أحدث الأخبار مع #بارني


Independent عربية
٠٧-٠٥-٢٠٢٥
- صحة
- Independent عربية
ابني قتل نفسه بعدما فتك بجسده مخدر الـ "كيتامين"
لن تنسى ديبورا كاسيرلي ما حييت تلك اللحظة التي رأت فيها للمرة الأولى ابنها يتعاطى مخدر الـ "كيتامين" ketamine، فبارني العاشق لكرة المضرب كان شاباً محباً في طبعه، تتردد ضحكاته في البيت كلما حضر، وتلميذاً مجتهداً لم يتورط يوماً في أي مشكلات داخل المدرسة. قالت الأم المكلومة "لن تغادر تلك اللحظة ذاكرتي أبداً، دفعت باب غرفة النوم فوجدته هناك جالساً على سريره يحدق في الفراغ والهول باد عليه، وبالكاد كان قادراً على النطق بأية كلمة". "كانت الطاولة على جانب السرير مغطاة بالبودرة، فاجتاحني خوف شديد وهلع وأتذكر أنني جمعت تلك المادة بسرعة بين يدي ثم حملتها إلى الحمام حيث أطلقت عليها الماء في المرحاض"، أضافت الأم. تعاطي المخدرات الذي بدأ كتجربة عابرة خلال مهرجان "ريدينغ" Reading الغنائي في إنجلترا في سن الـ 17، تطور شيئاً فشيئاً حتى استحال مشكلة خطرة منفلتة العقال. وحتى في ذلك الوقت عندما اصطحبته إلى طبيب نفسي عله يساعده في التوقف عن أخذ الـ "كيتامين" المعروف بأنه مهدئ الخيول القوي والمخدر الترفيهي، "لم تكن تملك أية فكرة عن الإعصار الذي سيعصف بالعائلة". على مر الأعوام اللاحقة أنفقت العائلة كل ما في جيبها في سبيل إرسال بارني إلى مركز إعادة تأهيل خاص بينما كان يخوض صراعاً مريراً مع إدمان تركه يتألم من وجع عصي على الاحتمال. ومعلوم أن الاستخدام المتكرر لمخدر الـ "كيتامين" يتسبب بتلف دائم في المثانة يُسمى "مثانة الكيتامين" ketamine bladder، ويقود تالياً إلى سلس في البول وأعراض مؤلمة أخرى، مما جعل بارني يستخدم المرحاض 20 مرة في الليلة. كان بارني يعلم أن الخيار العلاجي الوحيد الباقي أمامه استخدام كيس الفغر لتصريف البول من المثانة، قبل أن يقرر إنهاء حياته بنفسه في أبريل (نيسان) 2018 عن عمر يناهز 21 سنة، بعدما أنهكته الانتكاسات المتكررة في رحلته الشاقة نحو التعافي من الإدمان. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وبعدما كشفت أرقام صدرت الشهر الماضي عن ارتفاع حاد في استخدام الـ "كيتامين" بنسبة 85 في المئة منذ عام 2021، وفق تحليل مياه الصرف الصحي الذي أجرته وزارة الداخلية البريطانية، أخبرت الأم "اندبندنت": "إنه مخدر شديد الضرر وأخشى أننا نتجه نحو ما شهده الأميركيون مع أزمة "فنتانيل" [مادة أفيونية صناعية خطرة تشكل إحدى أكبر الأزمات التي تشهدها الولايات المتحدة وتعتبر جزءاً من وباء الإدمان المنتشر في البلاد] فهو متوافر بكثرة ورخيص جداً". جميع مراكز إعادة التأهيل في مختلف أنحاء البلاد تؤكد الأمر نفسه، فالاستفسارات حول علاج [تعاطي مخدر] الـ "كيتامين" في ارتفاع حاد، وكمّ من الأرواح الشابة ستضيع، وكمّ من الحيوات ستنقلب إلى خراب قبل أن تدرك بريطانيا حجم الكارثة؟ وتظهر أرقام صادرة عن مؤسسة " فوروارد ترست" أن عدد البالغين الذين التحقوا ببرامج علاجية بسبب مشكلات مرتبطة بالـ "كيتامين" يشهد زيادة لافتة، إذ ارتفع من 1551 شخصاً عام 2021 -2022 إلى 2211 عام 2022 - 2023. حين لجأ بارني إلى مركز إعادة التأهيل للمرة الأولى، كان إدمانه قد بلغ منه مبلغاً شديداً دفعه إلى الكذب على والدته كي يتمكن من شراء المخدرات التي سيتناولها خلال رحلته إلى مركز العلاج في تايلاند. "حقيقة أن بارني كان على استعداد للمخاطرة بجلب المخدرات معه تظهر كمّ كانت رغبته في تعاطي الـ "كيتامين" شديدة، وحاجاته إليه أيضاً"، كما أضافت السيدة كاسيرلي (64 سنة) من شمال لندن. وعلى رغم إقلاعه عن التعاطي واجه بارني صعوبات وتحديات كبيرة خلال فترة إقامته في دار للرعاية مخصص لمرحلة ما بعد إعادة التأهيل، وعاد مجدداً إلى تعاطي المخدرات. وتتذكر الأم قائلة "في ثوان عدة كنت أعرف دائماً ما إذا كان قد تناول المخدرات، إذ كان شكل عينيه يتغير تماماً ونظراته أيضاً، وما إن يصعد السلم وأراه، حتى أقول له ببساطة "لقد تعاطيت [بادٍ عليك أنك تناولت المخدر]". وبحلول عام 2018 بلغت حياة بارني الحضيض بعدما فقد وظيفته كسائق شاحنة. "جاء إلى هنا وقال لي: كل المحاولات أخفقت، خضعت لإعادة تأهيل ولم تجد نفعاً، أنت وأبي أنفقتما كل أموالكما من أجلي، ولكن من دون جدوى"، تتذكر كاسيرلي. وتتابع "صوت داخلي مثقل بالخذلان كان يهمس له: سيضحك الجميع علي وسيرون أني فاشل تماماً ونكرة لأنني لم أفلح في تحقيق أي شيء في حياتي"، كان يقول لها. عند تلك المرحلة، كما تقول الأم، كانت حاله قد بلغت حداً مروعاً وكان بارني يتعاطى المخدرات كل يوم ويقضي معظم وقته مستلقياً على السرير أو في حوض الاستحمام في استسلام تام للمخدر، واكتشفت لاحقاً أنه كان يتنقل بين أقسام الطوارئ المختلفة ويختلق في كل مرة قصصاً مختلفة يرويها للأطباء كي يحصل على مزيد من مسكنات الألم." أحياناً كانت تفترش الأرض إلى جوار سريره خوفاً من أن يكون قد دخل في حال انفصال نفسي تام عن الواقع نتيجة تعاطي الـ "كيتامين" تسمى "ثقب كي" [يبدو مستيقظاً في الظاهر ولكنه يعجز عن أي استجابة] وكانت تخشى أنه في حال نهض ليلاً فسيترنح ويسقط من أعلى السلم ويكسر عنقه. قالت الأم إنه كان يستلقي في الحمام لساعات طويلة تاركاً الماء الدافئ ينساب على معدته عله يخفف أعراض المثانة المؤلمة التي لا تهدأ، وللأسف لجأ بارني إلى الـ "كيتامين" هرباً من التقلصات الحادة التي كانت تنهش معدته، ولكن جلّ ما فعله أنه فاقم تعلقه بالمخدر وجعله ينزلق أكثر في دوامة الإدمان. قالت "كان يصف حاله بأنها أسوأ التهاب مثانة قد يواجهه إنسان، وكان يرقد في السرير وينهض كل 20 دقيقة معتقداً أنه في حاجة ماسة إلى التبول". وبعد أن نفدت الأموال التي خصصها الأب والأم للرعاية الخاصة لجأت كاسيرلي إلى خدمات علاج الإدمان على المخدرات والكحول التابعة لـ "هيئة الخدمات الصحية الوطنية" [البريطانية] ("إن أتش أس" NHS) وتوسلت طلباً للمساعدة، ولكن الجواب كان قاسياً حين قيل لها إنه لا يتوافر أي مكان لاستقبال حالته، وإن عليه أولاً إثبات قدرته على الالتزام بالعلاج في عيادة خارجية، وقد حصل على موعد للمراجعة يوم الثلاثاء التالي ولكنه كان قد فارق الحياة حين جاء ذلك اليوم. وفي تلك الليلة الأخيرة له التي قرر فيها إنهاء حياته، أخبر والدته أنه ذاهب إلى اجتماع لدعم المتعافين من إدمان المخدرات، واحد من الاجتماعات التي تحترم خصوصية المشاركين وسرّيتهم، ولكنه عاد واستسلم للمخدر من جديد. قالت الأم والحزن يعتصر قلبها "جلسنا على الأريكة وأسر لي بمكنونات قلبه قائلاً: يا أمي إذا كانت هذه هي الحياة فلا أريدها، أريد أن أستيقظ في الصباح من دون أن أشعر بتوقي إلى المخدرات، فلقد عانى آثاراً جانبية مروعة بسبب الكيتامين". "كنت آخر شخص رآه قبل أن يفارق الحياة، ذهبت إلى الفراش وعندما استيقظت في الصباح اكتشفت أنه قد أقدم على الانتحار"، أضافت الأم. "كان موته خسارة كبيرة"، تابعت الأم، "كان ابني فتى رائعاً ولطيفاً ومرحاً وكان لديه كثير من الأصدقاء". وفعلاً فقد حضر جنازته نحو 450 شخصاً بمن فيهم معلمون من مدرسته الثانوية والابتدائية، إضافة إلى أصدقاء من نادي كرة المضرب. وفي خطبتها المؤثرة المفعمة بالعاطفة في الجنازة، وصفت الأم ذلك "الشاب الإنجليزي الصغير المهذب" الذي كان يعشق المشويات المنزلية أو فطيرة الدجاج المفضلة لديه من "ماركس آند سبنسر"، وكان يحرص على الاتصال بجدته كل ليلة، قالت والدة بارني "المأساة أنه لو لم يفارق الحياة كان ليكون أباً رائعاً لأنه كان حنوناً ومرحاً جداً". وبعد مرور سبعة أعوام على وفاة ابنها تريد والدة بارني أن يفهم الناس أخطار تعاطي الـ "كيتامين" والحاجة إلى تخصيص مزيد من الاستثمارات في خدمات علاج الإدمان، مضيفة "كنا عائلة من الطبقة المتوسطة في لندن، وعند التفكير في الإدمان تتبادر إلى ذهن كثيرين صورة نمطية لشخص ضائع يتعاطى المخدرات في الشوارع، ولكن الحقيقة أكثر تعقيداً بأشواط" [فالإدمان قد يطاول أي شخص بغض النظر عن خلفيته الاجتماعية والاقتصادية]. "الآن لا أملك أية حيلة سوى أن أرفع صوته. أعلم أنه لو كان هنا لقال 'أمي أخبري الناس قصتي' لأن المرض استولى عليه تماماً للأسف"، تابعت الأم. وأضاف الرئيس التنفيذي لمؤسسة "فوروارد ترست"، مايك تريس، "كان كثر يعتبرون الـ 'كيتامين' مخدراً آمناً للحفلات، ولكن للأسف، وكما نعلم من عائلات مثل عائلة بارني، نشهد أيضاً زيادة في الحالات الصحية المزمنة والوفيات الناجمة عن استخدامه". "في الواقع يسجل مستوى تعاطي الـ 'كيتامين' ارتفاعاً حاداً، إذ يلجأ الشباب في مختلف أنحاء المملكة المتحدة إلى العلاج من الإدمان ومن الأضرار البالغة التي لحقت بمثاناتهم والتي بات من المحال أن تستعيد عافيتها، ومن المعروف أيضاً أن هذا المخدر يسبب نوبات من جنون الارتياب وشلل العضلات وتلف الكبد، إضافة إلى كثير من الآثار الجانبية الأخرى"، قال تريس. والإدمان، في رأي تريس، ليس مشكلة هامشية في المجتمع، "إنه متجذر ومنتشر على نطاق واسع ومن حولنا أناس يصارعون الإدمان كل يوم، ولكن مع ذلك لا تزال وصمة العار وسوء الفهم والخوف من الأحكام المسبقة تحول دون أن يحصل الناس على المساعدة التي يحتاجون إليها". لذا "لا بد من تغيير النظرة السائدة عن الإدمان، علينا أن نعزز التعاطف تجاه الضحايا الذين وقعوا في أسره، وأن ننشر الفهم الحقيقي لطبيعته، وأن نساند من يطلبون المساعدة من دون أن نلصق بهم الأحكام أو نعاملهم بطريقة مختلفة، أو نلاحقهم بوصمة عار تزيد من معاناتهم"، يوضح تريس. ويؤكد تريس أن "التعافي ممكن مع توفير الدعم المناسب، ويجب أن تتاح الفرصة للجميع للوصول إليه قبل أن ينزلقوا إلى القاع". وصرح متحدث باسم وزارة الداخلية في المملكة المتحدة بأن الارتفاع في تعاطي الـ "كيتامين" الذي رصده تحليل مياه الصرف الصحي "يبعث قلقاً كبيراً"، وأن الوزيرة المسؤولة عن الشرطة ومكافحة الجريمة في البلاد، ديانا جونسون، طلبت من "المجلس الاستشاري لمكافحة إساءة استخدام المخدرات" (اختصاراً ACMD) النظر في إعادة تصنيفه قانونياً كمادة من الفئة "أ" [التي تضم المخدرات الأكثر خطورة مثل الهيروين والكوكايين]. وقال المتحدث "قلوبنا مع عائلة بارني وأصدقائه بعدما ذوت حياته في وقت باكر جداً". كذلك أكد المتحدث أن الـ "كيتامين" مادة بالغة الخطورة، مشيراً إلى "القلق البالغ الذي يعكسه "الارتفاع الأخير في استخدامه، إضافة إلى الزيادة التي يسجلها تعاطي "الكوكايين" و"الإكستاسي" كما بدا واضحاً في هذا التحليل [الدراسة] الجديد". وأضاف أنه "في يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، وجهت وزيرة الشرطة ومكافحة الجريمة كتاباً إلى "المجلس الاستشاري لمكافحة إساءة استخدام المخدرات"، معربة فيه عن قلق الحكومة إزاء الارتفاع الذي يسجله تعاطي الـ "كيتامين"، ولا سيما بين أوساط الشباب، والأضرار التي يلحقها بهم، وأوعزت إلى أعضاء المجلس النظر في إعادة تصنيفه كمخدر من الفئة "أ". "سنواصل العمل عبر قطاعات الصحة ومراكز الشرطة والخدمات العامة الأوسع من أجل الحد من تعاطي المخدرات وردع كل من يستفيد من توريدها، ولن نتردد في إقرار توصية "المجلس الاستشاري لمكافحة إساءة استخدام المخدرات" [تصنيف الـ "كيتامين" كمخدر ضمن الفئة الأولى "أ"] عندما يقدم تقريره إلى الوزيرة جونسون."

تورس
١٣-٠٤-٢٠٢٥
- ترفيه
- تورس
فيلم "فانون" للمخرج الفرنسي "جان كلود بارني": سيرة من النضال الإنساني
ويروي فيلم "فانون"، المتاح في قاعة السينما التونسية بداية من 11 أفريل)، فترة تولي "فرانز فانون" مهامه كطبيب نفسي رئيسي في مستشفى الأمراض العقلية بمدينة البليدة الجزائرية ، حيث اعتمد أساليب علاجية إنسانية وغير تقليدية في تعامله مع المرضى الجزائريين ، وهو ما أثار حفيظة الإدارة الفرنسية وزملائه في المهنة. ويتطور مسار "فانون" سريعا من طبيب إلى مناضل بعد أن يقترب من قيادات جبهة التحرير الوطني الجزائرية وعلى رأسهم عبان رمضان ليختار الانخراط في الكفاح من أجل استقلال الجزائر مما يجعله هو وزوجته جوزي في مواجهة مفتوحة مع السلطات الاستعمارية . وفي كلمة له خلال النقاش الذي تلا العرض، أوضح المخرج "جان-كلود بارني" أن علاقته بفكر "فانون" بدأت في سن مبكرة (16 سنة)، حين كان شابا من أصول مهاجرة في الضواحي الباريسية حيث واجه ما أسماه ب"الصفعة العنصرية". وقال "قراءة كتب فانون ساعدتني على فهم هويتي ومكاني في المجتمع، وقد تركت أثرا عظيما في مسيرتي السينمائية التي حاولت فيها دوما أن أعكس شخصيات ذات عمق إنساني ونضالي". وأضاف "بارني" أن إنتاج الفيلم استغرق عشر سنوات من البحث والتطوير، واصفا المشروع ب"الرحلة الفكرية والوجدانية". كما أشار إلى أن الفيلم لا يهدف إلى تقديم "فانون" كبطل مثالي وإنما كإنسان يطرح أسئلة مؤلمة حول الميز العنصري والعنف والتحرر والهوية. وقد أكد أيضا أن هذا النوع من الأفلام لا يحظى بسهولة دعم إنتاجه داخل الصناعة السينمائية الفرنسية التي اعتبرها ما تزال مائلة نحو الأعمال التجارية والكوميدية، لكنه عبّر عن سعادته بالاهتمام الجماهيري الذي حظي به الفيلم، معتبرا ذلك دليلا على وجود جمهور يبحث عن مضمون فكري وتاريخي عميق. وحول إنجاز فيلم آخر عن "فرانز فانون" للمخرج الجزائري عبد النور الزحزاح وخروجه إلى السينما في الفترة نفسها (2024) مع هذا الفيلم، قال المخرج "بارني": "نحن نعيش لحظة سينمائية تتطلب التنوع لا الصدام إذ لا ينبغي أن نخاف من تعدد الأصوات بل على العكس تنوّع الأفلام هو ما يمنح الجمهور حق الاختيار والفهم. وفانون هو واحد من تلك الشخصيات التي يمكنها أن تفتح أعيننا على عوالم مهملة لكنها لا تزال تشكل حاضرنا". من جهته، تحدث الممثل "ألكسندر بوييه" عن التحديات التي واجهها في تقمص شخصية "فانون"، واصفا التجربة بأنها كانت "اختبارا إنسانيا قبل أن تكون دورا تمثيليا". وأضاف أن قراءة مؤلفات "فانون" من بينها "بشرة سوداء أقنعة بيضاء" قد غيّرته بالكامل، قائلا: "لقد عملت مع مؤرخين وأطباء نفسيين وزرت الجزائر وجلست في مكتب فانون واستحضرت إنسانيته لأتمكن من تجسيده بصدق". كما أكد "بوييه" أن الدور تطلب تحضيرا جسديا وفكريا دقيقا. وشدد على أن الأهم بالنسبة إليه لم يكن الجانب النظري، بل "البحث عن الإنسان في فانون ورؤية العالم من خلاله". ووُلد "فرانز فانون" في 20 جويلية 1925 بمدينة "فور دو فرانس" في جزر المارتينيك لعائلة من الطبقة الوسطى. وانضم في سن 18 إلى قوات فرنسا الحرة خلال الحرب العالمية الثانية وهناك واجه لأول مرة التمييز العنصري رغم تضحياته. وإثر نهاية الحرب تابع دراسته في مدينة ليون الفرنسية حيث تخصص في الطب النفسي وكتب رسالته الشهيرة التي تحولت إلى كتابه الأول: "بشرة سوداء أقنعة بيضاء" سنة 1952. وفي سنة 1953، عُيِّن طبيبا رئيسيا في مستشفى الأمراض العقلية بالبليدة في الجزائر. وهناك واجه واقع الاستعمار النفسي وبدأ بتطوير نظريات علاجية تعالج آثار الاحتلال على نفسية الشعوب المضطهدة. خلال ثورة التحرير الجزائرية ، انضم إلى جبهة التحرير الوطني وعمل دبلوماسيا ممثلا لها في إفريقيا بعد نفيه إلى تونس سنة 1956. ومن أبرز مؤلفاته "العام الخامس للثورة الجزائرية" (1959) و"معذبو الأرض" (1961)، وهو إصدار حمل تقديم الفيلسوف "جان بول سارتر". وتوفي "فانون" في واشنطن يوم 6 ديسمبر 1961 بسبب مرض السرطان دون أن يشهد استقلال الجزائر الذي ناضل من أجله. ورغم رحيله المبكر، بقيت أفكاره تُدرّس وتناقش في جامعات العالم واعتُبر أحد أبرز رموز الفكر المناهض للاستعمار ومؤسسا مبكرا لما يُعرف اليوم ب"الدراسات ما بعد الكولونيالية".