أحدث الأخبار مع #تريتشركولينز

العربي الجديد

مواليد غزة... تشوهات خلقية نتيجة القصف وسوء التغذية

لوحظ ارتفاع معدل المواليد الذين يعانون من تشوهات خلقية في قطاع غزة خلال العدوان الإسرائيلي المستمر، ما يمكن إرجاعه إلى إشعاعات ومواد كيميائية يخلفها القصف، إضافة إلى سوء التغذية. لم يكن والد الرضيعة ملك أحمد القانوع الوحيد الذي وقف مصدوماً حين ولدت طفلته بلا دماغ يوم الجمعة الماضي، في مستشفى العودة شمالي غزة، بل عمّت الصدمة الكثير من أهالي القطاع الذين راحوا يتناقلون الخبر. فهذه الحالة كانت تذكيراً بزيادة حالات التشوّه بين المواليد نتيجة الإشعاعات المنبعثة من آلاف الأطنان من الصواريخ والقنابل التي يلقيها الاحتلال على قطاع غزة يومياً. كما يساهم اشتداد المجاعة و سوء التغذية اللذين تعاني منهما النساء الحوامل في عدم اكتمال نمو الأطفال. داخل منزلها الواقع في حي الصفطاوي شمالي مدينة غزة، ترقد الطفلة الوليدة في حالة ميؤوس منها، تعد أيامها الأخيرة، كما يقول الأطباء في مستشفى العودة التي شهدت ولادتها. ويقول جد الطفلة أبو محمود القانون لـ"العربي الجديد": "رفض المستشفى استقبالها في قسم الحضانة لأنها حالة ميؤوس منها، وأخبرني الأطباء أنه لا فائدة من مبيت الطفلة، لأنها ستشغل الحضانة من دون أي جدوى. وهناك أطفال يمكن إنقاذ حياتهم أولى منها، وحالتها لن تتحسن بلا دماغ. ولدت بوزن كيلوغرامين و800 غرام، وكل الأعضاء الحيوية سليمة باستثناء عدم وجود دماغ. والآن نزودها بالحليب بواسطة أنبوب في أنفها". وعن حالتها الصحية، يوضح القانوع: "كل يوم تسوء حالتها الصحية. الطفلة لا تبكي، والعائلة تراقبها طوال الوقت، وتقوم أمها بإرضاعها كل ساعتين". تزايدت أعداد حالات تشوه المواليد في غزة خلال العدوان الإسرائيلي ولم تسجل العائلة، كما يؤكد الجد، أي حالة ولادة لأطفال مشوهين نتيجة عوامل وراثية سابقاً، حتى إن شقيقَيْ الطفلة الأكبر وُلدا سليمين. لذلك، يرى أن ما حدث هو نتيجة لتأثير الإشعاعات والغازات السامة. وكحال بقية الأهالي في غزة، عاشت العائلة نزوحاً وتشرداً وقصفاً. يقول: "لا يوجد شخص في غزة لم يصل إليه تأثير الإشعاعات. لكن منذ بداية الحمل، كنا نذهب إلى مستشفى الصحابة وكانوا يخبروننا أن حالتها جيدة. لكننا فوجئنا بعد فحص الأم في مستشفى آخر، قبل الولادة بأسبوع، بعدم وجود دماغ". في مستشفى الصحابة، وأثناء عملية الولادة القيصرية للرضيع محمد يمان إبراهيم سرور، دخلت مياه الرحم في جوفه ما أدى إلى تغير لون الجلد إلى الأزرق. لكنها لم تكن الصدمة الوحيدة التي تلقاها والد الطفل، إذ تفاقمت حين علم بإصابته بمتلازمة "تريتشر كولينز" (اضطراب وراثي يتميز بتشوهات في الأذنين، والعينين، وعظام الوجنتين، والذقن). يقول لـ"العربي الجديد": "أجريت فحوصات للدماغ والقلب وكانت سليمة. هذا التشوّه غير موجود لدى عائلتي أو عائلة زوجتي. يوم الولادة، توجهت إلى غرفة العمليات للاطمئنان على الطفل، فأخبرني الطبيب بأمر المتلازمة. كانت صدمة كبيرة". وتعرضت والدة الطفل لصدمات عدة خلال الحرب. ويوضح أبو هربيد: "استُهدف منزلان كنا داخلهما مرتين، وكانت زوجتي حاملاً. في المرة الأولى، كانت إصابتنا طفيفة. أما في المرة الثانية، فلم ينفجر الصاروخ ونجونا. ألقى جيش الاحتلال قنابل فوسفورية علينا، ومعظم الطعام الذي نتناوله من المعلبات والمواد الحافظة. لا نتناول الخضار أو الفاكهة أو الفيتامينات". طفل حديث الولادة في العناية المركزة، 11 مارس 2025 (رمزي الكحلوت/الأناضول) أما الرضيعة نعمة خالد أبو هربيد، فولدت وهي تعاني من الاستسقاء الدماغي (عدم التوازن بين كمية السائل الدماغي النخاعي التي يفرزها الجسم والكمية الممتصة في مجرى الدم)، بالإضافة إلى إصابتها بمتلازمة داون، وتوفيت بعد 25 يوماً من الولادة. طوال فترة الحمل، لم تظهر الفحوصات الطبية للطفل وجود أية تشوهات، كما أن الأطباء أخبروا الأم أنها حامل بطفل ذكر. وكانت الصدمة يوم الولادة. يقول والدها لـ"العربي الجديد": "أخبرني الطبيب أنها ستولد ميتة، لكن الطفلة ولدت حيّة، وكانت ترضع من خلال الأنف بواسطة أنبوب. مكثت في الحضانة أياماً عدة ثم أخذتها لعدم جدوى العلاج، كما قال الأطباء، ورفضت مستشفيات أخرى استقبالها. عدتُ بها إلى مستشفى الصحابة الذي لم يستقبلها لأن الحالة ميؤوس منها. وأخيراً، توفيت في الطريق إلى مستشفى الرنتيسي". ويوضح أبو هربيد أن "المياه الموجودة برأس طفلته بدأت بالانتفاخ وأدت إلى تضخم الرأس، ما يتطلب سفرها لإجراء عمليات جراحية لسحب المياه، لكن ذلك غير متوفر في مستشفيات غزة". نزحت العائلة من بلدة بيت حانون، وعاشت فترات طويلة بين حصار وقصف، وفي فصل دراسي في مركز إيواء مع 52 فرداً في ظل ظروف معيشية صعبة، وحرمت زوجته من الغذاء السليم. يتابع: "بصعوبة، كنت أستطيع شراء تفاحة واحدة بين فترة وأخرى". ويعتقد الأب أن كل العوامل السابقة لها تأثير مباشر في هذه الحالة، كون العائلة لم تشهد حالة مماثلة من قبل، بالإضافة إلى أن لديه أربعة أطفال ولدوا في حالة سليمة. يؤكد رئيس قسم الأطفال في مجمع ناصر الطبي في خانيونس (جنوب القطاع) أحمد الفرا أن تشوهات الأطفال كانت موجودة قبل الحرب، لكن الملاحظ أن حالات تشوه الأطفال زادت كثيراً بعد الحرب. ويقول لـ "العربي الجديد": "الجنين في رحم أمه يتشكل من وريقات داخلية ووسطى وخارجية. وتلك الخارجية مسؤولة عن تشكيل الجهاز العصبي والجلد والأنبوب العصبي، المسؤول عن تشكل الدماغ والنخاع الشوكي. ويعتمد الأنبوب العصبي في تكوينه على كثير من المغذيات منها الحموض الدسمة، والفوليك أسيد (Folic acid)، والفايتيك أسيد (Phytic acid). بالتالي، يجب أن تحصل الأم على كمية جيدة من الحموض الدسمة والفوليك أسيد الموجود في الخضار واللحوم والدواجن والأسماك، وكلها عناصر مفقودة". عدد الحضانات في غزة محدود للغاية، 12 إبريل 2025 (دعاء الباز/الأناضول) وفي ما يتعلق بأقراص الفوليك أسيد، يقول إنها قد تكون رديفة لكنها ليست بجودة العناصر الطبيعية، كما أن الأقراص لم تعد متوفرة في الفترة الأخيرة نتيجة طول فترة إغلاق المعابر. يضيف: "عندما نتحدث عن نقص في الفوليك أسيد والحموض الدسمة، فإن ما يحصل هو أن يكون الطفل بلا دماغ نهائياً، أو أن يكون هناك تشكل لبعض أجزاء من الدماغ وفقدان أجزاء أخرى مع زيادة السائل حول الدماغ، أو تكون هناك فتحة بالعمود الفقري للطفل على هيئة كيس". ويوضح أن هذه الحالات تترافق مع تأخر عقلي وحركي للطفل. ونحن، الأطباء، نتمنى أن يرحم الله الطفل ويتوفاه، وألا يعيش معوقاً حركياً وعقلياً". وحول مدى تأثير الإشعاعات الناجمة عن الصواريخ الإسرائيلية، فيؤكد أنها "منتشرة في جميع أنحاء القطاع، ولا توجد دراسات حول مدى تأثيرها، لكن ازدياد حالات الإصابات بالسرطان وأورام الدماغ يشير إلى استخدام الاحتلال لليورانيوم. وقطاع غزة لم يعد بيئة صالحة للعيش على المدى البعيد، لأن تلك الإشعاعات ستبقى لعشرات السنين. كما أن المواد المشعة تتسرب إلى الخزان الجوفي وتؤثر على صحة الإنسان من خلال شربه المياه". وحول حالة الرضيعة القانوع، يشير إلى أن مركز التنفس والقلب موجود في بصلة النخاع المستطيل، ما يبقي الإنسان حيّاً لفترة مؤقتة، بلا أي حواس أو قدرة على الحركة. بالتالي وجودها في الحضانة مضيعة للوقت، لافتاً إلى أن الأطباء في مجمع ناصر، عندما يكتشفون حالة تشوه للجنين في أشهر الحمل الأولى، فإنهم يحصلون على فتوى شرعية لإنهاء الحمل. يضيف: "لا يكاد يمر أسبوع حتى تأتينا حالة أو حالتين مصابتين بتشوه. معظم التشوهات تتعلق بتشكل الأنبوب العصبي ووجود كمية كبيرة من المياه حول الدماغ (السائل الدماغي الشوكي) مع غياب للمادة الدماغية، أو شلل كلي". قضايا وناس التحديثات الحية عشرات الآلاف من أطفال غزة مصابون بسوء التغذية ووفق معطيات خاصة حصلت عليها "العربي الجديد" من دائرة نظم المعلومات في وزارة الصحة، فإنه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2025، بلغت نسبة المواليد المشوهة في كافة المستشفيات 27 طفلاً، بينهم 13 طفلاً مشوهاً ولدوا في مجمع ناصر الطبي، وثلاثة في مستشفى العودة بالنصيرات، وأربعة لدى جمعية أصدقاء المريض، وطفل في مستشفى الصحابة، وستة أطفال في مستشفى العودة شمالي غزة. ويؤكد مدير الدائرة زاهر الوحيدي أن ما استطاعت الوزارة تسجيله من حالات تشوه المواليد خلال الحرب بلغ 140 حالة، مقدراً أن هناك مئات حالات التشوه لم تسجل داخل الوزارة. ويوضح أن التشوهات تنوعت ما بين ثقب في القلب أو تشوه في الأطراف، فيما لم تكن أعداد حالات التشوه سنوياً قبل الحرب تتجاوز 85 حالة. وفي وقت يقدر أحد الأطباء العاملين في قسم العمليات في مستشفى الصحابة استقباله منذ بداية الحرب نحو 70 حالة لأطفالٍ مشوهين، يقول رئيس قسم الحضانة في المستشفى وأخصائي طب الأطفال أمجد سلمان إن المستشفى يرصد زيادة في تشوهات الأطفال، وغالبيتها تركزت في الدماغ، فضلاً عن وجود تشوهات في القلب. يقول سلمان لـ"العربي الجديد": "نلاحظ بشكل كبير ازدياد حالات التشوهات، وقد تكون هناك علاقة مباشرة بالأسلحة المستخدمة في الحرب"، مقدراً أن قسمه يستقبل قرابة خمس مواليد مشوهين شهرياً، وهو "رقم مرتفع جداً" بالمقارنة مع ما كانت عليه الحال قبل الحرب. كما يلفت إلى صعوبة تقبل الأهالي حالات التشوهات، ويفضلون بقاء الطفل في المستشفى. يضيف: "نحاول إقناع الأهل بأخذ أطفالهم إلى البيت في حال كانت حالاتهم ميؤوساً منها. لا نستطيع إشغال الحضانات القليلة لدينا لفترة طويلة، ونحن نعرف أن الطفل لن يعيش طويلاً".