#أحدث الأخبار مع #بتاح_حتبأخبار السياحةمنذ 14 ساعاتترفيهأخبار السياحةدكتورة ميرنا القاضي تكتب: هل عرف المصريون القدماء التنمّر؟قراءة أخلاقية في ضمير أمة عمرها آلاف السنين تساءلتْ إحدى الطالبات في فضول طفولي ذكي:'هو يا دكتورة، كان فيه تنمّر أيام الفراعنة؟ كانوا بيتريقوا على بعض؟' سؤال ظاهره بسيط، لكنه في جوهره عميق وعابر للزمن. هل مارس المصري القديم شكلاً من أشكال الإيذاء النفسي أو السخرية من الآخر؟ وهل كان لهذا السلوك اسم؟ وهل واجهته المنظومة الأخلاقية الصارمة التي قامت عليها حضارة وُصفت بأنها ضمير الإنسانية منذ فجرها؟. الجواب: نعم، عُرفت بعض ممارسات ما نُسميه اليوم بـ'التنمّر' في المجتمع المصري القديم، وإن لم يُصَغ لها اسم بهذا المعنى الحديث. فقد تجسّدت في صور السخرية، الإهانة، التمييز الطبقي أو العرقي، لكنها لم تكن سلوكًا مقبولًا أو معزولًا عن النقد. بل واجهها المصري القديم بمنظومة أخلاقية متجذّرة في وعيه الجمعي، كانت تُدين الأذى بكل أشكاله وتُعلي من قيمة الآخر، مهما كان موقعه. أدب الحكمة يحذّر من اللسان الجارح في نصوص الأدب التعليمي مثل تعاليم بتاح حتب (القرن الخامس والعشرون ق.م)، نقرأ وصايا أخلاقية توجه الإنسان نحو احترام الآخرين وضبط النفس:'لا تفتخر بعلمك، ولا تنظر لمن هم دونك باحتقار، فإن الحكمة قد تُوجد عند من هو أقل منك'. وفي تعاليم كاجمني، نجد نبرة رحيمة في التعامل مع الضعفاء: 'لا تكن قاسي القلب مع الفقير، ولا تسخر من منكس الرأس، فإن قلب الإله مع من وُضع على الأرض'، هذا الوعي الأخلاقي لا يشير فقط إلى وجود سلوكيات جارحة، بل يكشف عن إدراك عميق بأثر الكلمة والنظرة والاستهزاء، ويؤسس لفكرة المسؤولية المعنوية للفرد تجاه المجتمع. سخرية الفن: رسوم تهكّمية أم نقد اجتماعي؟ في دير المدينة، حيث عاش عمال مقابر الملوك، عُثر على رسوم جدارية كاريكاتيرية تصوّر البشر برؤوس حيوانات أو في أوضاع فكاهية، تُشير إلى وجود حس ساخر وربما نقد اجتماعي ضمني. لكنها لا تخلو من ملامح التهكم الجماعي، ما يجعلنا نتساءل: هل كانت هذه الرسوم مجرد ترفيه؟ أم أداة ضغط اجتماعي؟ تمييزٌ بين الشعوب في النصوص الرسمية في النقوش العسكرية أو السياسية، يُستخدم أحيانًا وصفٌ سلبي للشعوب الأجنبية، ما يعكس نوعًا من التمييز القومي. هذا التوصيف قد يحمل في طياته نظرة دونية أو تبريرًا أخلاقيًا للحروب، وهو أحد أشكال الإقصاء الذي نربطه اليوم بخطاب الكراهية أو 'التنمر الجمعي' في صورته الحديثة. الماعت: القانون الأخلاقي الذي يُدين التنمّر غير أن ما يميز الحضارة المصرية القديمة هو تأسيسها لقيم أخلاقية مطلقة تُعرف باسم 'ماعت'، والتي تجمع بين النظام، الحق، العدل، والانسجام الكوني. وقد تجلّت هذه القيم ليس فقط في القوانين والدين، بل في الضمير الشخصي للفرد المصري. في كتاب الموتى، يقرّ المتوفى أمام محكمة أوزير باعترافات تُشبه في مضمونها براءة من ممارسات التنمّر: 'لم أُثر الشقاق بين الناس، لم أُطلق الشتائم، لم أُسِئ للعبد أمام سيده، لم أرفع صوتي على من هو ضعيف'. بل إن بعض هذه الاعترافات تُقدَّم كشرط أساسي للنجاة في العالم الآخر، مما يُبرز أن السلوك الاجتماعي لم يكن شأناً دنيوياً فقط، بل مصيريًا. خلاصة القول لم يعرف المصري القديم 'التنمّر' كمصطلح، لكنه أدرك فعليًا أبعاده ومخاطره. وقد ترك لنا نصوصًا تدعو لاحترام الآخر وتدين السلوك الجارح، وتُقدّم نموذجًا لحضارة أدركت قيمة الإنسان منذ ميلادها، فوضعت الكلمة ضمن دوائر العدل، والهَمسة ضمن ميزان الحساب. وفي الوقت الذي تتسابق فيه دول اليوم لسنّ قوانين تحمي ضحايا التنمّر، نجد أن حضارة قامت منذ آلاف السنين قد أدرجت هذه القيم في قلب ديانتها، وفي صلب تعليمها، وفي ضمير كل فرد من أبنائها.
أخبار السياحةمنذ 14 ساعاتترفيهأخبار السياحةدكتورة ميرنا القاضي تكتب: هل عرف المصريون القدماء التنمّر؟قراءة أخلاقية في ضمير أمة عمرها آلاف السنين تساءلتْ إحدى الطالبات في فضول طفولي ذكي:'هو يا دكتورة، كان فيه تنمّر أيام الفراعنة؟ كانوا بيتريقوا على بعض؟' سؤال ظاهره بسيط، لكنه في جوهره عميق وعابر للزمن. هل مارس المصري القديم شكلاً من أشكال الإيذاء النفسي أو السخرية من الآخر؟ وهل كان لهذا السلوك اسم؟ وهل واجهته المنظومة الأخلاقية الصارمة التي قامت عليها حضارة وُصفت بأنها ضمير الإنسانية منذ فجرها؟. الجواب: نعم، عُرفت بعض ممارسات ما نُسميه اليوم بـ'التنمّر' في المجتمع المصري القديم، وإن لم يُصَغ لها اسم بهذا المعنى الحديث. فقد تجسّدت في صور السخرية، الإهانة، التمييز الطبقي أو العرقي، لكنها لم تكن سلوكًا مقبولًا أو معزولًا عن النقد. بل واجهها المصري القديم بمنظومة أخلاقية متجذّرة في وعيه الجمعي، كانت تُدين الأذى بكل أشكاله وتُعلي من قيمة الآخر، مهما كان موقعه. أدب الحكمة يحذّر من اللسان الجارح في نصوص الأدب التعليمي مثل تعاليم بتاح حتب (القرن الخامس والعشرون ق.م)، نقرأ وصايا أخلاقية توجه الإنسان نحو احترام الآخرين وضبط النفس:'لا تفتخر بعلمك، ولا تنظر لمن هم دونك باحتقار، فإن الحكمة قد تُوجد عند من هو أقل منك'. وفي تعاليم كاجمني، نجد نبرة رحيمة في التعامل مع الضعفاء: 'لا تكن قاسي القلب مع الفقير، ولا تسخر من منكس الرأس، فإن قلب الإله مع من وُضع على الأرض'، هذا الوعي الأخلاقي لا يشير فقط إلى وجود سلوكيات جارحة، بل يكشف عن إدراك عميق بأثر الكلمة والنظرة والاستهزاء، ويؤسس لفكرة المسؤولية المعنوية للفرد تجاه المجتمع. سخرية الفن: رسوم تهكّمية أم نقد اجتماعي؟ في دير المدينة، حيث عاش عمال مقابر الملوك، عُثر على رسوم جدارية كاريكاتيرية تصوّر البشر برؤوس حيوانات أو في أوضاع فكاهية، تُشير إلى وجود حس ساخر وربما نقد اجتماعي ضمني. لكنها لا تخلو من ملامح التهكم الجماعي، ما يجعلنا نتساءل: هل كانت هذه الرسوم مجرد ترفيه؟ أم أداة ضغط اجتماعي؟ تمييزٌ بين الشعوب في النصوص الرسمية في النقوش العسكرية أو السياسية، يُستخدم أحيانًا وصفٌ سلبي للشعوب الأجنبية، ما يعكس نوعًا من التمييز القومي. هذا التوصيف قد يحمل في طياته نظرة دونية أو تبريرًا أخلاقيًا للحروب، وهو أحد أشكال الإقصاء الذي نربطه اليوم بخطاب الكراهية أو 'التنمر الجمعي' في صورته الحديثة. الماعت: القانون الأخلاقي الذي يُدين التنمّر غير أن ما يميز الحضارة المصرية القديمة هو تأسيسها لقيم أخلاقية مطلقة تُعرف باسم 'ماعت'، والتي تجمع بين النظام، الحق، العدل، والانسجام الكوني. وقد تجلّت هذه القيم ليس فقط في القوانين والدين، بل في الضمير الشخصي للفرد المصري. في كتاب الموتى، يقرّ المتوفى أمام محكمة أوزير باعترافات تُشبه في مضمونها براءة من ممارسات التنمّر: 'لم أُثر الشقاق بين الناس، لم أُطلق الشتائم، لم أُسِئ للعبد أمام سيده، لم أرفع صوتي على من هو ضعيف'. بل إن بعض هذه الاعترافات تُقدَّم كشرط أساسي للنجاة في العالم الآخر، مما يُبرز أن السلوك الاجتماعي لم يكن شأناً دنيوياً فقط، بل مصيريًا. خلاصة القول لم يعرف المصري القديم 'التنمّر' كمصطلح، لكنه أدرك فعليًا أبعاده ومخاطره. وقد ترك لنا نصوصًا تدعو لاحترام الآخر وتدين السلوك الجارح، وتُقدّم نموذجًا لحضارة أدركت قيمة الإنسان منذ ميلادها، فوضعت الكلمة ضمن دوائر العدل، والهَمسة ضمن ميزان الحساب. وفي الوقت الذي تتسابق فيه دول اليوم لسنّ قوانين تحمي ضحايا التنمّر، نجد أن حضارة قامت منذ آلاف السنين قد أدرجت هذه القيم في قلب ديانتها، وفي صلب تعليمها، وفي ضمير كل فرد من أبنائها.