#أحدث الأخبار مع #بلفوIndependent عربية٠٧-٠٥-٢٠٢٥صحةIndependent عربيةاضطراب النشاط المفرط... تأخر التشخيص ضحيته الطفلتشير الأرقام إلى ارتفاع ملحوظ في معدلات الإصابة بقلة التركيز والنشاط المفرط (ADHD) مقارنة مع ما كانت عليه قبل أعوام مضت، وتدل التقديرات على أن قرابة 404 مليون راشد حول العالم مصاب بالاضطراب، وأن نسبة الإصابة به بين الأطفال والمراهقين بلغت ثمانية في المئة في العالم، مع تسجيل ضعف معدلات الإصابة بين الصبيان مقارنة مع الفتيات. ومن منا لا يعرف صديقاً أو أحد المقربين ولديه طفلاً مصاب بالاضطراب، وكأنها تحولت إلى آفة العصر، وفق ما تظهره الأرقام المقلقة، حتى إن كثيراً من المشاهير يعانون هذا الاضطراب وقد أعلنوا ذلك، أمثال إيما واتسون وباريس هيلتون وجاستن تمبرليك وبيل غيتس وبريتني سبيرز، لذلك لا يمكن إلا أن نتساءل حول الأسباب الحقيقية وراء هذا الانتشار الواسع، فهل هذه الزيادة يمكن أن ترتبط بصورة أو أخرى بنمط الحياة السائد اليوم أو لأسباب أخرى؟ أسباب خفية لاضطراب يصيب مئات الملايين يبدو اضطراب قلة التركيز والنشاط المفرط كأحد أكثر اضطرابات النمو العصبي شيوعاً في أيامنا هذه، وفي معظم الحالات تظهر أعراضه قبل سن الـ 12، وإن كانت أولى العلامات قد تظهر من أول أعوام الحياة، وعلى رغم التطور الواضح في سبل التشخيص لا يزال تأخير التشخيص يطاول بعض الاضطرابات، خصوصاً أنها مسألة لا تحصل بطريقة عشوائية وترتكز على معايير عدة، وفق ما يوضحه رئيس قسم الأمراض النفسية في مركز "بلفو" الطبي إيلي عطالله، بأن اضطراب قلة التركيز والنشاط المفرط لا يشخص خلال جلسة واحدة، بل هي عملية دقيقة تستدعي جلسات عدة. أما ارتفاع أرقام المصابين فلا يعود بصورة أساس لعوامل معينة أسهمت في ذلك، بل إلى التطور الحاصل على مستوى التشخيص، إضافة إلى الوعي الزائد حول الاضطراب بين الأطباء من مختلف الاختصاصات والاختصاصيين النفسيين والأهل والقيّمين على المدارس، أما في ما عدا ذلك فلا ينكر عطالله أنه من الممكن أن تكون عوامل معينة قد أسهمت في ارتفاع معدلات الإصابة باضطراب قلة التركيز وفرط النشاط، لكن لا يمكن ربط ذلك بسبب واحد لأن هذا الاضطراب ليس عبارة عن فيروس له سبب مباشر وواضح، هو اضطراب يولد مع الطفل، ويرتبط بنمو القدرات الإدراكية والفكرية لديه، وتظهر أعراضه في الطفولة أو قبل مرحلة المراهقة، وبالتالي لا يمكن التحدث عن أية علاقة مع المحيط ومع عوامل خارجية معينة، كونه اضطراباً يولد مع الطفل حكماً. وفي المقابل هناك عوامل ترتبط بتكوين الدماغ وعوامل جينية، أو حتى عوامل تتعرض لها الأم أثناء الحمل تزيد خطر الإصابة به، مع الإشارة إلى أن ثمة أشخاصاً مصابين بالاضطراب، ولم يتعرضوا لأي من العوامل التي قد تسهم في ذلك. وبصورة عامة زاد الوعي اليوم حول الصعوبات التعلمية وأيضاً على اضطراب نقص التركيز وفرط النشاط، مقارنة مع ما كان عليه الوضع قبل أعوام مضت، مما ينعكس بصورة طبيعية على الأرقام. وتلاحظ أعراض الاضطراب في مرحلة الطفولة إلا أن الفترة المطلوبة للتشخيص قد تختلف بحسب مدى وضوح الأعراض، وما إذا كان الاضطراب خفيفاً أو أكثر حدة، وبما أنه يأتي بدرجات متفاوتة فمن الممكن أن تظهر لدى الأطفال أعراض ترتبط بنقص التركيز وحده في ما يُعرف بالـ (ADD) وتنعكس في النتائج المدرسية والعلامات بصورة أساس. ويمكن أن يتأخر التشخيص عندها، أو أحياناً قد تظهر أعراض ترتبط بفرط النشاط، أو ربما قد تظهر الأعراض كافة في الوقت نفسه، وقد تكون أعراض فرط النشاط تلك التي تلفت النظر أكثر وتدعو إلى البحث عن التشخيص في مرحلة باكرة، مقارنة مع حالات تظهر فيها أعراض قصور الانتباه، فهي تظهر بصورة يصعب اعتبارها طبيعية، لأنها ليست عبارة عن نشاط زائد طبيعي للطفل. وقد تبدو هذه الأعراض طبيعية قبل سن أربعة أعوام، ومن الممكن أن لا تظهر بوضوح في صفوف صغيرة، لكن فيما ينمو الطفل ويدخل إلى المدرسة وتزيد الحاجة إلى التركيز في صفوف أعلى، تبدو أعراضه واضحة خصوصاً عندما يتفاعل مع أطفال آخرين، ويحتاج عندها إلى مساعدة ليحقق نتائج جيدة في المدرسة. تحديات وأعراض واضحة أحياناً وكثير من الأطفال يعانون صعوبات في المدرسة ويواجهون تحديات وقد لا يُتنبه لحالهم سريعاً، كما يحصل في كثير من الحالات، خصوصاً في حال عدم وجود نشاط مفرط يربطه الناس بهذا الاضطراب عادة، إذ يعتقد معظم الناس أن من يعانيه لا يكون قادراً على الجلوس لوقت طويل، ويتصورون أنه إذا لم يظهر ذلك على الطفل فهو لا يعاني مشكلة، لكن وجود أعراض معينة أو ظهورها لفترة قصيرة لا يعتبر معياراً أبداً في التشخيص، بل من المفترض أن تكون موجودة لمدة لا تقل عن ستة أشهر، وأيضاً أن تظهر في الظروف والأماكن كافة لا في ظروف معينة فقط، وإن كان من الممكن أن تختلف حدتها بحسب نوع النشاط الذي يقوم به الطفل، علماً أنه اضطراب يظهر أكثر لدى الصبيان، لكن قد يظهر أيضاً لدى الفتيات، ويُلاحظ أنه يظهر لدى الفتيات أكثر في قلة تركيز ولدى الصبيان في فرط النشاط، مما يمكن أن يؤثر أكثر في الأرقام والتشخيص، لأن أعراضه تكون أوضح عندها. أما أبرز الأعراض التي يمكن ملاحظتها لدى من يعانون نقص التركيز فهي تشتت الانتباه بسهولة، ففي أوقات التدريس يُلاحظ بأن الطفل لا يحفظ المعلومة لوقت طويل وكأنه يفقدها سريعاً، كما يواجه صعوبة في الحفظ ويضيّع أغراض، ويواجه صعوبات ترتيبها، وفي إنجاز أمور تتطلب منه مجهوداً فكرياً فيتجنبها وعلى صعيد الأعراض المرتبطة بالنشاط المفرط فتتمثل في الصعوبة في انتظار الدور أو الوقوف في الصف أو الإجابة من دون الاستماع إلى سؤال، ليبدو وكأنه متسرع في أجوبته، وكذلك التهور في التصرفات بصورة تضعه في مواجهة أخطار أحياناً، كما يمكن أن يكون الطفل الذي يعاني الاضطراب من النوع الذي يكثر الكلام من دون توقف وينتقل من فكرة إلى أخرى. وعلى رغم أن الاعراض يمكن أن تبدو واضحة، وعلى رغم التطور المهم الحاصل حالياً على مستوى التشخيص، يشدد عطالله على عدم إمكان التشخيص بصورة عشوائية ولا يمكن القول إن كل طفل تظهر لديه أعراض معينة فهو مصاب باضطراب نقص التركيز والنشاط المفرط، كما يعتقد بعضهم، ليعود ويشدد على مسألة مدة ظهور الأعراض، إذ يجب ألا تكون محدودة في الزمن وأن تكون مستمرة في أماكن عدة وبصورة تؤثر فيه على المهمات التي يقوم بها، وعلى مستواه التعليمي ونتائجه المدرسية، فيُلاحظ أنه يتراجع في المدرسة ويواجه صعوبة في اللعب مع الأطفال والدخول في المجتمع بصورة طبيعية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتابع عطالله أن "ما يجب توضيحه أن أعراض اضطراب فرط النشاط وقلة التركيز ليست محصورة فيه، بل قد ترتبط في قسم منها باضطرابات نفسية معينة مثل الاكتئاب، فيمكن ملاحظة أحياناً الأعراض نفسها لدى مصاب بالاكتئاب، ومن هنا تتضح أهمية التشخيص الدقيق من قبل اختصاصي في علم النفس أو طبيب أمراض نفسية، مع تقويم دقيق للوضع الصحي ونمو الطفل، وقد تكون هناك حاجة إلى العودة للطفولة ومرحلة حمل الأم، والتأكد ما إذا كان معدل نموه ملائماً لسنّه". وأوضح المتحدث أنه "يمكن إجراء فحص للقدرات الذهنية للتحقق، ومن خلال ألعاب معينة وأنشطة يقوم بها الطفل في الجلسات لمعرفة ما إذا كان يعاني انفعالية في التفكير، كما يجب أيضاً التأكد من العلاج المناسب كونه يختلف بحسب الحالة، حتى إنه من الممكن الاعتماد أحياناً على تقارير من المدرسة في ذلك، وفيما يؤكد التشخيص الطبيب النفسي فيمكن أن يساعد المعالج النفسي في الفحوص التي يجريها قبل التوصل إلى التشخيص النهائي". تأخير التشخيص أصعب التحديات وقد يكون تأخر التشخيص من أصعب التحديات التي يمكن أن يواجهها الأهل والطفل أيضاً، فمن الممكن ألا تكشف حال الطفل في مرحلة باكرة مما يزيد المعاناة طوال أشهر أو أعوام ربما، وهذا ما تنقله كاتيا ياسمين التي عانت طويلاً بسبب التأخير في تشخيص حال ابنها، وتذكر أنه كان بعمر الـ 11 سنة حين بدأت رحلة المعاناة، أما أول ما كان من الممكن ملاحظته فهو سوء خط ابنها في الكتابة ونشاطه المفرط في الصف، مما استدعى شكاوى عدة منه في المدرسة لأنه لا يجلس لوقت طويل، علماً أنه كان أيضاً يظهر نشاطاً مفرطاً في الحضانة، لكن الأهل اعتبروها حالاً عادية لديه، وحتى عندما تكررت الشكاوى في صفوف صغيرة في المدرسة. وأيضاً لوحظ تراجع تدرجي في نتائجه المدرسية بعد أن كانت علاماته مرتفعة جداً في صفوف صغرى، ولم يخطر ببال أهله آنذاك أنه قد يكون مصاباً باضطراب (ADHD)، خصوصاً أن ما فكرت به الأم هو احتمال أن يكون ابنها مصاب بضرر نفسي ما، وقد انعكس ذلك على سلوكه ونتائجه المدرسية، فقررت اصطحابه إلى اختصاصي في علم النفس. وكانت مرحلة في غاية الصعوبة، خصوصاً أن المدرسة لم تتفهم الحالة ولم تكن هناك متابعة جدية من قبل خبيرة علم النفس، وتتابع ياسمين "اصطحبنا ابني إلى خبيرة علم نفس، وقد كانت رحلة طويلة قبل التوصل إلى التشخيص الصحيح، فطوال جلسات عدة كانت تقابل ابني وتميل إلى تبني احتمال أن تكون ظروف عملي المستمر وغيابي عنه لساعات سبب المشكلة النفسية التي يعانيها، مما ولّد شعوراً مؤلماً بالذنب لدي لإحساسي بالتقصير تجاهه، خصوصاً بعد أن طرحت علي أسئلة في شأن ما إذا كنت أرغب بإنجابه حين حملت به، وبعد أربع جلسات أجري له الفحص الذي أكد إصابته بالـ ADHD بدرجة لا تعتبر متقدمة، وكان من المفترض عندها أن تطبق المدرسة توصيات خبيرة علم النفس لمساعدته، لكن بعد أشهر عدة لم يحصل أي تحسن في نتائجه المدرسية حتى مع قدوم العام الدراسي الجديد". ولم يكن من الممكن ملاحظة تحسن في المدرسة من النواحي كافة، فانتقلت العائلة إلى طبيب أمراض نفسية لأن المدرسة تفضل أن يكون الطفل أكثر هدوءاً مما يستدعي اللجوء إلى الأدوية، وصحيح أن الأم كانت ترفض الفكرة إلا أنها رضخت للأمر الواقع بعد أن أقنعتها خبيرة علم النفس بأن الدواء قد يكون ضرورياً ليعمل الدماغ بمختلف وظائفه بصورة طبيعية، ويتمكن الطفل من السيطرة على سلوكياته وعواطفه، وبغير ذلك فلا رادع يقف أمامه وسيكون متهوراً، وكانت النتيجة أن أصبح الطفل يتناول الأدوية المطلوبة في عمر 12 سنة، فأصبح هادئاً بصورة مبالغ فيها ولا ردود فعل له ويعاني كسلاً زائداً دون أن يفهم السبب وراء ذلك، وفق ياسمين. وبحسب الأم فما كان إيجابياً أن نتائجه الدراسية تحسنت بالفعل ، وعندما بدأت جائحة كورونا انتقل إلى التعليم عن بعد، وقررت والدته عندها أن توقف الدواء تلقائياً لأنها لم تكن تحبذه، وكانت تخشى آثاره الجانبية، لكن بعد وقف الدواء أصبح عاجزاً عن التركيز على التعليم عن بعد، وأحضرت له أستاذاً يرافقه في التعليم في المنزل، وعلى رغم ذلك تراجعت علاماته مما دعا المدرسة إلى المطالبة بأن يأخذ الدواء حتى لا ترفضه الإدارة بسبب نتائجه، ولأن العائلة كانت ترفض إعطاءه الدواء فقد نُقل إلى مدرسة أخرى كانت أكثر استيعاباً لحالته بوجود 15 ولداً في الصف، وحيث جرى التعامل معه بالشكل المناسب لحالته. اليوم أصبح طالباً جامعياً في السنة الأولى ومن المتفوقين، وانطلاقاً من هذه التجربة الصعبة التي مرت بها، تشير ياسمين إلى أهمية الدور الذي تلعبه المدرسة في إحاطة الطفل ومتابعته، والتعامل مع حاله بالشكل المناسب، فإما أن تسهم في نجاحه وتخطي التجربة أو في فشله، من دون أن ننسى المسار الطويل بما له من تبعات مادية ونفقات قد لا يتمكن الأهل دوماً من تحملها. العلاج الدوائي ضروري أحياناً قبل الدواء تبرز أهمية المتابعة النفسية والتربوية لاعتباره اضطراباً له علاقة بالدماغ، حتى إن ثمة أدوية تساعد في إطار العلاج النفسي، لأن الصحة النفسية تتأثر بسبب تراجع الثقة بالنفس والميل إلى الكآبة أحياناً والشعور بالعجز، وإضافة إلى المتابعة النفسية فثمة أهمية كبرى للمتابعة مع الأهل والمتابعة التربوية، فكلاهما جوهري أيضاً، وهذا ما تبين أنه يشكل عنصراً أساساً في متابعة حالات اضطراب قلة التركيز وفرط النشاط، ولذلك أصبحت هذه من الإستراتيجيات العلاجية الأساس في هذا المجال على مستوى عالمي لمساعدة الطفل بالصورة المناسبة عبر إحاطة شاملة. وعلى رغم أهمية هذه المتابعة، وصحيح أنه من الممكن أن تنجح هذه المساعي، فإنه يمكن أن لا تكون كافية لمساعدة الطفل بصورة مثلى، وإن كانت ضرورية، وفق ما يوضحه عطالله، فقد تكون هناك حاجة إلى الدواء، لكن قد لا يكون من الضروري تناوله طوال الوقت بل يمكن وقفه خلال فترات معينة، كما في العطلات مثلاً، ليرتاح الطفل منه، ويمكن أن تكون هناك حاجة إليه للسيطرة على فرط النشاط، وحتى يتمكن الطفل من التركيز على دراسته ويحقق النتائج المرجوة، ويشير عطالله إلى أنه لا آثار جانبية مقلقة للدواء، واللجوء إليه إيجابي لتحسين وظائف الدماغ حتى يركز ويتخذ القرارات الصحيحة ويتجنب التهور. ومع تأخير التشخيص يمر الأهل بتحديات كثيرة مع ما يرافق ذلك من شعور بالذنب، خصوصاً بعد أن يدركوا أنهم ظلموا أبناءهم، لكن عطالله يشدد على أنه ليس للأهل أي ذنب في الإصابة بهذا الاضطراب ولا في تأخير التشخيص، ولا يمكن إلا أن يرافقوا أولادهم ويضعوهم على المسار الصحيح ليصلوا إلى بر الأمان في مرحلة من المراحل، من دون أن يلوموا أنفسهم، فهي حال يمكن تخطيها بالمتابعة المناسبة.
Independent عربية٠٧-٠٥-٢٠٢٥صحةIndependent عربيةاضطراب النشاط المفرط... تأخر التشخيص ضحيته الطفلتشير الأرقام إلى ارتفاع ملحوظ في معدلات الإصابة بقلة التركيز والنشاط المفرط (ADHD) مقارنة مع ما كانت عليه قبل أعوام مضت، وتدل التقديرات على أن قرابة 404 مليون راشد حول العالم مصاب بالاضطراب، وأن نسبة الإصابة به بين الأطفال والمراهقين بلغت ثمانية في المئة في العالم، مع تسجيل ضعف معدلات الإصابة بين الصبيان مقارنة مع الفتيات. ومن منا لا يعرف صديقاً أو أحد المقربين ولديه طفلاً مصاب بالاضطراب، وكأنها تحولت إلى آفة العصر، وفق ما تظهره الأرقام المقلقة، حتى إن كثيراً من المشاهير يعانون هذا الاضطراب وقد أعلنوا ذلك، أمثال إيما واتسون وباريس هيلتون وجاستن تمبرليك وبيل غيتس وبريتني سبيرز، لذلك لا يمكن إلا أن نتساءل حول الأسباب الحقيقية وراء هذا الانتشار الواسع، فهل هذه الزيادة يمكن أن ترتبط بصورة أو أخرى بنمط الحياة السائد اليوم أو لأسباب أخرى؟ أسباب خفية لاضطراب يصيب مئات الملايين يبدو اضطراب قلة التركيز والنشاط المفرط كأحد أكثر اضطرابات النمو العصبي شيوعاً في أيامنا هذه، وفي معظم الحالات تظهر أعراضه قبل سن الـ 12، وإن كانت أولى العلامات قد تظهر من أول أعوام الحياة، وعلى رغم التطور الواضح في سبل التشخيص لا يزال تأخير التشخيص يطاول بعض الاضطرابات، خصوصاً أنها مسألة لا تحصل بطريقة عشوائية وترتكز على معايير عدة، وفق ما يوضحه رئيس قسم الأمراض النفسية في مركز "بلفو" الطبي إيلي عطالله، بأن اضطراب قلة التركيز والنشاط المفرط لا يشخص خلال جلسة واحدة، بل هي عملية دقيقة تستدعي جلسات عدة. أما ارتفاع أرقام المصابين فلا يعود بصورة أساس لعوامل معينة أسهمت في ذلك، بل إلى التطور الحاصل على مستوى التشخيص، إضافة إلى الوعي الزائد حول الاضطراب بين الأطباء من مختلف الاختصاصات والاختصاصيين النفسيين والأهل والقيّمين على المدارس، أما في ما عدا ذلك فلا ينكر عطالله أنه من الممكن أن تكون عوامل معينة قد أسهمت في ارتفاع معدلات الإصابة باضطراب قلة التركيز وفرط النشاط، لكن لا يمكن ربط ذلك بسبب واحد لأن هذا الاضطراب ليس عبارة عن فيروس له سبب مباشر وواضح، هو اضطراب يولد مع الطفل، ويرتبط بنمو القدرات الإدراكية والفكرية لديه، وتظهر أعراضه في الطفولة أو قبل مرحلة المراهقة، وبالتالي لا يمكن التحدث عن أية علاقة مع المحيط ومع عوامل خارجية معينة، كونه اضطراباً يولد مع الطفل حكماً. وفي المقابل هناك عوامل ترتبط بتكوين الدماغ وعوامل جينية، أو حتى عوامل تتعرض لها الأم أثناء الحمل تزيد خطر الإصابة به، مع الإشارة إلى أن ثمة أشخاصاً مصابين بالاضطراب، ولم يتعرضوا لأي من العوامل التي قد تسهم في ذلك. وبصورة عامة زاد الوعي اليوم حول الصعوبات التعلمية وأيضاً على اضطراب نقص التركيز وفرط النشاط، مقارنة مع ما كان عليه الوضع قبل أعوام مضت، مما ينعكس بصورة طبيعية على الأرقام. وتلاحظ أعراض الاضطراب في مرحلة الطفولة إلا أن الفترة المطلوبة للتشخيص قد تختلف بحسب مدى وضوح الأعراض، وما إذا كان الاضطراب خفيفاً أو أكثر حدة، وبما أنه يأتي بدرجات متفاوتة فمن الممكن أن تظهر لدى الأطفال أعراض ترتبط بنقص التركيز وحده في ما يُعرف بالـ (ADD) وتنعكس في النتائج المدرسية والعلامات بصورة أساس. ويمكن أن يتأخر التشخيص عندها، أو أحياناً قد تظهر أعراض ترتبط بفرط النشاط، أو ربما قد تظهر الأعراض كافة في الوقت نفسه، وقد تكون أعراض فرط النشاط تلك التي تلفت النظر أكثر وتدعو إلى البحث عن التشخيص في مرحلة باكرة، مقارنة مع حالات تظهر فيها أعراض قصور الانتباه، فهي تظهر بصورة يصعب اعتبارها طبيعية، لأنها ليست عبارة عن نشاط زائد طبيعي للطفل. وقد تبدو هذه الأعراض طبيعية قبل سن أربعة أعوام، ومن الممكن أن لا تظهر بوضوح في صفوف صغيرة، لكن فيما ينمو الطفل ويدخل إلى المدرسة وتزيد الحاجة إلى التركيز في صفوف أعلى، تبدو أعراضه واضحة خصوصاً عندما يتفاعل مع أطفال آخرين، ويحتاج عندها إلى مساعدة ليحقق نتائج جيدة في المدرسة. تحديات وأعراض واضحة أحياناً وكثير من الأطفال يعانون صعوبات في المدرسة ويواجهون تحديات وقد لا يُتنبه لحالهم سريعاً، كما يحصل في كثير من الحالات، خصوصاً في حال عدم وجود نشاط مفرط يربطه الناس بهذا الاضطراب عادة، إذ يعتقد معظم الناس أن من يعانيه لا يكون قادراً على الجلوس لوقت طويل، ويتصورون أنه إذا لم يظهر ذلك على الطفل فهو لا يعاني مشكلة، لكن وجود أعراض معينة أو ظهورها لفترة قصيرة لا يعتبر معياراً أبداً في التشخيص، بل من المفترض أن تكون موجودة لمدة لا تقل عن ستة أشهر، وأيضاً أن تظهر في الظروف والأماكن كافة لا في ظروف معينة فقط، وإن كان من الممكن أن تختلف حدتها بحسب نوع النشاط الذي يقوم به الطفل، علماً أنه اضطراب يظهر أكثر لدى الصبيان، لكن قد يظهر أيضاً لدى الفتيات، ويُلاحظ أنه يظهر لدى الفتيات أكثر في قلة تركيز ولدى الصبيان في فرط النشاط، مما يمكن أن يؤثر أكثر في الأرقام والتشخيص، لأن أعراضه تكون أوضح عندها. أما أبرز الأعراض التي يمكن ملاحظتها لدى من يعانون نقص التركيز فهي تشتت الانتباه بسهولة، ففي أوقات التدريس يُلاحظ بأن الطفل لا يحفظ المعلومة لوقت طويل وكأنه يفقدها سريعاً، كما يواجه صعوبة في الحفظ ويضيّع أغراض، ويواجه صعوبات ترتيبها، وفي إنجاز أمور تتطلب منه مجهوداً فكرياً فيتجنبها وعلى صعيد الأعراض المرتبطة بالنشاط المفرط فتتمثل في الصعوبة في انتظار الدور أو الوقوف في الصف أو الإجابة من دون الاستماع إلى سؤال، ليبدو وكأنه متسرع في أجوبته، وكذلك التهور في التصرفات بصورة تضعه في مواجهة أخطار أحياناً، كما يمكن أن يكون الطفل الذي يعاني الاضطراب من النوع الذي يكثر الكلام من دون توقف وينتقل من فكرة إلى أخرى. وعلى رغم أن الاعراض يمكن أن تبدو واضحة، وعلى رغم التطور المهم الحاصل حالياً على مستوى التشخيص، يشدد عطالله على عدم إمكان التشخيص بصورة عشوائية ولا يمكن القول إن كل طفل تظهر لديه أعراض معينة فهو مصاب باضطراب نقص التركيز والنشاط المفرط، كما يعتقد بعضهم، ليعود ويشدد على مسألة مدة ظهور الأعراض، إذ يجب ألا تكون محدودة في الزمن وأن تكون مستمرة في أماكن عدة وبصورة تؤثر فيه على المهمات التي يقوم بها، وعلى مستواه التعليمي ونتائجه المدرسية، فيُلاحظ أنه يتراجع في المدرسة ويواجه صعوبة في اللعب مع الأطفال والدخول في المجتمع بصورة طبيعية. اقرأ المزيد يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field) وتابع عطالله أن "ما يجب توضيحه أن أعراض اضطراب فرط النشاط وقلة التركيز ليست محصورة فيه، بل قد ترتبط في قسم منها باضطرابات نفسية معينة مثل الاكتئاب، فيمكن ملاحظة أحياناً الأعراض نفسها لدى مصاب بالاكتئاب، ومن هنا تتضح أهمية التشخيص الدقيق من قبل اختصاصي في علم النفس أو طبيب أمراض نفسية، مع تقويم دقيق للوضع الصحي ونمو الطفل، وقد تكون هناك حاجة إلى العودة للطفولة ومرحلة حمل الأم، والتأكد ما إذا كان معدل نموه ملائماً لسنّه". وأوضح المتحدث أنه "يمكن إجراء فحص للقدرات الذهنية للتحقق، ومن خلال ألعاب معينة وأنشطة يقوم بها الطفل في الجلسات لمعرفة ما إذا كان يعاني انفعالية في التفكير، كما يجب أيضاً التأكد من العلاج المناسب كونه يختلف بحسب الحالة، حتى إنه من الممكن الاعتماد أحياناً على تقارير من المدرسة في ذلك، وفيما يؤكد التشخيص الطبيب النفسي فيمكن أن يساعد المعالج النفسي في الفحوص التي يجريها قبل التوصل إلى التشخيص النهائي". تأخير التشخيص أصعب التحديات وقد يكون تأخر التشخيص من أصعب التحديات التي يمكن أن يواجهها الأهل والطفل أيضاً، فمن الممكن ألا تكشف حال الطفل في مرحلة باكرة مما يزيد المعاناة طوال أشهر أو أعوام ربما، وهذا ما تنقله كاتيا ياسمين التي عانت طويلاً بسبب التأخير في تشخيص حال ابنها، وتذكر أنه كان بعمر الـ 11 سنة حين بدأت رحلة المعاناة، أما أول ما كان من الممكن ملاحظته فهو سوء خط ابنها في الكتابة ونشاطه المفرط في الصف، مما استدعى شكاوى عدة منه في المدرسة لأنه لا يجلس لوقت طويل، علماً أنه كان أيضاً يظهر نشاطاً مفرطاً في الحضانة، لكن الأهل اعتبروها حالاً عادية لديه، وحتى عندما تكررت الشكاوى في صفوف صغيرة في المدرسة. وأيضاً لوحظ تراجع تدرجي في نتائجه المدرسية بعد أن كانت علاماته مرتفعة جداً في صفوف صغرى، ولم يخطر ببال أهله آنذاك أنه قد يكون مصاباً باضطراب (ADHD)، خصوصاً أن ما فكرت به الأم هو احتمال أن يكون ابنها مصاب بضرر نفسي ما، وقد انعكس ذلك على سلوكه ونتائجه المدرسية، فقررت اصطحابه إلى اختصاصي في علم النفس. وكانت مرحلة في غاية الصعوبة، خصوصاً أن المدرسة لم تتفهم الحالة ولم تكن هناك متابعة جدية من قبل خبيرة علم النفس، وتتابع ياسمين "اصطحبنا ابني إلى خبيرة علم نفس، وقد كانت رحلة طويلة قبل التوصل إلى التشخيص الصحيح، فطوال جلسات عدة كانت تقابل ابني وتميل إلى تبني احتمال أن تكون ظروف عملي المستمر وغيابي عنه لساعات سبب المشكلة النفسية التي يعانيها، مما ولّد شعوراً مؤلماً بالذنب لدي لإحساسي بالتقصير تجاهه، خصوصاً بعد أن طرحت علي أسئلة في شأن ما إذا كنت أرغب بإنجابه حين حملت به، وبعد أربع جلسات أجري له الفحص الذي أكد إصابته بالـ ADHD بدرجة لا تعتبر متقدمة، وكان من المفترض عندها أن تطبق المدرسة توصيات خبيرة علم النفس لمساعدته، لكن بعد أشهر عدة لم يحصل أي تحسن في نتائجه المدرسية حتى مع قدوم العام الدراسي الجديد". ولم يكن من الممكن ملاحظة تحسن في المدرسة من النواحي كافة، فانتقلت العائلة إلى طبيب أمراض نفسية لأن المدرسة تفضل أن يكون الطفل أكثر هدوءاً مما يستدعي اللجوء إلى الأدوية، وصحيح أن الأم كانت ترفض الفكرة إلا أنها رضخت للأمر الواقع بعد أن أقنعتها خبيرة علم النفس بأن الدواء قد يكون ضرورياً ليعمل الدماغ بمختلف وظائفه بصورة طبيعية، ويتمكن الطفل من السيطرة على سلوكياته وعواطفه، وبغير ذلك فلا رادع يقف أمامه وسيكون متهوراً، وكانت النتيجة أن أصبح الطفل يتناول الأدوية المطلوبة في عمر 12 سنة، فأصبح هادئاً بصورة مبالغ فيها ولا ردود فعل له ويعاني كسلاً زائداً دون أن يفهم السبب وراء ذلك، وفق ياسمين. وبحسب الأم فما كان إيجابياً أن نتائجه الدراسية تحسنت بالفعل ، وعندما بدأت جائحة كورونا انتقل إلى التعليم عن بعد، وقررت والدته عندها أن توقف الدواء تلقائياً لأنها لم تكن تحبذه، وكانت تخشى آثاره الجانبية، لكن بعد وقف الدواء أصبح عاجزاً عن التركيز على التعليم عن بعد، وأحضرت له أستاذاً يرافقه في التعليم في المنزل، وعلى رغم ذلك تراجعت علاماته مما دعا المدرسة إلى المطالبة بأن يأخذ الدواء حتى لا ترفضه الإدارة بسبب نتائجه، ولأن العائلة كانت ترفض إعطاءه الدواء فقد نُقل إلى مدرسة أخرى كانت أكثر استيعاباً لحالته بوجود 15 ولداً في الصف، وحيث جرى التعامل معه بالشكل المناسب لحالته. اليوم أصبح طالباً جامعياً في السنة الأولى ومن المتفوقين، وانطلاقاً من هذه التجربة الصعبة التي مرت بها، تشير ياسمين إلى أهمية الدور الذي تلعبه المدرسة في إحاطة الطفل ومتابعته، والتعامل مع حاله بالشكل المناسب، فإما أن تسهم في نجاحه وتخطي التجربة أو في فشله، من دون أن ننسى المسار الطويل بما له من تبعات مادية ونفقات قد لا يتمكن الأهل دوماً من تحملها. العلاج الدوائي ضروري أحياناً قبل الدواء تبرز أهمية المتابعة النفسية والتربوية لاعتباره اضطراباً له علاقة بالدماغ، حتى إن ثمة أدوية تساعد في إطار العلاج النفسي، لأن الصحة النفسية تتأثر بسبب تراجع الثقة بالنفس والميل إلى الكآبة أحياناً والشعور بالعجز، وإضافة إلى المتابعة النفسية فثمة أهمية كبرى للمتابعة مع الأهل والمتابعة التربوية، فكلاهما جوهري أيضاً، وهذا ما تبين أنه يشكل عنصراً أساساً في متابعة حالات اضطراب قلة التركيز وفرط النشاط، ولذلك أصبحت هذه من الإستراتيجيات العلاجية الأساس في هذا المجال على مستوى عالمي لمساعدة الطفل بالصورة المناسبة عبر إحاطة شاملة. وعلى رغم أهمية هذه المتابعة، وصحيح أنه من الممكن أن تنجح هذه المساعي، فإنه يمكن أن لا تكون كافية لمساعدة الطفل بصورة مثلى، وإن كانت ضرورية، وفق ما يوضحه عطالله، فقد تكون هناك حاجة إلى الدواء، لكن قد لا يكون من الضروري تناوله طوال الوقت بل يمكن وقفه خلال فترات معينة، كما في العطلات مثلاً، ليرتاح الطفل منه، ويمكن أن تكون هناك حاجة إليه للسيطرة على فرط النشاط، وحتى يتمكن الطفل من التركيز على دراسته ويحقق النتائج المرجوة، ويشير عطالله إلى أنه لا آثار جانبية مقلقة للدواء، واللجوء إليه إيجابي لتحسين وظائف الدماغ حتى يركز ويتخذ القرارات الصحيحة ويتجنب التهور. ومع تأخير التشخيص يمر الأهل بتحديات كثيرة مع ما يرافق ذلك من شعور بالذنب، خصوصاً بعد أن يدركوا أنهم ظلموا أبناءهم، لكن عطالله يشدد على أنه ليس للأهل أي ذنب في الإصابة بهذا الاضطراب ولا في تأخير التشخيص، ولا يمكن إلا أن يرافقوا أولادهم ويضعوهم على المسار الصحيح ليصلوا إلى بر الأمان في مرحلة من المراحل، من دون أن يلوموا أنفسهم، فهي حال يمكن تخطيها بالمتابعة المناسبة.