منذ يوم واحد
نورة.. مشروع العمر
إلى كل أم وأب في منزلهما خرّيج هذا العام، خالص التهاني وأجمل التبريكات؛ فأنا أعيش هذا الشعور، مثلكم، ولأول مرة، وأجد من حلاوته ما تجدون، وتفيض مشاعري حبًّا وفخرًا وحمدًا لله على البلاغ كما تحسّون.
وبالرغم من أن أبناءنا يسكنون قلوبنا، إلا أنني تعمّدت اختيار كلمة المنزل؛ لأنه مصنع النجاح الذي يعمل فيه كل أب وأم ليجعلاه آمنًا مستقرًّا، وليخرج منه أبناؤنا متفوّقين أكاديميًّا، متوازنين نفسيًّا، ومتميّزين أخلاقيًّا.. فهذه التجارة الرابحة وللقصة تتمة.
بداية القصة، 'لكلٍّ من اسمه نصيب'، و'كل فرد يأخذ من صفات من تسمّى باسمه'، ولقد تخيّرنا أجمل الأسماء معنى، وأقرب الناس منزلة لنسمّي أبناءنا بأسمائهم.. هكذا اخترت اسم ابنتي البكر 'نورة' لتكون نورًا يضيء حياتي، ولتحمل اسم جدتها أمّ أبيها حفظها الله وأطال في عمرها، ولتنهل منها الهوية البحرينية من أصالة منطوق، وقيم مثلى، وقوة وبأس.. ولكلّ منكم رواية جميلة أخرى مع أسماء أبنائكم؛ فاحرصوا أن تبيّنوها لهم.
وهم يَخْطون خطواتهم الصغيرة الأولى، كنّا نخشى عليهم عبور الشارع فنوصلهم، ونحن نمسك أيديهم بحرص، إلى مدخل المدرسة، فتنزل دمعات عندما نتركهم في الحضانة أو المدرسة في اليوم الأول خوفًا عليهم، وحزنًا على فراقهم. ثمّ نبتسم ابتسامة عريضة عندما يبدأون تهجي الحروف، ونصفق لهم عندما يمسكون القلم بشكلٍ صحيح.
وبقينا نسهر على راحتهم عاما تلو الآخر لاجتياز السنة الدراسية بنجاح، وكم أخفينا فيها من منغصات كانت تجتاحنا لتدوم للمنزل سكينته، ولنوفر الأمان للطفل.
كنا نتابع تشكل شخصيّتهم ونحرص على تقويمها، وتقويتها لمواجهة الحياة، نغرس فيهم القيم الوطنية الجامعة والهوية البحرينية والثوابت المجتمعية والدينية التي تنطلق من المنزل من الأبوين فالأسرة أساس المجتمع.
ولا نلبث إلا قليلًا، حتى نكتشف أنّ الوقت سرق منا اللحظات سريعًا لندركَ يوم التخرج، يومَ يُتوَّجُ جهد أبنائنا وكفاحهم وحسّهم بالمسؤولية، يومَ يُتوَّجُ مشوار أب وأم لا يمكن أن تختزله الكلمات مهما تراكمت، ثمّ يخالجنا تساؤل يدور في الأذهان: هل انتهت القصة اليوم؟
ظلّ السؤال يحيّرني إلى حين تلقّيت اتصالَ تهنئة من أب لصديقة عزيزة، من شخصية بحرينية عصامية ناجحة نعتز بها، من السيد عبدالجليل الحمدان 'بو إبراهيم' هاتَفَنا بصوته الدافئ ليقول لي ولزوجي: 'مبروك تخرج بنتكم، هذا مشروع العمر.. أنْ توصلوا أبناءكم إلى هذه المرحلة ليس بالشيء السهل.. وستَجْنونَ أرباحه في المستقبل القريب بإذن الله'، كلمات من رجل خبير في عالم التجارة أثلجت صدورنا.
عندها أيقنت أن القصة في بدايتها، وأنّ 'مشروع العمر' الحقيقي هو أبناؤنا، وأنّ الشق الأول منه كفاح ومشقة، ولكن دونهما لن نجني 'الأرباح'.