند السعدي اعتمدت على التكرار في الحبكة، حيث بدت معظم مسلسلاته تدور في فلك الصراعات القبلية نفسها، مع تبديل أسماء الشخصيات والأحداث. كما تعرضت أعماله لبعض الانتقادات بسبب المبالغة في الأداء التمثيلي والاعتماد على الشخصيات الخارقة، ما جعل بعض المشاهدين يجدونها أقل ارتباطاً بالواقع مقارنة بالدراما الاجتماعية. الدراما صرخة قدم السعدي إلى جانب الفانتازيا، أعمالاً اجتماعية جريئة ناقشت قضايا حساسة، أبرزها: "أبناء القهر" الذي تناول مشكلة الأطفال المشردين والإدمان على المخدرات والإصابة بمرض الإيدز، وحقق نجاحاً خاصاً، حيث فاز بجائزة أفضل مسلسل عربي في مؤتمر طبي عالمي في باريس، كما نال إشادة من وزارة الصحة السورية ومراكز مكافحة الإيدز لدوره التوعوي. وهناك أيضاً، "حاجز الصمت" الذي سلط الضوء على انتشار الإيدز في المجتمعات العربية، وسواها العديد من الأعمال التي تناولت قضايا الفساد والظلم الاجتماعي والضغوط النفسية والمجتمعية التي تؤثر على الشباب. وكذلك مسلسل "سفر الحجارة" الذي قدّم القضية الفلسطينية في سياق درامي. رغم أهمية الموضوعات التي طرحها، بعضهم انتقد أسلوبه المباشر والمبالغ فيه أحياناً في معالجة القضايا الاجتماعية، حيث اعتبر بعض النقاد أن هذه الأعمال وقعت في فخ المبالغة الدرامية من خلال مشاهد العنف والتوتر الشديد. كما رأى آخرون أن بعض شخصياته كانت أحادية البعد، تمثل الخير المطلق أو الشر المطلق دون تعقيد نفسي كافٍ. لكن السعدي كان يرى -دائماً- أن الدراما يجب أن تكون صادمة أحياناً لتحريك الوعي، فهي بمثابة صرخة لا بد لها أن تهز المشاهد.
النهار١٥-٠٢-٢٠٢٥ترفيهالنهارهاني السعدي... فارس الفانتازيا وصانع الدراما الاجتماعية الجريئةرحل أمس عن عالمنا الممثل والسيناريست الفلسطيني- السوري هاني السعدي عن عمر يناهز 81 عاماً، تاركاً خلفه إرثا دراميا تجاوز 1200 ساعة تلفزيونية شكّلت جزءاً أساسيا من المشهد الدرامي السوري. وُلد السعدي في جامع البخاري بدمشق بعد تهجيره مع أسرته من فلسطين إبّان النكبة، حيث عاش هناك لعامين قبل أن ينتقل مع عائلته إلى مخيم اليرموك، حيث تلقّى تعليمه في مدارس الأونروا. لم تكن بداياته سهلة، فقد اضطر منذ الثانية عشرة من عمره للعمل كبائع خضار جوّال في شوارع دمشق، تجربة صاغ منها لاحقاً سيناريو فيلمه التلفزيوني "خيال بائع جوّال"، الذي أخرجه الراحل حاتم علي. ورغم انطلاقته المتواضعة، أصبح السعدي واحداً من أبرز كتّاب الدراما السورية، بل وحاز على أعلى أجر بين نظرائه، بفضل أعماله التي امتدت لعقود وأثرت المشهد الدرامي العربي. واجه السعدي في سنواته الأخيرة، معركة قاسية مع الزهايمر، كما ذكرت ابنته روعة السعدي، ليختتم رحلة طويلة من الإبداع كان فيها شاهداً وصانعاً لمراحل مفصلية في الدراما السورية، ومؤثراً في أجيال من الكتّاب والمشاهدين على حدّ سواء. طفولة اللجوء وبداياته الفنية وُلد هاني السعدي في 6 حزيران/ يونيو 1944 في صفورية، فلسطين، لكنه اضطر لمغادرتها مع عائلته إلى سوريا عام 1948 بسبب النكبة، ليستقر في مخيم اليرموك في دمشق. هذا اللجوء المبكر شكل وعيه الفني، حيث حملت أعماله فيما بعد حس النضال والبحث عن العدالة، سواء في مسلسلاته الاجتماعية أو أعماله الفانتازية. كان السعدي متزوجاً ولديه خمس بنات، من بينهن روعة وربى السعدي، اللتان تألقتا كممثلتين في العديد من الأعمال الدرامية السورية. بدأ هاني السعدي مشواره في عالم الفن كممثل، حيث انضم إلى نقابة الفنانين السوريين عام 1973، وشارك في عدة أفلام ومسلسلات بين أواخر الستينيات وبداية الألفية، من بينها: "أسعد الوراق، الحدود، تجارب عائلية، آخر الفرسان، أبو البنات، حارة نسيها الزمن". كما شارك في المسرح في أعمال سعد الله ونوس مثل "حفلة سمر من أجل خمسة حزيران، ورأس المملوك جابر"، إلى جانب عمله مع المسرح الوطني الفلسطيني تحت إشراف المخرج جواد الأسدي. ولكن مع مرور الوقت، أدرك أن شغفه الحقيقي يكمن في كتابة الدراما، فترك التمثيل بعد آخر أعماله، "آخر الفرسان" عام 2002، ليتفرغ بالكامل للكتابة. رحلة الفانتازيا التاريخية يمكن اعتبار هاني السعدي الأب الروحي لمسلسلات الفانتازيا التاريخية بالشراكة مع المخرج نجدت أنزور في الدراما السورية. بدأ هذا التوجه مع مسلسل الجوارح (1994)، الذي أسس لنوع جديد من الدراما يجمع بين التاريخ والأسطورة، ثم توالت أعماله المميزة مثل: الكواسر، الفوارس، البواسل، والموت القادم إلى الشرق". تميزت هذه المسلسلات بتقديم شخصيات أسطورية ذات طابع بطولي، تخوض صراعات قائمة على قيم العدل، والشجاعة، والخيانة، والقوة. لكنها في الوقت نفسه لم تكن مجرد قصص خيالية، بل حملت في طياتها رموزاً سياسية واجتماعية، حاول من خلالها السعدي تمرير رسائل نقدية عن السلطة، والطغيان، والصراعات الأزلية بين الخير والشر. ورغم نجاح هذه الأعمال الجماهيري، واعتبار السعدي لها قراءة مخلتفة للواقع بما فيها من إسقاطات. إلا أن بعض النقاد اعتبروا أن الفانتازيا عند السعدي اعتمدت على التكرار في الحبكة، حيث بدت معظم مسلسلاته تدور في فلك الصراعات القبلية نفسها، مع تبديل أسماء الشخصيات والأحداث. كما تعرضت أعماله لبعض الانتقادات بسبب المبالغة في الأداء التمثيلي والاعتماد على الشخصيات الخارقة، ما جعل بعض المشاهدين يجدونها أقل ارتباطاً بالواقع مقارنة بالدراما الاجتماعية. الدراما صرخة قدم السعدي إلى جانب الفانتازيا، أعمالاً اجتماعية جريئة ناقشت قضايا حساسة، أبرزها: "أبناء القهر" الذي تناول مشكلة الأطفال المشردين والإدمان على المخدرات والإصابة بمرض الإيدز، وحقق نجاحاً خاصاً، حيث فاز بجائزة أفضل مسلسل عربي في مؤتمر طبي عالمي في باريس، كما نال إشادة من وزارة الصحة السورية ومراكز مكافحة الإيدز لدوره التوعوي. وهناك أيضاً، "حاجز الصمت" الذي سلط الضوء على انتشار الإيدز في المجتمعات العربية، وسواها العديد من الأعمال التي تناولت قضايا الفساد والظلم الاجتماعي والضغوط النفسية والمجتمعية التي تؤثر على الشباب. وكذلك مسلسل "سفر الحجارة" الذي قدّم القضية الفلسطينية في سياق درامي. رغم أهمية الموضوعات التي طرحها، بعضهم انتقد أسلوبه المباشر والمبالغ فيه أحياناً في معالجة القضايا الاجتماعية، حيث اعتبر بعض النقاد أن هذه الأعمال وقعت في فخ المبالغة الدرامية من خلال مشاهد العنف والتوتر الشديد. كما رأى آخرون أن بعض شخصياته كانت أحادية البعد، تمثل الخير المطلق أو الشر المطلق دون تعقيد نفسي كافٍ. لكن السعدي كان يرى -دائماً- أن الدراما يجب أن تكون صادمة أحياناً لتحريك الوعي، فهي بمثابة صرخة لا بد لها أن تهز المشاهد.